الثلاثاء، 1 يونيو 2021

زيد الشهيد وروايته (السفر والاسفار)


 

زيد الشهيد وروايته (السفر والاسفار)

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

لا أكتمكم سرا ، أنني شعرت بالسعادة والفرح ، عندما اتصل بي شاعر الحدباء الاستاذ عبد الوهاب اسماعيل ، وقال لي وهو عائد من زيارة له الى مدينة السماوة انه جلب لي هدية من هناك ، وهي نسخة من رواية الاخ والصديق المبدع الكبير الاستاذ زيد الشهيد ، موشاة بكلمة جميلة صادقة من خلال اهداء كريم فشكرا له فلقد كنت اريد ان اقرأ هذه الرواية ، وانا اتابع ، منذ زمن ، منجز زيد الشهيد السردي ، وما قدمه عبر كل هذه السنوات من اضافات للرواية العراقية المعاصرة .
والرواية ضخمة تقع في (437) صفحة صدرت عن (دار أمل الجديدة ) في دمشق . وقبل ان اتحدث عن الرواية ، لابد ان اقف عند هذا الروائي المعطاء فأقول ان زيد الشهيد ، وهو من مواليد مدينة السماوة – محافظة المثنى سنة 1953 روائي عراقي معروف بهذا الاسم الادبي وهو زيد عبد الشهيد دحام عبد الله .. يعمل مدرسا للغة الانكليزية منذ اربعة عقود ، وقد ادركته حرفة الادب وهو في بواكير حياته لكن ( الرواية) أسرته وهو من روادها اليوم في العراق المعاصر ترك بصمة فيها ، واثار اهتمام النقاد فكتبوا عنه كثيرا ووقفوا عند ما قدمه من ابداعات في السرد حتى ان ثمة من نال شهادة الماجستير عن اعمال وتقنيات رواياته داخل العراق وخارجه.
احتاج الى وقت طويل لاقف عند منجزه السردي القصصي والروائي لكن باختصار اقول انه في التسعينات من القرن الماضي اصدر مجموعته القصصية (مدينة الحجر ) وبعدها مجموعته القصصية (حكايات عن الغرف المعلقة ) وابتدأ روائيا بإصدار روايته الشهيرة ( سبت ياثلاثاء ) ورواية ( أفراس الاعوام) وروايته ( اسم العربة أو الرجل الذي تحاور مع النار) وروايته (جاسم وجوليا ) وروايته ( شارع باتا ) .هذا فضلا عن كتب نقدية اصدرها ومجلات اصدرها وحررها ، ومجاميع قصصية ومجموعات شعرية ودراسات وبحوث وترجمات ومتابعات كثيرة جدا ، وهو كاتب فاعل في المشهد الثقافي العراقي المعاصر له حضوره وتأثيراته في تيقظ الاهتمام بالثقافة وحركتها البناءة في المجتمع .
اعود الى الرواية (السفر والاسفار ) ، واقول انها استحوذت على اهتمام عدد من النقاد فهي – بحق – سرد لتفاصيل رحلة امتدت طويلا ، وقد شارك فيها الكثيرون وضمن فترات زمنية تمتد الى ايام السيطرة العثمانية على الولايات العراقية الثلاث الموصل وبغداد والبصرة وحتى فترة متأخرة من سنوات ما قبل الاحتلال الامريكي الغاشم على العراق سنة 2003 .وتتركز الرواية على شخصيات محورية منها سامي السماوي الهارب من الظلم والاستغلال وعندما نغوص في احداث الرواية نكتشف علاقة سامي بأحد المثقفين وهو هاتف غازي المحب للسفر والاسفار .رواية مفعمة بالحياة والحركة والعلاقات مع النساء ويتواصل الحديث عن الحياة اليومية بما فيها من منغصات المراقبة الامنية وزيف بعض الناس وخداعهم لأنفسهم قبل المجتمع ، وتتردد اسماء لاماكن وشخصيات عاشت في العهد الملكي 1921-1958 وما بعد العهد الملكي وكلها تتحرك وسط اجواء محلات بغداد الشعبية التي عرفناها في الخمسينات والستينات :الميدان – الفضل – شارع الرشيد – باب المعظم – الوزيرية – باب الشيخ ، البتاويين ، السعدون ، وكل من عاش ببغداد ، وانا منهم يعرف كيف كنا مهووسون بالثقافة والافكار والنقاشات الادبية والثقافية وتأثرنا بالوجودية والماركسية وكل هذه نجده في هذه الرواية التي اسهمت في انعاش ذاكرتنا التاريخية عن هاتيك الايام الجميلة .
كتبت عن روايات فؤاد التكرلي ، وكتبت عن روايات عبد الخالق الركابي ومن قبلهما كتبت – كمؤرخ – عن روايات ذو النون ايوب كانت كلها روايات كتبت تاريخ العراق الحديث والمعاصر روائيا ، وهذه الرواية للروائي زيد الشهيد ( السفر والاسفار ) تأتي في ذات سياق الروايات التي وثقت لتاريخ العراق روائيا وفي هذا تكمن قيمتها الفنية والسردية والتاريخية .
نعم كلنا عشنا السنوات المائة الماضية عبر عدد من السرديات العراقية ومنها هذه الرواية .هناك من بقي داخل العراق ، وهناك من هاجر الى خارج العراق ، وهناك من اعتقل ، وهناك من استشهد وهناك من غُيب ولكن يبقى الجوهر انه العراق هذه هي احداثه ، وتلك هي سنن وقوانين تاريخه صراع مع الطبيعة وصراع مع الحاكم ، وصراع مع الحياة ، وصراع مع الظلم وهنا يكمن جوهر معدن العراقيين . هل ظلمنا انفسنا ؟ هل ظلمنا الاخرون ؟ هل دفعنا ثمن حريتنا وكبريائنا ؟ اسئلة كثيرة نجد الجواب عليها عندما ننهمك في قراءة هذه الرواية ونطلع على مواطن الجمال والقبح في حياتنا وحياة غيرنا .. بوركت اخي الروائي الكبير الاستاذ زيد الشهيد والى مزيد من التقدم والبهاء .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الصحافة المصرية في مائة عام ...................في كتاب

الصحافة المصرية في مائة عام ...................في كتاب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل -العراق ومما ...