الجمعة، 25 يونيو 2021

سوق البزازين في الموصل ............ا.د. ابراهيم خليل العلاف



















 


سوق البزازين في الموصل

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل


رحم الله الشاعر الموصلي الكبير الملا حسن البزاز 1845-1887  الذي وثق لمهنة البزازة وفقد بصره في آخر ايامه وساءت احواله المعيشية وهو يقول :

وقعت من البزازة في خمول **أطال علي الزمان  به عتابي

أيسلبني الزمان ثياب عزي ** وأكسو  أهله  جدد  الثياب ؟

والبزازة مهنة معروفة ، وعريقة في الموصل ، والبزاز هو من يبيع القماش و(البز)  هو نوع من انواع القماش الحريري الرقيق  الناعم  .وهناك اسر في الموصل تحمل شهرة (البزاز) وفي الموصل يوجد (سوق البزازين ) وهو من ضمن الاسواق المركزية التقليدية الموروثة في الموصل والبزاز كما يقول الدكتور ذنون الطائي في كتابه (مهن وحرف موصلية قديمة ) 2014  واعتمادا على (دليل مركز دراسات الموصل) يعرض في دكانه نوعان رئيسيان من الاقمشة الوطنية والاجنبية .الصنف الاول يتميز بألوانه البراقة الصارخة من النوع  الذي يستهوي اذواق سكان الريف وخاصة من النساء ولاسيما في ريف الموصل والمناطق القريبة من الموصل ومنها سهل نينوى في حين يتميز الصنف الثاني بألوانه الداكنة الهادئة وهي الالوان التي يميل اليها ابناء المدينة .وكان القياس يتم قبل شيوع ( المتر ) بواسطة (الذراع) وطوله (72) سنتمتر ,والان المتر هو وحدة القياس المستعملة عند البزازين .

سوق البزازين في الموصل  سوق قديم  من اسواق الموصل  كان يسمى ايضا ب(سوق الداخل )  ويقول الاستاذ ازهر العبيدي انه كان قريبا من المسجد الجامع في رأس الكور والذي بني بعد فتح الموصل سنة 16 هجرية – 637 ميلادية وقد هدم السوق لاحقا في عهد الخليفة العباسي المهدي واضيفت ارضه الى المسجد الجامع وهو نفسه الجامع الاموي او ما يسمى اليوم بجامع مصفي الذهب وقد انتقل السوق الى مكانه الحالي ضمن دائرة اسواق الموصل التراثية ويتم الدخول اليه من عدة ابواب منها الباب الرئيسي من سوق المعاش القديم  في الميدان .

وقد تعرض سوق البزازين كما تعرضت بقية اسواق الموصل الى الدمار خلال سيطرة عناصر داعش على الموصل 2014-2017 وما تلاها من معارك تحير الموصل منهم لكن الروح بدأت تدب في السوق وتم اعمار عدد من دكاكينه وعاد بعض البزازين الى دكاكينهم منهم  السيد عبد المحسن الأسومة  والسيد أنس فليح  والسيد ميسر عبد الكريم والسيد  أسعد غائب.

يتحدث الصحفي الاستاذ صباح سليم علي عن سوق البزازين فيقول :" تعد الأسواق أحد الملامح الرئيسية في مدينة الموصل. حيث عكست الحياة الاقتصادية فيها. وغدت مركزها التجاري الوحيد. وأقترن النهوض الاقتصادي بازدهارها. فهي تمثل عنصرا" أساسيا “‘وضروريا" لديمومة الحياة واستمرارها.وقد لعبت الأسواق دورا" كبيرا" في الحياة الاقتصادية والاجتماعية فحسب. بل أثرت على الحياة السياسية والثقافية أحيانا" .ففي الأسواق كانت تعقد صفقات البيع والشراء. ويتقرر فيها الحالة المعاشية زيادة على تأثيرها على حالة التطور الاجتماعي. حيث يلتقي أهل مركز المدينة الحضرية بما يحيطها من أهل القرى. فيترك هذا أثره على بقية سكان القرى من ناحية الملبس والمأكل. وحتى في الجانب الثقافي والاجتماعي. فضلا" على ذلك تميزت أسواق الموصل بحسن تخطيطها وجمال عمرانها. وتنوع بضائعها.  ويضيف الى ذلك قوله :"  فيما مضى. وكان الأكثر متعة للنفس. تلك الأسواق التي تشغل كل حرفة أو تجارة موقعها الخاص. أنك تجتار بوابة صخرية قديمة. أو أنعطافة ضيقة فتجد نفسك في قلب مستعمرة. من الحدادين وهم يطرقون الصحائف. ويربطون الصحائف بعضها ببعض بالمسامير. ويصنعون السكاكين والمناجل والزناجيل ..ما أن تتجاوز هذا السوق بأمتار حتى يطالعك سوق الفحامين ..تأخذ طريقك في أحد الأزقة ثم تخترق زقاقا" أخر بين واجهات الدكاكين التي علقت عليها أغطية الرؤوس. بعد استدارة أو اثنتين. وأنت في ( سوق البزازين)  وكانت السوق تضم مع منعطفاتها عشرات الدكاكين والان تعود وتُبعث من جديد بعد كل الذي جرى مما يؤكد حيوية مدينة الموصل وديناميكية اهلها وجديتهم وحبهم للحياة والتطور " .

والبزاز يبيع الاقمشة وكانت متنوعة وقد ادركت  منذ اكثر من نصف قرن  انواعا من الاقمشة التي تباع في سوق البزازين في الموصل  منها (البوبلين) و( الجيت ) و(التريكو ) و(الكشمير ) و(البازة ) و(الكريب او ساتان)  و(الطاقة ) وقماش الطاقة انواع منها البتة والحاج حسن   وهناك قماش ( الململ)    و( الخزنه ) و( الجابان ) و(الكريشة)  و( الجلسة ) و( البافتة )  و(القديفة ) و(الفانيلا ) و(الشاموا )  و(الانكورا )  .

 وكانت الاقمشة المستوردة تأتي من الخارج وخاصة من يوركشاير بالمملكة المتحدة  أو من الهند أو اليابان  أو من الشام  في صناديق خشبية او في بالات والاقمشة اما ان تكون رجالية واما ان تكون نسائية صيفية أو شتوية  وتتفاوت الاسر الموصلية في شراء الاقمشة كل حسب قدراته المالية واسلوب حياته وامكانياته وموقعه في المجتمع . وخلال الحرب العالمية الثانية توقف الاستيراد وشحت الاقمشة من السوق وتدخلت الدولة في الاربعينات من خلال سياسة التموين فوزعت انواعا من الاقمشة الرخيصة على المواطنين طبقا لنظام البطاقات التموينية وبسعر مدعوم وكان رب الاسرة يأخذ هذه البطاقة الى دائرة التموين لأخذ نصيبه من الاقمشة المدعومة الصيفية والشتائية وبكمية محددة .

اعرف في الموصل اسرة البزاز التي ترجع الى الملا حسن البزاز 1845-1887 والذي اشرت اليه في بداية المقال وهو بزاز وشاعر كبير له ديوان  وومنهم الحاج نوري حسن البزاز والشيخ هشام عبد السلام البزاز وهناك اسرة الاستاذ حكمت عبد الله البزاز وهو من عمل وزيرا للتربية سنة 1991 كما اعرف اسرة الحاج محمد علاوي البزاز .

من المناسب القول ان سوق البزازين  وفيه عمارة الشبخون   وقرابة (150) محلا (دكانا) تجاريا أُعيد اعماره  من قبل اسرة الشبخون وهي من تملك  خان الشبخون وهي من الاسر الثرية المعروفة في الموصل ، وافتتحته خلية الازمة  في 28 نيسان سنة 2019  كما رصدت قناة ( الموصلية) الفضائية في 18 اذار سنة 2019 وصول اول شحنة تجارية من  ( أطوال القماش ) الى سوق البزازين بعد التحرير . وهو الان على افضل ما يرام من حيث اداء وظيفته في استيراد وبيع الاقمشة في محافظة نينوى .

 

 

 

 

 

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فتح القسطنطينية ...................في كتاب

  فتح القسطنطينية ...................في كتاب -ابراهيم العلاف مما هو متوفر في مكتبتي الشخصية ، كتاب صغير بحجمه لكنه كبير بمضمونه ، صدر عن اله...