عبد الناصر وصورة أحمد عرابي في مفاوضات الجلاء 1954
-ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
في كتابي (تاريخ الوطن العربي الحديث والمعاصر ) وصدر عن دار الكتب للطباعة والنشر التابعة لجامعة الموصل سنة 1985 ، تحدثتُ عن تاريخ مصر الحديث وقلت ان بريطانيا منذ جلاء الفرنسيين عن مصر سنة 1801 اخذت تخطط لاحتلال مصر ، وقامت بتقليص نفوذ محمد علي باشا والي مصر (1801-1848) من خلال معاهدة لندن 1840 .
وذكرتُ ان الخديوي اسماعيل 1863-1879 ، هيأ للبريطانيين الفرصة للتدخل في شؤون مصر لا بل احتلالها ، وان العسكريين المصريين بقيادة الامير الاي احمد عرابي باشا قاموا بثورة مسلحة في 18 شباط -فبراير 1879 ووقعت معركة التل الكبير في 13 ايلول- سبتمبر 1882 استسلم على اثرها احمد عرابي وحوكم هو وصحبه وحكم عليه بالاعدام ثم ابدل الحكم بالنفي المؤبد من مصر .
وادعت بريطانيا ، منذ اليوم الاول لدخول قواتها مصر ، بان احتلالها سيكون مؤقتا وانها لن تتدخل الا لصيانة ارواح واموال رعاياها والدول الاوربية الاخرى لكنها بقيت في مصر حتى الحرب العالمية الاولى حين اعلنت في 18 كانون الاول 1914 حين اعلنت الحماية رسميا على مصر .
وثار المصريون سنة 1919 بقيادة سعد زغلول، وانتظر المصريون حتى قيام ثورة 23 يوليو - تموز 1952 بقيادة الضباط الاحرار واسقاط حكم اسرة محمد علي باشا وتأسيس الجمهورية واتجه الرئيس القائد الخالد جمال عبد الناصر لتعزيز استقلال مصر ، واخذ يركز على العمل في هذا المجال وتحرير مصر من التزامات المعاهدة مع بريطانيا ودخل في مفاوضات شاقة ، وتمكن في مدى سنتين ان يتحرر من التزاماته نحو بريطانيا بموجب معاهدة الجلاء 1954 وان يستولي على المؤسسات والشركات الاجنبية في مصر .
وخلال المفاوضات مع الجانب البريطاني برئاسة السير رالف سكراين ستيفنسون سفير بريطانيا في القاهرة ومعه عدد من العسكريين الانكليز منهم الجنرال سير بريان روبرتسون ومارشال الجو الأول سيرارتر ساندرز
حرص الرئيس جمال عبد الناصر على وضع صورة كبيرة للبطل الخالد احمد عرابي كما ترون في الصورة المرفقة ، وان يمر الوفد البريطاني من امامها في محاولة منه لاعادة الاعتبار لهذا البطل الخالد وان يؤكد وحدة النضال المصري وحرية ارادة المصريين .
المفاوضات المصرية - البريطانية بدأت في 27 نيسان - ابريل 1954 وانتهت حين وقع الطرفان يوم 9 تشرين الاول - اكتوبر 1954 معاهدة نصت على جلاء القوات البريطانية عن الاراضي المصرية خلال عشرين شهرا من توقيع الاتفاق وقد اقرت الحكومتان في هذه المعاهدة ان قناة السويس طريق له اهميته الدولية ولذلك فانهما يعربان عن تصميمهما على احترام الاتفاقية التي تكفل حرية الملاحة فيها والموقعة في استانبول سنة 1881 .كما احتفظت بريطانيا بحق الحصول على بعض التسهيلات العسكرية من مصر في حالة وقوع هجوم مسلح من دولة من الخارج على اي بلد عند توقيع هذا الاتفاق طرفا في معاهدة الدفاع المشترك بين دول جامعة الدول العربية الموقع عليها في القاهرة في 13 نيسان - ابريل 1950 او على تركيا .وقد تم جلاء آخر فوج من القوات البريطانية عن مصر في 13 حزيران - يونيو سنة 1956 .والمصريون يحتفلون في مثل هذا اليوم ويسمونه عيد الجلاء .
اتجه الرئيس جمال عبد الناصر بعد توقيع هذه المعاهدة ، لتعزيز عملية الاستقلال الوطني والبناء واتبع سياسة الحياد الايجابي وعدم الانحياز لكن الغرب وبريطانيا لم يرتاح لذلك فشنوا عدونا مقيتا على مصر هو العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الاسرائيلي 1956 ، وفشل العدوان لكن ثمة حقيقة رشحت من كل هذا ان الغرب كان ولايزال ضد اي نهوض حضاري وقومي حقيقي في منطقة الشرق الاوسط ولابد للعرب ان ينتبهوا الى هذه الحقيقة المرة ويخططوا لمواجهتها في المستقبل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق