الأحد، 6 يونيو 2021

البرنامج النووي العراقي من التأسيس سنة 1957 حتى قصف اسرائيل لمفاعل تموز 1981


                                                    الصورة من https://www.youm7.com


البرنامج النووي العراقي من التأسيس سنة 1957 حتى قصف اسرائيل لمفاعل تموز 1981

 

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

 

في كتابي ( القدرات النووية في الشرق الاوسط ) الذي أصدره مركز الدراسات الاقليمية في جامعة الموصل سنة 2006 ،  فصل بعنوان :   (هل كان للعراق قدرات نووية ؟ ) وقفت عن النشأة الاولى للبرنامج النووي العراقي وقلت ان ذلك يعود الى 24 من اذار – مارس 1957 حين أهدت الولايات المتحدة الأميركية العراق أبان العهد الملكي 1921-1958 ، أول مختبر للطاقة الذرية كتذكار لاهتمام الحكومة الأميركية في استخدام الطاقة الذرية للغايات السلمية، فتم افتتاح المختبر وقص رئيس الوزراء آنذاك السيد نوري السعيد (17 كانون الأول 1955- 8 حزيران 1957) الشريط ، وأعلن أن المختبر جاهز للاستعمال بإدارة عالم عراقي متميز هو الدكتور محمد حسين كاشف الغطاء الذي كان قد حصل على منحة من مؤسسة فولبرايت الأمير كية للدراسة في مختبر ارلون الوطني للجنة الطاقة الذرية الأميركية في لامونة بولاية ايلينوي.

ويشير الأستاذ محمد نبيل فؤاد طه في دراسة له بعنوان ( الأسلحة النووية وأولويات الأمن القوميٍ في ضوء امكانات بناء قوة نووية عربية). الى أن البرنامج النووي العراقي يرجع الى أوائل الستينات من القرن الماضي. أما السيد وليد خالد احمد حسن فيقول في مقالة له بعنوان (حقيقة البرنامج النووي العراقي). استناداً الى ما كشفه عالمان عراقيان هما الدكتور جعفر ضياء جعفر والدكتور نعمان سعد الدين ألنعيمي، عملا في هذا الميدان، إن هذان العالمان قالا " لنا الشرف حيث كنا في طليعة المسؤولين الأساسيين عن برامج الطاقة الذرية العراقية طوال المرحلة الأهم من تاريخها والممتدة من 1965 وحتى 1991" .

أما السيد نبيل فؤاد طه فيقول: إن البرنامج النووي العراقي بدأ سنة 1968 عندما شرع بتشغيل مفاعل أبحاث سوفيتي صغير بقدرة 5 ميكا واط. وفي سنة 1980 بدأ تشغيل مفاعل بحثي آخر صغير ليس له أهمية من الناحية العسكرية ، وبنهاية سنة 1981 بدأ تشغيل مفاعل الأبحاث ((اوزيراك = تموز)) بقدرة 40 ميكا واط وهو فرنسي الصنع.

ويشير ذلك الى مخطط عراقي متكامل يمكن عند إضافة العمليات السرية التي قام بها لاستجلاب الوقود النووي، التوصل لاستنتاج احتمالات توظيف ذلك لإنتاج أسلحة نووية، من وجهة نظر الكاتب، حيث قدر العلماء الإسرائيليون انه بحساب قدرة خرج المفاعل 40 ميكا واط، فانه يمكنه إنتاج كمية من البلوتونيوم كافية نظرياً لتصنيع من (1) إلى (2) قنبلة نووية في السنة.



ومع استمرار وتصاعد الحرب العراقية- الإيرانية (حرب الخليج الأولى) ، تم في الثلاثين من أيلول سنة 1980 مهاجمة المفاعل العراقي بطائرات إيرانية لكنها لم تصب أي منشآت مهمة في المفاعل، ثم جاء القصف الإسرائيلي للمفاعل في السابع من حزيران سنة 1981 الذي أدى الى خسائر بالغة بالمفاعل، وكما هو معروف فان المفاعل كان قيد الانشاء ويقع على بعد (17) كيلومترًا من جنوب شرق بغداد . وباستمرار تصاعد الحرب سحبت فرنسا معظم خبرائها وفنييها لإبعادهم عن الخطر لكنهم لم يأخذوا معهم اليورانيوم المخصب الناتج من المفاعل والذي يمكن استخدامه لتصنيع القنابل الذرية.

لا أريد ان اتحدث عن استمرار العراق في البحوث ولا اريد ان اقول ان العراق كان يمتلك قاعدة متطورة من العلماء والفنيين حتى قيل ان عدد من كان يعمل في البرنامج يصل الى ( 8000) منتسب ولكن اقول ان النشاط النووي العراقي كان احد الاسباب الرئيسة لحرب الخليج الثانية 1990 -1991 ومن ثم غزو الاميركان للعراق واسقاط نظامه في التاسع من نيسان 2003 .

في هذا المقال اريد ان اجيب على سؤال مهم سألني اياه احد الاخوة الصحفيين وهو لماذا فشل العراق امنيا واستخباريا في التصدي للهجوم الاسرائيلي على مفاعل تموز 1981 او على الاقل الكشف عنه قبل ذلك وما علاقة الامر بفرنسا والاتحاد السوفيتي وهل ثمة من اخبر العراق وحذره من محاولة الهجوم على المفاعل ؟ .

اقول ان ما سمي بعملية اوبرا او عملية بابل والتي تمثلت بالغارة الجوية الاسرائيلية على المفاعل النووي العراقي قيد الانشاء كانت دقيقة لا بل ادق كثيرا جدا من المحاولة الايرانية والتي لم تصب المشروع بأثر بالغ . حتى ان الخبراء الفرنسيون اصلحوا الاضرار الطفيفة .

واؤكد ان الاستخبارات العراقية لم تكن في وضع يساعدها في كشف الطائرات الاسرائيلية التي كانت تحلق على مديات مختلفة وحسب الاجواء التي كانت تمر بها ، وانها قطعت مسافة 2500 كيلومتر وعبرت اجواء الاردن واجواء السعودية وهي على ارتفاع لا يزيد عن (100) قدم من الارض فقط ودون ان تكشفها الرادارات الاردنية والسعودية كما قيل في حينه وان الطائرات الاسرائيلية كانت تستخدم تكنولوجيا متطورة والاسرائيليون كانوا يدرسون موقع المفاعل ونظروا اليه بريبة مع ان الفرنسيين طمنوهم بأنه للأغراض السلمية والعلمية .وهنا ايضا لابد من الاشارة الى ما قاله احد الطيارين وهو ريليك شافير وهو ان من خطط للعملية اختار وقتا كان فيه رجال المدفعية المضادة للطيران وصواريخ ارض جو من العراقيين يتمتعون باستراحة الغداء .

وتشير المدونات التاريخية الى ان من قصفه طائرة مقاتلة من طراز إف-16 تدربت كثيرا على العملية قبل ذلك في الاجواء الاسرائيلية وكانت حين تنفيذ العملية برفقة طائرة اخرى من طراز إف - 15 إيغل وكان عدد الطائرات الاسرائيلية التي اشتركت بالعملية (8 ) طائرات حلقت في سماء بغداد .وقد برر الاسرائيليون عمليتهم بأنها دفاع عن النفس واستباقا لما كان يمكن ان يفعله العراق الذي كان يهدد الوجود الاسرائيلي صباح مساء . فضلا عن ان العراق هو البلد الوحيد الذي لم يوقع على اتفاقيات الهدنة بعد حرب 1948 . وقد قتل عشرة جنود عراقيين ومدني فرنسي واحد .

الشيء الغريب هو ان هناك في داخل المفاعل عميل فرنسي وهو خبير تقني وهو من اعطى الاحداثيات للجهات الاستخبارية الاسرائيلية وبحسب كتاب صدر في تل ابيب بعد ذلك عن (الموساد ) فأن هذا الخبير هو من ساعد في وضع جهاز تحديد الموقع داخل المفاعل، لكن من الغريب اننا لانعرف لماذا لم يغادر هذا الخبير الموقع وقد قتل ولربما خشي ان غادر ان تكشفه السلطات الاستخبارية العراقية .

واستنادا للرواية الاسرائيلية التي شاعت بعد ذلك واحتاجت الى اكثر من عقدين من الزمان لتكشف ان من ساعد الاسرائيليين هو عالم عراقي كان بحاجة لمعالجة ولده المصاب بالسرطان خارج العراق في وقت كان السفر خارج العراق ممنوعا وقد استغل الموساد هذه النقطة وجنده .

..

لقد استطاع سرب من الطائرات المقاتلة الاسرائيلية في الساعة الرابعة إلا عشر دقائق عصرا من يوم 7 من حزيران - يونيو سنة 1981 وكان يتألف من مقاتلات اف 16 واف 15 بالطيران انطلاقا من قاعدته في صحراء سيناء وكانت آنذاك تحت السيطرة الاسرائيلية بارتفاع يتراوح ما بين 90 و 150 مترا. ولقد وصلت الطائرات الإسرائيلية التي كان طياروها يتحدثون اللغة العربية بطلاقة للتمويه الى المفاعل بعد أقل من ساعتين وما أن حلّت الساعة السادسة إلا عشرين دقيقة عصرا حتى هبطت الطائرات الإسرائيلية في قاعدتها في اسرائيل مجددا وذلك بعد أن استغرقت دقيقتين تقريبا في إطلاق 16 قنبلة، أصابت 14 منها هدفها بدقة ولكن دون أن ينهار المبنى الذي تعرض إلى أضرار جسمية.

من الامور الملفتة للنظر ان اسرائيل كانت تعمل من اجل منع العراق من امتلاك أي قدرات نووية وكما هو معروف فإنها في 6 نيسان – ابريل سنة 1979، خرّب عملاء إسرائيليون مفاعل أوزيراك المنتظر شحنه إلى العراق في لا سين سور مير بفرنسا. وفي 14 تموز - يونيو سنة 1980، اغتال عملاء الموساد الدكتور يحيى المشد، وهو عالم نووي مصري ترأس البرنامج النووي العراقي في فندق في باريس. وهم يعلمون انه في تموز - يوليو 1980، سلمت فرنسا العراق شحنة( 12.5) كيلوغرام تقريبًا من وقود اليورانيوم عالي التخصيب لاستخدامه في المفاعل.

طبيعي كانت هناك ردود فعل دولية سلبية تجاه الهجوم وردود الفعل هذه لم تقتصر على وسائل الاعلام والفعاليات الانسانية بل وحتى بعض الحكومات ومنها الحكومة الامريكية التي وصفت الهجوم بأنه غير مبرر .

لكن من نتائج الهجوم ان القيادة العراقية آنذاك بدأت تتحسب للمستقبل واستمرت بنشاطاتها ولكن بوضع اكثر سرية من قبل .

فيما يتعلق بالملك حسين ملك الاردن وفيما اذا كان قد اخبر القيادة العراقية من احتمال تعرض مفاعل تموز لضربة قبل ساعتين فأعتقد اننا في وضع لا يجعلنا نصدق هذه الرواية التي لم تؤكدها الوثائق والوقت كان قصيرا والطائرات الاسرائيلية عبرت الطرف الجنوبي من الاجواء الاردنية كما عبرت الطرف الشمالي من الاجواء السعودية ودون ان تكشفها الرادارات .الخطة كانت محكمة وقد تدرب الطيارون عليها ومضت سنوات قبل ان نسمع روايات الموساد عنها ولايزال الغموض يكتنف بعض جوانبها وخاصة فيما يتعلق بمن زرعته المخابرات الاسرائيلية في موقع المشروع قبل قصفه وتدميره .

في يوم السبت الثامن من آب – اغسطس سنة 2015 أي بعد (34) سنة كشفت جريدة (يديعوت احرونوت ) الاسرائيلية تفاصيل عملية تدمير مفاعل تموز واعادت جريدة (اليوم السابع ) المصرية في عددها الصادر في 8 آب – اغسطس 2015 ومن خلال ما كتبه الصحفي محمود محي ذلك وعبر موقع الجريدة ورابطه :  https://www.youm7.com/ . ومما جاء في التقرير الذي نشرته (يديعوت احرونوات ) ان العملية التى أطلق عليها اسم "أوبرا" بعد ظهر يوم الجمعة 7 يونيو عام 1981، بمشاركة 8 طائرات حربية إسرائيلية متطورة حصلت عليها تل أبيب من الولايات المتحدة، وأقلعت من القواعد الجوية الإسرائيلية لتدمير المفاعل النووى العراقى . وأوضحت الصحيفة أن رئيس هيئة الأركان العامة بالجيش الإسرائيلى، اطلع الطيارين على المهمة، وأكد لهم أنه إذا فشلت تلك المهمة فإن بقاء إسرائيل على قيد الحياة سيكون فى خطر، بل ولن تبقى على قيد الحياة. ولفتت يديعوت إلى أن المقاتلات الحربية الإسرائيليى حلقت على ارتفاع منخفض جدا فوق الأراضي السعودية والعراقية حتى لا يتم رصدها من قبل الرادارات برغم من أن ذلك كان يشكل خطرا على الطيارين. وقالت يديعوت احرونوت : إنه ردا على "عملية أوبرا" أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 487، الذى اتخذ بالإجماع، ينتقد فيه الهجوم حيث يعد انتهاكا واضحا لميثاق الأمم المتحدة وانتهاكا لمعايير السلوك الدولي، كما أيدت الولايات المتحدة القرار لأن صدام حسين كان حليفا مهما  ضد إيران، كما رفض الرئيس الأمريكي رونالد ريجين تسليم إسرائيل 4 مقاتلات أخرى من طراز F16 بعد الهجمات على العراق، ولكنه فى نهاية المطاف وتحت ضغط الكونجرس وافق على ذلك. وأوضحت يديعوت  احرونوت أن العملية "أوبرا" كان قد تم التخطيط لها منذ فترة طويلة، وتحديدا منذ عام 1974، عندما بدأ الرئيس العراقى الراحل صدام حسين فى بناء منشأة نووية تبعد حوالى عشرين ميلا من بغداد بمساعدة تقنية من الحكومة الفرنسية. وأضافت الصحيفة أن  مناحيم بيغن  رئيس الوزراء الاسرائيلي انذاك كان يسعى لتدمير المفاعل النووى العراقى قبل الانتخابات العامة فى إسرائيل خوفا من صعود حكومة يسارية للحكم، وترفض قصف المفاعل، كما أنه كان يهدف لدعم شعبيته بتلك الضربة على حساب منافسه بالانتخابات الإسرائيلية شيمون بيريز، الذى كان يتزعم المعارضة فى ذلك الوقت. ولفتت  ( يديعوت احرونوت ) الانتباه  إلى أن العملية لم تستغرق وقتا طويلا، حيث عادت المقاتلات بعد ساعتين تقريبا لقواعدها العسكرية بعد أن استغرقت دقيقتين تقريبا فى إطلاق 16 قذيفة أصابت 14 منها هدفها بدقة، ولكن دون أن ينهار المبنى، الذى تعرض إلى أضرار كبيرة.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فتح القسطنطينية ...................في كتاب

  فتح القسطنطينية ...................في كتاب -ابراهيم العلاف مما هو متوفر في مكتبتي الشخصية ، كتاب صغير بحجمه لكنه كبير بمضمونه ، صدر عن اله...