الأربعاء، 2 يونيو 2021

جامع النبي يونس عليه السلام في مدينة الموصل


 


جامع النبي يونس عليه السلام في مدينة الموصل

 

 

ا.د.ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المترس – جامعة الموصل


     سألني الاخ الاستاذ يحيى الخيرو عن جامع النبي يونس فأجبته :" والله اخي الاستاذ يحيى الخيرو توجد اطروحة كاملة للأخ الدكتور عبد المحسن الحاج حمو عن النبي يونس وجامعه ، قدمها لجامعة الازهر وهي غير منشورة .. وتوجد كتابات كثيرة عنه في المصادر التاريخية والبلدانية .وفي كتاب الاستاذ سعيد الديوه جي : (جوامع الموصل )معلومات جمة عن جامع النبي يونس عليه السلام ...مهما يكن من أمر اليك بعض مالدي بأختصار .


        يقع جامع النبي يونس عليه السلام على (تل التوبة) ،  وهذا التل الكبير تقبع عليه قرية يسميها أهل الموصل (قرية نينوى) وعلى سفح التل الغربي يقع جامع النبي يونس عليه السلام وهو أحد الجوامع القديمة المهمة في الساحل الايسر من مدينة الموصل .

 

يقال ان الجامع في أصله كان (معبدا)  للفُرس . وبعد انتشار المسيحية في الموصل صار ديرا بأسم  ( دير يونان بن امتاي ) ،  وهو أحد انبياء بني اسرائيل المذكورين في التوراة والمعروف عند المسلمين ب( يونس بن متى ) . ويعرف كذلك بأسم (ذو النون ) أي (صاحب الحوت) ،  واخباره مذكورة في القران الكريم .

 

وقد ذكر السياسي والباحث البريطاني أدموندز ان (  الحوت )  أو النون هنا كناية عن مدينة نينوى التي وصلت الى درجة من الترف والبطر والفساد لاتطاق .

 

وبعد دخول العرب المسلمين الموصل سنة 16 هجرية 637 ميلادية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه صار لجبل أو تل التوبة ، حٌرمة لديهم لأن أهل نينوى تابوا الى الله وهم واقفين عليه ، فقبل الله توبتهم وكشف عنهم العذاب والاية معروفة في سورة يونس بسم الله الرحمن الرحيم :" فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين  
 

 وهناك رواية في سيرة ابن هشام تؤكد بأن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ذكر النبي يونس وقال لعداس النصراني خادمه ب (  أن يونس اخي كان نبيا وانا نبي)   .

 

ومن الطريف ان اهل الموصل كانوا ولايزالون يقيمون (صلاة الاستسقاء)  فوق تل التوبة .وقد بنى العرب المسلمون بعد فتحهم الموصل سنة 16 هجرية اي سنة 637 ميلادية مسجدا فوق تل التوبة اي فيما يسمى الحصن الشرقي للموصل وبنوا لهم مسجدا في الحصن الغربي أي في الجانب الايمن  من مدينة الموصل ،وهو الجامع القديم في محلة رأس الكور ويسمى اليوم جامع المصفي نسبة الى مجدده مصطفى مصفي الذهب وسمي كذلك بالجامع الاموي .

 

وقد توسع المسجد  أي مسجد النبي يونس الذي بني على انقاض الدير وتوسع على مر العصور وصار يسمى ( جامع النبي يونس ) .

 

 وفي اوائل القرن الرابع للهجرة العاشر للميلاد كان تل النبي يونس مأوا للعباد والمتصوفة والنساك . وقد ذكر المؤرخ المسعودي في كتابه :"مروج الذهب " ان نينوى في وقتنا هذا ويقصد سنة 332 هجرية مدينة خربة فيها قرى ومزارع لاهلها والى اهلها ارسل يونس بن متى واثار الصور فيها من اصنام في حجارة مكتوبة على وجوهها وظاهر المدينة تل عليه مسجد وهناك عين ماء تعرف عين النبي يونس عليه السلام ويأوي الى هذا المسجد النساك والعباد والزهاد " .

 

وهنا لايغيب عنا ان يقصد بالاصنام (تماثيل الثور المجنح ) ومنحوتات كانت موجودة في قصر الملك الاشوري سنحاريب .ذكر البلداني البشاري المقدسي في كتابه : ( احسن التقاسيم )  مسجد النبي يونس وآثاره عند نينوى القديمة على موقع تل التوبة في القرن الرابع للهجرة ، وان ابنة ناصر الدولة الحمداني ( السيدة جميلة  الحمدانية ) بَنَت وعمرت الجامع وانها اوقفت عليه اوقافا جليلة .

 

وسرعان ما توسع الجامع وصار يضم (دورا)  الى جانبه و( سقايات)  و( مطاهر اي ميضأت ) وهي  أماكن للوضوء وصار به محل مقدس وهو المحل الذي وقف به النبي يونس وينسدل على هذا المكان ( ستر) من قماش ،  وينغلق عليه (باب مرصع ) ، واخذ الناس يزورونه ويتمسكون به ويقولون ان (سبع زورات)  له يعدلن حجة .ويحرص الحجاج ومنهم الحجاج الاتراك على زيارته قبل ان يعودوا الى بلادهم قادمين من الديار المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة وكثيرا ما نشاهدهم وهو يتدفقون الى مدينة الموصل بقصد زيارة مرقد وجامع النبي يونس عليه السلام .

 

 زاره ابن جبير سنة 580 هجرية - 1184 ميلادية .وجٌدد سنة 1365 م من قبل ( جلال الدين ابراهيم الختني)  وزير  القائد المغولي المسلم  تيمورلنك ، وقد عمر قبر النبي يونس وأظهره ، وبنى فوقه قبة ووضع عليه صندوقا ومنذ ذلك الوقت صار يعرف المشهد ب (جامع النبي يونس ) رسميا وكل هذا مدون في كتابة .وقد سلم الوقف الى (المتولي)  الهاشمي  السيد نصير الدين بن السيد محمد ثم فيما بعد ذلك بسنوات طويلة الى "الناظر " في العهد الجليلي 1726-1834 السيد فتح الله بن السيد محمد والسيد فتح الله القادري هو نفسه صاحب الارجوزة  الرائعة التي تروي قصة  حصار الموصل والملحمة البطولية وصمود أهل الموصل بوجه نادرشاه في حصاره للمدينة سنة ١٧٤٣ والذي باء بالفشل الذريع وانسحاب جيش نادرشاه بعد 42 يوما من الحصار .

 

 ويعد  اول ظهور لقبر النبي يونس  عليه السلام  ، في القرن الثامن الهجري أي القرن الرابع عشر الميلادي .وقد امر الوزير الختني بأقامة قبة فوق قبر النبي يونس 

 

.يتألف الجامع الذي شهد عدة تعميرات وتجديدات اخرها في الثمانينات من القرن الماضي  وبتوجيه وأمر من رئيس الجمهورية السابق  صدام حسين ، من بناءين يفصل بينهما طريق عرضه ست كيلومترات وهما بيت الوضوء والمصلى والحضرة كما الحق بالجامع داران للخطيب والمقيم ومنارة الجامع مبنية من حجر الحلان الاسمر وتشبه المنائر التركية في طراز بنائها وقد بنيت سنة 1341 هجرية 1922 ميلادية ومحراب الجامع غني بالكتابات وهو من المحاريب المتميزة الجميلة وثمة كتابة بعد البسملة "الله نور السموات والارض ...يهدي الله بنوره من يشاء " .وكان في الجامع ،  (دار لتدريس القران الكريم وعلومه والقراءات ) ،  وقد ادركتٌ أنا كاتب هذه السطور في الخمسينات من القرن الماضي الشيخ صالح الجوادي يٌدرس في هذه الدار ، ويقوم صديقنا اليوم الشيخ محمد عبد الوهاب الشماع بمهمة الامامة والخطابة في الجامع الى جانب والده الشيخ الجليل عبد الوهاب الشماع حفظهما الله .

 

بعد سيطرة عناصر داعش على الموصل في حزيران 2014 قاموا بتفجيره بحجة وجود قبور وانهارت منارته الجميلة للأسف الشديد وكان لهذا الحدث وقع عظيم ليس في الموصل والعراق وانما في كل مدن العالم الاسلامي . وهناك خطط الان من مديرية اوقاف نينوى للبدء بإعماره خاصة وانه يضم المرقد والجامع وجزءا من الاثار القديمة التي تعود للعصور الاشورية .


هناك تعليق واحد:

  1. بين محل الوضوء والمصلى طريق عرضه سته كيلومترات..!! كيف؟

    ردحذف

الصحافة المصرية في مائة عام ...................في كتاب

الصحافة المصرية في مائة عام ...................في كتاب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل -العراق ومما ...