السبت، 26 يونيو 2021

الشاعران والمؤرخان الخالديان وكتابهما (اخبار الموصل)


 

الشاعران والمؤرخان الخالديان وكتابهما  (اخبار الموصل)

 

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ متمرس – جامعة الموصل

 

وهناك من قال ان ما ألفه الشاعران ، والمؤرخان الخالديان عنوانه (تاريخ الموصل ) .. وللأسف لم يصل الينا هذا الكتاب ، لكن وصلتنا اخباره في العديد من المدونات التاريخية ، ولربما نعثر عليه  في يوم من الايام . والشاعران الخالديان  من القرن الرابع الهجري - العاشر الميلادي اللذان الفا كتابا عن (تاريخ الموصل ) وهما الاخوين (ابو بكر محمد بن هاشم  الخالدي)  ، واخوه ( ابو عثمان سعيد  بن هاشم  الخالدي ) ، وهما من قرية  الخالدية التابعة اليوم لناحية الكوير تقع على ضفة نهر الزاب الاعلى اليسرى جنوبي ناحية الكلك كلك ياسين اغا .

الشاعر والمؤرخ الاول هو (ابو بكر محمد بن هاشم  الخالدي)  وقد توفي سنة 380 هجرية – 990 ميلادية  والشاعر والمؤرخ الثاني هو( ابو عثمان سعيد بن هاشم  الخالدي ) وقد توفي سنة 400 هجرية – 1009  ميلادية .

شيء غريب ان المؤرخ ابن العديم في كتابه (بغية الطلب ) ذكر الكتاب الذي أرخا فيه للموصل ، كما ذكرهما البلداني ياقوت الحموي ، وقال ان اسم الكتاب (تاريخ الموصل ) . والكتاب ايضا ورد ذكره عند الصفدي ، وعند ابي الفداء وورد ذكر الكتاب عند المؤرخ الموصلي ياسين العمري ، وهو من مؤرخي القرن 19  في كتابه (منية الادباء) ، واشار للكتاب الاستاذ سعيد الديوه جي المؤرخ المعروف (توفي سنة 2000) .

الخالديان شاعران كبيران من شعراء العصر العباسي ، ولهما شعر معروف وفيه وصف للموصل واغلبه مما نسميه اليوم بالرومانسي . ومن الطريف انني سمعت فرقة سودانية تردد واحدة من قصائدهما المغناة ( ياشبيه البدر ) ، والاغنية متوفرة على اليوتيوب والرابط هو : https://www.facebook.com

 

مدينة الموصل ، من اكثر المدن العربية والاسلامية التي حظيت باهتمام المؤرخين والف حول تاريخها عدد من الكتب ، قسم كبير منها متوفر بين ايدينا وقسم قليل لايزال مفقودا ، ومن ذلك مثلا اجزاء من كتاب (تاريخ الموصل) للمؤرخ ابي زكريا الازدي وكتاب (اخبار الموصل) للخالديان .

ومن الكتب التي الفت عن الموصل كتاب   المعافى بن عمران الأزدي (توفي : ١٨٥هجرية - ٨٠١ ميلادية) ، والجزء الثاني فقط  من كتاب  ابو زكريا الازدي ( توفي : ٣٣٤ هجرية – 946 ميلادية) ، وكتاب   محمد بن عمر ابن الجعابي (توفي : ٣٥٥هجرية - ٩٦٦ميلادية) ، وكتاب  سعيد ومحمد ابنا هاشم الخالديان (القرن٤الهجري - القرن١٠ الميلادي) ، وكتاب   ابو الحسن علي بن محمد الشمشاطي (كان حيا   سنة ٣٩٤ هجرية - ١٠٠٣ ميلادية) ، وكتاب  إبراهيم بن محمد الموصلي (توفي : ٥٧٧هجرية - ١١٨١ميلادية) وكتاب  إسماعيل بن هبة الله ابن باطيش (توفي : ٦٥٥هجرية  - ١٢٥٨ميلادية) وكتاب   المؤرخ عز الدين بن الاثير (توفي  : ٦٣٢ هجرية - ١٢٣٣ميلادية).

هناك حقيقة لابد من ذكرها ، وهي ان اول من الف في تاريخ الموصل هو
محمد بن عبد الله بن عمار ت 242هـ ، ثم علي بن حرب الطائي ت 265هـ ، ثم المؤرخ الشهير أبو زكريا الازدي في ما سمي بتاريخ الموصل ، وكان يفترض انه في ثلاثة أجزاء  لكننا لم نعثر إلا على الجزء الثاني منه، وهو تاريخ مطول تفصيلي وربما اهتم بالعلماء والمحدثين من أهلها أو ممن مر بها أو من أقام ردحا من الزمن فيها.

وهناك تاريخ أخر للمدينة قيل أن الخالديان الشاعران الموصليان (توفيا نهاية القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي )   إلفاه لكنه  ضاع، وكتب اخرى للجعابي و الشمشاطي وغيره،  وقد ضاعت، ولدينا اليوم  كتاب ابن الشعار الموصلي ت 654هـ ذو العشرة مجلدات و المسمى (قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان)  ثم لدينا كتابي عز الدين ابن الأثير ت 630هـ ،الاول هو ( الكامل في التاريخ ) وهو كتاب عام في التاريخ الاسلامي  يقف عند  سنة 628هـ والثاني هو (التاريخ  الباهر )

وجاء المؤرخان  العمريان، محمد أمين وأخيه يأسين اولاد خير الله الخطيب العمري في القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي ، وقد  الفا عددا من الكتب المهمة جدا في تاريخ الموصل  ونشر وحقق بعضها الاستاذ سعيد الديوه جي

كل من كتب عن الموصل اهتم بتسلسل الاحداث وفق نظام الحوليات ومتابعة تراجم الاشخاص .

وفي القرن العشرين ، برز عندنا في الموصل مؤرخ مهم هو الاستاذ  سليمان صائغ وكتابه المهم تاريخ الموصل في ثلاثة أجزاء، ثم كتب  الاستاذ احمد الصوفي عن تاريخ الموصل وبلديتها وخططها ونواحيها وقراها وبعض ما كتب لايزال مخطوطا  واضاف المؤرخ الكبير سعيد الديوه جي الكثير الى ما كتب عن تاريخ الموصل تحقيقا وتأليفا .

 اعود للشاعران والمؤرخان الخالديان فأقول ان المؤرخ سليمان صائغ في الجزء الثاني من كتابه (تاريخ الموصل) قال ان المؤرخ الموصلي محمد امين العمري في كتابه (منهل الاولياء ) قال ان الخالديين الموصليين أوغرا صدر الامير سيف الدولة الحمداني على الشاعر الموصلي السري الرفاء المتوفى سنة 972 ميلادية  فقطع رسمه لكن شعر السري الرفاء ذاع وانتشر وقصد بغداد ونابذ الخالديان وناصبهما العداء وادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره ومن الطريف ان الثعالبي في كتابه (يتيمة الدهر) افرد فصلا لشعره في ذكر سرقة الخالديين منه وغاراتهما عليه وقد هجاهما ومن هجوه ماجاء في قصيدته التي يمدح فيها ابا البركات بن ناصر الدولة الحمداني ويتظلم اليه من الخالديين فقال :

يا اكرم الناس الا ان يعد أبا ***فات الكرام بآباء وآثار ِ

اشكو اليك حليفيَ غارة شهرا *** سيف الشقاق على ديباج افكاري

ذئبين لو ظفرا بالشعر في حرم *** لمزقاه بأنياب وأظفار

والقصيدة طويلة وفي بيت يقول :

عار من النسب الوضاح منتسب ***في الخالديين بين العَرَ والعارِ

ومن الطريف ان الثعالبي وصف الشاعران الخالديان فقال :" ان هذين  لساحران يبدعان فيما يصنعان وكان مما يجمعهما من اخوة ،الادب مثل ما ينظمهما من اخوة النسب فهما في الموافقة والمساعدة يحييان بروح واحدة ويشتركان في قرض الشعر وينفردان ولا يكادان في الحضر والسفر يفترقان " .

وقال الصابي فيهما قصيدة طويلة منها :

ارى الشاعرين الخالديين سيرا ***قصائد يفنى الدهر وهي تخلدُ

وكان الشاعران والمؤرخان الخالديان خازني كتب سيف الدولة الحمداني وجمع ابو عثمان شعره وشعر اخيه قبل موته وذكرت له عدة تصانيف أي كتب مؤلفة منها كتاب في الحماسة (حماسة الخالديين ) وهي مجموعة مختارات من اشعار المتقدمين الجاهليين والمخضرمين وغيرهم وشعرهما بليغ رقيق وتوجد نسخة من هذا الكتاب في مدرسة حسين باشا الجليلي في الموصل

واخبار شعرهما كثير في كتاب يتيمة الدهر للثعالي وفي كتاب ( فوات الوفيات ) .

ومما قاله ابو عثمان الخالدي في دير مار ايليا (دير سعيد) بظاهر الموصل :

ياحسن دير سعيد اذ حللت ُ به ***والارض والروض في وشي وديباجِ

فما ترى غُصنا الا وزهرته *** تجلوه في جبة منها ودُراجِ

وللحمائم الحان تذكرنا *** احبابنا بين ارمال واهزاجِ

وللنسيم على الغدران رفرفة *** يزورها فتلقاه بأمواجِ

كان الخالديان يسكنان في محلة قديمة وسط مدينة الموصل تسمى (درب دراج) وكانت دار المؤرخ ابن الاثير هناك ايضا وفيها اليوم مقام دوسة علي او قنطرة الامام علي عليه السلام ورضي الله عنه وعلى المقام قبة تحت الارض امامها مقبرة تقع على شارع الفاروق ولعلها كانت رباطا ثم اتخذ منها المغول عند دخولهم الموصل سنة 1261 ميلادية مقاما . وقد ذكركل هذا نيقولا سيوفي في كتابه (مجموع الكتابات المحررة في أبنية مدينة الموصل) وسماه (مزار دوسة علي) .

كتاب (اخبار الموصل) أو كتاب (تاريخ الموصل ) ، كما يقول الاستاذ الدكتور عبد الواحد ذنون طه في الفصل الذي كتبه في  الجزء الثالث من (موسوعة الموصل الحضارية ) عن (العلوم التاريخية والجغرافية في الموصل )  وقد اصدرته جامعة الموصل سنة 1992 ان المستشرق فرانز روزنثال في كتابه ( علم التاريخ عند المسلمين ) ترجمة الدكتور صالح احمد العلي 1963 يقول ان كتاب ( أخبار الموصل ) للخالديان يشبه كتاب (تاريخ الموصل)  لابي زكريا الازدي حيث وضع فيه هذان المؤلفان الموصل في مكانها ضمن نطاق جغرافي وربما تاريخي أوسع ،وذلك لاتساع افقهما واتصالهما الوثيق بالمناطق المحيطة بالموصل ، ثم خدمتهما في حاشية سيف الدولة الحمداني حيث اصبحا خازني كتبه كما قال ابن خلكان في كتابه (وفيات الاعيان وانباء الزمان ) الذي حققه الدكتور احسان عباس .

لقد عاش الاخوان الخالديان بعد ذلك في كنف الوزير المهلبي ابي محمد الحسن بن محمد بن هارون وزير معز الدولة البويهي (توفي 963ميلادية ) وقد الف هذان الاخوان ايضا كتابا بعنوان ( الديارات ) وكتاب بعنوان (التحف والهدايا)  والذي حققه الدكتور سامي الدهان ونشرته دار المعارف بمصر سنة 1956 والذي يعد ديوانا لمختارات  من الشعر والنثر في الهدية وفيه مجموعة من الاخبار  تشبه ما جاء في كتب القرن الثالث والقرن الرابع الهجريين التاسع والعاشر للميلاد من نوادر واقاصيص تزيد من ثروتنا الادبية والتاريخية والاجتماعية واكثر هذه الأخبار – كما يقول محقق الكتاب – لم يقع في كتب الادب المعروفة المتداولة ، ولم تصل الينا في المصادر المطبوعة لهذا فان كتابهما (التحف والهدايا )  يكمل كتب الادب ويحتل مكانا خاصا لايقل عن غيره من امهات الكتب في الاخبار والنوادر والأمالي .

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الصحافة المصرية في مائة عام ...................في كتاب

الصحافة المصرية في مائة عام ...................في كتاب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل -العراق ومما ...