الأحد، 13 يونيو 2021

كنيسة مار اشعيا ...أقدم كنائس الموصل وأعرقها – ابراهيم خليل العلاف

                             مقال للدكتور ابراهيم العلاف في جريدة (الزمان) اللندنية عن كنيسة مار اشعيا في الموصل 
 


كنيسة مار اشعيا ...أقدم كنائس الموصل وأعرقها – ابراهيم خليل العلاف
مقالي الجديد في جريدة (الزمان) https://www.azzaman.com
الموصل مدينة تاريخية ، وحضارية عريقة . وتاريخها قديم ، وثر ، وفيها من الجوامع ، والمساجد ، والكنائس والبيع ، والاديرة ، والمعابد ما لا يوجد في أية مدينة اخرى في العالم .ويعود هذا الى انها مدينة مأهولة بالسكان منذ 7000 سنة حالها حال دمشق ، وبدون الدخول في تفاصيل موقعها ، وهويتها ، وشخصيتها ، وهذا ما كتبت عنه كثيرا وما كتبته معروف ومنشور، أقول انني أريد اليوم أن احدثكم عن اقدم كنيسة فيها ، وهي (كنيسة مار اشعيا) في (محلة الشهوان) في الموصل ، وقريبة من السفح الغربي لمنطقة قليعات ، وقليعات هي الحصن العبوري وهي أصل مدينة الموصل ، وليس كما ذهب البعض انها في (محلة رأس الكور) ؛ فالمحلات في الموصل متداخلة مع بعضها ، لكن لكل محلة حدودها الادارية الرسمية ، والشعبية المعروفة ، وانا احد ابنائها اعرف ما اقول ؛ فمحلة رأس الكور شيء ، ومحلة الشهوان شيء ، ومحلة امام ابراهيم شئ ثالث ، ومحلة المكاوي وهكذا التداخل والتصاق المحلات بعضها مع بعض أمر معروف لمن هو من ابناء المدينة حصرا .
أعود فأقول ان كنيسة مار اشعيا ، كانت من ضمن اهتمامات المؤرخ الموصلي الكبير المطران سليمان صائغ صاحب كتاب (تاريخ الموصل) ، والذي طبع منذ العشرينات في ثلاثة اجزاء . فهو يتحدث عن دير يشوعياب برقوسري ويقول انه في الحصن العبوري أو حصن عبرايا أو عربايا ، وهو في الجانب الغربي من مدينة الموصل ، وكان هذا الحصن الذي يقابل مدينة نينوى عاصمة الامبراطورية الاشورية، وبينهما نهر دجلة الخالد هو اصل الموصل ، وكان مأهولا ، وتسكنه منذ القدم قبائل عربية ومنهم عرب نصارى من تغلب ، ونمر ، واياد والشهارجة ، وفي زمن فتح الموصل سنة 16 هجرية اي 637 ميلادية ” خذلوا الاروام [الروم] ، وانضموا الى اخوانهم العرب الفاتحين .
آثار مسيحية
وقد ركز على هذه النقطة الأب حنا فييه في كتابه (الاثار المسيحية في الموصل ) ،ولعله رجع الى الصفحة (337) من الجزء الثاني من التاريخ السعرتي (طبعة أدي شير ). ويقول المطران سليمان صائغ ان الموصل ، كانت تزخر بالكنائس، وبيعهم ، ومنازلهم عندما ولي على الموصل في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، هرثمة بن عرفجة البارقي ، وقد ورد ذكر دير يشوعياب برقوسري . ويشوعياب برقوسري ، وديره في الموصل معروف ؛ فقد نشأ ببلدة نينوى ، وأهتبل الرهبانية في دير بجبل حدياب ، وجاء بعد عودته من زيارة اورشليم القدس الى حصن عبرايا ، واجتمع له تلاميذ وبنوا ديرا ، وصوامع . وكان تاريخ ذلك كله ايام حزقيال الجاثليق (570-581) ميلادية ، وكان زاهدا ، عفيفا تنبأ على بناء الموصل ، وتعاظم شأنها على يد الفاتحين العرب ، وديره اصبح بعد ذلك كرسي مطرانية الموصل .وكما هو معروف ، من خلال ما لدينا من المدونات التاريخية فان كنيسة مار اشعيا على دجلة هي بقايا دير مار يشوعياب .
وكنيسة مار اشعيا كبيرة ، تبلغ مساحتها مع افنيتها الملاصقة (2790) مترا مربعا .. تتعدد أفنيتها ، ويتقادم طرازها المعماري ، وابنيتها عتيقة ويرى في أفنية دير ايشوعياب ، معبد خاص كان باقيا في العشرينات من القرن الماضي وقسم من الدير كان مخصصا للمبتدئين ، والدارسين ، والمتعبدين ويمكن للمرء ان يدخل من الفناء الاول للدير الى كنيسة مار اشعيا ، ومار اشعيا هي نفسها دير مار يشوعياب . ومن يدخل يرى المصلى ويبلغ طوله (30) مترا وعرضه (12 ) مترا ، وعقد المصلى بيضوي مرتكز على ستة اقواس واطئة ذات اعمدة ضخمة مربعة الشكل لا توجد فيها نقوش ، وهناك باب قديم على المذبح ، وفوق باب المذبح كتابة بقلم الثلث العربي ، والاسطرنجيلي الكلداني ، والكنيسة رممت اكثر من مرة منها انها رممت سنة 1694 وسنة 1796 والكتابات عبارة عن نصوص انجيلية من قبيل :” أن تحب الرب الهك ” ، و” ادخل ايها الخاطئ واطلب الرحمة من الرب ” ، ويامريم صلي لأجلنا ” .وفي الفناء الثاني هيكل مخصص للشهيد مار قرياقوس ، ويؤمه المؤمنون من الناس، وفي الفناء الثالث هيكل مكرس للقديس الشهيد مار كوركيس ، وفي الفناء الرابع هيكل مقدس لمار يوحنا المعمدان ، ويعود باب مذبحه ، وهو من قطع المرمر الموصلي (الفرش) الى العصر الأتابكي (521-660 هجرية – 1127-1262 ميلادية) ، من حيث الزخارف ، والنقوش .ويبدو من خلال الكتابة بالكلدانية ، ان الهيكل جدد في ايام البابا بيوس التاسع ، والسلطان العثماني عبد المجيد الاول 1823-1861) سنة 1855 في ايام مار يوسف وكان يجلس على كرسي بابل آنذاك .
في كتاب (حكاية محلة الميدان ) لمؤلفه الاستاذ محمد سامي احمد جقماقجي ، وقد صدر سنة 2019 ما يشير الى ان في كنيسة مار اشعيا والناس في الموصل يسمونها ايضا بيعة ، ان في رحاب بيعة مار اشعيا العريقة (تاريخها منذ 571م ) ، والمشرفة على نهر دجلة قرب باب شط المكاوي المعروف بمحلة الشهوان مدرسة ابتدائية هي (المدرسة المنذرية للبنين) ، وهذه المدرسة باشرت بالدوام منذ السنة الدراسية 1953-1954 نقلا من مدرسة مار يوسف في محلة الميدان واعطتها مديرية معارف (تربية ) لواء الموصل آنذاك اسم (المدرسة المنذرية ) ، وكان مديرها الاستاذ فيصل فتح الله واستمرت في اداء خدمتها حتى سنة 1991 وكان في احد زوايا المدرسة ، الكنيسة القديمة التي بُنيت في ساحتها صفوف المدرسة ، وترون الى جانب هذه السطور صورة لأعضاء الهيئة التعليمية في المدرسة المنذرية التقطت في 12 نيسان سنة 1964.
شبكة معلومات
كتب عن كنيسة مار اشعيا الاخ الاب الدكتور يوسف حبي ، والاخ الدكتور احمد قاسم الجمعة ، وكتب آخرون عنها وعن المدرسة المنذرية وكتاباتهم والحمد لله متوفرة على شبكة المعلومات العالمية (الانترنت ) .
ان مما لابد ان نضيفه عن كنيسة مار اشعيا وهو ما كان مدونا في عدد من السجلات التاريخية انه وبمرور الزمن تم اضافة ثلاث كنائس صغيرة الى هذه الكنيسة ، وهي كنيسة مار قرياقوس وكنيسة مار كوركيس وكنيسة مار يوحنا .بشأن ما أُثير من ان هناك كنيس لليهود ، قريب من كنيسة مار اشعيا ؛ فالمدونات التاريخية المتوفرة لدي لا تشير الى وجود هكذا كنيس ، وكما هو معروف ومن خلال اطروحة الدكتوراه التي تشرفتُ برئاسة لجنة مناقشتها في جامعة الموصل وقدمها الاخ الدكتور علي شيت محمود الحياني وصدرت بعدئذ في كتاب حمل عنوان (اليهود في الموصل 1921-1952) وصدر دار الرافدين ببيروت 2020 نجد ان لليهود داخل مدينة الموصل ثلاث كنس (جمع كنيس) الاول هو الكنيس الكبير في محلة باب المسجد ، وهي ملاصقة لمحلة اليهود في الموصل ، وكنيس صلاة ساسون في محلة اليهود ، وكنيس صلاة عطية في محلة اليهود.
تعرضت كنيسة مار اشعيا خلال سيطرة عناصر داعش على الموصل 2014-2017 ومعارك تحرير الموصل حالها حال المدينة القديمة الموصل لكثير من التدمير والتخريب للأسف الشديد ؛ فقد اتخذت من قبلهم سكنا لهم ولعوائلهم .وقد زارتها الكثير من القنوات التلفزيونية والاخبارية ورصدت حجم الدمار الذي لحق بها والامل كبير في ان تتم عملية اعمارها واعادتها الى القها السابق لتظل صرحا تاريخيا ودينيا موصليا نفخر به على مر الايام والسنين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الصحافة المصرية في مائة عام ...................في كتاب

الصحافة المصرية في مائة عام ...................في كتاب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل -العراق ومما ...