الثلاثاء، 8 يونيو 2021

سوق العطارين في الموصل بقلم الدكتور ابراهيم خليل العلاف


                                                       سوق العطارين في الموصل الان2021
                                                               سوق العطارين في الموصل 
                                                                          سوق العطارين 

                                                         محمد علي العبيدي شيخ صنف العطارين 


سوق العطارين في الموصل

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

والموصل كمدينة تجارية ، وزراعية ، وصناعية معروفة بأسواقها الشهيرة ، حتى ان هناك من يسميها (كوجك استانبول ) أي استانبول الصغيرة . وهذه التسمية جاءت لأن اسواق الموصل تشبه اسواق استانبول المسقفة ( قبغلي جارشلي ) ،  وفيها فتحات للإضاءة ، والتهوية ،  وهي مُنظمة ومُرتبة ومُنسقة .

وكما ان في الموصل اسواق مشهورة ومتنوعة ـ فان فيها خانات وقيصريات والسبب في ذلك هو ان الموصل تتمتع بموقع استراتيجي وهي عقدة مواصلات بين العراق والشام واذربيجان والاناضول وارمينيا وهي تشكل مع بقية اجزاء العراق الوسطى والجنوبية جسرا دوليا يربط بين منطقة الخليج العربي بمنطقة البحر المتوسط .

لذلك قال عنها البلدانيون ، والجغرافيون العرب ، والرحالة الاجانب الكثير من الاقوال   ؛ فالكاتب الجغرافي ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان ) يقول انه ( من الموصل  يُقصد الى جميع البلدان فهي باب العراق ومفتاح خراسان ومنها يُقصد الى اذربيجان وكثيرا ما سمعنا ان بلاد الدنيا العظام ثلاثة : نيسابور لأنها باب الشرق ودمشق لأنها باب الغرب والموصل لان القاصد الى الجهتين لابد وان يمر بها ) .

واسواق الموصل كانت في العصور الاسلامية تفوق اسواق القاهرة في تنوع بضائعها وسلعها سواء التي تنتجها الموصل نفسها او التي تستوردها من بقية البلدان ، وهذا ادى الى تعاظم  حركة الاستيراد والتصدير في هذه المنطقة الحيوية من العالم واستمر هذا الى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين حيث كانت الموصل تصدر الحنطة والشعير والصوف والجلود والمصارين والعفص والخيول ولدينا احصائيات تعود للقنصلية البريطانية تشير الى حجم الاستيراد والتصدير من والى الموصل خاصة مع بريطانيا وفرنسا والهند وبقية اجزاء الدولة العثمانية وفارس اي ايران .ومن الطريف القول ان اسواق الموصل خلال العصور الاسلامية كانت قريبة من دار الامارة والمسجد الجامع وكان الى جانب الاسواق الحمامات والخانات والفنادق وهكذا نجد سوق العطارين وسوق الايمنجية وسوق باب السراي وسوق البزازين وسوق باب الجسر وسوق الكمرك وهناك قيصرية السبع ابواب وقيصرية  سباهي بزار  وقيصرية علي افندي وخان المفتي وخان الحجيات وخان السواد وخان الباليوز اي خان القنصل  وكان ما يميز ( القيصرية ) عن ( الاسواق)  ، ان القيصرية لها ابواب تغلق وعلى جانبيها الدكاكين وكثيرا ما تتخصص بلون واحد من السلع .

واسواق الموصل القديمة ، تقع في وسط الموصل في ما يسمى ( المركز التجاري)  بين الميدان وباب الطوب وباب لكش والسوق الصغير ويشغل المركز التجاري مساحة واسعة في جنوب مدينة الموصل وفي موقع قريب من نهر دجلة لتسهيل حركة النقل والبيع والشراء .

اليوم اقف عند ( سوق العطارين)  وهو من اسواق الموصل القديمة والعريقة وقد تضرر كثيرا خلال سيطرة عناصر داعش على الموصل 2014-2017 ، ومعارك تحريرها منهم لكنه اعيد وبُعث من جديد والحمد لله بفضل ابناءه ومن يعمل فيه .

ومن الطريف ان الاخ الاستاذ   عبد السلام طه الوتار العطار  العبيدي الف كتابا بعنوان  ( العطار بين التراث والطب الشعبي ) ، وصلتني نسخة منه مهداة فشكرا والكتاب مهم ، وفريد في بابه خاصة ، وان مؤلفه يمارس العطارة وهو خبير  بالعطاريات .. وفوق هذا وذاك فهو قد ورث مهنة العطارة أبا عن جد  حاله حال كثير من العطارين اليوم ، واسرة الوتار ومنها الاخ الاستاذ عبد السلام طه الوتار ، هي اسرة موصلية كريمة،  وعريقة لي صداقات مع عدد كبير من ابنائها وهي معروفة في الموصل على صعيد العطارة ، والطب الشعبي،  والاعشاب .

والكتاب - بحق - محاولة أصيلة للوقوف عند أسرار ( العطاريات)  وخاصة في مجال ما يعرف اليوم ب (الطب البديل ) ، ولاشك ان الكتابة في هذا الموضوع مهم لربة البيت ، وللعاملين في الزراعة وفي معامل الادوية والباحثين في حقل الاغذية وقد قدم للكتاب البروفيسور مظفر احمد الموصلي استاذ تغذية النباتات الطبية في جامعة الموصل .

ومن الجميل ان المؤلف ، ذكر ( مضار النباتات والاعشاب)  بالقوة نفسها التي ذكر فيها فوائدها ، وهذا شيء مهم ومفيد ؛  فثمة نباتات طبية وصمغية تدخل في مجال صناعة الادوية ، والان الطب الشعبي بات علما تعرف قيمته الكثير من الجامعات والمؤسسات في العالم ، والناس تعرف الطب الشعبي ولاتزال تتداوى به وقد شهد العراق خلال التسعينات من القرن الماضي وبسبب الحصار الجائر ، حركة واسعة في مجال توفير الادوية من الاعشاب والنباتات وازدهرت هذه الصناعة وتبارى العشابون والعطارون فيما بينهم للقيام بواجباتهم في ظل نقص الادوية المستوردة .

والعطارة لاتقف عند هذا فقط بل هناك ايضا اهتمام  بالأصباغ والبخورات والبهارات .

ومهنة العطارة مهنة قديمة عريقة ،  والعطار اليوم كما كان في السابق يبيع العقاقير والاعشاب والنباتات والاصباغ وقسم مما يبيعه مستورد من الهند ومن ذلك البخور والتوابل واللبان ، وكما يقول الدكتور ذنون الطائي في كتابه ( مهن وحرف موصلية قديمة ) 2014 ،  فان العطار حتى وقت قريب كان يقوم مقام الطبيب ، والصيدلي بالنسبة لكثير من الناس فيصف الدواء ويستحضره من العقاقير النباتية ويحدد كيفية استخدامها وعلى الرغم من التقدم في مجال الصحة فلايزال بعض الناس يؤمن بوصفات العطار لعلاج بعض الامراض ومنها مثلا الامراض الجلدية .

ومهنة العطارة  ،  مهنة جامعة شاملة للمواد الكيمياوية والحيوانية والنبتية والعطار البارع المحترف هو من يعرف كيفية التعامل مع كل ما أوجده الله في بلدنا ، وبراري مدينتنا الموصل من نباتات وأعشاب من قبيل ( المستكي ) و( البيبون)  و( الخرنوب  أي البجنجل ) و( الحميرة ) و( اوراق الزعرور)  و( حب العصفور)  و( قشور الجوز)  و( الديرم ) و( بذور الكتان ) و( بذور الخلة ) و( الخروع) ،  و( شوكر الرعيان)  و( الشيطرج ) ، و( عرف الديك)  و( ورد الساعة)  و( الخشخاش)  و( سعد الماء) ،  و( النبق) ،  و( اظافر الجان) ،  و( العطر)  و( العفص) ،  و( الابهل) ،  و( الخطمية) ،  و( الاستاب)  و( السفرجل)  و( السيرج) ،  و( حبة السودة) ،  و( النعناع) ،  و( الزعتر) ،  و( قشر الجوز) ،  و( الجرجير) ،  و( الدارسين)  و( الزنجفر) ،  و( الكافندي)  .

الكتاب يتحدث عبر فصول ستة عن العطارية ، واصنافها ، والمواد العطارية ، وعمل البخورات ، والزيوت والاحجار ، ويقف عن العطارين ، وعند الطب الشعبي كتاب جامع مانع يفيدنا جميعا .. ولم ينس المؤلف ان يوقفنا على الاعتقادات الشعبية في الموصل  بشأن  العطاريات .

 سوق العطارين يقع في قلب المنطقة التجارية القديمة في الموصل في الجانب الايمن من مدينة الموصل القديمة ، والتي كانت مسورة وضمن منطقة تمتد من ساحة باب الطوب القديمة غربا حتى شارع نينوى .. ويشير الاستاذ ازهر العبيدي في كتابه (الموصل ايام زمان)  1989  ،  الى ان سوق العطارين يعتبر من اشد اسواق الموصل ازدحاما بالناس الذين يرتادونه يوميا ،  لكونه ملتقى عدة اسواق ، ولكونه يتخصص ببيع العطاريات والمواد التموينية الاخرى وتكاد واجهات دكاكين سوق العطارين محدودة المساحة بحيث لاتساوي اكثر من مترين فقط ويباع في سوق العطارين ايضا الصابون الحلبي وصابون غسل الملابس وفي نهايته من جهة شارع نينوى في جهته الجنوبية محلات لبيع الخضراوات والفواكه والاسماك ولازلت اتذكر عبق ورائحة السوق ونكهتها كلما مررنا بهذا السوق .

وكان في سوق العطارين ، حمام هدمت حاليا سبق ان كتبت عنها وقدمت حلقة من برنامجي التلفزيوني (موصليات) من على قناة الموصلية واقصد (حمام القمرية)  وهي نفسها التي  كانت تسمى ( حمام العطارين)  .

في اواخر القرن التاسع عشر لم يكن هناك في سوق العطارين سوى عدد قليل من العطارين معظمهم من اليهود منهم عزيز ،  وعزرا ، والياهو،  ومنشي ويونان وناحوم  وحسقيل  وعبد بن غزال ،  وبعدها ازداد عدد العطارين  الموصليين  وهناك اسر اشتهرت بالعطارة في سوق العطارين منهم ال الوتار ، وال الشاوي ، وال العبيدي،  وال الجوادي وكان من اوائل العطارين في الموصل ( المرحوم الحاج محمد علي حسين علاوي وهو العطار العبيدي الاصل) ،  وكانت له شهرة واسعة في سنوات السبعينات ليس في الموصل وانما في خارجها ايضا حتى ان الناس لاتزال تسأل عنه ، وتسأل عن ابنه الكبير محسن ابو علي رحمهما  الله .ومن العشابين الملا عبد العزيز وليث سيد زاهد .

من اسماء العطارين القدماء والجدد عائلة علاوي العطار العبيدي،  وابنه حسين واولاده  ومنهم طارق ذنون العطار المتوفى سنة 1996 واولاده العطارين ابراهيم ومحمد ومحمود  ، وهناك عدنان  ذنون العطار،  وهناك عائلة حميد العبيدي العطار المتوفى سنة 1957 واولاده مؤيد وطلال العطار،  وهناك عائلة محمد احمد العطار ومنهم خليل العطار المتوفى سنة 1971 .   وهناك عائلة محمد الوتار ومنهم سعيد عبد الرزاق الوتار المتوفى سنة 1988  ، وهناك محمود عبد المجيد الوتار المتوفى سنة 1990 وابنه مصطفى العطار ، وهناك العطار طه عبد المجيد الوتار المتوفى سنة 1987 وابنه عبد السلام منذ سنة 1965 واولاده قتيبة العطار وزيد العطار وعبيدة العطار،  وهناك محمد العبد الجوادي العطار واولاده ، وهناك محسن اليوسف العطار واولاده  ، وهناك عائلة مرعي حسن ومن اولاده عز الدين العطار وتوفي سنة 1996 وابنه محمد العطار.

 ومن عائلة ال الشاوي العطار غانم الشاوي المتوفى سنة 1990 واولاده ومنهم محمد ، وهناك الحاج ابراهيم القزاز وهناك هاشم محمد مصطفى العطار المتوفى سنة 2001 وابنه محمد ولدينا اسماء لكثير من العطارين ومهنة العطارة مهنة يتوارثها الابناء عن الاباء والاباء عن الاجداد .. ومن العطارين غدير السراج ومحمود عطار باشي وغانم الجميلي وموفق يونس طه العبيدي ونكتل هاشم حمودي .

وجرد الاخ العطار عبد السلام طه العبيدي في كتابه (العطار ) أسماء (64) عطارا منهم ،  ايضا العطار يونس الصيادي،  والعطار محمد عبد الجوادي ، والعطار هيثم محمد صالح والعطار حازم الشاوي والعطار عدنان علاوي والعطار ماجد محسن والعطار موفق العبيدي والعطار الحاج محمود الوتار والعطار سالم عبد الله سليموالعطار محمد حمودي الدليمي  والعطار احمد سالم والعطار غدير السراج والعطار طه مجيد الوتاروالعطار رائد علي الطه والعطار سيد هذال توحي والعطار رضوان محمدوالعطار هيثم الوتار والعطار ماهر الوتاروالععطار هشام الخيرو ، والعطار انس العبيدي ، والعطار علي الطائي ، والعطار سالم الشاوي والعطار سالم زيدان والعطار علي محمد الوتار.

وكان للعطارين صنف وشيخ صنفهم كان المرحوم المرحوم محمد علي العبيدي وصورته الى جانب هذه السطور .   

مما اود ذكره ان العطارين اليوم في الموصل لم يعودوا فقط موجودين في (سوق العطارين) وانما انتشر بعضهم في الاسواق الموجودة في الاحياء الجديدة في جانبي مدينة الموصل الايمن والايسر  لكن مع هذا يظل سوق العطارين ذو نكهة خاصة لما يتمتع به من تخصص وسمعة تاريخية مرتبطة بالذاكرة الموصلية الحية . 

*كتب المقال في 8-6-2021

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الصحافة المصرية في مائة عام ...................في كتاب

الصحافة المصرية في مائة عام ...................في كتاب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل -العراق ومما ...