الجمعة، 25 يونيو 2021

سوق الصوافة في الموصل ا.د. ابراهيم خليل العلاف

                                       سوق الصوافة بعدسة الاستاذ نور الدين حسين شيخ الفوتوغرافيين الموصليين 
                                        سوق الصوافة بعدسة المعماري الكبير والفنان الاستاذ رفعت الجادرجي
                                                                      تسقيف سوق الصوافة 
                                                       صائغ فضة من الاخوة الصابئة في سوق الصوافة 
 

سوق الصوافة في الموصل

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

كما هو معروف فان مدينة الموصل تزخر بالأسواق القديمة او ما نسميه اليوم بالأسواق التقليدية التراثية والموصل شهدت كثرة في اسواقها نظرا لكونها مدينة زراعية تجارية صناعية وكذلك لموقعها الاستراتيجي والجغرافي فهي منفتحة على بلاد الشام من جهة ووسط وجنوب العراق  من جهة خرى وهي تربط بين بلدان ومدن الخليج العربي وبلدان ومدن بلاد الشام على البحر المتوسط .

ومن اسواق الموصل القديمة (سوق الصوافة ) في باب الطوب وكما ترون في الصورة المرفقة وهي
صورة رائعة ، وجديدة ، ونادرة ، وتنشر لأول مرة لسوق الصوافة في باب الطوب بالموصل بعدسة شيخ المصورين الفوتوغرافيين الموصليين الاستاذ نور الدين حسين ، خصني بها قبل فترة  .

 و( سوق الصوافة ) من أقدم اسواق الموصل أنشأته ( بلدية الموصل) بعد فترة قليلة من تأسيسها سنة 1869... أنشأته في عهد رئيس البلدية يونس بك ال الجليلي (رحمه الله ) .. وقد تولى رئاسة البلدية بين سنتي 1878-1882 ميلادية ، وقد عمرت البلدية فوق السوق مقهى عرف باسم ( مقهى الصوافة) .

ويقع بالقرب من سوق الصوافة جامع باب الطوب وكما هو معروف فان باب الطوب هو احد ابواب مدينة الموصل الجديدة فتحه المرحوم الحاج حسين الجليلي بطل مقاومة الموصل ضد حصار نادرشاه للموصل سنة 1743 وقد فتح الباب بأمر من السلطان مصطفى الثالث الذي تولى الحكم سنة 1757 ميلادية .

وجامع باب الطوب في سوق الصوافة كان بالأصل يسمى مسجد عثمان درباس بناه في سنة 1231 هجرية – 1816 ميلادية وله بابان اولهما في سوق باب الطوب والباب الثاني من جهته الجنوبية وقد جدد الجامع اكثر من مرة .

وكما هو معروف فان (الصوافة ) واحدة من المهن التي برع واشتهر بها الموصليون والصواف هو من يبيع الصوف وكما يقول الاستاذ الدكتور ذنون يونس الطائي في كتابه (مهن وحرف موصلية قديمة ) وصدر عن دار ابن الاثير للطباعة والنشر بجامعة الموصل سنة 2014 فأن الصوافة والصواف من المهن الشهيرة في مدينة الموصل وهناك سوق متخصصة في منطقة باب الطوب تسمى ب(سوق الصوافة ) حيث يقوم اصحاب الاغنام في نهاية فصل الربيع بقص صوف الاغنام وبيعه على شكل (بالة ) تسمى عند الصوافة (شليف ) و(الشليف) يضم عدة ( جزز ) ومفردها ( جزه) و(الجزه) قطعة من الصوف .

وكما هو معروف عند الصوافة فان هناك عدة انواع من الصوف فهناك الصوف الابيض النظيف وهناك الصوف البني او الاسود ويعتبر هذا من الانواع الرديئة من الصوف او من الدرجة الثانية ، والموصليون وخاصة ربات البيوت يفضلون دوما الصوف الابيض الناصع البياض وطبيعي فان سعر هذا الصوف اغلى من غيره .

ومهنة الصوافة لاتزال قائمة ورائجة في الموصل اذ لا يمكن للإنسان يستغني عن الصوف وخاصة في ما نعرفه من (الدواشك ) و(الفرش) .

وعندما تقدم  ربة البيت على شراء ما تحتاجه من الصوف فانها تقوم بتنظيفه في البيت وغسله ثم تجفيفه وذلك من خلال تعريضه للهواء على اسطح المنازل وبعدها تقوم بتفكيكه بالايدي وعندئذ وبعد ان يصبح (منفوشا ) تقوم بعمل الوسادات ( المخاديد او المخدات ) والفرش (فغيشات يتغطى بها الانسان عند النوم)  والدواشك (ويسمى في الموصل المطغح  ) .

ويذكر اللواء الركن المتقاعد الاستاذ ازهر العبيدي في كتابه (الموصل ايام زمان ) والصادر سنة 1989 عن (سوق الصوافة ) ان سوق الصوافة يقع الى الغرب من سوق الهرج والذي كان بالأصل مقبرة ازيلت في العشرينات وفي سوق الصوافة يباع الصوف كما يباع ايضا شعر الماعز وبيوت الشعر الريفية واهل الموصل يستخدمون الصوف لفرشهم ويفضلون الصوف على القطن لأنه لا يتجعد بسرعة والصوف كان يباع في سوق الصوافة بالمن ويوزن بوضعه في اكياس كبيرة من الكواني هي التي سميناها (الشليف) . وعلى امتداد سوق الصوافة وحتى ساحة باب الطوب القديمة كنا نشاهد العديد من الدكاكين التي تبيع الملابس والقماش للمواطنين من الزبائن والمشترين  وباعة الصوف من الفلاحين ومربي الاغنام الذين يأتون الى السوق لبيع الصوف من القرى والارياف المحيطة بمدينة الموصل . ومن الطريف انه كانت هناك دكاكين تباع فيها مصوغات الفضة التي تحتاجها النساء الفلاحات والقرويات من قبيل الجلاب والخزامة والعران والطوق وقد اختفت هذه الدكاكين من السوق وانحصرت في سوق الصياغ .

ومن الطريف ان اذكر انه كان هناك محل لبيع (الباجة) في سوق الصوافة يعود للباجه جي سيد  محمود يونس .  

تعرض سوق الصوافة خلال سيطرة عناصر داعش على الموصل 2014-2017 ومعارك تحرير الموصل الى كثير من التدمير والان تمت اعادة اعماره وتسقيفه  وصب ارصفته وبُعثت الحياة فيه من جديد هو ودكاكين باعة الاقمشة والملابس الجاهزة التي تقع قبالته . 

واخيرا اقول انه في الموصل عدة أُسر تحمل لقب (الصواف) لكن اشهرها اسرة الشيخ محمد محمود الصواف  1915-1992  مؤسس جماعة الاخوان المسلمين في العراق رحمة الله عليه ، وهو من قبيلة الحريث – طي ومن سكنة محلة باب البيض التحتاني .ومن الذين عملوا في مهنة الصوافة من هذه الاسرة يقول الاستاذ عماد غانم الربيعي في كتابه ( بيوتات الموصل) طبعة 2013 الموسعة ، عثمان بن بكر بن محمد الصواف وكانت له دكان في سوق الصوافة وقد توارث ابناءه من بعده مهنة تجارة وبيع الصوف وملحقاتها . ولا ننسى السيد دعدوش الصواف وهو رجل معروف في سوق الصوافة .    كما ان من الصوافة المعروفين السيد دحام الصواف والسيد احمد عفان الصواف ، والسيد ادريس الصواف،  والسيد عزيز الصواف والسيد مجيد الصواف والسيد يونس ذنون الصواف والسيد مجيد الصواف والسيد داؤد الصواف والحاج  فالح الصواف والحاج  حسين علي الصواف  والحاج عبد مصطفى الصواف ومروان كركجه وطارق الوتار والحاج  وليد الوتار وتحسين الوتار وجمال الصواف واكرم ابو علي الصواف واخوه عبد الصواف ومحمد علي الصواف وسمير الصواف وهذه اسماء  لعدد من الصوافة  كانوا موجودين في بداية الثمانينات من القرن الماضي .

وللعلم كانت هناك دكاكين مقابل سوق الصوافة القريب من مركز الشرطة العام تباع فيها الملابس الجاهزة والاقمشة المحلية والمستوردة ومنها الجابان والخزنة والبازة والديولين كما كانت ثمة دكاكين تبيع الراشي والدهن الحر والدبس .وكانت هناك ثلاث او اربعة دكاكين في سوق الصوافة  لصياغة وبيع الذهب واذكر من اصحابها الحاج سعيد محمود الصايغ  والحاج  جارو ابو حازم الصايغ والحاج  وعد ابو فارس الصايغ وكان هناك محل لخياطة  (الدشاديش)  والسروال للزي العربي وكان يعمل فيها  الحاج انور النعيمي وعزالدين النعيمي ابو احمد . وتوجد ايضا بعض المحلات لبيع الاحذية  المصنوعة من (اللاستيك )  نسائية  ورجالية  وولادية  واحذية البناء (الجزم )  في ذللك الوقت وكان هناك مطعم كباب فقط و(جايخانة)  للاستراحة حيث كان الاهالي يأتون من جميع القرى  المجاورة لمدينة الموصل لبيع الصوف والدهن الحر واللبن القيمر و(الجشوة) حيث يستراحون ويتناولون الغداء في هذا المطعم الذي يقدم لهم وجبة طعام من الكباب اللذيذ  وبسعر زهيد جدا.

 وكما هو معروف ، فان شارع الصوافة  الذي تقع عليه دكاكين الصوافة ،  شارع قديم يصل بين ساحتي باب الطوب والميدان وهو في منطقة ما يسميه الاستاذ الدكتور هاشم خضير الجنابي في كتابه ( التركيب الداخلي لمدينة الموصل القديمة ) في منطقة الاسواق المركزية الموروثة ويقصد بها منطقة الاسواق الموروثة التي تتميز بالتخصص والتركز السلعي والخدمي .. كما انها تتصف بنمط وطراز معماري خاص وهي مسقفة دوما فيها فتحات للإضاءة والتهوية وذات ازقة سوقية ضيقة وملتوية غالبا ما يرتفع فوق ممراتها سقف من الالمونيوم (الجنكو) المضلع على هيئة (جملون) لحماية الدكاكين في الظروف الطبيعية القاسية كأشعة الشمس والمطر . وقد اشار الاستاذ احمد عبد الغني اليوزبكي في كتابه ( بلدية الموصل وخدماتها في العهد الملكي  1921-1958 )،2017 الى ان شارع الصوافة فُتح في عهد رئيس المجلس البلدي في الموصل يونس بك الجليلي 1878-1882 ، وفي عهده نظمت شؤون المدينة وشيدت بعض الدكاكين وبنيت فوق بعضها مقهى كان يعرف ب(مقهى الصوافة ) .

.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الصحافة المصرية في مائة عام ...................في كتاب

الصحافة المصرية في مائة عام ...................في كتاب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل -العراق ومما ...