الثلاثاء، 22 يونيو 2021

دار العدالة في الموصل

                                                                      دار العدالة  في الموصل 


دار العدالة في الموصل

ا.د.إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل

لا يمكن تصور وجود مدينة متحضرة بدون محاكم ، فعلماء الاجتماع يؤكدون على أهمية المحكمة، و دورها في فض النزاعات بين الناس .. وبغض النظر عن المراحل الأولى للتاريخ القديم والوسيط للموصل ، والتي شهدت ظهور الكثير من المحاكم والقضاة ، فان الموصل عرفت ( الإدارة القضائية الحديثة ) بعد صدور القوانين العثمانية المدنية ومنها : ( قانون الجزاء الهمايوني ) في سنة 1858 ، والذي ضم (246) مادة ومقدمة وثلاثة أبواب وفصول تأسست بموجبه المحاكم النظامية ، وهكذا أصبح إلى جانب ( القضاء الشرعي ) ، ( محاكم رسمية ) أي حكومية .
وإذا كانت المحاكم الشرعية تستمد وجودها من الشريعة الإسلامية ، فان المحاكم النظامية اعتمدت على مجموعة من القوانين معظمها مقتبس من القوانين الأوربية مع التأكيد على عدم معارضتها للشريعة الإسلامية في كثير من الأحكام .
لقد أكد قانون تشكيل الولايات الصادر سنة 1864 ، على أن يكون هناك في مركز كل ولاية ولواء ديوان تمييز .. وفي سنة 1869 ظهر نظام ديوان الأحكام العدلية ، وبعد افتتاحه سمي باسم نظارة أي وزارة العدلية ( العدل ) .. ولابد هنا أن نذكر مجهودات الأستاذ المؤرخ الموصلي احمد الصوفي رحمه الله ، في مجال التوثيق للمحاكم في الموصل ، فلقد اصدر سنة 1949 كتابه الشهير : (تاريخ المحاكم والنظم الإدارية في الموصل 1534 - 1918 )) ،وطبع في مطبعة أم الربيعين بالموصل، والذي أشار فيه إلى نظام المحاكم المدنية الذي صدر 1871 ، وبموجبه أصبحت المحاكم العثمانية على درجتين الأولى متمثلة بالمحاكم البدائية، والثانية متمثلة بمحاكم الاستئناف. والذي يهمنا هو ظهور المحاكم الحديثة في الموصل ، وتشير الدكتورة شذى فيصل ألعبيدي في رسالتها للماجستير التي قدمتها الى مجلس كلية الآداب بجامعة الموصل سنة 1997 بعنوان : (( الإدارة العثمانية في الموصل في عهد الاتحاديين 1908 - 1918 )) وبإشراف الأستاذ الدكتور علي شاكر علي المولى، إلى أن المحاكم في الموصل تشكلت بعد صدور قانون أصول المحاكمات الحقوقية ، وقانون تشكيل المحاكم المدنية في مراكز الولايات والألوية والاقضية .. وقد أصبح في الموصل عدد من المحاكم فضلاً عن المحكمة الشرعية ، منها محكمة حقوق بدائية ، ومحكمة جزاء بدائية ، ومستنطق (حاكم تحقيق) ومدع عام للبداءة ، وكان وزير العدل يعين رؤساء المحاكم ، وأعضاؤها تنتخبهم المجالس الإدارية من سكان المنطقة التي فيها المحكمة ومقرها سراي الحكومة الذي يعرف كذلك بأسم ( القشلة الملكية ) أي المدينة وأحكامها تستأنف في محكمة استئناف بغداد .. وقد تأسست محكمة استئناف الموصل سنة 1899 ، وأحكامها أصبحت تميز في محكمة التمييز العليا في العاصمة استنبول .
ومن الطريف أن سالنامة ( الكتاب السنوي ) لولاية الموصل سنة 1912 أوردت معلومات تفصيلية عن تشكيلات محاكم الموصل ، فعلى سبيل المثال كانت محكمة البداءة تتكون من دائرة الحقوق ، ودائرة الجزاء ويرأس دائرة الحقوق عبد الله عوني أفندي ، أما دائرة الجزاء فيرأسها حسني أفندي .. ومن أعضاء الأولى يوسف ضياء أفندي ، وآدك أفندي ، في حين كان عارف أفندي ، وهارون أفندي من أعضاء الثانية ، وهناك عضو احتياط هو رؤوف أفندي .. والى جانب الرئيس والأعضاء ، كان هناك كتاب ضبط ومدع عام هو أديب أفندي وكاتبه عبد المجيد أفندي ومن كتاب الضباط سيد توفيق أفندي وسيف الدين بك وشاكر أفندي وهناك مأمور الإجراء هو إدريس أفندي ومعاونه أكرم أفندي إلى جانبه محرر المقالات سامي أفندي ومعاونه حسين أفندي .
أما دائرة الاستنطاق فتكونت من حاكم التحقيق الأول عارف أفندي وحاكم التحقيق الثاني داؤد أفندي والكاتبين نجيب أفندي وحمدي أفندي .
ومما يجدر ذكره أن ( أنجمن عدلية ) أي الهيئة العدلية العامة كانت تتولى مهمة الإشراف على المحاكم النظامية ،وكانت الهيئة مكونة سنة 1912 في الموصل من رئيس محكمة الاستئناف صائب أفندي ، ورئيس دائرة الحقوق البدائية عبد الله عوني أفندي ورئيس دائرة الجزاء البدائية حسين حسني أفندي والمدعي العام أديب أفندي والمدعي العام لمحكمة الاستئناف مصطفى أفندي ورئيس كتاب محكمة الاستئناف حاجي رشيد أفندي .
وبعد الاحتلال البريطاني للعراق 1914 - 1918 أبقى الانكليز المحتلون على التشريعات والتشكيلات القضائية العثمانية مع إجراء بعض التنسيقات في المحاكم والهيئة القضائية .. وكان هناك في الموصل ، كما يقول الدكتور ذنون الطائي في كتابه : (( الأوضاع الإدارية في الموصل خلال العهد الملكي 1912 - 1958 ))والذي هو بألاصل أطروحة دكتوراه بأشراف كاتب هذه السطور ، أربعة اصناف من المحاكم وهي المحكمة الكبرى، ومحكمة الجزاء من الدرجات الأولى والثانية والثالثة .. وكانت هناك محكمة بداءة الموصل والمحكمة المدنية ومحكمة الاستئناف ومحكمة الصلح والمحكمة الحقوقية التصرفية والعائلية ومحكمة العدل والمحكمة الشرعية .
وبعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة ،1921 شهد النظام القضائي تغييرات مهمة على صعيد التشريع وسن القوانين وتنظيم الأعمال ،وكانت محاكم الموصل عرضة للتفتيش دوماً من لدن لجنة التفتيش العدلي المكلفة من قبل وزارة العدل .. وفي حزيران سنة 1946 ابتدأ العمل بتشييد بناية المحاكم الجديدة وعلى الطراز الحديث وتضم عدة قاعات للمرافعة وغرف للحكام والمحامين ومقرات للمحاكم المختلفة وحدد شهر تشرين الأول 1947 لافتتاحها .. ولا تزال قائمة حتى يومنا هذا .. وكان العراق مقسماً إلى مناطق عدلية أربعة منها منطقة الموصل والتي ضمت سنة 1957 عدد من المحاكم أبرزها محكمة الاستئناف برئاسة محمد القشطيني ومحكمة استئناف التسوية برئاسة احمد سعد الدين زيادة ومحكمة الجزاء برئاسة امجد المفتي ومحكمة البداءة وحكامها قيدار ألجليلي وسليمان العمري ومحمد صالح فليح وعوني فخري ومحمد صالح الكيلاني والمحاكم الشرعية وتتألف من قاضيين هما محمد الخال، ويونس أمجد الزهاوي ومحاكم الصلح وتتألف من قاضيين هما حسين فوزي وبهاء الدين محمد علي .. وثمة محاكم في الاقضية والنواحي كما كانت هناك محاكم دينية للأقليات المسيحية واليهودية وتتمتع محاكم الموصل ، كما كانت دائماً وفي كل مراحل تاريخها ، بسمعة طيبة خاصة وأنها تحظى بقضاة عدول يشار إليهم بالبنان .
بقي علي أن اقول انني بعد كتابتي لهذا المقال وجدت تحقيقا جميلا منشورا في مجلة ( الف باء) البغدادية العدد الصادر في 18 ايلول سنة 2002 كتبه الصحفي الموصلي الكبير المرحوم الاستاذ عبد الوهاب النعيمي وصوره الفوتوغرافي الموصلي الكبير الاستاذ بشار عدنان بعنوان ( قشلة الموصل :حكايات مطرزة بحكايات ) تناول فيه جانبا من تاريخ وواقع دار العدالة في الموصل من خلال تناوله مباني المحاكم السابقة له عبر العصور ومنها (قشلة الموصل ) المعلم الحضاري المهم ويقصد القشلة التي تأسست سنة 1899 المجاورة لدار الضيافة وبيت المحافظ حاليا .
*15-6-2009 وقد نشرتها في







 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...