الأحد، 13 يونيو 2021

جامع الشيخ عبدال في محلة باب السراي بالموصل


 

جامع الشيخ عبدال في محلة باب السراي بالموصل

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل

وهذه صورة لجامع الشيخ عبدال في سوق باب السراي بالجانب الايمن من مدينة الموصل القديمة ، قبل سنة 2014 بعدسة الفنان الفوتوغرافي الاستاذ سعد هادي التقطها من الطابق العلوي لخان حمو القدو .
وجامع الشيخ عبدال ، ويسمى ايضا (جامع العبدالية ) ، وجامع الشيخ عبدال تعرض كما تعرض خان حمو القدو وكثير من معالم الموصل التاريخية ، والاثرية ، والحضارية خلال سيطرة عناصر داعش على الموصل وحرب تحريرها منهم الى ضرر كبير .
وجامع الشيخ عبدال كثيرا ما صليت فيه ؛ فهو من الجوامع التاريخية العريقة . والحاج عبدال كما يقول شيخنا المرحوم الاستاذ سعيد الديوه جي هو الحاج عبدال بن مصطفى الشافعي . كان تاجرا من تجار الموصل الكبار ، كما كان مثقفا محبا لعمل الخير تقيا ، بنى هذا الجامع ، كما بنى مدرسة دينية الى جواره هي (المدرسة العبدالية ) وكان من مدرسيها المعروفين الملا جرجيس الجوادي المتوفى سنة 1804 وذكره الدكتور داؤد الجلبي في كتابه ( مخطوطات الموصل ) على انه كان عالما عليما كما درس فيها احمد افندي بن الحاج محمد الحلاق وفي سنة 1906 اي في العهد العثماني اصبحت مدرسة ابتدائية رسمية . وقد عرفتُ ان الشيخ علي الشمالي 1915-1974 كان مدرسا فيها .وكان من اساتذته في علم البلاغة والفرائض الشيخ احمد محمد الجراح .
وفي جامع الشيخ عبدال (سبيلخانة ) للماء . كما ان في (القيصرية العبدالية) ايضا سبيلخانة ، وقد تحدثت عن سبيلخانات الموصل في بحث لي منشور ومتوفر على شبكة المعلومات العالمية - الانترنت . وتاريخ تأسيس هذا الجامع يرجع الى سنة 1080 هجرية - 1670 ميلادية وقد اكتمل البناء بعد سنتين اي في سنة 1082 هجرية - 1672 ميلادية . وقد اوقف على الجامع دكاكين وخانات ومقاه .
وقد اشار الى حجج وقفيات الجامع كتاب (الدر المكنون في المآثر الماضية من القرون ) للمؤرخ الموصلي الكبير ياسين العمري والذي حققه المرحوم احمد ناظم عبد المجيد العمري ونشره ولده الاستاذ معاوية العمري في جزئين سنة 2011 ولدي نسخة منه .
كان جامع الشخ عبدال من الجوامع المشهورة في الموصل ، ولازلت اذكر انه كان يزدحم بالمصلين وخاصة في ايام الجمع . كما ان التجار واصحاب الدكاكين والحرف كانوا يقصدونه للصلاة في الاوقات الخمسة . وقد جدد عدة مرات منها تجديده اوائل القرن التاسع عشر الميلادي جدده الحاج جرجيس بن اسماعيل بن الحاج يحيى بن الحاج عبدال وكان ذلك بين سنتي 1203-1215 هجرية ( 1789- 1801 ميلادية ) ، والكتابات عليه تؤرخ لذلك ومن ذلك انه كان مكتوبا فوق الباب الرابع للمصلى :
ان جرجيس بنى هذا البنا *** حسبة لله يرجو الاقتراب
مذ تولى جامع العبدال قد *** شاده بشرى له يوم الحساب
وكان مكتوبا فوق الباب الثاني للمصلى عبارة :" هذا جامع المرحوم الحاج عبدال قد تطوع بتجديده الحاج جرجيس بن اسماعيل بن الحاج يحيى بن الحاج عبدال ابتغاء رضا ربه وعملا بقوله جل وعلا :"ومن اراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا " .
والحاج عبدال توفي سنة 1100 هجرية - 1689 ميلادية ، ودفن في حجرة تحت منارة الجامع ، وكان مكتوبا على بابها : "هذا قبر المرحوم المبرور صاحب الخيرات والافضال المخلص لله بالاعمال الحاج عبدال بن ملا مصطفى تغمدهما الله برحمته الواسعة واسكنهما في جنته ...في شهر ذي القعدة سنة 1100 هجرية- 1689 ميلادية " .
وكان في الجامع مدرسة فيها ثمان غرف للطلاب الدارسين واوقف لهم ما يكفيهم من طعام وكسوة وشمع للقناديل .
في الجامع مصلى ومحراب وللمصلى ثلاثة ابواب فيها زخارف وفي الجامع منارة قليلة الارتفاع مزخرفة بقطع من الآجر المزلج وامام المصلى اروقة وهناك رجال صالحون مدفونون في الجامع منهم مؤسس الجامع نفسه والشيخ محمد البيطار شيخ المشائخ وهو رجل من الموسرين زاهد عابد كان يتعاطى البيطرة وترك الدنيا وانقطع للعبادة ذكره المؤرخ محمد امين العمري في كتابه (منهل الاولياء ومشرب الاصفياء في تاريخ الموصل الحدباء ) ومنهم ايضا رجل من اهل الصلاح والفقه اسمه الشيخ عبد الكريم ظهرت على يديه كرامات توفي بعد المائة والالف 1100 هجرية 1689 ميلادية هو الشيخ عبد الكريم وقبره مجاور لقبر الشيخ محمد البيطار .
وابواب المصلى بنيت بعد سنة 1299 هجرية - 1882 ميلادية ومحراب الجامع من المرمر الجميل على جانبيه دعامتان من المرمر تزينهما زخارف مجذولة يعلوها قوس تتدلى منه زخارف على شكل اوراق العنب وفوقها مكتوب تاريخ البناء 1299 هجرية - 1882 ميلادية والى جانب المحراب منبر من المرمر يعتبر من اجمل منابر الموصل وهو مزين بزخارف نباتية وهندسية تكون على شكل وحدات كل منها داخل مربع او دائرة وهي ناتئة . وهناك (القبة ) التي فوق المصلى وتستند الى مقرنصات تزينها زخارف .
يذكر نيقولا سيوفي في كتابه ( مجموع الكتابات المحررة في ابنية مدينة الموصل ) حققه ونشره الاستاذ سعيد الديوه جي 1956 انه كان مكتوبا فوق باب الجامع ابيات من الشعر منها :
تطوع (للرحمن) جرجيس للبنا ***بجامع عبدال فبشرى له بالهنا
فوفقه الباري لتعمير بيته *** (ليحظى ) بنيل العفو عن كل ما جنى
لقد نال اجرا بالبناء مضاعفا *** من الله بل عزا وقربا ومأمنا
فطوبى له قد فاز فوزا فأرخوا : *** بتجديده نال (السعادة ) والمنى
وفي الكتابة المذكورة : هذه صورة (خط) اي مرسوم همايون السلطان الاعظم والخاقان المعظم ،السلطان مصطفى خان ابن السلطان محمد خان الذي انعم به على الفقراء الواقع في زمن حاكم الموصل الوزير علي باشا والسلطان هو مصطفى خان الثاني 1695-1703 والوزير اي الوالي والي الموصل هو علي باشا القرماني الذي تولى الموصل في التاريخ المذكور .
وفي اعلى الباب الاول من المصلى :
بنى جرجيس (ابواب ) المصلى *** وخلد اسمه بعد الفناء
لوجه الله شوقا قد بناه *** (فيلقى اجره) يوم الجزاء
فقل قد نال غفرانا وارخ : *** سما في القرب من وقت البناء
وهناك ابيات من الشعر فوق الباب الثالث وفوق الباب الرابع وفي اعلى المحراب الاول الذي في اروقة المصلى توجد عبارة ( قد وضع هذا المحراب للصلاة على مذهب الامام محمد الشافعي رضي الله عنه وذلك في محرم سنة 1214 هجرية -1800 ميلادية .وفوق المحراب الثاني عبارة :وقد وضع هذا المحراب للصلاة على مذهب الامام ابي حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عته وذلك في محرم الحرام سنة 1214 هجرية -1800 ميلادية وفوق المحراب الثالث يوجد بيت شعر يقول :
ياعامل الخير بشراكا وبشراكا *** من صانع واحد للبر اهداكا
ارخ وقل اعطاك الله واغناكا *** خير مديم يا ابدال واكفاكا
وفوقمحراب المصلى :"فاقيموا الصلاة ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " في غرة محرم سنة 1215 هجرية -1801 ميلادية .
وفي الجهة اليسرى من المحراب :" ان الله على كل شيء قدير "
وفي حائط المصلى من جهة الغرب :
بنى ابدال لوجه الله بناء **مشيد الاركان له بهاء
يارب بالمصطفى واصحابه الخلفاء *** ....غدا شربهم من ماء
يارب في جنتهم ارجو النجاة غدا *** من حر نار لظى عتماء ظلماء
ابدال انشد تاريخا في عمارته *** اناجيك يارحمن واقول ارحم
وابدال هو عبدال وفوق الكتابة " الله ، محمد ، ابو بكر
وفوق هاتين الكتابتين :" انما يعمر مساجد الله (الى) من المهتدين "
وفي حائط المصلى من جهة الشرق :
ياجامعا حاز الملاحة والفضلا *** بذكر وقرآن به دائما يتلى
يارب (فاغفر لي ) ذنوبي جميعها *** بجاه الذي ركب البراق واستعلى
وقربته من قاب قوسين او ادنى *** واوهبته المحراب والمنبر الاعلى
ومنشئ هذا النظم قال مؤرخا *** تنال (به) اجرا من الملك الاعلى
وفي اعلى باب المنبر في جامع الشيخ عبدال : "لااله الا الله محمد رسول الله "
وفي حائط المنبر من جهة الغرب :
ياطالبا تأريخ هذا المندال *** لطفا من الله علا ابدال في المحشر
وفي اعلى باب الغرفة الاولى للتدريس عبارة " انشأ هذه المدرسة بتصحيح كلام الله تعالى وابتغاء لمرضاته وغفرانه الحاج جرجيس نجل المرحوم يحيى بن عبدال وذلك سنة 1112 هجرية -1701 ميلادية .
وفوق باب الغرفة الثانية للتدريس في المدرسة العبدالية : "انما يعمر مساجد الله (الى ) من المهتدين وعمرها الحاج جرجيس في محرم سنة 1203 هجرية - 1789 ميلادية .
وفي حائط اروقة المصلى رخامة من جهة الغرب عليها الكتابة التالية : "هذا قبر المرحوم المبرور (شيخ) المشايخ الكبار مولانا الشيخ محمد البيطار عليه الرحمة والرضوان من الله الملك الغفار وفوق باب البئر في الجامع وقف الجامع وفي صدر اروقة المصلى من طرف الفناء بسم الله الرحمن الرحيم وفي صدر الاروقة التي على باب الجامع من طرف الفناء (الحوش) :قد انشأ هذا البناء اسماعيل اغا سنة 1292 هجرية -1875 ميلادية .
وقد ادركت الجامع كما قلت ولايزال موجودا وكان الجامع مزودا بمرافق صحية كثيرة ومغاسل لتلبية حاجة اصحاب الدكاكين والحرف في سوق باب السراي والاسواق والخانات المجاورة له .
نقطة مهمة لابد ان اشير اليها وهي ان هذا الجامع حظي بعدد من الائمة والخطباء الذين كان لهم تأثيرهم السياسي والديني والاجتماعي في الموصل منهم الشيخ ذو النون غزال الطائي 1934-2005 والذي اصبح خطيبا لجامع الشيخ عبدال في سنة 1959 وبقي في الخطابة والامامة لسنوات عديدة وكان من خطباء الموصل المبرزين والمشهورين له تأثير على الناس ويحظى بسمعة علمية ودينية مرموقة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...