الجمعة، 8 أبريل 2016

قصة التمثيل الديبلوماسي البريطاني في العراق العثماني ا.د. ابراهيم خليل العلاف





قصة التمثيل الديبلوماسي البريطاني في العراق العثماني  
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
كثيرا ما يدور السؤال عن طبيعة ، وبدايات النفوذ السياسي البريطاني في الولايات العراقية العثمانية : بغداد والموصل والبصرة .وقد وردت الكثير من المعلومات عن ذلك في الكتب التي تناولت تاريخ العلاقات العراقية –البريطانية ولكن بصورة مختصرة احيانا وغامضة احيانا اخرى ودون التفريق بين مؤسسات التمثيل الديبلوماسي البريطاني .فالامر يحتاج الى خبرة ومعرفة تفصيلية بالامر ولدي بعض الكتب والرسائل التي تناولت هذه القصة ؛ لكن الجميل في الامر ان يتصدى دبلوماسي عراقي هو الاستاذ نجدت فتحي صفوت  ( نسأل الله له الرحمة ) ليكتب في مجلة التضامن(اللندنية )  وعبر العدد 137 الصادر بتاريخ 23-11-1985 والعدد الصادر 7-13-12-1985 تفاصيل  التمثيل الدبلوماسي البريطاني في العراق والتمثيل الدبلوماسي العراقي في بريطانيا  . ويقينا ان الاستاذ نجدت فتحي صفوت وهو الديبلوماسي والمؤرخ عند التوثيق والكتابة يعود الى الوثائق . فضلا عن خبرته وما شهده من احداث .
اليوم سوف نقف عند ما كتبه عن نشأة وتطور التمثيل الديبلوماسي البريطاني في العراق  خلال العهد العثماني ؛ فقد ابتدأ  هذا التمثيل في القرن الثامن عشر  حينما كانت ولايات العراق الثلاث : الموصل وبغداد والبصرة اجزاءا من الدولة العثمانية وكانت لبريطانيا خلال العهد العثماني ثلاثة قنصليات في بغداد والبصرة وبغداد وكان القنصل البريطاني يتمتع فضلا عن صفته هذه وهي القنصل بصفة اخرى هي (المقيم السياسي ) .
كما كان لبريطانيا  وكلاء تجاريون في بغداد والبصرة . وإحتلت البصرة مكانة أثيرة لديهم واستمر ذلك حتى اواخر القرن الثامن عشر وكانت الوكالة التجارية البريطانية اول مؤسسة رفعت الى قنصلية .وقد استصدر السفير البريطاني في الاستانة (هنري نيفل ) في سنة 1764 (فرمانا ) اي قرارا من السلطان بالموافقة على تعيين (روبرت غاردن ) ممثل (شركة الهند الشرقية ) قنصلا في البصرة ومنحه الامتيازات والحصانات الممنوحة عادة  لقناصل الدول الاجنبية وكان روبرت غاردن اول ممثل رسمي للحكومة البريطانية في العراق .
اما في بغداد فقد كان هناك وكالة لكنها لم تكن دائمية يقوم بها شخص ارمني في سنة 1755 ثم انكليزي بعد ذلك بشرة اعوام اي في سنة 1765 .
كانت بريطانيا تعول على "المقيم السياسي " فهو الذي يرعى مع موظفيه المصالح السياسية والاقتصادية البريطانية في بغداد ومدن الخليج العربي بما فيها البصرة وبغداد حتى ان اللورد كيرزن وزير الخارجية البريطاني صرح سنة 1892 في مجلس اللوردات  :" ان بغداد  تقع ضمن موانئ الخليج ويجب ان تدخل ضمن اهتمامات السياسة البريطانية" .
لذلك حرص الانكليز ان تكون لهم مقيميات منذ سنة 1797 وحتى 1810 في كل من بغداد والبصرة وفي سنة 1810 اصبحت " المقيمية " في بغداد "الوكالة السياسية البريطانية الرئيسية في العراق وصارت وكالة البصرة تابعة لها واعلنت الحكومة البريطانية انها تعير العراق التركي كما كانت تسمي ولايات البصرة وبغداد والموصل وفيما بعد بلاد مابين النهرين اهتماما شديدا وكما هو معروف فإن ذلك جاء بسبب مخططات نابليون في فرنسا وسعيه للهجوم على الهند عن طريق مصر والبحر الاحمر .
وهكذا اصبحت بريطانيا –كما يقول الاستاذ الدكتور عبد العزيز نوار في كتابه عن "المصالح البريطانية في أنهار العراق " تهتم بطريقي العراق ومصر واحتدم الصراع بين البريطانيين والفرنسيين للاستحواذ على المنطقة .
كان (هارفورد جونز بريدجز ) اول مقيم سياسي بريطاني في العراق وقد عين سنة 1798 وهي السنة التي غزا فيها نابليون بونابرت مصر أصبحت  لهذا المقيم علاقات وثيقة مع الوالي العثماني سليمان باشا الكبير .
وفي ربيع سنة 1808  عين كلوديوس جيمس ريج مقيما جديدا وقد قضى في العراق ثلاثة عشرة سنة وتمتع بنفوذ طاغ في بغداد بفضل علاقاته الطيبة بالوالي العثماني وعندما تولى داؤود باشا ولاية بغداد  سنة 1817 وكان آخر حكام المماليك احتفظ ريج بعلاقاته معه  لكن داؤود باشا سرعان ما ادرك خطورة الدور الذي يقوم به المقيم السياسي البريطاني كلوديوس جيمس ريج فحاضلرت قواته المقيمية ودار قتال عنيف بين القوات العثمانية وحرس المقيمية وانتهى الامر بطرد ريج ومغادرته بغداد وتعيين روبرت تايلر مكانه .
ظل المقيم السياسي البريطاني يتمتع بمانة متميزة في بغداد العثمانية حتى بداية الحرب العالمية الاولى وكانت الحكومة البرطانية تحرص على اظهار المقيم السياسي واحاطته بكل مظاهر الابهة والفخفخة وكان للمقيمين منذ عهد ريج حراس مسلحون يبلغ عددهم بضع مئات وكانت لهم قيافتهم المزركشة وخيولهم المطهمة .
كما كان للمقيمية زورق مسلح اسمه (كزميت ) يرسو الى جوار المقيمية التي تقع بنايتها على نهر  دجلة وكان اهل بغداد يميزون هذا الزورق ويسمونه ( مركب كوميت ) .

وكانت زيارة المقيم السياسي البريطاني لسراي الوالي العثماني مناسبة مهمة حيث يشاهد الناس المقيم وهو يسلك الطرقات من مقر المقيمية ببزته الرسمية المزركشة وهو راكب على  صهوة حصانه ويحيط به موكب من الحراس والخدم والاتباع وهكذا كان يظهر للناس في جميع غدواته وروحاته في بغداد وضواحيها وكل ذلك من اجل اظهار النفوذ والعظمة وكثيرا ما كانت الناس تحتشد على جانبي الطريق لترى هذا الموكب واستمر ذلك حتى وقوع الحرب العالمية الاولى ووقوف الدولة العثمانية مع المانيا في الحرب ضد بريطانيا وقيام بريطانيا بإرسال حملتها المعروفة واحتلال البصرة 1914 ثم احتلال بغداد 1917 واحتلال الموصل 1918 وهكذا قطفت بريطانيا ثمار جهود مقيميها السياسيين ووكلائها التجاريين ومن تعاون مع الانكليز من السكان المحليين في فرض سيطرتها على كل بلاد مابين النهرين :العراق .
________________________________
*صورة جيمس كلوديوس ريج المقيم السياسي البريطاني في العراق 1808-1821
**صورة لباحة المقيمية البريطانية في بغداد مع الحرس والقواسين حوالي سنة 1900 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خبراء إستقدمهم العراق خلال العهد الملكي 1921-1958 والسنوات الاولى من العهد الجمهوري لحل بعض المشاكل المالية والصحية والمالية والاقتصادية والتربوية*

  خبراء إستقدمهم العراق خلال العهد الملكي 1921-1958 والسنوات الاولى من العهد الجمهوري لحل بعض المشاكل المالية والصحية والمالية والاقتصادية و...