ماذا بعد اجتماع منتجي النفط بالدوحة؟
بقلم : سعد الله الفتحي
خبير نفطي عراقي
لم تكن متابعة تقلبات السوق النفطية سهلة في أي زمان باستثناء الفترة
الطويلة فيما قبل 1973، حيث كانت الشركات العالمية مسيطرة على إنتاج وتسعير النفط
ومتفقة على التنسيق وعدم المنافسة بينها لتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقرار الذي كان
يخدم مصالحها ومصالح دولها بالذات.
وقد اختلفت الصورة تدريجيا منذ ذلك الوقت باستثناء فترات قصيرة
استطاعت فيها منظمة أوبك إحداث
تأثير كبير في السيطرة على إنتاجها وأسعارها المعلنة، وانعكاس ذلك على مجمل السوق
العالمية.
استقرار
سوق النفط
أما الآن ومع تعدد الدول المنتجة (55 دولة) وصعوبة التوفيق بين أهدافها وطموحاتها الاقتصادية واشتداد المنافسة بينها، فقد أصبح من الصعب جدا أن نتوقع سوقا نفطية مستقرة يمكن قراءة تطورها القريب أو البعيد المدى، خاصة مع تطور آليات السوق ووجود سوق مستقبلية ورقية يعادل حجمها أضعاف حجم السوق الحقيقية التي تتعامل مع النفط المنتج والمستهلك فعلا.
أما الآن ومع تعدد الدول المنتجة (55 دولة) وصعوبة التوفيق بين أهدافها وطموحاتها الاقتصادية واشتداد المنافسة بينها، فقد أصبح من الصعب جدا أن نتوقع سوقا نفطية مستقرة يمكن قراءة تطورها القريب أو البعيد المدى، خاصة مع تطور آليات السوق ووجود سوق مستقبلية ورقية يعادل حجمها أضعاف حجم السوق الحقيقية التي تتعامل مع النفط المنتج والمستهلك فعلا.
إن السوق النفطية الحالية تتسم باستمرار تقلباتها اليومية وتغيير
اتجاهها صعودا وهبوطا، أحيانا بعكس التوقعات.
وليس أدل على ذلك مما حدث بعد فشل اجتماع الدوحة في 17 أبريل/نيسان
بين المنتجين من أوبك وخارجها في الاتفاق على تجميد إنتاج النفط عند مستوياته في
يناير/كانون الثاني الماضي.
"إن التخمة في السوق لا تزال قائمة وقد تسبب انخفاضا في الأسعار لاحقا
إلا إذا حدثت تغييرات في سياسات المنتجين"
وقد أدى الفشل إلى إحداث انخفاض آني كبير في الأسعار بلغ أكثر من
ثلاثة دولارات للبرميل. وتوقع بعض المحللين أن يستمر انخفاض الأسعار لتعود ربما
إلى مستوياتها قبل 16 فبراير/شباط، أي بنحو 10 دولارات للبرميل.
لكن ذلك لم يحدث -وربما لن يحدث- إذ استعادت أسعار النفط توازنها، لا
بل ارتفعت بسبب انتباه المتعاملين في السوق إلى احتمالات النقص في الإمدادات، خاصة
بتزامن ذلك مع إضراب عمال النفط في الكويت الذي
قيل إنه أزال 1.3 مليون برميل يوميا من الإمدادات.
وقفز سعر نفط برنت إلى أكثر من 45 دولارا للبرميل في 20 أبريل/نيسان
وتراوح بين 44 و 45 دولارا منذ ذلك التاريخ.
في نفس الوقت انخفض إنتاج نيجيريا 0.44
مليون برميل يوميا بسبب أعمال تخريب في أحد خطوط الأنابيب، وانخفضت صادرات العراق 0.15
مليون برميل يوميا، إضافة إلى الانخفاض المتوقع إثر بدء موسم الصيانة في حقول بحر
الشمال.
لكن هذه الانخفاضات مؤقتة وقد يكون بعضها عابرا كما حدث في انتهاء
إضراب عمال النفط في الكويت وعودة الإنتاج إلى مستواه السابق.
لذا فإن التخمة في السوق لا تزال قائمة وقد تسبب انخفاضا في الأسعار
لاحقا إلا إذا حدثت تغييرات في سياسات المنتجين.
وقد استظلت السوق النفطية بتصريحات وتوقعات إيجابية منذ 16
فبراير/شباط عندما أعلن عن اتفاق سعودي روسي على تجميد الإنتاج. وقد دفعت تلك
التصريحات سعر سلة خامات أوبك من 29.35 دولارا للبرميل في فبراير/شباط إلى 40.11
بحلول 20 أبريل/نيسان. لكن الطريق لم يكن معبدا، حيث إن التقلبات اليومية تبعت
بصورة عامة التصريحات والتسريبات الإيجابية أو السلبية عما ستكون عليه الخطوة
المقبلة للمنتجين.
توقعات
بفشل اجتماع الدوحة
وكان فشل اجتماع الدوحة متوقعا عند البعض بسبب إصرار السعودية على مشاركة إيران في تجميد الإنتاج وامتناع الأخيرة حتى عن حضور الاجتماع.
وكان فشل اجتماع الدوحة متوقعا عند البعض بسبب إصرار السعودية على مشاركة إيران في تجميد الإنتاج وامتناع الأخيرة حتى عن حضور الاجتماع.
لكن المساهمين في السوق استمروا في عقد الآمال بأن حلا لهذا الإشكال
قد يتحقق عند انعقاد الاجتماع، ومع تلك النتيجة خابت آمالهم في ذلك.
ثم عادت التصريحات الإيجابية لدعم السوق مجددا بعد أن هددت كل من
السعودية وروسيا بزيادة إنتاجها في 2016.
إبراهيم مهنا مستشار وزير النفط السعودي علي النعيمي صرح في مؤتمر في
باريس في 21 أبريل/نيسان بأن باب التعاون لا يزال مفتوحا حتى بعد فشل اجتماع
الدوحة، وبأن مزيدا من المشاورات قد يكون قادما عند اجتماع أوبك الوزاري في فيينا
في يونيو/حزيران القادم.
كما أن وزير النفط النيجيري وعد بالقيام بجهود دبلوماسية استثنائية
لإعادة الصفاء بين السعودية وروسيا أولا، وإقناع السعودية وإيران ومنتجين آخرين
بالوصول إلى اتفاق في اجتماع أوبك المقبل. وحذر من أن عدم الوصول إلى اتفاق سيشجع
منتجين آخرين على زيادة إنتاجهم وإغراق السوق النفطية.
السوق جاءها مزيد من الدعم بعد أن بينت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها لهذا الشهر أنها ستشهد تحسنا
في نهاية العام وأن التحسن سينعكس على الأسعار. وأضافت "يبدو أن سوق النفط
تقترب من التوازن في النصف الثاني من هذا العام".
"ارتفعت المخزونات التجارية للدول الصناعية المنضوية تحت منظمة
التعاون الاقتصادي والتنمية في نهاية فبراير/شباط 2016 إلى 3026 مليون برميل،
بزيادة 262 مليون برميل عن مثيله في العام الماضي مع بقاء المخزونات الإستراتيجية
لتلك الدول في حدود 1586 مليون برميل"
وطبقا لتقارير، فإن إنتاج دول خارج أوبك ينخفض بأسرع مما كان متوقعا
وسيبلغ الهبوط 0.73 مليون برميل في اليوم ليكون ذلك معدلا لهذه السنة، بموجب
تقرير أوبك الشهري الأخير.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية انخفاضا مقاربا وذكرت أن "هناك
مؤشرات على أن انخفاض إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة يزداد سرعة".
مخزونات
تجارية وإستراتيجية ضخمة
ولا تزال مخزونات النفط في العالم في ازدياد، مما يؤثر سلبا على توقعات الأسعار. وذكرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية التابعة لوزارة الطاقة أن مخزونات الخام التجارية في الولايات المتحدة ارتفعت بـ6.6 ملايين برميل في الأسبوع الأول من أبريل/نيسان لتصل إلى مستوى تاريخي غير مسبوق عند 536.5 مليون برميل أي 11% فوق مثيلها في العام الماضي وبزيادة أكثر من 100 مليون برميل عن معدل السنوات الخمس الماضية.
ولا تزال مخزونات النفط في العالم في ازدياد، مما يؤثر سلبا على توقعات الأسعار. وذكرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية التابعة لوزارة الطاقة أن مخزونات الخام التجارية في الولايات المتحدة ارتفعت بـ6.6 ملايين برميل في الأسبوع الأول من أبريل/نيسان لتصل إلى مستوى تاريخي غير مسبوق عند 536.5 مليون برميل أي 11% فوق مثيلها في العام الماضي وبزيادة أكثر من 100 مليون برميل عن معدل السنوات الخمس الماضية.
كما ارتفعت المخزونات التجارية للدول الصناعية المنضوية تحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في نهاية فبراير/شباط 2016 إلى 3026
مليون برميل، بزيادة 262 مليون برميل عن مثيلها في العام الماضي، و352 مليون برميل
زيادة عن معدل السنوات الخمس الماضية مع بقاء المخزونات الإستراتيجية لتلك الدول
في حدود 1586 مليون برميل.
وهناك تخوف من امتلاء الخزانات والناقلات البحرية المستعملة لأغراض
التخزين مما دعا بوب دادلي رئيس شركة BP إلى أن يقول مازحا "سوف نخزنه في أحواض السباحة".
أما إنتاج الولايات المتحدة فيبدو أنه انخفض إلى 8.97 مليون برميل
يوميا في الأسبوع الأول من أبريل/نيسان، وهو الأقل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014.
وكما تقول إدارة معلومات الطاقة الأميركية فإن هذا الإنتاج يعتبر
متدنيا جدا عن الحد الأقصى البالغ 9.7 ملايين برميل يوميا في أبريل/نيسان 2015.
وتستنتج الإدارة بأن معدل 2016 قد يكون في حدود 8.6 ملايين برميل
يوميا وقد ينخفض إلى 8 ملايين برميل في 2017.
وبالطبع، فهذه أخبار طيبة للمنتجين الساعين إلى حصة أكبر في السوق
وتحسن في الأسعار قد يدفعهم إلى التوقف عن اتخاذ قرارات إضافية بهذا الصدد.
كل هذه الأحداث الإيجابية بالنسبة لأسعار النفط تزامنت مع فشل اجتماع
الدوحة وأدت -حتى الآن- إلى استقرار الأسعار لا بل ارتفاعها قليلا.
لكن دعونا لا نغرق في التأملات ونبتعد كثيرا عما يمكن أن يحدث في
السوق. فإنتاج إيران ازداد بسبب رفع العقوبات من 2.8 مليون برميل يوميا كمعدل لسنة
2015 إلى 3.3 ملايين في الشهر الماضي. وهي تسعى لزيادة إضافية قد تكون مماثلة في
نهاية العام الحالي.
كما أن إنتاج العراق ارتفع من 3.9 ملايين برميل يوميا كمعدل لسنة
2015 إلى 4.2 ملايين برميل يوميا في الشهر الماضي، وهو مرشح لزيادة مماثلة لما بقي
من السنة اعتمادا على تطور أوضاعه السياسية.
وإذا تمكنت نيجيريا من إصلاح خط أنابيبها فهناك حتما زيادة في
الإنتاج قد لا نستطيع تقديرها حاليا.
هذه الزيادات فقط قد تكون أكبر من الخفض المتوقع في إنتاج دول خارج
أوبك.
أما إذا نفذت السعودية وروسيا وعدهما بزيادة الإنتاج فقد تتبخر كل
هذه الإيجابيات وستكون الأسعار مرشحة للانخفاض في وقت لاحق.
إن المنتجين الكبار يدركون ذلك تماما. لذا سوف تستمر المساعي للوصول
إلى اتفاق ما في يونيو/حزيران أثناء اجتماع المجلس الوزاري لأوبك للمحافظة -على
الأقل- على أجواء الأسعار الحالية.
________________________________________
المصدر : الجزيرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق