الأحد، 10 أبريل 2016

ذكريات وخواطر عن حركة السلم في العراق إبان العهد الملكي* د. فاروق برتو







ذكريات وخواطر  عن حركة السلم في العراق إبان العهد الملكي*
د. فاروق برتو
عقد الاجتماع التأسيسي لحركة السلم العالمية في براغ عام 1949وحضره كممثلين عن العراق يوسف إسماعيل, الذي كان يومئذ يسكن باريس, وخالد السلام الذي كان قد جاء إليها قبل أشهر من ذلك لاكمال دراسته الجامعية.
وعقد المؤتمر الثاني في وارشو في تشرين الثاني/ أكتوبر 1950 حيث تم تشكيل مجلس السلم العالمي واختير محمد مهدي الجواهري أول عضو عراقي في المجلس الذي رأسه العالم الفيزيائي الفرنسي فردريك جوليو كوري وضم بين أعضائه شخصيات عالمية شهيرة منهم بابلو بيكاسو و ناظم حكمت.
واستجابة لانعقاد المؤتمر العالمي بدأت ترتفع تدريجيا في العراق أصوات المؤيدين له وتتشكل جماعات من أنصار السلام أصدرت عددا من البيانات والمنشورات لتأييده.
ولعل من أوائل اللقاءات بين المهتمين بتأسيس الحركة في العراق والحركة العالمية كان لقاء تم في بيروت بين الشاعر العراقي كاظم السماوي والمهندس أنطوان ثابت و الدكتور جورج حنّا وكان الأخيران عضوين عن لبنان في مجلس السلم العالمي (والمعروف أن الأول كان من قادة الحزب الشيوعي اللبناني). وعند عودة السماوي إلى بغداد حاملا بيانات مجلس السلم العالمي وما نشر في الخارج عن الحركة وأهدافها, دعا إلى اجتماع حضره كل من كاظم الدجيلي نائب رئيس اتحاد نقابات العمال والدكتور صفاء الحافظ والشاعر محمد صالح بحر العلوم والدكتور خليل جميل الجواد (وأغلبهم أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي أو على علاقة وثيقة به) حيث اتفقوا على تأسيس الحركة وأصدروا أول بيان باسمها. ويذكر كاظم السماوي أن ذلك البيان لقي قبولا طيبا من الناس بصورة عامة وأن المؤسسين حرصوا على أن لا يكون للحركة طابعا حزبيا, كما كان لتأييد رجل الدين المعروف الشيخ عبدالكريم الماشطة أثر بالغ في دعمها.
وفي صيف 1950 نشرت جريدة الأهالي رسالة جوليو كوري إلى عدد من الشخصيات العراقية, أسوة بغيرهم من الشخصيات في العالم, حول ضرورة تحريم القنبلة الذرية (نداء ستوكهولم) كما نشرت إلى جانب الرسالة أجوبة كامل الجادرجي وهبة الدين الشهرستاني والشيخ الخالصي وغيرهم ممن تلقوا الرسالة في العراق.
وتشكلت في منتصف تموز/يوليو 1950 في بغداد "لجنة تحضيرية لأنصار السلام" برئاسة محمد مهدي الجواهري وكان أغلب أعضائها من اليساريين المستقلين المعروفين, ثم بادرت هذه الجماعة إلى إصدار بيان إلى الشعب العراقي, نشر في الصحف بتوقيع عدد من رجال الفكر والشخصيات الاجتماعية المعروفة, يدعونه فيه إلى تأييد نداء ستوكهولم بجمع التواقيع عليه ومساندة الدعوة لنشر السلام العالمي ومقاومة أخطار الحرب. وكان من بين الموقعين على هذا البيان محمد مهدي الجواهري وعبدالوهاب محمود (نقيب المحامين في العراق) والمحامي توفيق منير والشاعر بدر شاكر السياب والفنان يوسف العاني والصحفي عبدالجبار وهبي والشاعر محمد صالح بحر العلوم والمحامي عامر عبدالله والدكتورة خالدة القيسي والدكتور عبدالله إسماعيل البستاني, وقد اعتبر ذلك البيان خطوة هامة لتعزيز نشاط الحركة وظهورها إلى العلن. . وبدأت عندئذ حملة جمع التواقيع على نداء ستوكهولم في كافة أطراف العراق بتحشيد من الحزب الشيوعي وبتعاون الديمقراطيين واليساريين في ذلك مما أثار انزعاج وهلع الحكومة التي أوعزت إلى وسائل إعلامها بمهاجمة حركة السلم العالمية ومؤازريها.
كذلك كانت قصيدة السماوي "أجنحة السلام" التي صدرت عند ذاك في كراس أول بادرة أدبية عن موضوع السلام في العراق كما كانت باعثا للحوار على صفحات جريدة العالم العربي لصاحبها لطفي بكر صدقي شارك فيه عدد من الأدباء التقدميين منهم محمد شرارة وحسين مروّة و جاسم محمد الرجب حول بناء القصيدة ذاتها وحول مفهوم السلام. والمعروف أن السماوي أصدر بعد ذلك بفترة قريبة ديوانا شعريا بعنوان "الحرب والسلام" طبع في بيروت. وقد انتدب السماوي عام 1952 لتمثيل حركة السلم العراقية في مؤتمر السلام العالمي لشعوب آسيا والباسيفيكي الذي انعقد في بكين وكانت مشاركته هي السبب المباشر لإسقاط الجنسية العراقية عنه من قبل الحكومة في تلك السنة. كذلك مثّل السماوي حركة السلم العراقية في مؤتمر الشعوب للسلام العالمي في فيينا حيث ضم الوفد الدكتورة نزيهة الدليمي وعضوين آخرين حضرا معها من العراق, كما مثل السماوي الحركة في مؤتمر شعوب الشرقين الأدنى والأوسط للسلام في بيروت.
ولا شك أن تأسيس حركة السلم العالمية ومن ثم اتساعها وتعاظم شأنها قد تم بدعم واضح من قبل دول المعسكر الاشتراكي وعلى رأسه الاتحاد السوفيتي والأحزاب الشيوعية والحركات والمنظمات اليسارية على المستويين العالمي والوطني. وان حركات السلم العالمية والوطنية قد ظهرت إلى الوجود في جو الحرب الباردة المتأزم وتصاعد عنفوان حركات التحرر الوطني في العالم بعد الحرب العالمية الثانية. وقد تعرضت حركة السلم في العراق عند نشأتها إلى مقاومة السلطة الشديدة, وغادر العراق أبرز وجوهها آنذاك, محمد مهدي الجواهري, للإقامة في مصر احتجاجا على اضطهاد الحكومة له و لنشاطه الفكري والصحفي. ثم قامت وزارة الداخلية بمنع نشاط ما أسمته ب"مؤسسي جمعية أنصار السلام" في خريف 1951 واعتقلت الشاعر محمد صالح بحر العلوم الذي حوكم بتهمة إصدار منشورات "الجمعية" بدون إجازة. وتزايدت حملة الاعتقالات بين أنصار السلم عام 1952 فقدموا مذكرة احتجاج إلى الحكومة أوضحوا فيها ما يتعرضون إليه من اعتداءات تعسفية من تحري الدور والمكاتب والاعتقال ومصادرة أدبيات السلم التي سبق نشرها وتوزيعها وفق قانون المطبوعات.
وتتحدد مشاركتي في حركة السلم في العراق إبان العهد الملكي في سنوات 1953-1955وهي فترة نشاط هامة في تاريخ الحركة. وقد دعيت لأول مرة إلى اجتماع "لجنة السلم الوطنية" في خريف 1953. وكانت اللجنة تتكون من أشخاص عاملين في الحزب الشيوعي وآخرين قريبين منه, كما كانت الاجتماعات تتم بصورة سرية وتبحث فيها عادة بيانات وأنباء حركة السلم العالمية وطريقة التجاوب معها على المستوى الوطني, إلى جانب بحث الأحداث والتطورات السياسية الداخلية وموقف الحركة منها, وكذلك المبادرات والأنشطة الممكنة شعبيا من خلال لجان أنصار السلم في بغداد وخارجها. و من الناحية العملية كان الخط التنظيمي الذي يربط هذه اللجان يستند إلى التنظيم السري للحزب الشيوعي وان كانت تلك اللجان تضم أيضا أشخاصا لا ينتمون إلى الحزب الشيوعي, ولم يكن أعضاء اللجنة الوطنية للحركة على علم تفصيلي بأشخاص أعضاء تلك اللجان إذ كان الذي يتولى الصلة باللجان المشكلة في بغداد وخارجها , بصورة أو بأخرى , هو عضو اللجنة الوطنية عطشان ضيول الازيرجاوي وهو قائد شيوعي وعضو في لجنة الحزب المركزية (شبه مختف تقريبا يوم ذاك) وكان هو نفسه صلة الوصل بين أعضاء اللجنة الوطنية للحركة من الحزبيين وقيادة الحزب الشيوعي.
وحسبما أذكر كان في اللجنة الوطنية عند انضمامي إليها كل من عطشان الازيرجاوي وعامر عبدالله وصفاء الحافظ وصلاح خالص وكمال عمر نظمي وعلي ياسين الحلافي وخلوق أمين زكي ونزيهة الدليمي. و كنا جميعا في ذات الوقت, باستثناء علي ياسين و خلوق أمين زكي, نشكل اللجنة الحزبية المختصة بحركة السلم والتي كان مسئولها هو عطشان الازيرجاوي. و كان هناك عدد لا يستهان به من الشخصيات الوطنية المعروفة ذات الاتجاه اليساري والديمقراطي يساندون الحركة ويشاركون في توقيع بياناتها وفي أنشطتها المتعددة. وأذكر من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر الشيخ عبدالكريم الماشطة و عبدالوهاب محمود (نقيب المحامين والوزير السابق) والمحامي توفيق منير والسياسي الكردي إبراهيم أحمد و الشاعر الكردي عبدالله كوران والشيخ محمد الشبيبي والشاعر محمد صالح بحر العلوم والمهندس رضا جليل , مع الاعتذار عن عدم ذكر الكثيرين من الذين ساهموا بنشاط في عمل الحركة لخيانة الذاكرة.
ونظرا لما كان يتردد من عدم وضوح أهداف الحركة وطبيعتها ولما كانت وسائل الإعلام الحكومية تثيره من اتهامها بالشيوعية والعمل لخدمة سياسة الاتحاد السوفياتي فقد نشرت الحركة سلسلة مقالات في جريدة الأهالي تحت اسم المحامي توفيق منير لإيضاح أهدافها وطبيعتها وأساليب عملها ثم وحدت هذه المقالات ونشرتها في كتيب بعنوان " حركة السلم على حقيقتها " تحت اسم توفيق منير أيضا. وقد نال ذلك الكتيب أهمية خاصة ولقي نجاحا و إقبالا واسعا في حينه باعتباره دليلا لعمل أنصار السلم في العراق. و لعل من الإنصاف أن أذكر هنا أن كاتب الكراس الحقيقي هو عامر عبدالله الذي كان حينئذ قد اختار أن يكرس نشاطه للعمل الحزبي السري مختفيا في أحد البيوت الحزبية. ومن الجدير بالذكر أن كامل الجادرجي كان يشرف شخصيا على نشر تلك المقالات في الأهالي ويقترح بعض التعديلات عليها تأكيدا لاهتمامه بها وحرصا على شمولها وجهات النظر التي تعبر عن تنوع الأطراف المناهضة للمشاريع الحربية والمؤيدة لاستتباب السلم في العالم.
وقد جرت, في بادئ الأمر, محاولات غير موفقة لتوسيع اللجنة الوطنية بضم أشخاص مستقلين أو من أحزاب أخرى إليها. وأذكر من ذلك دعوتنا لعدد من هؤلاء إلى اجتماع لهذا الغرض فلم يحضر سوى طلعت الشيباني وجلال الأوقاتي اللذان اعتذرا بعد الاجتماع عن الانضمام إلى اللجنة. ولكن الحركة نجحت بعد فترة من الزمن في ضم عضوين من أعضاء اللجنة المركزية للحزب الوطني الديمقراطي هما مظهر العزاوي وعواد علي النجم إلى اللجنة الوطنية, ولاشك أن ذلك تم بموافقة رئيس الحزب كامل الجادرجي.
أصبحت حركة السلم في العراق آنذاك طرفا سياسيا يلعب دورا معروفا على المستوى الوطني وفي محاولة تقريب وجهات النظر بين الأحزاب العلنية كالحزب الوطني الديمقراطي, وعن طريقه حزب الاستقلال, و كذلك تكتل النواب المعارضين في البرلمان وبين الحزب الشيوعي العراقي السري. وكانت جريدة الأهالي تتعامل مع حركة السلم بروح طيبة من التعاون والتفاهم وتنشر بانتظام بياناتها وأخبارها. وفي كل ذلك كانت تلك القوى السياسية تعتبر قيادة حركة السلم واجهة للحزب الشيوعي السري وتتعامل معها على هذا الأساس.
كنا, صفاء الحافظ وصلاح خالص وعلي ياسين وأنا ويشاركنا رضا جليل أحيانا , نشكل حلقة الوصل بين حركة السلم والأحزاب والشخصيات السياسية المعارضة, ولم يشارك عطشان الازيرجاوي في ذلك. وكانت صلاتنا مستمرة ومنتظمة بصورة خاصة مع كامل الجادرجي وجريدة الأهالي التي كانت معقلا حقيقيا للصمود في وجه قمع السلطة للإرادة الشعبية ولتجميع جهود كافة القوى المعارضة من أجل التحرر والديمقراطية.
في هذه الفترة تعاظم نشاط الحركة وأهمية دورها في البلاد فتشكلت لجان أنصار السلم في أكثر الألوية (المحافظات) والأقضية والنواحي المهمة وذلك عادة بمبادرة من منظمات الحزب الشيوعي وبتعاون عدد من أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي واليساريين المستقلين. وقد اتصل نزاد عزيز (الذي أصبح في التسعينات نائبا لرئيس مجلس الشعب في كردستان العراق) باللجنة الوطنية للحركة معربا عن استعداد قادة الحركة القومية الكردية لمساندة حركة السلم وانضمام عدد منهم إليها ومشاركة أعضائهم في نشاطها, ومنذ ذلك الحين ساهمت منظماتهم ومؤازريها مساهمة نشيطة في الحركة. كذلك ازداد عدد العاملين في الحركة واتسع انتشار لجانها في ربوع العراق. ، فعقد، على سبيل المثال, مؤتمر لأنصار السلم في بغداد في صيف 1953 حضره نحو مائة مندوب, في أحد البساتين في المنطقة الكائنة بين الكرخ والكاظمية حيث افترش المؤتمرون "الحصران" وعقدوا اجتماعهم تحت حراسة عدد من فلاحي المنطقة. وفي هذا المؤتمر البسيط حصل الشاب حافظ تركي على جائزة لجمعه أكبر عدد من التواقيع لتحريم القنابل الذريّة وانتصارا للسلم العالمي، وكانت الجائزة هي حمامة سلام ذهبية (حمامة بيكاسو) صنعها أحد صاغة شارع النهر في بغداد من أنصار السلام.
وإذ اشتد أزر حركة السلم وأصبحت تلعب دورا مؤثرا في الوضع السياسي ازداد الإحساس بلزوم ظهورها بأشخاصها ومؤيديها إلى العلن كحركة معترف بها واقعيا إن لم يكن رسميا حيث كانت أهدافها وغاياتها مقبولة ومطلوبة من أكثرية المواطنين والمواطنات على تباين معتقداتهم الاجتماعية والسياسية. وهكذا تقرر عقد أول مؤتمر وطني للحركة في صيف عام 1954. ولم يتم تقديم طلب إلى السلطة بعقد المؤتمر حيث كانت استجابتها لذلك أمرا أقرب إلى المستحيل في الظروف السياسية السائدة. وجرى تنظيم انعقاد المؤتمر بصورة شبه سرية للحفاظ على أمن وسلامة المشاركين ولإنجاز أعماله دون عراقيل.
وقد تشكلت لجنة تحضيرية للمؤتمر من طلعت الشيباني ونزيهة الدليمي وصلاح خالص وعطشان الازيرجاوي وكمال عمر نظمي وفاروق برتو . و أتفق على قيام عطشان الازيرجاوي بالاتصال والتنسيق مع لجان الحركة خارج بغداد وقيام أعضاء اللجنة الآخرين بإعداد التقارير وتنظيم تفاصيل عقد المؤتمر . وكانت اجتماعات اللجنة التحضيرية تعقد في الغالب في دار كمال عمر نظمي في العيواضية. كذلك عقدت اجتماعات عديدة إعدادا للمؤتمر حضرها ممثلون عن الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الديمقراطي الكردي وعدد من المستقلين كما عقد اجتماع لنصيرات السلم في بغداد في أحد البيوت حضرته أكثر من خمسين منهن وتمت تسمية عشرين سيدة لحضور المؤتمر.
عقد المؤتمر لمدة يومين في 22 و23 تموز 1954, وذلك حوالي الساعة السادسة من مساء كل يوم واستمرت كل جلسة ثلاثة إلى أربعة ساعات تقريبا. وعقدت جلسة اليوم الأول في قطعة أرض وحديقة مسوّرة يملكها الدكتور أحمد جعفر الجلبي في كرادة مريم قرب دجلة وأحسب أنها نفس الأرض التي ابتنى فيها بعدئذ داره التي سكنها حتى استملكتها حكومة انقلاب 1968, بعد توقيفه وتعذيبه, لتضم إلى الأراضي التي خصصت لسكن الحكام الجدد. أما الجلسة الثانية فقد عقدت في حديقة دارنا في الوزيرية ببغداد.
حضر المؤتمر 103 مندوبا أذكر منهم الشيخ عبدالكريم الماشطة(وكان قد اختير عضوا في مجلس السلم العالمي) وعبدالله كوران و خدوري خدوري و نائل سمحيري و توفيق منير و جلال الأوقاتي و طلعت الشيباني و عبدالله إسماعيل البستاني و شيخ لطيف شيخ محمود الحفيد و مظهر العزاوي و عوّاد علي النجم و فيصل السامر وإبراهيم أحمد و إسماعيل حقي شاويس و الشيخ محمد الشبيبي و عبدالغني مطر و داود حبيب ونزيهة الدليمي و صفاء الحافظ و صلاح خالص و علي ياسين و كمال عمر نظمي و عطشان الازيرجاوي و خلوق أمين زكي و رضا جليل و مهدي محبوبه و إنعام العبايجي و نظيمه عبدالباقي (أم غصّوب) و عبدالرزاق زبير و قاسم أحمد العباس و عبدالقادر العيّاش و محمود الجنابي و أحمد جعفر الجلبي و فاروق برتو. وكان عدد الحاضرات من النساء عشرين مندوبة, مع الاعتذار للأكثرية الذين يتعذر على ذاكرتي حصرهم.
في اليوم الأول ألقى الشيخ عبدالكريم الماشطة كلمة افتتاح المؤتمر مرحبا بالمشاركين, وقدم أعضاء من اللجنة التحضيرية تقارير عن الوضع السياسي في العراق والوطن العربي والعالم كما قدم عطشان الازيرجاوي تقريرا عن الأمور التنظيمية للحركة. وبعد ذلك ألقى عبدالله كوران كلمة باسم أنصار السلم في كردستان و ألقيت كلمة أنصار السلم في بغداد وكلمات من بعض المندوبين من خارج بغداد وتليت رسائل التحيات من جهات عديدة. ثم تكلم عدد من الحاضرين معلقين على التقارير ومتحدثين عن طبيعة حركة السلم ونشاطها ومقترحين خطوات العمل في المستقبل. واتفق في نهاية عمل اليوم الأول على أن يتوزع المؤتمرون في مجموعتين تجتمعان صباح اليوم الثاني لاعداد المقررات,الأولى في دار كمال عمر نظمي والثانية في دار فاروق برتو, ثم تقوم اللجنة التحضيرية بإعداد مسودة بيان باسم المؤتمر الأول لحركة أنصار السلم في العراق يعرض على المؤتمرين للمناقشة في المساء.
وفي مساء اليوم الثاني جرت مناقشة البيان المقترح وأدخلت عليه بعض التعديلات والإضافات , ثم تمت الموافقة عليه برفع الأيدي في جو من التفاهم والحماس. وقد وقع على البيان حوالي أربعين شخصا من الحاضرين, إذ ارتأت اللجنة الوطنية إعفاء الموظفين من التوقيع على البيان تفاديا لاحتمال فصلهم من أعمالهم. وجدد الجميع العهد على مواصلة العمل متعاونين على تحقيق أهداف الحركة وتحدي مضايقات وتنكيل السلطة في سبيل ذلك. وتم نشر البيان كاملا مع أسماء الموقعين عليه في اليوم التالي على كامل الصفحة الثانية من جريدة الأهالي وفي صحف أخرى, فأثار نشره موجة من الترحيب والإعجاب بين المواطنين والكثير من الانزعاج والغضب في أوساط السلطة وأنصار حلف بغداد. ولا شك أن انعقاد المؤتمر والبيان الذي وجهه إلى الشعب العراقي في تلك الظروف الصعبة التي كانت تواجهها الحركة الوطنية في العراق وحركة التحرر العربية في المنطقة كان من معالم التصميم على استمرار النضال ضد الاستعمار وأحلافه العسكرية العدوانية المناقضة لمصالح شعوب المنطقة في التحرر والسلم والتقدم. وقبل اختتام المؤتمر جرى تكريم الشيخ الماشطة وعبدالله كوران وعطشان الازيرجاوي بتقديم شارات حمامة السلام الذهبية (حمامة بيكاسو) لهم تقديرا لدورهم الهام والنشيط في الحركة ثم ألقى الشيخ الماشطة كلمة اختتام المؤتمر داعيا إلى مواصلة العمل الجاد لنشر أفكار الحركة وتحقيق أهدافها.
وعند الشروع في الإعداد للانتخابات النيابية التي جرت في منتصف حزيران/يونيو 1954 لعبت حركة السلم دورا نشيطا لتكوين "الجبهة الوطنية المتحدة" بين الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال والحزب الشيوعي وهي جبهة أو تحالف مؤقت يقتصر على خوض المعركة الانتخابية. وقد وقع بيان الإعلان عن الجبهة وميثاقها ممثلون عن الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال وحركة أنصار السلام وممثلون عن العمال والفلاحين والطلاب والمحامين والأطباء.
فاز أحد عشر مرشحا عن الجبهة الوطنية المتحدة بعضوية المجلس النيابي كما فاز عدد من مرشحي الجبهة الشعبية وهي كتلة برلمانية وطنية معارضة يتزعمها نصرة الفارسي والشيخ رضا الشبيبي, و فاز أشخاص وطنيون مستقلون آخرون عرفوا بمعارضتهم للسلطة, وذلك في الأساس عن مدن بغداد والموصل والبصرة, حيث أن السلطة كانت مصممة على عدم السماح للمعارضة بالفوز خارج المدن الكبرى الثلاثة وقامت بتزييف متعمد مفضوح للانتخابات في مدن أخرى كالنجف والحلة والسليمانية والعمارة وغيرها. عندئذ استقالت وزارة أرشد العمري التي أجرت الانتخابات وعهد إلى نوري السعيد بتشكيل وزارة جديدة فكان أول إجراء له أن حل المجلس النيابي الجديد, الذي لم يعقد أولى جلساته بعد,تفاديا لمواجهة معارضة التكتل الوطني الهام نسبيا في المجلس.
ومع تصاعد نضال حركة التحرر العربي ضد المخططات والأحلاف الاستعمارية واتساع نفوذ معسكر الحياد الإيجابي و تعبير المعارضة الوطنية عن تأييدها لمواقف القيادة المصرية ضد الأحلاف العسكرية وشجبها لمواقف الحكومة العراقية الممالئة للسياسة الاستعمارية, شددت الحكومة الجديدة حملتها ضد الحركة الوطنية بصورة عامة في خريف 1954فقامت بإصدار عدد من المراسيم التعسفية كان من بينها مرسوم تعديل ذيل قانون العقوبات البغدادي الذي صدر في 22 آب 1954 حيث تم بالإضافة إلى جرائم تحبيذ و ترويج المذاهب الاشتراكية والبلشفية والشيوعية والفوضوية والإباحية وما يماثلها ) التي كانت تقع تحت طائلة قانون العقوبات, إدراج فقرة جديدة نصها " سواء كان ذلك مباشرة أو بواسطة هيئات أو منظمات تهدف إلى خدمة أغراض المذهب المذكور تحت ستار أي اسم كان كأنصار السلام والشبيبة الديمقراطية وما شاكل ذلك"؛ كما أصدرت تلك الوزارة مراسيم مجحفة أخرى منها مرسوم ذيل قانون الجنسية الذي صدر في نفس اليوم كسابقه ومرسوم النقابات. وقد أصبح "مرسوم ما شاكل ذلك" موضع تندر وسخرية الناس واستنكارهم. و استندت الحكومة إلى هذه المراسيم فور إصدارها في إغلاق الصحف المعارضة واعتقال العديد من المعارضين وفصل عدد من أساتذة الكليات وموظفي الدولة من مختلف الاتجاهات السياسية من وظائفهم. وكان من ضمن المفصولين، على سبيل المثال, عبد الرحمن البزّاز وهو حينذاك أستاذ في كلية الحقوق. كما كان من بينهم عدد من العاملين والمؤازرين لحركة السلم . وقد تم فصل طبيبين فقط من وزارة الصحة هما أحمد جعفر الجلبي وفاروق برتو. كذلك قامت الحكومة بتجنيد المئات من خريجي الجامعات, بينهم عدد من أساتذتها ومدرسيها, وألزمتهم بالبقاء طوال مدة التجنيد معزولين وشبه معتقلين في معسكر السعدية القريب من شهربان.
وهكذا ساد في البلاد جو إرهابي خانق عانت منه حركة السلم شأنها شأن كافة أطراف الحركة الوطنية فحرمت من حرية الاجتماع والنشر ومخاطبة الشعب بأية وسيلة كانت. وكان نصيب حركة السلم من تلك الحملة, بالإضافة إلى ما تقدم, تشديد الإرهاب على رموزها واحالة كافة الموقعين على بيان مؤتمرها الوطني الأول إلى المحاكم بتهمة تشكيل جمعية غير مجازة قانونا تدعو إلى الشيوعية والفوضى, فأصبح المنادون بالسلم عرضة للملاحقة والاعتقال من قبل دوائر الأمن والمحاكم. وأستدعي كافة الموقعين على بيان المؤتمر الأول لأنصار السلم أو أكثرهم إلى مديرية التحقيقات الجنائية (الأمن العام ) للتحقيق معهم وقد دافع أغلبهم عن صحة توقيعهم معربين عن تمسكهم بالدفاع عن السلم العالمي والدعوة له كقضية إنسانية طبيعية. وبعد انتهاء التحقيق معي طلبت دائرة التحقيقات الجنائية من حاكم تحقيق الرصافة- بغداد احتجازي في الموقف لمدة معينة لا أذكرها بالضبط ولكنه قرر إطلاق سراحي بكفالة شخص ضامن إلى حين البت في القضية من قبل المحكمة. ولا أعتقد أن أحدا من الموقعين قد أوقف بسبب توقيع البيان بل أطلق سراحهم بكفالة أيضا. بعد التحقيق أحلنا جميعا إلى محكمة جزاء بغداد حيث تطوع عدد كبير من المحامين للدفاع عنا ولكن المحكمة أصدرت حكمها بإدانة الحركة والحكم على المتهمين بالسجن لمدة سنة لكل منهم حسبما أذكر, وعندئذ قدم المحامون دعوى إلى محكمة تمييز العراق يفندون فيها حكم محكمة الجزاء ويطالبون بردّه, وبعد أسابيع أصدرت محكمة التمييز في جلسة رأسها نائب الرئيس علي محمود الشيخ علي قرارا جريئا رائعا ردّت فيه حكم محكمة الجزاء كما أعلنت فيه بوضوح رأيها بأن أهداف حركة السلم هي أهداف إنسانية سامية وأن الحركة لم يصدر عنها ما يهدد أمن البلاد واستقرارها.
و استمرت فترة من الركود السياسي اشتد فيها الحصار على الحركة الوطنية بمجملها, وضمنها حركة السلم, وكبتت الحريات العامة حتى ثورة تموز 1958 وانهيار العهد الملكي حيث جددت حركة السلم نشاطها كما هو معروف.
لقد رجعت في تدقيق بعض المعلومات إلى ما كتبه الفقيد صفاء الحافظ في "الفكر الجديد" تحت عنوان "المؤتمر الأول لأنصار السلام في العراق" بتأريخ 27/7/1978, كما أود بهذه المناسبة أن أعبر عن شكري و تقديري للأستاذ الشاعر كاظم السماوي لتكرمه بمعلومات عن بدايات الحركة وكذلك إلى الدكتورة نزيهة الدليمي على ما تفضلت به من مساعدة في هذا الأمر.
________________________________________________________
*http://www.marafea.org/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=2756

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كنيسة مار توما في الموصل ...........صورة من الداخل

                                                                  كنيسة مار توما في الموصل وإبداعات المصور الفوتوغرافي الرقمي الاخ والصديق ا...