سليمان موسى المؤرخ الاردني الكبير 1919-2008
ا.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ متمرس –جامعة الموصل
اعتدت في كل زيارةٍ أقوم بها لعّمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية ، أن التقي المؤرخ الأردني الكبير سليمان موسى صاحب المؤلفات العديدة في التاريخ الأردني الحديث والمعاصر ، والتاريخ العربي الحديث والمعاصر .. وفي تموز الماضي 2008 ذهبت لأراه فقيل لي بأنه قد رحل قبل أيام (9 حزيران 2008 ) فتأسفت كثيراً وترحمت عليه .. رحمك الله يا أستاذ سليمان .. يا أبا عصام وأسكنك فسيح جنانه وجزاك خيراً على ما قدمت لوطنك وأمتك .. فلقد رحلت عنا بصمت ، وقبل رحيلك قرأت على شبكة المعلومات العالمية ( الانترنت ) ،انك أصدرت كتباً جديدة منها كتابك الذي أرخت فيه لنفسك وكان بعنوان : (( ثمانون : رحلة الأيام والأعوام )) .. الفت هذا الكتاب ، بعد أن اجتزت الـ (80) عاماً .. وفي هذا الكتاب أردت تدوين سيرتك كإنسان أدركته حرفة الكتابة وحب التاريخ منذ أيام الشباب الباكر .. ومما قرأته عنك (( أن همك وهدفك انحصر في الإتيان بالجديد كنت تقول ما قيمة الكتابة إذا لم يأتِ احدنا بالجديد .. كنت في حياتك تحب العمل والعمل الجاد .. كنت تحسب نفسك صاحب رسالة بناء ومحبة ، وقد حرصت على أن تطرح آراءك ووجهات نظرك وتفسيراتك لأحداث التاريخ بكل كفاءة وصراحة وقوة .. وأتذكر جيداً كيف كتبت عن ( لورانس العرب ) كما كان يسمى .. كتبت عنه بالإنكليزية من وجهة نظر عربية .. بعد ان ازدحمت الآراء عنه وتشابكت التفسيرات )) ..
رحمك الله فقد كنت تؤكد بان العمل هو سبب بقاءك فما دمت تعمل فانك موجود .. وها أنت قد رحلت وما بقي يوثق لعملك ويؤرخ لإنتاجك .. ومع انك قد تجاوزت الثمانين من العمر إلا أن القلم لم يسقط من يدك .. وكنت تقول لمن حولك أن العمل هو السبيل الأمثل لاغناء الحياة .
سألت احد الأصدقاء في عمان .. وقلت له هل كرم الأستاذ سليمان موسى بعد وفاته ..وهل أقيم له حفل تأبين فقال نعم .. فلقد أقامت له وزارة الثقافة ( الأردنية ) يوم 11 آب 2008 حفلاً تأبينياً في قاعة المؤتمرات في المركز الثقافي الملكي برعاية السيدة نانسي باكير وزيرة الثقافة ، وفي الحفل ألقى عدد من الحاضرين كلمات منها كلمة الأستاذ الدكتور محمد جاسم المشهداني الأمين العام لاتحاد المؤرخين العرب .
لمن لا يعرف المؤرخ الأردني الأستاذ سليمان موسى لابد أن نقف قليلاً عند سيرته الذاتية فنقول انه ولد في قرية الرفيد شمال مدينة اربد سنة 1919 وتلقى تعلميه الأول في المدرسة الابتدائية هناك ثم في مدينة الحصن، وحصل على دبلوم صحافة من جامعة لندن ، وعمل في سلك التعليم ، ونقل خدماته إلى شركة نفط العراق في المفرق ، وتزوج سنة 1943 ،واتجه نحو الكتابة وتفرغ لهذا العمل .. وفي أواسط الخمسينات من القرن الماضي اشتغل في إذاعة عمان ، وبعدها اختير ليرأس تحرير ( مجلة رسالة الأردن 1958 - 1962 ) والتي كانت تصدرها دائرة المطبوعات والنشر وبين سنتي 1966 و 1967 تسلم رئاسة تحرير ( مجلة أفكار )، وقد منحه الملك حسين وسام الاستقلال من الدرجة الأولى سنة 1971 ، وحاز على جائزة الملك عبد الله من المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية عن كتابه : (( أمارة شرقي الأردن : نشأتها وتطورها في ربع قرن 1921 - 1946 )) وحاز كذلك على جائزة الدولة التقديرية ومنحه الملك عبد الله الثاني وسام الاستقلال سنة 2002 وفي سنة 2007 منح وسام الحسين للعطاء المتميز . من كتبه المنشورة : تاريخ الثورة العربية ، الحركة العربية ، أعلام من الأردن ، وجوه وملامح ، تاريخ الأردن في القرن العشرين ، أيام لا تنسى ، الأردن في حرب 1948 ، تاريخ الأردن السياسي المعاصر 1967 - 1955 ، في ربوع الأردن ، شرقي الأردن قبل تأسيس الإمارة ، تأسيس الإمارة الأردنية 1921 - 1925 ، دراسات في تاريخ الأردن الحديث ، لورنس والعرب .. وجهة نظر عربية .وقد نشر بالعربية والانكليزية والفرنسية واليابانية ولسليمان موسى كتب مترجمة من الإنكليزية .. كما انه له مئات المقالات والدراسات المنشورة في الصحف والمجلات الأردنية والعربية والأجنبية ليس من السهولة حصرها في مقال مقتضب كهذا .. ولكن لابد لنا من الإشارة إلى جانب من رؤيته للكتابة التاريخية المعاصرة .
كان سليمان موسى يقول انه مركز كتاباته التاريخية على موضوعين أولهما تاريخ الثورة العربية . وثانيهما تاريخ الأردن الحديث والتركيز على موضوع والتعمق فيه ، حسب رأيه ، يؤدي إلى إنجازات أكثر رسوخاً من توزيع جهد الكاتب على موضوعات شتى . ويضيف :" كان من اتساع آفاق المعرفة في عصرنا الحاضر وسهولة أسباب الاتصال ونشر المعلومات أن أصبح التخصص ضرورياً أكثر من أي وقت مضى " . وقد أكد " بأن الكتابة في التاريخ الحديث تنطوي على مزالق ومخاطر لها أول وليس لها أخر .. نأتي على ذكر أسماء أشخاص ما يزالون بين ظهرانينا ، أو ما يزال أبناؤهم وأحفادهم ، فليكن الله في عون الكاتب إذا خرج قلمه عن اطر الإشادة والتمجيد ، أو إذا طاشت سهام قلمه بكلمة تثير الحساسيات" .
لابد من كلمة أخيرة أقولها بحق هذا الرجل .. فسليمان موسى كان على صلة وثيقة بتاريخ العراق المعاصر .. وكانت له علاقات واسعة مع المؤرخين العراقيين المعاصرين وفي مقدمتهم الأستاذين الجليلين عبد الرزاق الحسني وسعيد الديوه جي رحمهما الله .. كما ارتبط بصداقات مع عدد من طلبة الدراسات العليا العراقيين والمتخصصين بالتاريخ الحديث .. وكان يسألني عنهم واحداً واحداً .. ويبلغهم تحياته وتمنياته لهم بالنجاح والتوفيق ومنهم من كتب عن تاريخ الأردن الحديث والمعاصر وعلاقاته الخارجية وأوضاعه السياسية والاقتصادية وكان سليمان موسى فضلاً عن ذلك قاصاً .. له انتاجات أدبية، كما ألف كتاباً مبسطة في التاريخ للشباب والأطفال .. رحمه الله فلقد افتقدناه وعزاؤنا انه ترك لنا ما يجعلنا نذكره ولد صالح وعلم ينتفع به
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق