الاثنين، 9 نوفمبر 2015

هي حربٌ صليبيـَّة ٌ* شعر :عبد الرزاق عبد الواحد 







هي حربٌ صليبيـَّة ٌ*
شعر :عبد الرزاق عبد الواحد 
كلـَّما أصبحَ الماءُ ضَحْلاً بِمَجرى الفـُراتـَين ِ 
حـَدَّ الجَفـافْ 
وَتـَفـَطـَّرَتْ الأرضُ حَولَ الضِّـفافْ 
نـَثـَرَ النـَّخْلُ شَعفـَتَه ُ 
ثـُمَّ جَـرَّدَ سـَعفـَتـَه ُ 
وَغَفـا نِصْـفَ عـَيْنْ 
عِندَها يَشهـَقُ المـاءُ في الرّافِـدَينْ 
وَيـَلوحُ على الأ ُفـْق ِوَجـْه ُالحُسـينْ !
وَبينَ الصَّلاة ِوَبينَ الـدُّعـاءْ 
يَسـمَعُ النـّاسُ هذا النـِّداءْ :
حينَ يُصبحُ دَجلـَة ُ أوشالَ مـاءْ 
وَيَصيرُ الفـُراتُ بلـَون ِالدِّمـاءْ 
فاعلـَموا أنَّها دَعوَة ٌ للشـَّهادَه 
تـَصعَد ُ الآنَ من كربلاءْ 
وَتـَد ُقُّ على كلِّ بابٍ عراقيـَّة ٍ 
وهيَ تـَصرَخُ بالدم ِ : 
إنهـَضْ 
فإنَّ زَمـانَ البطولـَة ِجـاءْ !
أيـُّهـا النـّاسْ 
لم يـَكـُنْ عَبَثـاً أنَّ كلَّ دَم ِ الأنبيـاءْ 
جازَ كلَّ الوِهادِ ، وكلَّ الهـِضابْ 
وَتـَخَيـَّرَ هذا التـُّرابْ 
عَلـَيه ِيُراقْ 
لم يَكـُنْ عَبَثـاً أن يَصيرَ العراقْ 
سـاحة ًللشـَّهادَه 
إنـَّها سِمَة ٌ من سِماتِ العِبادَه 
وَمِن الموتِ فيهـا تـَجيءُ الولادَه !
وَيُقاضونَكَ الآن 
كيفَ استَـتَبَّ لكَ الأمرُ يا وَطني ! 
كيفَ صارَتْ شـَواطيكَ أبهى 
وَمَغـانيكَ أزهى 
وعيونُ مياهـِكَ أنقى وأشهى
كيفَ أصبـَحتَ أغنى 
كيفَ صارَ لكلِّ بَريق ٍ بِعَينـَيكَ مَعنى
كيفَ لم يَنضبْ الماءُ فيكْ 
كيفَ لم يَنضب الـدَّمُ فيكْ 
كيفَ لم تـَنهَدِمْ بَعدَما ذبَحَ الشَّرُّ أبهى بَنيكْ
وَمِن دون ِأن تتَكلـَّمَ يا وطـَني 
يَتـَرَقرَقُ في دَجلـَة َالماءُ 
أزرَقَ لـَونَ المَحابـِرْ 
أسوَدَ لـَونَ المَحاجـِرْ 
أحمَرَ لـَونَ الدِّمـاءْ ..
قِطـَط ٌمَذعوره 
وكلابٌ مَسعوره 
تَركضُ فوقَ رُكام ِالكـُتـُبِ المَطمورَه 
في أعماق ِالمـاءْ
آلافُ الأقدام ِوآلافُ السّيقانْ 
تـَظهَرُ في الصّورَه 
تـَعبُرُ في الظلماءْ 
فوقَ الكـُتـُبِ المَغموره 
تـَنزَلِقُ الأقدامُ ، 
وَتـَنزَلِقُ الأجسامُ 
فـَيَغمُرُها الماءْ ..
سـيقانٌ مَعقورَه 
وبطونٌ مَبقـورَه 
وعَويلٌ.. وَبُكـاءْ 
وأكـُفُّ صِغـار ٍمَبتورَه 
عالِقة ٌبالأثـداءْ
وَيَسيلُ المـاءُ 
يَسيلُ المـاءُ 
يَسيلُ المـاءْ 
وَتـَنغَلِق ُالصُّورَه !
وَيَمُرُّ الزَّمـانْ 
وَيُصبِحُ بعدَ ثـَوانْ 
أثـَراً بعدَ عَينْ 
يَتـَرَقرَقُ دَجلـَة ُ مثلَ اللـُّجَينْ 
سـاجياً.. 
صـافياً.. 
وعَلى مَوجـِه ِ 
يَتـَلألأ ُوَجـْه ُالحُسـَينْ !
وَفي كلِّ ألفٍ ..كلـَّما الأرضُ د ُنِّسَتْ 
تـَسوقُ إلى بَغـداد غـُولاً يَغولـُها 
صَهايينـُها حيناً..وحيـناً مـَغولـُها
مَن رأى لِلمُعَلـَّق ِمُنْكـَسِراً في الميـاهْ ؟ 
مَن رآ هْ 
والزَّوارِقُ تـَعبـُرُ مِن فـَوقِه ِوَهي تـَبكي 
والموَيـْجاتُ تـَحضُنُ أوصالـَه ُ وَهي تـَبكي 
وعيونُ الصِّغارْ 
تـَتَأمَّـلُ أشـلاءَه ُوهي تـَبكي !
مَن رأى النـَّخلَ كيفَ استـَحالْ 
مَساميرَ سُوداً مُنَبَّـلـَة ًتَثـقبُ العَينَ والقَلبَ 
لا سَعْفَ ، لا كـَرَبٌ ، لا ظِلالْ ؟
ليسَ هذا خـَيالْ 
أنا أبصَرتُ غـاباً من النـَّخل ِ 
أسوَدَ مثلَ المَداخن ِ 
أجرَدَ مثلَ رؤوس ِالنـِّبالْ 
وَرأيتُ المَطـَرَ الأسوَدْ !
مَن يَعرفُ كيفَ يَهِلُّ المَطـَرُ على الأشجارِ 
سطوح ِ الدّورِ 
وجوه ِالأطفال ِ 
فَيَصبغُها باللون ِالأسوَدْ ؟!
أهلُ بـَغدادَ أجمَعـُهُم يَعرفونْ 
وبَيتيَ ما زالَ عاماً فـَعامْ 
يَتـَحَمَّلُ أوجاعَ هذا الوسـامْ 
يُعيدُ لـَه ُ ذِكـْرَ تلكَ الليـالْ 
والصَّواريخ ُتُحرِقُ بَغـداد 
أطفالـَها 
وَشَوارِعـَها 
وتـُطارد ُحتى الظِلالْ
وَمِن خَلفِ حاسوبهِ ِ 
عالمٌ في نيويورك يَهتفُ مُبتَهِجاً : 
يا لـَه ُ كرنَفـالْ !
وفي فَجرِ ليل ِالجَريمـَه 
فوقَ نفس ِالمكانْ 
سالـَتْ عيونُ السَّماءِ دموعاً بلـَون ِالدُّخانْ !
ورأيتُ .. 
رأيتُ .. 
رأيتُ الأسى 
ورأيتُ الدموعْ 
ورأيتُ إلى الناس ِ تَعرى 
ورأيتُ إليها تَجوع ْ 
ورأيتُ جلودَهـُمو وهي تَصْـفـَرُّ 
تـَخضَرُّ 
تـَسوَدُّ 
وهيَ تـُغـَلغِلُ بينَ عِظام ِالضلوع ْ..!
مئاتِ الجراحْ 
ومئاتِ النـّعوش ِالصَّغيرَة ِ 
نـَحملـُها للمَقابر ِكلَّ صباحْ 
والثـّكالى 
والوجوهَ التي فـَقـْد ُأولادِها شاعَ فيها جَلالا 
رأيتُ الرِّجالا 
ورأيتُ إلى وَطني وهو ينهضُ بينَ رَمادِ المُحاق ِ 
هـِلالا
ورأيتُ الفراتَ ودجلـَه 
يَجريان ِ، على وَجَع ِالمَوتِ 
صَفـْواً زلالا 
وَتـَلـَفـَّتُّ.. 
أبصَرتُ وَجه َالحُسـَينْ 
قـَمَراً دامِعَ المُقلـَتـَينْ 
في مياهـِهـِما يَتـَلالا ..!
يـا مُحـَمـَّدْ 
إنـَّه ُالمـاءُ مـاؤكْ 
والـدِّمـاءُ دِمـاؤكْ 
وَهيَ دَيـْنْ 
ولِهذا يَطوفُ عليهـا الحُسـَينْ
يـا مُحـَمـَّدْ 
أنتَ تـَعلـَمُ ما يـُضمِرونْ 
إنـَّه ُ دِينـُكَ اليـَغدرونْ 
والعراقُ المـَصَدّ ْ 
إذا ما اسـتـَطاعوا ، 
وَحاشـا ، 
فـَمِنه ُإلى كلِّ أقداسـِنا يَعبرونْ
هيَ حَربٌ صَليبيـَّة ٌ يا مَحَمَّدْ 
ونحنُ بهـا مُسلِمونْ 
هيَ حَربٌ يَهوديـَّة ٌ يا مُحَمَّدْ 
ونحنُ بهـا مُسلِمونْ 
هيَ حَربٌ مَغوليـَّة ٌ يا مُحَمَّدْ 
ونحنُ بها عَرَبٌ مُسلِمونْ
نحنُ لا نـَرهـَبُ الصَّوت 
لا نَتَلـَفـَّتُ في ساعة ِ الموت 
لكنـَّني سأقولُ لكلِّ العَرَبْ : 
حَذار ِخيانـَة َأنفـُسِكم 
إنَّ سـَيفَ المَغولْ 
واحداً واحداً سَيَطيحُ بأرؤسِكم 
قبلَ أن ينفـُذَ النـَّصلُ فينا
هيَ هَيضَتـُه ُالثانيَـه 
فـَلا تـُلدَغـُنَّ بنَفس ِعقاربـِها 
مَرَّةً ثانيَـه 
فـَغَـداً ، 
بَعدَما تـَغرَقُ الأرضُ دَمْ 
ليسَ يـَنفـَعُ مَن يَندَمونَ النـَّدَمْ !
سـَتمُرُّ الشـّهورْ 
وتـَمُرُّ السـّنونْ 
تـَنامُ جفونٌ 
وتَصحو جفونْ 
وتـَسيرُ الحيـاة ْ 
يَتَرَقرَقُ دَجـلـَه 
ويَجري الفـُراتْ 
وعَلى الشـاطِئـَينْ 
باسِماً يَتـَلألأ ُوَجـه ُالحُسـَينْ 
__________________________________
* القصيدة التي إفتتح بها مهرجان ا لمربد المنعقد في 24 / 11 / 2002 )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة

  عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة -ابراهيم العلاف ولا اكتمكم سرا ، في أنني احب القاص والروائي العراقي الراحل عبدالستار ناصر 1947-2013 ، واقرأ ...