الاثنين، 9 نوفمبر 2015

الشيخ عبد الكريم الماشطة 1881-1959  ا.د. ابراهيم العلاف



جوابا على سؤال احدى الباحثات 
الشيخ عبد الكريم الماشطة 1881-1959 
ا.د. ابراهيم العلاف
الشيخ عبد الكريم بن الحاج عبد الرضا بن الحاج حسين بن الحاج محسن الماشطة ،هو من العلماء المجتهدين المتنورين الذين تركوا اثرا كبيرا في الحياة الفكرية والثقافية العراقية المعاصرة ولد سنة 1881 وقيل 1887 وتوفي في 13 -9-1959 وهناك من قال انه توفي سنة 1963 والتاريخ الاول كما اعتقد هو الاصح ..في بداية حياته الثقافية والدينية لم يكن يعرف ب"الماشطة " بل كان يوقع كتاباته ب" الشيخ عبد الكريم رضا الحلي " وهو من مواليد محلة جبران في مدينة الحلة وانتقل الى النجف وبعد انتقاله الى النجف للدراسة والتفقه احتك وتعلم على يد علماء كبار وعاد الى الحلة ليدرس وكانت له طريقة خاصة في تدريس طلبة العلم اشتهرت ب"الماشطة " ومعناها انه كان يمشط العقول وينورها ويحررها من البدع والضلالات والخرافات وقد كتب عنه الاستاذ حميد المطبعي في موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين الصفحة 149 من الجزء الثاني بغداد 1996 وقال ان الشيخ عبد الكريم الماشطة اهتم بتدريس الفلسفة الاسلامية لطلبته في الحلة وقد عد من المجتهدين وكثيرا ما نشر مقالاته في الصحف والمجلات وكلها ذات طابع تقدمي تنويري ومن المجلات التي كتب فيها مجلة "الفيحاء " التي صدرت في الحلة واصدرها المؤرخ العراقي الكبير السيد عبد الرزاق الحسني سنة 1928 وقد كتب عنها اي الحسني في كتابه عن " تاريخ الصحافة العراقية ". للشيخ عبد الكريم الماشطة مؤلفات عديدة منها :1.الاحكام الجعفرية في الاصول الشخصية وقد طبع اكثر من مرة منها الطبعة الاولى في القاهرة سنة 1947 2. الشيوعية لاتتصادم مع الدين ولا مع القومية العربية " وطبع في الناصرية سنة 1959 .وقد اصدر الشيخ عبد الكريم الماشطة مجلة بإسم :" العدل " وللاسف لم يصدر منها غير عدد واحد ومعظم مقالاتها من انشائه .ويبدو ان افكاره التنويرية كانت تجد معارضة شديدة من رجال الدين التقليديين الذين تصدوا له وخاصة عندما نشر كتابه الذي يبرئ فيه الفكرة الشيوعية من العداء للدين الاسلامي والقومية العربية في وقت صدرت فيها فتاوى الامام محسن الحكيم بتحريم الشيوعية والانتماء الى الحزب الشيوعي العراقي خاصة بعد الجرائم التي ارتكبها في الموصل وكركوك والتي هاجمها الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة 1958-1963 وعدها افظع من جرائم المغول عندما دخلوا بغداد غزاة سنة 1258 .
حظي الشيخ عبد الكريم الماشطة بإهتمام الكتاب العراقيين والعرب والاجانب وذلك لماعرف عنه من افكار مثيرة للجدل تختلف عن ما كان سائدا في المجتمع العراقي خلال الخمسينات من القرن الماضي وقد توزعت افكاره بين السياسة والدين والصحافة والثقافة .
استذكرته جريدة المدى في احتفالية خاصة اقامها بيت المدى للثقافة والفنون في شارع المتنبي في تشرين الاول 2012 نشرت وقائعها في عدد خاص .كان أول المتحدثين نائب رئيس مجلس السلم والتضامن العراقي نجيب محي الدين الذي قال خلال كلمته "إن الشيخ الماشطة شخصية وطنية وديمقراطية جليلة، وهو من مؤسسي حركة السلام". كما تحدث الدكتور جلال الماشطة الذي وصف استذكار الشيخ عبد الكريم الماشطة بأنه ليس تبجيلاً لإنسان كرس حياته وسخر معارفه لخدمة الناس، بل انه مناسبة للدعوة إلى أفكار يمكن أن تعين مجتمعنا على النهوض من الركام الذي خلفته عقود الاستبداد، ومعالجة المعضلات الكبار التي تواجهنا منذ سنوات. وأضاف: أن أفكار الاعتدال التي نادى بها الشيخ عبد الكريم الماشطة ومن سبقوه ورافقوه من رجالات الفكر والدين والسياسة، إذا ما غدت ناظماً ومحوراً لحياتنا الراهنة فأنها سوف تساعد، بالتأكيد على تعجيل حركة المجتمع والبلد نحو استقرار ليس عماده الأمن فقط، بل التفاهم ومواءمة المصالح والقبول بالآخر نداً وشريكاً، والسير على طريق الحداثة والتقدم، وتابع الماشطة: لقد كان الشيخ على عمق معارفه وسعة مداركه، مثالاً للتواضع والزهد، وأذكر أنني كنت بعد انتقال عائلتنا من الحلة إلى بغداد، أعود لأمضي العطلة الصيفية في أحضان مدينتي الجميلة، وأقضي أياماً في بيت الشيخ الذي لم يكن يبخل بوقته في التعاطي مع ابن أخيه الغرّ، وكان يختار لي ما قرأ، من مجلات وكتب بما يناسب مداركي القاصرة. 
وتذكر الماشطة: انه في أواسط الخمسينات كان الشيخ عبد الكريم معتقلاً في السراي ببغداد وأفردت له غرفة فيها مروحة، وهو آنذاك ترف ما بعده ترف، وخصص له شرطي لمرافقته (أو مراقبته)، وبعد أيام اقتحم مدير المركز الغرفة معاتباً الشيخ: تريد تسوي شرطتنا شيوعيين؟ فاستغرب الشيخ وسأل عن سبب هذه الغضبة فأجاب المعاون بأن الشرطي اختلت موازينه حينما رأى الشيخ المهتم بالشيوعية منكباً على قراءة القرآن وأداء الصلوات. وفي نهاية حديثه أشار الماشطة إلى أن الشيخ كان يقدم أمثلة تبسّط أفكاراً ومبادئ سامية في الدين والحياة، ويسعى إلى نشرها بين الناس، مؤمناً إيماناً راسخاً بأن النخب الفكرية والسياسية ينبغي أن تؤثر في المجتمع ليس من خلال التعالي عليه بل عبر التداخل والتفاعل معه.
وأشار الباحث ناجح المعموري إلى أن عبد الكريم الماشطة واحد من الشخصيات الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية البارزة ليس فيه مدينة الحلة فقط وانما في العراق والوطن العربي، وهو يمثل أحد أهم الرموز التي اشتغلت في مجال فكر النهضة العربي الحديث.وأضاف المعموري: الشيخ عبد الكريم الماشطة كان في مشروعه السياسي واضحاً، وان الشعارات التي رفعها الشيخ رفاعة الطهطاوي وتسلمها عبد الكريم الماشطة وأكد عليها في محاضراته وفي المنتدى الذي أسسه وأنتج عددا من الأسماء المهمة في مدينة الحلة حيث أكد الشيخ الماشطة على الحرية والعدل والمساواة وضرورة الانتباه لأهمية وخطورة الثقافة متعاملاً مع التجربة العصرية بوصفها نموذجاًً للعمل المهني الحر، ودعا إلى فك الاشتباك ما بين الثقافة والسلطة وبسبب هذه الدعوات الوطنية، تعرّض الشيخ الى المحاكمة والسجن وتم إغلاق مجلة (العدل) التي لم يصدر منها إلا عدد واحد كما سبق ان قدمنا .
وتحدثت السيدة معالم عبد الكريم الماشطة عن والدها فقالت :"أن الشيخ عبد الكريم الماشطة لم يكن بالنسبة لها مجرد والد حنون وناصح حكيم ومرب فاضل بل انه كما للكثيرين من أبناء الحلة والعراق، كان إنساناً كرس حياته وعلمه ومعارفه من اجل قيم سامية آمن بها، قيم الانتماء إلى الوطن والتآخي بين أبنائه والمساواة الكاملة فيما بينهم وإنصاف كل منهم، وكان يعتقد اعتقاداً راسخاً بأن الفقر والاضطهاد الاجتماعي والانتقاص من كرامة أبناء آدم هي آفات يجب اقتلاعها وزرع بذور المحبة والوئام والسلام، وهذه المثل الرفيعة لم تكن مجرد شعارات براقة جميلة بل انه كافح من اجلها كفاحاً عنيداً، ولم يثنه إن درب الكفاح أدى به، وهو الشيخ الجليل المعمم، على دخول معتقلات النظام الجائر الذي كان يخشى هيبة الشيخ الذي يحظى بالاحترام والسمعة الطيبة بين أبناء الحلة الكرام.
كما إن الشيخ عبد الكريم الماشطة لم يكن له داخل عائلته موقف أو وجه يختلف عن ذلك الذي عرف به بين الناس، فهو كان منصفا بين الناس.
وأكدت انه وبرغم مرور أكثر من نصف قرن من الزمن على رحيل الشيخ عبد الكريم الماشطة، إلا أنها مازلت تشعر بغصة وألم حينما تستذكر ذلك اليوم الحزين. وتابعت الماشطة: اليوم ازداد اقتناعاً بأن السنين لم تمح ذكراه ليس في نفوس اثنتين من بناته الباقيات على قيد الحياة أو في نفوس أقاربه وذويه وأصدقائه الكثار. واليوم أحس بالامتنان لأهل الحلة الكرام الذين ظلوا أوفياء لذكرى إنسان عشق هذه المدينة الجميلة المباركة وأحب أبناءها وبناتها.
تحدث الاستاذ عباس البغدادي في مقال له عن اسهام الشيخ عبد الكريم الماشطة في تأسيس منظمة السلم والتضامن فقال :"ولدت فكرة السلام التي احبها الماشطة مؤكدة دوره العالمي يداً بيد مع جوليو كوري الرئيس الاقدم لمجلس السلم العالمي ومعه اراغون الشاعر الفرنسي الكبير وبيكاسو الرسام العالمي وكوزما الموسيقار الهنكاري بول ايلوار شاعر الحب والحرية ومدام كوتون رئيسة اتحاد النساء العالمي، ووجهت رسائل الى بعض الشخصيات الوطنية والدينية ومنهم عبد الكريم الماشطة والرسالة موقعة من جوليو كوري موضوعها يدور حول تحريم استعمال القنبلة الذرية (نداء استكهولم) مما اثار حفيظة السلطة العراقية فشنت حملة اعلامية وبوليسية ضد السلم وانصاره، ورد انصار السلم بحملة جمع تواقيع تأييداً لهذا النداء العالمي وشعروا بالحاجة الى قيام تنظيم للنشاط السلمي فكونوا لجنة تحضيرية عقدت اجتماعها الاول في مساء 15 تموز 1954 م في منطقة ام العظام في بغداد وحضر 103 مندوبين وتوسط الاجتماع الرجل المهيب الشيخ عبد الكريم الماشطة واعلن افتتاح المؤتمر بصوته الدافئ الوقور والتقى المجتمعون في دار عبد الجليل برتو وتكلمت في الجلسة السيدة (ام غصوب) بإسم الامهات العراقيات وكان من الحضور عبد الله كوران من السليمانية، عبد اللطيف مطلب من الحلة اضافة الى عبد الحميد الونداوي، ابراهيم احمد، محمد زياد الاغا واسماعيل النجار، واسماعيل حقي شاويس، انعام العبايجي، طلعت الشيباني، فاروق برتو، نزيهة الدليمي، صفاء الحافظ، صلاح خالص وكمال عمر نظمي. وفي الختام القى الشيخ الوقور عبد الكريم الماشطة كلمة الختام التي اشار فيها الى وحدة الرأي بين الفصائل الوطنية وطالب بجعلها منطلقاً لجبهة وطنية خلال الانتخابات ونال تأييد احزاب الوطني الديمقراطي، الشيوعي، حزب الاستقلال ثم الحزب الديمقراطي الكردستاني، واستمرت نضالات مجلس السلم وكانت ممهدة لثورة 14 تموز 1958" .
ومن الجدير بالذكر ان مدينته الحلة استذكرته عندما عقد فرع النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين في بابل ضمن نشاطاته الثقافية والاعلامية، سنة 2014 بالتعاون مع التيار الديمقراطي العراقي في بابل، ندوة بعنوان "عبد الكريم الماشطة ودوره التنويري".
بالمناسبة اصدرت الدار العربية للطباعة والنشر كتابا بعنوان :" الشيخ عبد الكريم الماشطة أحد رواد التنوير في العراق " من تأليف الاستاذ أحمد الناجي صدر سنة 2007 وهو كتاب قيم كتب عنه الاستاذ حامد كعيد الجبوري في موقع "الحوار المتمدن " والكتاب صدر بمقدمة كتبها الدكتور رشيد خيون الذي قال :"كم كان وعي شيخنا متقدما مقاربة مع أوضاع العراق آنذاك ، الأربعينات ، أن يأخذ عالم ديني عراقي على عاتقه مسؤولية النضال من أجل السلم ، وسط محرمات لا عد ولا حصر لها" .ويقع الكتاب في تسعة فصول وبواقع 157 صفحة من القطع الكبير وفيه تحدث عن سيرته وفكره ومؤافاته ومجلة العدل ونشاطه السياسي والديني .
حقا سعدت كثيرا عندما اخبرتني هذه الباحثة انها تكتب رسالة ماجستير عنه وعن فكره .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة

  عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة -ابراهيم العلاف ولا اكتمكم سرا ، في أنني احب القاص والروائي العراقي الراحل عبدالستار ناصر 1947-2013 ، واقرأ ...