صحفيون ومذيعون أمام محكمة الشعب 1958
ابراهيم العلاف
وأنا أقلب المحاضر الرسمية التي عقدتها المحكمة العسكرية العليا الخاصة (محكمة الشعب ) أو ما تعارف الناس على تسميتها (محكمة المهداوي ) نسبة الى رئيسها العقيد فاضل عباس المهداوي ابن خالة الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وجدت ان عددا من الصحفيين والاعلاميين والمذيعين قد قدموا الى هذه المحمكة في جلساتها الاولى سنة 1958 اي بعد نجاح ثورة 14 تموز 1958 وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق .
كنت قد استمعتُ الى وقائع هذه الجلسات من الاذاعة .. وكنتُ تلميذا في الصف السادس الابتدائي ولاتزال راسخة في ذهني وخاصة ما قاله الاستاذ مال الله الخشاب وكان مذيعا ذا صوت جهوري وهو من الموصل من انه عاش يتيما منذ الرابعة من عمره وانه كان يكره الانكليز لان ابوه وجده لامه قتلهم الانكليز وانه درس وتعب وجاء بغداد ودخل كلية الشريعة وانه قدم للعمل في الاذاعة وهو في الصف الثالث ونجح في الاختبار وقبل في الاذاعة كما في التلفزيون وكان يحب اذاعة صوت العرب ومعجبا بالمذيع المعروف احمد سعيد وكان يرفض التحدث عن مصر وجمال عبد الناصر بسوء وان خليل ابراهيم مدير التوجيه والاذاعة طلب منه تغيير لهجته المصرية حين يذيع الاخبار وانه عمل مع المذيعين الذين استقالوا من اذاعة الشرق الادنى في تقديم برامج وطنية في الاذاعة العراقية من قبيل ركن فلسطين وركن الجزائر وقد رضي عنه صبحي ابو لغد وهو فلسطيني من حيفا وكان مديرا للبرامج .
كانت القضية هي القضية السادسة التي ابتدأت يوم الثلاثاء 9 أيلول –سبتمبر 1958 وانتهت في 17-11-1958 .. وأتهم فيها كل من فيصل حسون (صحفي ) وناظم بطرس(مذيع ) وفوزية ناجي الربيعي(مديرة روضة الرياحين ) ومال الله الخشاب (مذيع ) بأنهم قبلوا أموالا من "مكتب التبادل الثقافي الاميركي " ببغداد أموالا عن إعدادهم برامج اذاعية من قبيل برامج "سير الزمن " و" العراق في إنتقال " و" سيماء العراق " و" ملتقى الطرق " و" سؤال وجواب " و" كانوا يقومون بهذه الاعمال خلافا لما تستوجبه طبيعة عملهم في دار الاذاعة متقصدين الاضرار بالصالح العام بتقديمهم معلومات غير حقيقية ايهاما للشعب واغفالا لرأي العام في الداخل والخارج .وقد أيدت شهادات شهود الاثبات وهم سعاد الهرمزي ومحمد علي كريم ووديع نوري ومشتاق طالب وعادل نورس ومحمد صيوان وموحان طاغي ذلك امام هيئة التحقيق واقر المتهمين كذلك بالعقود الموقعة من قبلهم المحفوظة في اضبارة القضية ".وهذا الكلام جاء على لسان العقيد الركن ماجد محمد امين المدعي العام في المحكمة .وطالب المدعي العام بمعاقبتهم بموجب المادة الثانية من الفقرة ط من القانون رقم 7 لسنة 1958 بإعتبارهم تلقوا اموالا من دولة اجنبية وهذا خلافا للمصلحة الوطنية العامة .
أنكر المتهمون ذلك وقالوا بأنهم ابرياء وجرت المحاكمة واستمعت المحكمة الى الشهود الذين اقروا بأن المتهمين يقدمون هذه البرامج ولاتدفع لهم الاذاعة العراقية اجورا ويقال ان دائرة الاستعلامات الاميركية هي من تدفع لهم الاجور .وقد قال المتهمون ان برامجهم التي كانوا يقدمونها "دعاية للعراق " وليس فيها "اي ضرر للشعب " بل بالعكس .ناظم بطرس كان يقدم برنامج " العراق في انتقال " وتشاركه فوزية ناجي في اعداده وترتيبه كما كانت فوزية ناجي تشترك في تقديم برنامج "سيماء العراق " وهو برنامج يتابع نشاطات المعارض وحفلات المدارس ..كان مال الله الخشاب يقدم برنامج اغلبه مقابلات للشخصيات التي تزور العراق كان يأخذ دينار وربع عن كل مقابلة .محمد علي كريم قال في شهادته ان هناك اتفاقا بين مديرية الدعاية العامة العراقية ومكتب الاستعلامات الاميركية على تقديم بعض البرامج من اذاعة بغداد ورشح بعض المذيعين لتسجيل هذه البرامج بأصواتهم فكان ناظم بطرس يقدم برنامج "العراق في انتقال " و"سير الزمن " وكان فيصل حسون يقدم برنامج "ملتقى الطرق " وبرنامج " سؤال وجواب " ومال الله الخشاب كان يقدم بعض المقابلات التي تدخل ضمن برنامج "ملتقى الطرق "وفوزية ناجي تذيع بعض البرامج الخاصة بالاطفال وكل البرامج هذه تثقيفية كان من الشهود ايضا وديع خونده (سمير بغدادي )مراقب الموسيقى والغناء في الاذاعة وقد قال انه يعرف ان فيصل حسون يقدم برامج اميركية تأتي من السفارة الاميركية وتذاع من الاذاعة العراقية ومن جملتها برنامج يقدمه مع محمد علي كريم وناظم بطرس اسمه "سؤال وجواب " .. وكانت هذه البرامج تسجل في استديوهات العلاقات الاميركية وانني أي وديع خوندة اعترض على هذه البرامج وفصل من الاذاعة في 15-1-1958 وقال ان فيصل حسون وناظم بطرس يعملون في هذه البرامج ويتقاضون عنها اجورا من العلاقات الاميركية وكان من الشهود ممدوح زكي وهو مترجم وقال ان المتهمين يتقاضون اجورا مقطوعة من السفارة الاميركية 3750دينار عن الساعة الاولى و1400 عن كل ساعة اضافية ..وشهد كاظم الحيدري ايضا وهو يعمل في الاذاعة وقال انه لم يكن يعلم شيئا عن هذه البرامج وكيفية اعدادها .وفي جلسات عديدة نوقش المتهمون واحدا واحدا ونفوا التهمة عنهم .. وتوكل عنهم محامون هم فريد فتيان وعباس الجميلي ووليد احمدواكدوا ان للمتهمين ماضيا وطنيا مشرفا وان فيصل حسون كان معارضا لحكم نوري السعيد وعمل مديرا لتحرير جريدة "الحرية " وكانت كتاباته تتسم بمهاجمته للاستعمار واعوانه وان عمل المتهمين كان يقع ضمن وظيفتهم وبموجب اتفاق ثقافي قائم بين الحكومة العراقية القائمة قبل الثورة وبين الحكومة الاميركية يقضي بالتعاون الاذاعي وان الاتفاق مبرم وموقع ومنشور في الجريدة الرسمية يمو2 حزيران 1951 في العدد 2981
وفي يوم 17 -11-1958 ، إنعقدت المحكمة العسكرية العليا الخاصة وحكمت ببراءة المتهمين مال الله الخشاب وفيصل حسون وناظم بطرس وفوزية ناجي من التهمة المسندة اليهم والغت الكفالات المعطاة بحقهم وانتهت المحكمة واطلق سراحهم والصورة المرفقة للمتهمين وهم يهتفون بعدالة المحكمة بعد الاستماع الى قرار الحكم ببراءتهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق