الأربعاء، 12 مايو 2021

ديوان البزاز في طبعته الجديدة مقال الدكتور ابراهيم خليل العلاف


 

ديوان البزّاز في طبعته الجديدة

عمل علمي متميّز بدراسة وافية

ابراهيم خليل العلاف

أ. د . ابراهيم العلاف

استاذ التاريخ المتمرس

اليوم أريد أن أتحدث لكم عن رمز آخر من رموز الموصل ، عاش في اواخر القرن التاسع عشر ، وكان شاعرا ، وعالما دينيا  وانسانا تقيا مؤمنا نبيلا  انه الملا حسن افندي البزّاز الموصلي الخزرجي  1261 -1305 هجرية – 1845-1887 ميلادية .

ومن حسن الحظ ان حفيده الصديق الدكتور فاتح عبد السلام أعاد اصدار ديوانه مع دراسة قيمة لشعره سنة 1988 ?  ولم يكتف بذلك بل اعاد اصدار الديوان سنة 2010  بعد تزييده ، وتنقيحة ، وتولت المؤسسة العربية للدراسات والنشر طبعه بحلة قشيبة ، واخراج رائع يستحقه ، وقد خصني بنسخة من الكتاب وهو متوفر في مكتبتي الشخصية ،  وانا شاكر ، وممتن كثيرا  فأنا اعرف مكانة الملا حسن البزاز في خارطة النهوض الفكري والثقافي والشعري في العراق واسهاماته في التجديد واليقظة .

والملا  حسن البزّاز ،  شاعر كبير ، ورد ذكره في كثير من المصادر منها كتاب المطران سليمان صائغ الموسوم (تاريخ الموصل ) والذي اصدره بثلاث اجزاء في القاهرة خلال العشرينات من القرن الماضي.

علاّمة العصر

ومما قاله المطران سليمان صائغ في الجزء الثاني من كتابه ( تاريخ الموصل ) ان الملا حسن بن الملا حسين الشهير بالبزاز من مواليد محلة حسان البكري في السرجخانة في الموصل سنة 1845 (1261 هجرية ) ، وانه اكمل حفظ ودراسة القرأن الكريم ، واخذ العلوم عن علامة عصره صالح بن الحاج طه الخطيب ، وان الشعر قد غلب عليه ، فإشتغل به مع اشتغاله في حرفة البزازة ، وما زال شعره يرق ، ويروق حتى اشتهر به وذاع صيته .اهتم ايضا بالتصوف ، وبالطرق الصوفية ، واخذ الطريقة الرفاعية عن الشيخ حاجي سلطان ، والطريقة النقشبندية عن الشيخ محمد النوري.

ومع ان الملا حسن البزّاز ، لم يعش طويلا فقد توفي وعمره لما يتجاوز ال (44) سنة الا ان شهرته ، فاقت شهرة من عرف من الشعراء في عصره كانت له شخصية كارزمية تستند الى ثقافة متعددة الاطراف ، وسلوكية اتسمت بالتقوى والاستقامة ؛ لهذا كان ما يصدر عنه من شعر وخاصة في مديح سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم كان متطابقا على مستوى القول والعمل ، وقد عرف الناس من حوله هذه الخصيصة ، وعدوه صاحب كرامات ولمسوا ذلك لمس اليد ، فاطمأنت اليه قلوبهم ، وتباركوا به ، وتدافعوا ليغرفوا من بركة خيره ، وافاضوا في وصف حكمته ، وفقهه ، وبلاغته ، وقوة شعره ، ومكانته بين قومه ، وأهل بلده  العراق ومدينته الموصل  .

فقد الملا حسن البزاز بصره في آخر ايامه ، وساءت احواله فقال :

وقعتُ من البزازة في خمول اطال علي الزمان به عتابي

أيسلبني الزمانُ ثياب عزي وأكسو اهلهُ جُدد الثياب ِ ؟

وظل كذلك حتى توفي رحمة الله عليه سنة 1887  ميلادية . وقد ورد في كتاب ( العقود الجوهرية في مُداح الحضرة الرفاعية) لإحمد عزت باشا العمري الموصلي ، ان عموم اهل الموصل ، خرجوا في جنازته صغيرا وكبيرا ، لانهم كانوا يجدون فيه داعيا للصلاح والخير .

اتسم شعر الملا حسن البزّاز بأنه رائق ، بليغ ، واكثره في مديح الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي التصوف وقد طبع تلميذه الحاج محمد شيت الجومرد الموصلي ديوانه في القاهرة سنة 1305 هجرية اي سنة 1887.

ومن شعره :

العلم اشرف ما يسمو به السامي * لذاك اترعت ُ من صهبائه جامي

إظهاره ُ حجه للمرء كافية من * محنة الجهل بين الخاص والعامِ

لم لا أميل ُ الى تحصيله * وبه أسودُ ما بين اترابي واقوامي

فأصرف زمانك نحو العلمِ مجتهدا * ولايصدكَ عنه جهل لوا امي

فلعلم ينصب مخفوض المحل على*  تمييزه نصب توقير ٍ وإكرام ِ

ومما قاله انه طر بيتي الشافعي (من الكامل)

” اني بليتُ بأربع ياسيدي ” وبك التجائي من عظيم بلائي

عنها تفرعَ كل ما اشكوه إذ ” هي اصل كل بليةٍ وعناءِ “

“ابليس والدنيا ونفسي والهوى ” كلٌ يروم اساءتي وشقائي

إن لم تخلصني بلطفكَ منهم ُ “كيف الخلاص واربع خصمائي

تحدث الدكتور فاتح عبد السلام ، وهو حفيد الشاعر ، عن ديوان جده وقدم له بذكر اسمه ، ونسبه ، وولادته ، ووفاته ، وبيئته ،  ونشأته ، وثقافة عصره ، و شعره وطبع ديوانه ، واغراض شعره ، وومضات من سيرته.

ومما وقف عنده ان الشاعر الملا حسن البزاز ، هو حسن بن حسين بن الملا علي البزاز من اسرة عربية خزرجية أزدية اصيلة ترجع بنسبها الى الصحابي الجليل انس بن مالك رضي الله عنه . وقد سكنت اسرته بمحلة حسان البكري في السرجخانة ، وفيها مسجد تاريخي يعرف بمسجد حسان البكري وقد عُمّر مؤخرا من قبل الاستاذ سعد البزاز وتم افتتاحه باحتفال جميل .وكانت اسرة الملا حسن تمتهن البزازة ، وزاولتها ، وعرف الملا حسن بالزهد ، والتقوى ، والورع الشديد شأنه شأن مجايليه ، فالعصر ، الذي عاش فيه كان عصر دين وأدب وتصوف لذلك كان الملا حسن البزاز ابرز شاعر عراقي في القرن التاسع عشر ترك لنا شعرا في مديح الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد اشتهرت قصيدته التي يقول فيها :

هذا العقيقُ وهذا البانُ والعلم ُ* فإخلع نعالكَ فيه إنه حرمُ

وقف على الجزع نقض حق أربعةٍ *  فإنها اربع عندي لها ذِممُ

وهو بهذا يستشف روح قصيدة البردة وفحواها دون ان يقلدها فنيا .

وهذه القصيدة يقول الدكتور فاتح عبد السلام ذاع صيتها بدليل كثرة القصص والروايات التي تدور حولها ومنها ان الشاعر البزّاز كتب هذه القصيدة واهداها سرا الى الرسول الكريم محمد صلى الله وسلم ، ولم يكن قد اطلع عليها أحد .الا ان شيخ البزاز ،  واستاذه الشيخ عبد الله افندي العمري رأى في منامه حلما ، كان فيه الرسول الاعظم يقول له :  قل لتلميذك حسن انني قبلت هديته ، فقال عبد الله افندي العمري في منامه : وما هذه الهدية يا رسول الله فقال الرسول صلى الله عليه وسلم قصيدته التي أهداني اياها سرا ، وخذها عني واكتبها ومطلعها :

 هذا العقيق وهذا البان والعلم * فأخلع نعالك فيه انه حرمُ

فلما استيقظ الشيخ عبد الله افندي العمري من منامه وجد نفسه قد كتبها فعلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندما حضر الشاعر البزاز مجلس استاذه رحب به الاستاذ وسلمه القصيدة ، وسماه الملا حسن البزاز وهذه هي المرة الاولى التي يطلق على الشاعر تسمية (الملا ) وهذه القصة سجلها الدكتور فاتح عبد السلام  في نيسان 1987 عن والده نوري بن الملا حسن البزاز ، وعن يحيى بن محمد عن عمه نوري بن الملا حسن افندي البزاز ، وعن يحيى بن محمد عن عثمان افندي الديوه جي العالم الموصلي الجليل .

وقد اجد نفسي ملزما ان اذكر القارئ الكريم ان امير الشعراء احمد شوقي استشف  ايضا روح هذه القصيدة في قصيدته المعروفة ب(نهج البردة ) ومطلعها :

ريم على القاع بين البان والعلم * أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم

الملا حسن البزّاز ، مات ، وهو في بداية العقد الخامس من عمره تاركا سيرة وضاءة ، فهو – بحق – رجل صاغ حياته بإسلوب روحاني فلسفي خاص به ملتزم بالرسالة الاسلامية الحقة ، وسائرا في سبيلها .. وللأسف لا توجد لدينا معلومات مفصلة عن حياته ، وكثيرا مما قيل عنه أُخذ شفاها وقد عرف بين الناس كرجل صالح ، ووقور حتى تحدث البعض عن كرامات له .

رجل واقعي

ومما اريد ان اقوله ان الرجل كان واقعيا في حياته لم يعرف عنه التطرف او الغلو كان رجلا واقعيا في سلوكه اليومي ، وتعاملاته مع الناس ، وابتدأ حياته مزارعا له اراض زراعية في قرية جيلوخان ، وكان يلتزم زراعة الاراضي المجاورة لهذه القرية من املاك اسر الموصل ، ويقال ان السلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909 أهداه ارضا في حاوي الكنيسة ، لكن تلك الاراضي لم تسجل في الطابو لوقوع الاحتلال البريطاني  للموصل 1918 .  وقد عانى من الخسارة المالية عندما زرع اراض كثيرة لم يحصد منها شيئا ، فالسنة كانت مجدبة فترك الزراعة واتجه نحو مهنة ( البزازة) أي بيع الاقمشة في سوق البزازين ، ومنها جاء لقبه البزاز .. ومن الطريف انه كان يعمد الى غلق دكانه بعد فترة قصيرة من فتحها في الصباح ، وينصرف الى الدراسة وعندما كان الناس يسألونه يقول انه باع اشتروا من جاري الذي لم يستفتح بعد .

وقد عكس كل هذه الاوضاع في قصيدة له يقول فيها :

وقالوا كنتَ ذا مال جزيل *وانتَ اليوم تشكوه انتزاعا

تراك أضعته في ارض فقر * فقلتُ نعم لزمتُ به الضياعا

تنبأ بوفاته ، واخبر اهله بهذا ، وطلب ان يحفروا له القبر يوم الخميس ، وكانت وفاته رحمة الله عليه وجزاه خيرا في اليوم نفسه الذي حدده وتحدث عنه، وهو اليوم دفين مقبرة حي الثورة بالجانب الايمن من مدينة الموصل . ويشير  حفيد الشاعر الاخ والصديق الدكتور فاتح عبد السلام  نوري بن الملا حسن افندي البزّاز  نقلا عن  الحاج يحيى بن محمد بن الملا حسن البزاز انه سمع هذه الرواية من مصادر موثوقة كثيرة منها الملا خليل شنشل أحد معاصري الشاعر البزاز والمرحوم الحاج  يحيى بن محمد البزاز له الفضل الاول في تحفيز الدكتور فاتح ودفعه الى تحقيق ونشر ديوان البزاز اول مرة سنة 1988 ? وهو من تكفل بدفع نفقات طبع الديوان من ماله الخاص وهذه الحقيقة لم يذكرها عندما اصدر الطبعة الاولى من الديوان احتراما لرغبة الحاج يحيى في عدم ذكر ذلك ، لكنه في الطبعة الثانية ، وجد ان المعلومة هذه لابد وان توثق للتاريخ.

اعود قليلا الى ديوان البزاز بطبعته الجديدة لأقول ان الطبعة الجديدة ، ضمت قصيدة نادرة لم تنشر من قبل للشيخ الملا حسن البزاز سبق للدكتور فاتح عبد السلام قد نشرها في مجلة (دراسات عربية ) التي كانت تصدرها دار الطليعة في بيرون سنة 1993 والقصيدة كانت محفظة عند الدكتور محمد صديق الجليلي ومطلعها :

هل الانس الا بانفرادي ووحدتي * أم العز الا في خضوعي وذلتي

وعتقي برقي وافتقاري هو الغنى * ومنشأ افراحي أنيني وحسرتي

وموتي بكم عينُ الحياة وانما * فنائي بقائي بل وجودي بغيتي

جنوني عقل واعتلالي صحة  * ومسكنتي فيها حلول سكينتي

والقصديدة طويلة تقع في (62) بيتا ويختمها بالقول :

احبتنا والقلب لاشك عندكم * وديعتنا الله في ذي الوديعة

دراسة قيّمة

كما تضمن الديوان دراسة في سيرة الشيخ عبد السلام البزاز 1911-2007 بقلم الكاتب والباحث والصحفي الاستاذ سعد الدين خضر وهي دراسة قيمة .والشيخ عبد السلام بن نوري بن الملا حسن افندي البزاز وفيها يذكر ان الابيات التي كانت موجودة على باب جامع النبي جرجيس في الموصل القديمة والذي فجرته عناصر داعش عند سيطرتها على الموصل 2014-2017 هي من نظم الشاعر الملا حسن البزاز وتقول القصيدة :

زر حضرة ملئت نورا وتقديسا *  واقصد نبي الهدى ذا المجد جرجيسا

مازاره قاصد يشكو ملمته * الا ونفس عنه الكرب تنفيسا

وفي الديوان قصيدة نادرة بخط الشاعر الملا حسن البزاز يهديها الى اخيه علي افندي  لمناسبة تخرجه ونيله الاجازة العلمية وتسميته بلقب ( نور الدين )  سنة 1274 هجرية – 1858 ميلادية .وفي القصيدة  المنظومة على حساب الجمل او التاريخ الشعري يقول له :

تكامل الحسن فيه والجمال كما  * للعلم في صدر نور الدين تكميلُ

الالمعي الذي من نور فطنته * قد استنار لأهل العلم قنديل

فلليراع اذا ما حل في يده * على السيوف وسم الخط تفضيلُ

وفي سماء العلا نادى مؤرخ * للعلم في صدر نور الدين تكميل

ويتوافق الشطر الثاني بحساب الجمل مع السنة 1274 هجرية – 1858 ميلادية .

واخيرا ديوان البزاز بطبعته الجديدة يقع في (228) صفحة ويليه (ديوان الحاج محمد شيت الجومرد ) ويقع في (30) صفحة .

عمل علمي رائع ، كم انا سعيد  وفرح لأن  الحفيد الدكتور فاتح عبد السلام نوري الملا حسن البزاز ، ومنذ سنوات طويلة  لم يجلس  على التل وانتظر  من يعيد اصدار ديوان جده ، بل تقدم الصفوف ، وقام بتقديم دراسة وافية عن ديوان جده الشاعر الملا حسن البزاز ، ومن ثم نشر الديوان واضاف له جديدا لم ينشر من قبل وهذا مما يسجل له ، فبورك ، وبورك جهده ، والى مزيد من التقدم .

{ كاتب ومؤرخ عراقي

*  جريدة (الزمان ) اللندنية والرابط :   https://www.azzaman.com/%D8%AF%D9%8A%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B2%D8%A7%D8%B2-%D9%81%D9%8A-%D8%B7%D8%A8%D8%B9%D8%AA%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9/?fbclid=IwAR0bvwBN1pI08vKpQhJXOnC0fluoA0HL1jgiCjhHUfnOqLyomK9LdscAYYw

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الكاتب والمترجم والاعلامي الكبير الاستاذ سامي محمد 1941-2000

                                                                   المرحوم الاستاذ سامي محمد  الكاتب والمترجم والاعلامي الكبير الاستاذ سامي ...