الذكرى ال (138) لوفاة القائد الجزائري الكبير عبد القادر الجزائري
- ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
في مثل هذا اليوم 26 مايس - ايار 1883 ، توفي القائد الكبير عبد القادر الجزائري . وقد كتبت عنه في كتابي الصادر سنة 1982 بعنوان (تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516-1916) ، وقلت في الصفحات 282-288 ان حركة المقاومة العربية في الجزائر مرت مراحل عديدة ووفقا للظروف التي فرضها المستعمرون الفرنسيون منذ احتلالهم للجزائر سنة 1830 ومحاولتهم توسيع دائرة احتلالهم الجزائر .
والمرحلة الاولى هي المرحلة المبكرة 1830-1832 وفيها ان الفرنسيين حاولوا استمالة بعض الزعماء الجزائريين لقبول الاحتلال وفشلت هذه المرحلة .
والمرحلة الثانية هي المرحلة التي برزت فيها شخصية الامير عبد القادر الجزائري الذي قاد حركة المقاومة حتى سنة 1847 وعبد القادر هذا ولد سنة 1808 وهو ابن الشريف محي الدين شيخ الطريقة القادرية من قبيلة بني هاشم العربية النازلة قرب مدينة معسكر عاصمة وهران القديمة وقد بايعته القبائل قبائل بني هاشم وقبائل بنو عامر في وهران اميرا عليها في صيف سنة 1832 ةكان له من العمر انذاك اربع وعشرون سنة .
كان الامير عبد القادر فارسا جريئا وقائدا عسكريا صلبا عنيدا وخطيبا مفوها وكاتبا فذا وقد حصل على تعليم ديني وحديث من خلال الرحلات التي قام بها الى الحجاز والعراق ومصر وتركت اصلاحات محمد علي في مصر في نفسه تأثيرا عظيما .
نذر الامير عبد القادر نفسه لتحرير التراب الجزائري من دنس المستعمرين الفرنسيين وواجه صعوبات وتغلب على الانقسام القبلي ووحد الشعب الجزائري وراءه لذلك يقال عنه انه مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة .
ركز على الجيش وانشأ جيشا نظاميا قوانمه عشرة الاف مقاتل وقام بتنظيم هذا الجيش في وحدات كل وحجة مؤلفة من 1000 جندي تسمى كتيبة واضطر في بعض الاحيان الى التكتيك ومهادنة الفرنسيين وكبد المستعمرين هزائم عديدة واجرى مفاوضات معهم واوقف القتال في 28 شباط 1834 ووقع مع الفرنسيين هدنة مؤقتة رضي بموجبها بوقف القتال واطلاق سراح الاسرى الفرنسيين وفتح المناطق العائدة له امام حركة التجارة الفرنسية لكنه عاد فواجه الغزاة بعنف في جبهتين جبهة وهران وجبهة قسنطينة وقدرت القوات الفرنسية التي حشدت لمواجهته بنحو (90) الف جندي واعتمد في المواجهة حرب الانصار والى شيء من هذا القبيل اشار الامير عبد القادر الجزائري في رسالة له الى القائد الفرنسي الجنرال بيجو اذ يقول :" عندما يهجم جيشك نتراجع وعندما يضطر جيشك الى التراجع سنعيد الكرة ،ونقاتل عندما نرى لزوم ذلك وانت تعرف اننا لسنا بالاغبياء لنعرض انفسنا لطعنات جيشك وسنحاول انهاكه وتمزيقه وتدميره قطعة فقطعة " .
وعندئذ قرر الجنرال بيجو استخدام تكتيك الطوابير المتحركة تتحرك في وقت واحد نحو الاهداف المرسومة لها وكان همهم الوصول الى مركز المقاومة الجزائرية واتباع اساليب وحشية من قبيل قطع اذان الاسرى وسبي الناس وقتل الاطفال والاستيلاء على قطعان الماشية واستبدال الاسيرات من النساء بالخيول وكان قطع رأس الاسير علانية حالة موجودة بهدف تلقين العرب درسا في احترام السلطة كما كتب احد المعاصرين وكان هذا اسلوب المستعمرين الجزائريين .
وفي ايار سنة 1843 توصل الفرنسيون الى معرفة مركز المقاومة في واحة بوغار جنوبي وهران وكانت انذاك تضم اكثر من 200 الف مقاتل ينتمون الى اثنتي عشرة قبيلة جزائرية وبعد سلسلة من المعارك كان آخرها معركة سيدي يحيى اضطر الامير عبد القادر الى الانسحاب في تشرين الثاني سنة 1843 الى داخل اراضي مراكش ، ومن هناك كان يوجه المعارك وعاد سنة 1845 ليقاتل في الارض الجزائرية وانتشرت الثورة مرة اخرى في جميع مناطق وهران الجنوبية ، ولتوقف دعم المراكشيين للمقاومة الجزائرية بعد توقيعهم (صلح طنجة ) مع الفرنسيين في 10 ايلول 1844 ، والتعهد بالامتناع عن تقديم اية مساعدة للثوار الجزائريين اضطر الامير عبد القادر الجزائري الى القاء السلاح سنة 1847 وسلم نفسه للفرنسيين الذين اخذوه اسيرا الى باريس وبقي هناك ثم رحل الى دمشق وتوفي فيها ودفن هناك سنة 1883 لتظهر بعده مراكز جديدة للمقاومة الجزائرية اعتمدت اسلوب الكفاح المسلح لتحرير الجزائر وانقاذها من النير الفرنسي وكانت الثورة الجزائرية الكبرى سنة 1954 .
من الطريف ان اقول ان الامير عبد القادر الجزائري ، كان ايضا شاعرا وله ديوان شعر جمعه وحققه ونشره الدكتور العربي دحو بعنوان ( ديوان الشاعر الامير عبد القادر الجزائري ) وقبره اليوم يزار في دمشق رحمه الله وطيب ثراه وجزاه خيرا على ماقدم لوطنه الجزائر ولأمته العربية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق