مرقد وجامع الشيخ فتحي في
الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
ومدينة الموصل ، المدينة التاريخية الاثرية العريقة لها تاريخ ثر
يمتد الى قرابة 7000 سنة ، وهي من اقدم المدن المأهولة في العالم قاطبة حالها حال
مدينة دمشق العاصمة السورية . ومدينة الموصل تزخر بالمعالم ومعالمها دينية ومعمارية اسلامية ومسيحية ويهودية ؛ ففيها
من المساجد ، والجوامع والتكايا والمراقد والمقامات والمشاهد والكنائس والبيع
والاديرة وفيها من كنس اليهود وفيها الكثير مما نفخر به ونتباهى .
واليوم أريد ان اتحدث لكم عن مرقد الشيخ فتحي أو جامع الشيخ فتحي ،
وهو من المعالم الاسلامية المهمة بُني في سنة 220 هجرية -835 ميلادية أي في القرن
الثالث الهجري التاسع الميلادي والمرقد أو المقام بُني بعد وفاة الشيخ ابو محمد
الفتح بن سعيد الهكاري الموصلي ، والى جانب المرقد بُني جامع يسمى جامع الشيخ فتحي ، وبناء الجامع حديث وقد اقدمت
عناصر داعش عند سيطرتها واحتلالها لمدينة الموصل 2014-2017 على تدمير المرقد
والجامع .
والجامع جامع الشيخ فتحي سبق أن جُدد منذ سنة 2001 من قبل احد المحسنين
وهو السيد غانم الدباغ وزوجته رحمهما الله .. ومساحة المرقد الاجمالية مع الجامع كما جاء في بعض المدونات
ومنها انسكلوبيديا ويكيبيديا الالكترونية تبلغ قرابة الف متر مربع ( 1000م2 ) ، ويقع جامع الشيخ فتحي في محلة تسمى باسمه
وهي محلة الشيخ فتحي القريبة من شارع الفاروق – دورة قاسم الخياط وهو قريب من ضفة
نهر دجلة اليمنى .
المرقد مرقد الشيخ فتحي ، يتكون من غرفة ننزل اليها بدرج فهي منخفضة عن سطح الارض ويؤكد من عاش في المنطقة ان
هذه الغرفة تضم رفاة الشيخ ابو محمد الفتح بن سعيد الهكاري
الموصلي ، وتعلوها قبة مضلعة أثرية، ويعتقد بعض المؤرخين إن عدد من
أقسام المرقد بنيت وشيدت في عهد الدولة الأتابكية بدليل المحاريب القديمة وكذلك
الأعمدة ذات الطراز الأثري القديم، أما المصلى فيتكون من أعمدة مزدوجة رباعية الأبدان لها تيجان مكعبة مزينة بزخارف، وهناك محراب من الرخام مسطح ويتضمن نقوشاً مع كتابة تتضمن آيات من
القرآن الكريم وبخط عربي قديم .
أعود الى كتاب ( ترجمة الاولياء في الموصل الحدباء ) للمؤرخ
الموصلي احمد بن الخياط المتوفى سنة 1780 ميلادية – والذي حققه شيخنا الاستاذ سعيد
الديوه جي وطبع في مطبعة الجمهورية 1966 لأؤكد على ان الشيخ ابو محمد الفتح بن
سعيد الموصلي كان من الزهاد ومن اقران (بشر الحافي) و(السري السقطي) رضوان الله تعالى عليهم اجمعين توفي سنة 220
هجرية -835 ميلادية أي في القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي وكان الشيخ فتحي
الموصلي اماما في فقه التصوف ، عارفا ، عالما ، ورعا ، زاهدا من كبار اولياء الله .
وكان الشيخ فتحي او الشيخ فتح الله الموصلي كبير الشأن في معرفة
باب الورع والمعاملات ، واسلاك المريدين غاب عن عياله اياما في السياحة ثم عاد
اليهم صائما ، فلما غربت الشمس صلى المغرب ثم قال لزوجته : هلمي لنا طعاما نفطر
عليه فقالت : لنا ثلاثة أيام ما وجدنا شيئا قال فناوليني ماءَ ، فقالت الحب جاف
منذ يومين ، قال فأوقدي لنا سراجا يبصر بعضنا بعضا قالت :ليس عندنا زيت منذ شهر ،
فسجد لله تعالى وبكى فقالت زوجته : مهلا يافتح : أتبكي جزعا لضرورة العيش في الدنيا الزائلة ، وتنسى
الاخرة الباقية فرفع رأسه مبتسما ، وقال يا رعناء انما بكيت فرحا هذه معاملة الله
تعالى لخلصائه او لخلص اوليائه وبلغ من
قدر الفتح الموصلي ان يعامل بمثل هذه المعاملة .
ويقال ان الجن استولت على ناحية من الموصل فآذت سكانها فسكنها
الشيخ رضي الله عنه فانصرفت راغمة ببركته .
كان فيلسوفا متكلما ، وكانت له رؤية في الحياة ومن كلامه رضي الله
عنه :" من ادام ذكر الله تعالى بقلبه أورثه ذلك الفرح بالمحبوب ومن آثره على
هواه اورثه ذلك حبه اياه ومن اشتاق الى الله تعالى زهده فيما سواه " .
وكان يقول: " القلب اذا مُنع الذكر مات ،كما ان الانسان اذا
منع الطعام والشراب مات "
وسُئل المعافى بن عمران رضي الله عنه : "هل كان للفتح الموصلي كثير عمل ؟ اجاب
:" كفاك بعلمه ترك الدنيا " .
وكان رضي الله عنه يبكي الدموع ثم يبكي الدم فلما مات رؤي في
المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال
: اوقفني بين يديه وقال يا فتح لم هذا
البكاء ؟ قلت : يارب على تخلفي عن واجب
حقك قال : فلم تبك الدم ؟ قلت : يارب خوفا على دموعي الا تصح لي فقال :يا فتح ما اردت بذلك ؟ قلت : ياسيدي اردت بذلك وجهك الكريم فأرينيه واصنع ما
شئت قال : وعزتي وجلالي لقد صعد الى حافظاك منذ اربعين سنة بصحيفتك وليس فيها
خطيئة واحدة ، فلألبسنك لباس التكريم ولأمتعنك
بالنظر الى وجهي الكريم ..
كرامات الشيخ فتحي رضي الله عنه كثيرة ظاهرة وجربته الناس كثيرا
ممن كانوا يزورون مرقده الشريف فقبره الشريف كما اعتقد الناس (ترياق ) أي دواء للأمراض
المزمنة المتعسرة العلاج وكثيرا ما كنا نرى قيام من لديه مصروعا او مجنونا بزيارة قبره الشريف فيبرئ بأذن الله تعالى .
هذه هي اعتقادات اهل الموصل وتقديرهم لهذا الرجل ، واعتزازهم به ، وتداولهم
لكراماته الموجودة ليس في ذاكرتهم التاريخية وانما في ارثهم الثقافي الممتد عبر كل هذه السنين الطويلة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق