جامع السلطان ويس
في الموصل
ا.د. ابراهيم
خليل العلاف
استاذ التاريخ
الحديث التمرس – جامعة الموصل
جامع السلطان ويس
أو ( أوُيس ) ...من معالم مدينة الموصل التاريخية .ويعد هذا الجامع من الجوامع
القديمة المهمة في الموصل . يقع في محلة باب المسجد بشارع الفاروق الجديد وفي
حضيرة السادة محلة ثقفيف ( الشكيف ) سابقا وهو قريب من محلة اليهود (الاحمدية ) ،
وقد فجره تنظيم داعش في الاول من كانون الثاني -يناير سنة 2015 حين سيطرته على
الموصل 2014 -2017 بحجة ان فيه قبورا .
وقد ورد ذكر هذا
الجامع أو المسجد في مدونات تاريخية كثيرة ، واختلف المؤرخون في سبب تسميته لكن
مما يمكننا تأكيده أنه بني سنة 1683 ميلادية في حضيرة السادة بشارع الفاروق الجديد .
ويذكر الاستاذ
سعيد الديوه جي في كتابه ( جوامع الموصل في مختلف العصور ) ، والذي أصدره سنة 1963
انه سمي كذلك نسبة الى أُويس القرني وهو من التابعين .
وقبة جامع
السلطان ويس ، من القباب التي سادت في العصر الاتابكي ، والى جانب قبته الاولى قبة
ثانية تضم مدافنا لنقباء الموصل . وقد نقل محرابه من المرمر الازرق المطعم بالمرمر
الابيض الى بغداد سنة 1940 بناءَ على مقترح من الاستاذ سعيد الديوه جي مدير آثار
الموصل آنذاك وخوفا عليه .
وقد ذكر الاستاذ
سعيد الديوه جي هذه الحادثة . وقال انه بعد سقوط قبة جامع السلطان ويس سنة 1940 ،
وهي من القباب النفيسة وقد بناها الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ حاكم الموصل 606-657
هجرية (1210-1259 ميلادية . يقول :" اتصلت بمدير الاثار العام وكان – آنذاك -
الاستاذ يوسف غنيمة وهو موصلي - واشرت عليه بضرورة نقل هذا المحراب الى بغداد خوفا
عليه من التلف ، فأمر بنقله الى متحف القصر العباسي ، وحُفظ به " .
وكان الجامع
بالاصل بناية للتكية الويسية وسمي بهذا نسبة الى الطريقية الويسية . ويمكن ان نشير
الى ان الجامع قد يعود الى الفترة الايلخانية الجلائرية ، والى عهد السلطان أُويس
الجلائري والسلطان اويس بن الشيخ حسن جلائر حكم الموصل ، وقمع ثورة قام بها
الموصليون سنة 757 هجرية - 1365 ميلادية وحكمها مرة ثانية السلطان اويس سنة 767
هجرية - 1366 ميلادية وقد امتد حكم السلطان اويس الجلائري ونوابه في الموصل الى
سنة 773 هجرية - 1372 ميلادية حتى انه ضرب بإسمه النقد في الموصل ..
ولعل مما يجب
ذكره ان زوجة التاجر الموصلي جمعة الحديثي من حديثة الموصل ،هي من ابتدأت بإعمار
الجامع بناء على طلب زوجها عندما كان يؤدي فريضة الحج في الديار المقدسة ، وعندما
عاد وجد ان ما عمرته لايكفي فقرر ان يبني جامعا كبيرا واختار الارض التي كانت
تجاور التكية الويسية ، وبنى عليها جامع السلطان اويس بين سنتي 1093-1095 هجرية
1682-1683 ميلادية وهذا موجود في الكتابات التي دونها واشار اليها القنصل الفرنسي
في الموصل نيقولا سيوفي في كتابه ( مجموع الكتابات المحررة في أبنية الموصل ) .
كانت التكية
الويسية ، من التكايا المعروفة في الموصل وتعود للطريقة الويسية التي تنسب الى
اويس القرني الذي ادرك الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان من التابعين
ولدينا مجموعة كبيرة من الاخبار التي تشير الى انه كان من المتصوفة ، وله قبور
كثيرة منتشرة في عدد من مدن الشام ومصر والاناضول وديار بكر .
وكانت التكية
الويسية في ارض منخفضة تتجمع فيها المياه وتقع التكية وسط ارض واسعة اتخذها الناس
فيما بعد مقبرة للسابلة يدفنون فيها موتاهم ، وهذه المقبرة كانت قائمة حتى
الستينات من القرن الماضي ، وفي حضيرة السادة او حضيرة ثقيف والتي أُنشيء عليها في
ما بعد القسم البلدي الربع وما يحيط به من طرق ، محلة معروفة او حي معروف بحي
الشكيف او ثقيف الذي ورد ذكره في كتاب (منية الادباء ) للمؤرخ الموصلي ياسين
العمري .
وسرعان ما إتسعت
المقبرة في العصور المتأخرة ، واخذ الاهالي يدفنون موتاهم في حضيرة ثقيف هذه حتى
تحولت الى ( مقبرة عامة ) فيها ايضا كما سبق أن قدمنا مدفن نقباء الموصل وسميت
بحضيرة السادة نسبة الى السادة من نقباء الموصل العلويون .
ومن الطريف القول
انه بمرور الزمن إندرست المقبرة بعد ان توقف الناس عن الدفن فيها وتحولت الارض الى
ساحة يلعب فيها الاطفال .
وفي الحقيقة ان (
محلة ثقيف أو الشكيف ) ، كما يسميها الناس كانت موطنا لقبيلة ثقيف التي جاءت
الموصل منذ فترة ما قبل الاسلام وبعد الفتح سنة 16 هجرية -637 ميلادية والشكيف
محرفة من كلمة ثقيف وكانت دور بني ثقيف كا يقول الاستاذ سعيد الديوه جي ومن قبله
الاستاذ احمد الصوفي تمتد الى باب المسجد ، وهناك من يقول ان ثقيف هي من عمرت هذا
المسجد الذي صار يسمى باب المسجد .
وكان في الجامع
مدرسة اسسها الحاج حسين بك بن علي بك ، وكانت تضم خزانة كتب فيها مخطوطات نفيسه
ذكرها الدكتور داؤد الجلبي في كتابه ( مخطوطات الموصل ) . وممن درس فيها الشيخ
أمين افندي بن شريف اغا والسيد حسن افندي بن السيد علي افندي ال الخليفة وابنه
السيد محمد علي افندي وابن السيد محمد عز الدين افندي ال الخليفة .
في الطبعة
الجديدة لكتاب الاستاذ سعيد الديوجي (جوامع الموصل في مختلف العصور ) الذي اضطلع
بها ولده الاستاذ الدكتور أُبي (2012) ، صورة لرخامة أرخت لمدرسة جامع السلطان
ويسوالتي كانت تضم غرفا للمدرس وللطلاب ولخزانة الكتب لم نجدها في الطبعة الاولى
(1963) وهذه الصورة للرخامة تؤرخ للمدرسة مدرسة الحاج حسين بك في جامع السلطان ويس
وكان بناء المدرسة سنة 1269 هجرية – 1853 ميلادية وكان مكتوبا على الرخامة
الموجودة على باب المدرسة :
هذه الدار للعلوم
محل ***** دام فيها قراءة الدروس
نال خيرا حسين بن
علي ***** إذ بناها بأحسن التأسيس
شاد للطالبين
مدرسة العلم ***** فلاحت بحسنها كالعروس ِ
فجزاه الاله خير
جزاء ***** وحباه بأحسن التقديس
حين تمت باليمن
قد ارخوها ***** هي دار تُشاد للتدريسِ
وكان لمصلى جامع
السلطان اويس او السلطان ويس كما يسميه الناس في المنطقة ، ثلاثة أبواب مزخرفة
بزخارف نباتي جميلة عليها كتابات من قبيل :
بنى لله بيت
الحاج جمعة
بتوفيق المهيمن
ذي الجلال
وأتقن فيه بنيانا
منيفا
وتأسيسا على حسن
الفعال
جزاه الله في
جنات عدن
نعيما لايزول
ولايزال
لسان الغيب فيه
قال أرخ
فتقوى المرء من
حسن الكمال
وبحساب الُجَمل
او التاريخ الشعري فإن الشطر الاخير يقابل سنة 1093 هجرية (1682 ميلادية ) وهي
السنة التي ابتدأ الحاج جمعة ببناء الجامع . وكما ترون الى جانب هذا الكلام
الرخامة التي كتبت عليها الابيات التي تؤرخ للسنة 1093 هجرية وفيها :
قد اسس الجامع
بالتقوى ***** جمعة فإستُحسن له صنعه
فجاء تأسيسا
وبنيانا ***** بلا رياء وبلا سمعه
فقلت في ذلك
تاريخا ***** أثابك الثواب يا جمعه
وفي الرخامة
الثانية التي ترونها الى جانب هذا الكلام عبارات تؤرخ لللسنة التي تم الانتهاء بها
من بناء الجامع وهي سنة 1095 هجرية ( 1683 ) ميلادية وجاء فيها :
بنى لله جمعة ذو
المعالي ***** مكانا للعبادة مستقيما
واسسه على تقوى
فأضحى ***** محلا جامعا فردا عظيما
لسان الغيب فيه
قال فأرخ ***** أثاب الرب بانيه الرحيما
والشطر الخير
يساوي بحساب الجمل سنة 1095 هجرية أي سنة 1683 ميلادية .
وثمة أروقة امام
المصلى تستند على دعامات ، وفي الاروقة محرابان ، وفناء الجامع واسع ، ومصلى
الجامع كبير عليه قبة واسعة على شكل نصف كرة تستند على مقرنصات من الجص وتزين
القبة من الداخل زخارف جبسية.
لقد زين الحاج
جمعة الحديثي أبواب جامعه جامع السلطان ويس ومحاريبه بزخارف وكتابات مختلفة وكذلك
زين داخل القبة بزخارف جبسية تنتهي بدائرة في أعلى القبة مزينة ايضا بزخارف دقيقة .
وفي الجامع ايضا
مقصورة او ما تسمى سدة تشرف على المصلى والشرفة من الخشب وهي مزينة بزخارف هندسية
ونباتية ملونة بألوان زاهية متناسقة وهي تعكس ريازة العمارة الاتابكية والاروقة في
الجامع تستند على دعامات مثل الدعامات الموجودة في المصلى وهناك محرابان اولهما
للشافعية وثانيهما للحنفية تزينهما كتابات اشار اليها صاحب كتاب ( مجموع الكتابات
المحررة في ابنية الموصل ) .اما المحراب الكبير الذي تحت القبة فهو من المحاريب
الاتابكية وتعلوا المحراب مناشير صغيرة من الرخام وفي اعلى المحراب ثمة زخارف
بهيئة مقوقعات وهناك كتابا على الدعامات وعلى الابواب الموجودة في يمين المصلى وفي
يساره .
ادعو من هذا
المكان دائرة الاوقاف او هيئة الاوقاف الى ان تلتفت الى واجبها الحقيقي وهو اعمار
دور العبادة واعادة تأهيلها واعادتها الى ما كانت عليها واقول للمسؤولين في هذه
الهيئة هذا يومكم فتقدموا الصفوف وتعلموا من الاهالي كيف يعملون بجد واخلاص لاعادة
ما تهدم في تلك الايام الحالكة اللهم هل بلغت اللهم فإشهد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق