الخميس، 9 يوليو 2020

مئوية كلية الحقوق (العراقية) 1908 ـ 2008 أ . د ابراهيم خليل العلاف

مئوية كلية الحقوق (العراقية) 1908 ـ 2008

                                                                                               أ . د ابراهيم خليل العلاف
                                                                                     مركز الدراسات الاقليمية ـ جامعة الموصل
  
    تحتفل الاوساط العلمية والقانونية والاكاديمية العراقية مع دخول سنة 2008 بالذكرى المئوية الاولى لتأسيس كلية الحقوق (القانون حاليا) بجامعة بغداد . فكما هو معروف ان الجذور التاريخية للتعليم العالي الحديث في العراق ترجع الى سنة 1908 حين تأسست مدرسة الحقوق في الاول من ايلول سنة 1908 وقد جاء تأسيسها اثر اقتراح قدمته اللجنة الاصلاحية التي جاءت بغداد اواخر سنة 1907 ، برئاسة ناظم باشا والي قسطموني وذلك لدراسة ما يحتاجه العراق من اصلاحات . وقد تشكلت لجنة استشارية في ولاية بغداد ضمت كبار موظفي الولاية ووجهاءها لمساعدة اللجنة في مهامها . وبعد ان تجولت اللجنة في مناطق العراق قدمت تقريرا الى الحكومة تضمن اقتراحات عديدة منها الدعوة الى تطوير التعليم وفتح المزيد من المدارس والمعاهد والكليات .. وكانت كلية الحقوق من اولى الكليات التي اقترحت اللجنة انشاءها بعد ان شعرت بحاجة العراق الى رجال القانون والاداريين المؤهلين علميا .
    وحينما رفع الاقتراح الى السلطات المركزية في استانبول ، لقي قبولا ، فصدرت الارادة السلطانية بالموافقة على تأسيسها وذلك في 14 تموز1908 ولم تفتح الكلية اول الامر بحجة عدم وجود بناية صالحة ، الا ان عددا من الشباب العراقي ، الذين كانت لهم رغبة ملحة في دراسة القانون حرروا عريضة الى رئيس اللجنة الاصلاحية ، طالبوا فيها تنفيذ الارادة السلطانية بفتح الكلية ، ومن الذين وقعوا على العريضة : محمود صبحي الدفتري ، وعبد الله ثنيان ، وثابت يوسف السويدي . وبعد اسابيع عين الباب العالي ، ناظم باشا رئيس اللجنة الاصلاحية نفسه واليا على بغداد وكالة ، فحانت الفرصة له لتنفيذ ما اقترحه ، خاصة وان التغييرات السياسية التي حدثت في استانبول ، اثر الثورة الدستورية في 23 تموز/يوليو 1908 قد اوجدت الظروف المناسبة لتنفيذ هذا المشروع التعليمي الحيوي ، فتقرر فتح الكلية في الاول من ايلول سنة 1908 .  
     اصبح عدد طلاب كلية الحقوق والتي كانت تسمى آنذاك ( مدرسة الحقوق) بحسب تسميات ذلك الزمان ، سنة 1910 (118) طالبا ، موزعين على صفين الاول والثاني . أما مدة الدراسة فيها فكانت اربع سنوات ، ويقبل فيها المتخرجون من المدراس الاعدادية . وقد ورد في مجلة التربية والتعليم التي اصدرها المربي والمفكر المعروف الاستاذ ساطع الحصري رحمه الله ( الجزء 6 ، بغداد ، حزيران 1928) ان عدد طلاب كلية الحقوق بلغوا في العام الدراسي 1913 ـ 1914 (244) طالبا وعدد اساتذتها (22) .
     وبعد الاحتلال البريطاني للعراق (1914 ـ 1918) ، قررت سلطات الاحتلال الاستمرار في فتح ابواب كلية الحقوق للطلبة بعد ان احست بالحاجة الى الموظفين المختصين بالقانون والقضاء ، لذلك نشر الميجر همفري بومان ، Humphrey E.Bowman ((ناظر (مدير) المعارف العمومية)) اعلانا في 23 تموز 1919 . وفي 7 تشرين الثاني /نوفمبر 1919 اعيد افتتاح الكلية رسميا وعين الكولونيل بل رئيس محكمة الاستئناف مديرا فخريا لها .  
    ضمت الكلية في باديء الامر صفين ، انتمى الى الصف الاول منها طلاب الصفين الاول والثاني من كلية الحقوق العثمانية ، في حين التحق طلاب الصف الثالث والرابع من كلية الحقوق العثمانية بالصف الثاني . وبلغ عد طلبة الكلية عند افتتاحها الثاني ( 45) طالبا ، 25 طالبا في الصف الثاني ، والبقية في الصف الاول . وقد علقت المس غيروترود بل سكرتيرة الحاكم المدني البريطاني العام للعراق على اعادة فتح كلية الحقوق بقولها : ((ان فتحها جاء في محله ، لان الادارة البريطانية كانت ستصبح عرضة للنقد المحق لو لم تبذل جهدها في ان تهيء ، على الاقل ، ما كان موجودا في معاهد التعليم العالي ايام العثمانيين .
     لم تكن الدراسة في كلية الحقوق مجانية ، وانما كان على كل طالب ان يدفع اجورا سنوية مقدارها (150) روبية . وقد ارتبطت الكلية بالسكرتير العدلي ، وكانت مدة الدراسة فيها عند افتتاحها الثاني سنتين ، يتلقى الطالب محاضرات في الحقوق المدنية ، قانون المرافعات ، قانون العقوبات ، الطب القانوني ، الصكوك ، الحقوق الدستورية ، العلوم الاقتصادية ، احكام الاراضي والاوقاف وغير ذلك من المواضيع القانونية والادارية .
     تخرجت الوجبة الاولى من الكلية في 18 تموز 1920 . وفي مطلع السنة الدراسية 1920 ـ 1921 ، قررت نظارة ( وزارة) العدلية (العدل) تمديد مدة الدراسة فيها وجعلها ثلاث سنوات . وقد شغل خريجو هذه الكلية ، الوظائف القضائية والادارية الكثيرة حتى ان بعضهم شغل كرسي الوزارة والمديريات العامة . كما انتظم الاخرون في سلك المحاماة .
     وبعد تتويج فيصل ملكا على العراق (آب 1921) وتأسيس الدولة العراقية الحديثة اصبحت كلية الحقوق واحدة من كليات جامعة آل البيت التي وضع حجرها الاساس الملك فيصل الاول (1921 ـ 1933) في 15 آذار 1924 وكانت الجامعة تضم فضلا عن كلية الحقوق ، كليات الهندسة ، الطب ، الكلية الدينية ، كلية التربية ، الفنون .  وفي نيسان 1924 عين الاستاذ فهمي المدرس رحمه الله امينا عاما للجامعة .
     جرت عملية لتطوير كلية الحقوق واصلاح اوضاعها العلمية والتدريسية فتألفت لجنة في تشرين الثاني 1921 برئاسة المستر بل رئيس محكمة الاستئناف ، وتوفيق السويدي الذي عين مديرا ( عميدا) للكلية فضلا عن وظيفته كمعاون لمشاور العدلية ادوين دراور ، وداؤد سمرة ، ونشأت السنوي ، وانطوان شماس . وقد بذل توفيق السويدي عميد الكلية جهودا كبيرة لتنظيم الكلية وتهيئة الاساتذة ، الا ان قلة المتخرجين من المدارس الثانوية كان صعوبة بارزة واجهتها المدرسة ، وهذا مما ادى الى اعداد اناس تكون مؤهلاتهم بدرجة تمكنهم من متابعة الدروس وفهمها بسهولة من دون ان تكون لديهم شهادات ثانوية ويتم ذلك باتباع مبدأ امتحان القبول ، اذ كان يطلب من المتقدم اداء امتحان في المواد التي تعادل درجتها المواد التي تدرس عادة في الصفوف الثانوية .
    وفي سنة 1922 صدر (النظام الاساس لمدرسة الحقوق العراقية) الذي جعل مدة الدراسة اربع سنوات. وتوجد تفصيلات عن جهود السويدي في مذكراته المنشورة بعنوان : (مذكراتي في نصف قرن من تاريخ العراق والقضية العربية) والذي نشر في بيروت سنة 1969 كما تابع كاتب هذه السطور مسيرة كلية الحقوق ضمن اطروحته للدكتوراه والتي نشرتها جامعة البصرة سنة 1982 بعنوان : ((تطور التعليم الوطني في العراق)) .
     لم تكن الدراسة في مدرسة الحقوق مجانية ، بل كان على كل طالب ان يدفع اجورا دراسية قدرها (150) روبية في السنة والروبية عملة هندية ـ عراقية كانت تساوي آنذاك (75) فلسا عراقيا . ومع هذا كان الاقبال على الكلية كبيرا ، على الرغم من عدم توفر ملاك دائم وثابت للمدرسة وانما اقتصر الامر على المحاضرين فقط . لذلك كانت هذه المسألة مثارا لانتقادات لجنة الميزانية في المجلس النيابي التي اقترحت دعم الكلية وتزويدها باساتذة من غير موظفي الحكومة ، كما دعا بعض النواب كذلك الى ضرورة ((الاستعانة ببعض الاساتذة العرب والاجانب )).
    بعد تأسيس جامعة بغداد 1957 ـ 1958 تطورت كلية الحقوق ، وازدادت اقدامها رسوخا في المجتمع العراقي . وقد جاء في دليل جامعة بغداد 1962 ـ1963 ان الهدف في تأسيس الكلية في الاصل هي اعداد جيل مثقف ثقافة قانونية ، نظرية وعملية ، تؤهله بعد تخرجه لممارسة القضاء والمحاماة . ولم تقف الكلية عند هذا الحد فالدراسة فيها تهدف الى الكشف عن كنوز الثقافة الفقهية الاسلامية واظهارها على حقيقتها امام العالم . كما انها تسعى لاعداد جيل مثقف ثقافة عامة فضلا عن الثقافة القانونية لذلك كانت تدرس فيها ولايزال مواد هي اقرب الى العلوم المالية والاقتصادية والادارية والسياسية .
     شغل منصب عمادة كلية الحقوق ، عدد من رواد المدرسة القانونية العراقية منهم الاستاذ ساطع الحصري والاستاذ توفيق السويدي والاستاذ رؤوف الجادرجي والاستاذ عبد الرحمن البزاز والدكتور عبد الكريم زيدان والدكتور محمد يعقوب السعيدي والدكتور صلاح الدين الناهي والدكتور علي حسين الخلف والدكتور محمد الدوري . ومن ابرز خريجيها الرواد عبد الجبار جميل وادؤد السعدي ومكي الاورفلي ، وعبد الجبار التكرلي ، وفائق الالوسي ، ومصطفى العمري ، وحسن سامي تاتار وعباس العزاوي وابراهيم الواعظ ، وشاكر غصيبة ، ويوسف فتح الله لوقا وصالح مراد وفهمي نصرت ( دورة 1920 ـ 1921)  وعبد الله الشواف وعطا امين واحمد القشطيني ومحمد رؤوف البحراني ،وعبد العزيز السنوي ، وطالب مشتاق ونجيب الراوي وشفيق نوري السعيدي ( دورة 1923 ـ1924) ومنير القاضي وطه الراوي وصالح جبر وموفق الالوسي ، واحمد زكي خياط ، وجعفر حمندي ، وهايك سيروب ، وعبد الجليل برتو ( دورة 1924 ـ 1925) ،وعبد القادر الكيلاني وكامل الجادرجي وذيبان الغبان ، ونوري العمري ، وموسى شاكر ،و نظيف الشاوي ،وعبد العزيز الباجه جي ،وصادق البصام وشاكر الموصلي وهو شاكر سليم الحاج ياسين القصاب وحسين جميل ( دورة 1925 ـ1926) وسالم الالوسي ،وكامل الكيلاني ، ومكي الجميل وتوفيق الفكيكي والياس خدوري ،وعبد العزيز جميسل ، وجواد الدجيلي وعبد الرحمن الدوري وسامي النقشلي وداؤد نيازي ( دورة 1926 ـ1027 ) وعبد الكافي عارف ، وعبود الشالجي وجميل الاورفلي واسماعيل غانم الاعظمي ( دورة 1929 ـ 1930 ) .     
اسهمت كلية الحقوق خلال تلك الفترة والفترات اللاحقة وحتى يومنا هذا في اعداد الكوادر القانونية والقضائية المتخصصة ..كما لقب طلبتها واساتذتها ومنذ نشأتها بدور فاعل في حياة العراق السياسية والثقافية فاستحقت هذه الكلية العريقة منا كل تقدير فتحية لها ، لطلبتها وخريجيها ، وادارتها ، والرحمة لمن توفي مهم .. والتهنئة لكل العراقيين بالذكرى الـ (100) لتأسيس هذا الصرح العلمي الكبير .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...