عقود الجمان في شعراء هذا الزمان لإبن الشعار الموصلي
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
سمعت بموسوعة ابن الشعار الموصلي المخطوطة " عقود الجمان في شعراء هذا
الزمان " في السبعينات من القرن الماضي . وفي اثناء زيارتي للرياض العاصمة
السعودية سنة 1979 التقيت بالدكتور سامي الصقار وكان عندئذ استاذا مشاركا في قسم
التاريخ بجامعة الملك سعود بالرياض ، وقال
لي انه كتب عن ابن الشعار ومخطوطته وأعطاني ما كتب وهو بحث قيم ورائع بعنوان
:" ابن الشعار الموصلي مؤرخ الشعراء وكتابه عقود الجمان في شعراء هذا الزمان
" نشر في مجلة كلية الاداب –جامعة الملك سعود المجلد (6 ) لسنة 1978 . وفي هذا البحث عرف بإبن الشعار وبكتابه المخطوط
ثم نشر نص مقدمته وعرض كشفا مفصلا بالتراجم الواردة في اجزائه المتوفرة وهي ثمانية
من عشرة اجزاء والمرتبة على الحروف الهجائية في الاسم الاول فقط .
وعدتُ الى الموصل ، وكنت اعمل ومنذ سنة 1979
رئيسا لقسم العلوم الاجتماعية ومن ثم في 1980 رئيسا لقسم التاريخ بكلية التربية –جامعة
الموصل وتحدثت حول الكتاب مع عميد الكلية
وكان آنذاك الاستاذ الدكتور خضر الدوري وهو متخصص بالتاريخ الاسلامي –التاريخ
الاقتصادي للعراق في عهد السلاجقة ، وتحمس
لجلب مخطوطة الكتاب الموجودة في خزانة كتب أسعد افندي بالمكتبة السليمانية
بأستنبول ومن رقم 2323الى رقم 2330 واول من أشار الى وجود المخطوطة المؤرخ الكبير
الاستاذ عباس العزاوي في كتابه (التعريف بالمؤرخين ،بغداد ،1957 ص 75 ) .وكما هو
معروف فإن لابن الشعار مؤلفات عديدة فقد معظمها كما تداخلت عناوين كتبه بشكل اصبح
من الصعب التأكد منها وضبطها حتى ان كتابه (عقود الجمان في شعراء هذا الزمان )
الذي يقع في عشرة مجلدات تزيد صفحاتها عن (5570 ) صفحة او ورقة يترجم فيها لما
يزيد عن (1250 ) من شعراء وكتاب وقضاة ووزراء زمانه يعرف ايضا ب(قلائد
الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان " .
كمال الدين ابو البركات المبارك بن الشعار
الموصلي المتوفى سنة 654 هجرية هو كمال الدين ابو البركات بن ابي بكر احمد بن
حمدان بن احمد بن علوان بن ماجد بن حسين بن علي بن حامد الملقب بإبن الشعار الموصلي
ولد بالموصل في مستهل شهر صفر من سنة 595 هجرية الموافق لليوم الثالث من كانون الاول –ديسمبر سنة 1198 ميلادية وتوفي في
حلب لسبع خلون من جمادى الاخرة سنة 654
هجرية الموافق لليوم الثاني من تموز 1256 ميلادية . ، ولقب ب"ابن الشعار
" لان اسرته اشتهرت بصنع آلة الجمال وعمل الشعر ومن يقوم بهذه المهنة يسمى (
شعارا) ولاتزال اليوم في مدينة الموصل محلة تسمى ( سوق الشعارين ) ، وفيها
يقع جامع نبي الله جرجيس وفي سوق الشعارين كانت تصنع رِحالْ الجمال .
كان ابن الشعار ، منذ نعومة اظفاره ، راغبا
في العلم ؛ فتعلم العلوم الدينية ، وحفظ القرآن الكريم وتعلم الخط من ابي الربيع
سليمان بن المظفر الاربلي المعلم . كما حضر مجلس وعظ ابي اسحاق ابراهيم بن المظفر
المتوفى سنة 622 هجرية -1225 ميلادية . وقد أولع بالشعر ، واهتم به وتتبع أخبار
شعراء زمانه، وجمع نبذا من سيرهم ، وشعرهم
، واهتماماتهم الاخرى لذلك حفلت حياته بالحيوية ، والنشاط ، والبحث الدؤوب ، والرحلة
في طلب العلم ، وجمع المادة لكتابه الكبير بدرجة استنزفت امكاناته المادية فبات
فقيرا معدما ، عاطلا عن العمل ويشير في مقدمة كتابه (عقود الجمان ) الى ذلك فيقول :" وألفته وأنا كليل الناظر ،مشدوه
الخاطر ،وقد أخذ مني الفقر بحاله ...والشيب قد كتب في فودي سطورا –والى الله لجأ
من تواتر الهموم وتتابع الاحزان " ومن كتبه المتفق عليها "تحفة الوزراء
" وهو مفقود وكل هذا كتبته ونشرته في مقال لي في جريدة (الحدباء ) الموصلية
في العدد الصادر في 5 /6/ 1984 .
وصفه
ابن الفوطي بأنه أديب ، ومؤرخ ، جمع اخبار العلماء واشعار الفضلاء وقال عنه
استاذه ابن المستوفي بأنه شاب مغرم بجمع اخبار شعراء عصره . عمل مؤدبا للصبيان في
اربل وكان ذا هيبة بين المتعلمين ووجهاء
واعيان الموصل واربل وقد اشتغل بنسخ الكتب ايضا .
ومما يلحظ ان استاذه ابن المستوفي إعترف بقدرات تلميذه ونباهته ، فوضع ترجمة له في
تاريخ اربل وجعله في مصاف الاماثل ومنهم ابن الدبيثي وابن النجار وابن القطيعي
وياقوت الحموي وعبد القاهر السهروردي وكان ابن الشعار يساعد استاذه في التأليف وفي
قضاء حاجاته وقد ذكر ابن الشعار انه بقي في اربل لست سنوات لكي يكون قريبا من
استاذه ابن المستوفي . واضاف انه شاهد من أفضال وفضل استاذه الكثير كما عرف عنه
سعة صدره ، وغزارة عقله ، وإحسانه الى الناس وقد اطلع ابن المستوفي على عمل تلميذه
أقصد كتاب (عقود الجمان ) قبل وفاته في مدينة الموصل وابدى عليه بعض الملاحظات
والاقتراحات والتوجيهات .
الشيء المهم الذي يذكر في هذا الصدد ان
الاخوان في قسم اللغة العربية بكلية التربية –جامعة الموصل ، وخاصة الصديقين
المرحوم الاستاذ الدكتور محمد قاسم مصطفى والاستاذ الدكتور طارق عبد عون الجنابي
وبالتعاون مع عميد الكلية الاستاذ الدكتور خضر الدوري نجحوا في توفير الكتاب –المخطوط
واحضروه الى الموصل ، وعكفوا على وضع الخطط لتحقيقه وتقسم الاجزاءعلى عدد من
الاساتذة المحققين ، واصدروا الجزء الثالث
منه وطبع في دار ابن الاثير للطباعة
والنشر سنة 1412 هجرية -1992 ميلادية واشترك في التحقيق كلا من الاستاذ الدكتور نوري حمودي القيسي ، والدكتور
محمد نايف الدليمي وبمراجعة الاستاذ
الدكتور عبد الوهاب العدواني ، وحدثت مشاكل ، وتلكأ المشروع ، وتوفي الدكتور محمد
قاسم مصطفى ونقل الدكتور خضر الدوري الى
مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ببغداد رئيسا لجهاز التفتيش ومن ثم قتل في
حادث مؤلم رحمه الله ، وانتهى المشروع أقصد
مشروع تحقيق الكتاب ، وفوجئنا بالاستاذ كامل سلمان الجبوري المحقق المعروف ينجز
الكتاب ويظهره الى النور سنة 1426 هجرية -2005 ميلادية من خلال دار الكتب العلمية
ببيروت –لبنان وبحلة قشيبة ، وبتحقيق جيد ، وبعنوان : ( قلائد الجمان في فرائد
شعراء هذا الزمان المشهور ب ( عقود الجمان في شعراء هذا الزمان ) لكمال الدين ابي
البركات المبارك بن الشعار الموصلي المتوفى سنة 654 هجرية ) وبعدد صفحات 3440 صفحة
وبواقع ثمانية اجزاء كانت متوفرة ايضا في المكتبة السليمانية
بإستنبول .
لم يكن المحقق الاستاذ كامل سلمان الجبوري بعيدا عن ما كانت تفعله
جامعة الموصل ، وكان مطلعا على كل الحيثيات والملابسات والمشاكل ، حتى انه قام
بزيارتين الى جامعة الموصل ، وامتدح العمل الذي قامت به والتقى بعض المحققين لغرض
التعاون معهم في تحقيق الكتاب لكنه وجد ان ثمة مشاكل أوقفت العمل كما ذكرنا آنفا
لذلك شمر عن ساعد الجد ونهض بالمهمة وحده فوفقه الله ووفر للقراء هذا الكتاب
الثمين الذي هو ليس الا موسوعة قيمة
لايستغني عنها الباحث ، سواء كان بحثه في التاريخ او الادب خاصة وانها تحتوي على
تراجم لاعداد ضخمة من شخصيات من عصر المؤلف في مختلف انحاء العالم من اهل الدين
ورجال العلم وارباب الدولة والقضاة .لذلك فإن اهمية هذه الموسوعة لاتقتصر على وصف
الحياة الادبية وحدها وانما اهميته كذلك تبرز في تدوين تاريخ الحياة السياسية
والدينية والاجتماعية واتذكر انني عندما كلفت بكتابة فصل في موسوعة تكريت عن أسرة
آل درع التكريتية العلمية اعتمدت على الكتاب بشكل كبير .ومما يلحظ ان النسخة التي
اعتمدها المحقق الجديد الاستاذ كامل سلمان الجبوري هي النسخة التي وفرها له
العلامة الدكتور شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق . كما حصل على صورة للنسخة التي نشرها معهد تاريخ العلوم
العربية والاسلامية في اطار جامعة فرانكفورت –المانيا الاتحادية . وقد اشار السيد
المحقق ايضا الى انه استفاد من قيام الدكتور خورشيد رضوي الاستاذ الزائر بمركز
الشيخ زايد الاسلامي في جامعة البنجاب –لاهور –الباكستان بتحقيق ونشر الجزء السادس
من الكتاب .
في مقالي الذي اشرت اليه بعنوان :"اوراق
تاريخية موصلية : إبن الشعارالموصلي وعقود الجمان " والمنشور في جريدة
(الحدباء ) الموصلية في 5/6/1984 والذي ضممته الى كتاب الذي اصدرته بعنوان
:"اوراق تاريخية موصلية " سنة 2006 قلتُ ان مؤرخنا الموصلي (ابن الشعار
) تصدى لتسجيل حياة وشعر عدد كبير من معاصريه ولم يقتصر في الترجمة على الشعراء
فحسب بل كتب عن عدد غير قليل من الملوك ورجال الدولة والوزراء والقضاة واهل العلم
والمؤرخين والجغرافيين والفقهاء والمتصوفة ولإناس غير عراقيين وغير مسلمين ولإناس لم
يكن الشعر هو عماد حياتهم ، وانما كانوا حرفيين واصحاب صنائع واطباء ومن هنا فكتاب
(عقود الجمان ) ليس متعلقا بالتاريخ الادبي كما ذكر المؤرخ عباس الهعزاوي وانما هو
كتاب تاريخ .واهميته تكمن في ابراز جوانب مختلفة من حياة الذين أرخ لهم سياسيا
واجتماعيا وثقافيا ولكن يبقى قول الشعر هو القاسم المشترك بينهم جميعا .
كما قلتُ ايضا ان ابن الشعار لم يكن من المؤرخين الذين كتبوا مؤلفاتهم في
غرف مقفلة بل كان منغمسا في الحياة العامة ،حيث مارس هو في شبابه مهنة اسرته وعمل
في (ديوان اربيل ) مدة من الزمن .ولاشك في ان ما شاهده وسمعه قد الف مصدرا ثرا من
مصادره .وتأتي احاديث الناس ورواياتهم في مقدمة المصادر التي استند اليها في تدوين
كتابه الكبير . ويشير الى ذلك بقوله :" التقطه من الشفاه واتلقفه من الافواه
" وهذا ما جعل الكتاب مادة اصيلة بكرا لها قيمة علمية فذة .وكان ابن الشعار
حريصا على لقاء من يترجم لهم وجها لوجه ويروي عنهم اقوالهم واشعارهم واعتمد في
كتابه على كتاب (تاريخ اربل ) الموسوم ب(نباهة البلد الخامل بمن ورده من الاماثل
لإبن المستوفي الابلي .وكان ابن الشعار تلميذا وفيا لاستاذه ابن المستوفي ويرجح
الدكتور سامي الصقار الذي تولى تحقيق ونشر كتاب ابن المستوفي ببغداد سنة 1979 قيام
ابن الشعار بنقل بعض تراجمه عن ابن المستوفي مشافهة .
قام ابن الشعار بالسفر الى جهات عديدة منها
واسط ودمشق وحلب ولم يفته الاشارة الى انه اجتمع بمن كتب عنهم مرارا وانه اقتفى
آثار من سبقوه في مجال التراجم التاريخية وفي مقدمتهم مؤلفي كتب (يتيمة الدهر في
محاسن أهل العصر ) و(دمية القصر وعصرة أهل
العصر ) و(زينة الدهر في لطائف شعراء العصر ) و( خريدة القصر وجريدة العصر )
و(الانموذج في شعراء القيروان ) و(المختار في النظم والنثر لأفاضل اهل العصر )
و(وشاح دمية القصر ) .يقول في المقدمة :" وبعد ،فإنني لما قاربتُانهاء كتابي
الموسوم بتحفة الوزراء ...اخلدت الى ان اجمع من الشعراء الذين دخلوا في المائة
السابعة وأدولوها وانخرطوا في سلك فريقها وجاوزوها ومن وطئ بساطها وسلك صراطها على
حسب ما صار لدى حصوله واتفق الي وقوعه ووصوله من شعراء عصري ومحاسن فضلاء دهري
وافرد لذلك كتابا بسيطا حاويا لشوارد كلامهم محيطا يشتمل على السمين والغث والقشيب والرث ليكون
اجمل في العيون وابهى واحلى في النفوس واشهى لايمل من تصفحه قاريه بل يروق له ما
اشتملت عليه مطاويه " .
ومما يلحظ ان نسبة الموصليين في تراجمه كبيرة
ولاعجب في ذلك اذ انه عاش في مدينة الموصل الحدباء وتيسرت له سبل الاتصال برجالها
ومع هذا فقد افرد لغير الموصليين الكثير من الصفحات التي تتبع بها تراجم شعراء
ينتمون الى مختلف بلدان الوطن العربي والعالم الاسلامي ويتضح هذا من القاء نظرة
بسيطة الى كشوفات التراجم التي تضمنها الكتاب .فهناك فاضل به راجي الله (المصري )
وهناك اسماعيل بن محمود (البلغاري ) وهناك عبد المحسن بن حمود التوخي (الحلبي )
وهناك محمد بن المؤمل بن الفضل (البحراني ) وهناك محمد بن نصر بن عقيل (القرطبي )
.
ونذكر من الموصليين :ابراهيم بن محمد ابراهبم
بن علي الموصلي المعروف بإبن دنينير ،واحمد بن رستم بن المبارك بن الحسن المعروف
بإبن النعال واحمد بن محمد بن ابي الوفاء الموصلي المعروف بإبن الحلاوي وعبد
الرحيم بن محمد بن محمد بن منعة الموصلي ولؤلؤ بن عبد الله الافضلي النوري .
واخيرا ، نحمد الله على ان الكتاب حقق ونشر
ومن المؤكد ان جهودا كثيرة بذلت من اجل اثارة الاهتمام به وبتحقيقه ونشره ووضعه في
متناول الباحثين والقراء والمهتمين بهذا اللون من التراجم والفضل لله وحده فهو
الذي يسر السبيل وشكرنا وتقديرنا للمحقق الهمام الاستاذ كامل سلمان الجبوري على
جهده العظيم ودأبه المتواصل الكبير .. أطال الله عمره ومتعه
بالعافية والنجاح الدائم .
ان كتاب (عقود الجمان ) او (قلائد الجمان في
فرائد شعراء هذا الزمان ) لإبن الشعار الموصلي مصدر مهم من مصادر التاريخ العربي
الاسلامي خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين .والكتاب –الموسوعة هذا
ليس كتاب تراجم للشعراء فحسب وانما هو كتاب يفيد في ملاحقة الجوانب المتنوعة من
العملية التاريخية ؛فثمة تفاصيل كثيرة –كما قلنا – عن قضايا سياسية واجتماعية
وثقافية عكست روح ذلك العصر وابعاده .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق