إسهامات
المؤرخين العراقيين المعاصرين في دراسة
الصلات
بين العراق وسوريا
لعل محمد أمين العمري (1889 ـ1946) وهو عسكري
ومؤرخ عراقي معاصر ، له مؤلفات عديدة ، أول الذين اهتموا بتوضيح العلاقات الوثيقة
بين العراقيين والسوريين في العصر الحديث ، وذلك من خلال كتابه الذي نشره باسم
أخيه محمد طاهر العمري ، لانه عمله العسكري لم يكن يسمح له آنذاك بإصدار كتاب ذو
طابع سياسي ، بعنوان : (مقدرات العراق السياسية) وبثلاثة أجزاء وقد طبع بمطبعة
السلام ببغداد سنة 1925 ونستطيع القول انه خصص أكثر من نصف الجزء الثالث لمتابعة
ما اسماه ( الأعمال السياسية في سوريا) وكان العمري في توثيقه لتلك الأعمال منطلقا
مما يمكن تسميته ( وحدة الكفاح القومي) بين الشعبين العراقي والسوري . ومما وقف عند
العمري ( قرار المؤتمر السوري العام) الذي قدم إلى الوفد الأمريكي من اللجنة
الدولية ( لجنة كنك ـ كرين) في 3 تموز سنة 1919 ، وابرز مضامينه ((المطالبة
بالاستقلال السياسي الناجز للبلاد السورية التي تحدها شمالا جبال طوروس ، وجنوبا (رفح)
فالخط المار من جنوب (الجوف) إلى جنوب ( العقبة الشامية) و ( العقبة الحجازية)
وشرقا نهر الفرات ، فالخابور والخط الممتد شرقي (أبي كمال) إلى شرقي (الجوف) وغربا
البحر المتوسط بدون حماية ولا وصاية) .
وفي الثلاثينات من القرن الماضي كرس الدكتور مجيد خدوري (1908 ـ2007)
المؤرخ العراقي المعروف جانبا من مؤلفاته لتناول بعض القضايا المتعلقة بسوريا ،
وصلاتها مع العراق والبلدان العربية ويعد كتابه الذي ألفه ، عندما كان يعمل مدرسا
في المدرسة الثانوية الوحيدة في الموصل ، بعنوان (المسالة السورية) من أقدم ما كتب
حول هذا الموضوع .. وقد طبع الكتاب مرتان ، أولاهما في الموصل ( مطبعة ام
الربيعين) سنة 1934 ، وثانيهما في دمشق (سنة 1935) . ثم بدأ أواخر سنة 1939 ، بالتفكير في وضع كتاب
آخر عن الاسكندرونة ، على اثر ضم تركيا لهذا اللواء ، وقال في مقدمة الكتاب الذي
طبع في السنة ذاتها بعنوان : (قضية الاسكندرونة) ان الدافع وراء اهتمامه بالموضوع
ووضعه كتابا حوله ان رأى ((بأن كثيرا من الشباب العربي المثقف ، لم يكن ملما إلماما
كافيا بمقدمات هذا الحادث الخطير ، ولا بما جرى في ندوة العصبة ( يقصد عصبة الأمم)
من مباحثات ومساومات على حساب العرب ، وقال (( كنت آنئذ قد تعينت أستاذا في دار
المعلمين العالية (كلية التربية فيما بعد) ببغداد ، بعد تخرجي من جامعة شيكاغو ،
فوجدت في هذا المعهد بعض عرب الاسكندرونة النابهين الذين هاجروا الى العراق
للدراسة والإقامة ، وقد أثار في حزنهم لفقدان وطنهم رغبة أكيدة للمضي في ما اعتزمت
عليه من وضع كتاب عن قضية الاسكندرونة ، ثم أضاف الى ذلك قوله : ((وحدث في أواخر
السنة 1940 ، أن قدم إلى العراق بعض الساسة السوريين على اثر حوادث الاضطراب في
الشام ، منهم المغفور له سع الله الجابري ، ودولة السيد جميل مردم وغيرهما ،
فانتهزت هذه الفرصة لأتحدث إليهم بخصوص الاسكندرونة ، وقد تكرم كل من مردم
والجابري ، ولاسيما الأول منهما ، بالإجابة على كل ما وجهت اليهما من أسئلة . ولقد
زودني مردم بك بكل ما كان لديه من الوثائق والأوراق الرسمية المتعلقة بالاسكندرونة
، اذ كان ينوي دولته حينئذ تدوين مذكراته السياسية إثناء إقامته في العراق فاصطحب
معه وثائقه الرسمية)) .
وفي الأربعينات من القرن الماضي ، اهتم المؤرخون والسياسيون وقادة الأحزاب
العراقية بقضية النضال الوطني في سورية ولبنان ..فعلى سبيل المثال ألف عزيز شريف
(1910 ـ1990) ، السياسي العراقي المعروف كتابه الموسوم ((النضال الوطني في سورية
ولبنان)) ونشر ضمن ما سمي آنئذ (رسائل البعث) وتحت شعار ((في سبيل التحرر القومي
والحياة الديموقراطية)) وقد طبع الكتاب سنة 1945 .
ومما أشار إليه في مقدمة الكتاب قوله : أن ((الحوادث المؤسفة تتوالى في
سورية ولبنان ، والأمر يتفاقم ، الجنود السنغاليون يطلقون الرصاص على المدنيين هنا
وهناك ،فتقام المضاهرات ثم تكثر حوادث التصادم ، فيأخذ الوضع ، في سورية خاصة شكلا
خطيرا ، فتهاجم الجيوش المدن العزلاء فتنزل فيها الدمار وتفتك بسكانها الآمنين ،
رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا ، بما تلقيه عليهم الطائرات والمدافع من جحيم أسلحة
الفتك الحديثة في الليل وفي النهار . فالحرائق تلتهم دمشق التهاما ، والقتلى
والجرحى في حماه يضلون غرقى في دمائهم ، ... ومثل هذا يحدث في حلب وفي غيرها من
المدن السورية .. ان فظائع الفرنسيين التي ارتكبوها في هذه البلاد الشقيقة عام 1925
لم تبرح الأذهان بعد )) .
ويعود عزيز شريف الى الوراء ليوضح ((طبيعة هذا الاعتداء ، وإذ نفعل ذلك نجد
ان المطامع الاستعمارية الفرنسية ترجع الى القرن التاسع عشر ... )) . وقبل الحرب
العالمية الاولى اظهر الفرنسيون ((عطفهم على الحركة القومية العربية وشجعوها ))
لكن ذلك كان ((لأغراض استعمارية ، ليتخذوا من هذه الحركة ، مثل ما كانوا يتخذون من
النزاع الديني ، وسائل للتدخل في شؤون الدولة العثمانية)) . ثم يقول ((ولكن
التاريخ يجري بما لا يشتهي المستعمرون)) . فلقد ازداد الوعي الوطني في سورية
((جلاء ووضوحا ، والحركة الوطنية التحررية ازدادت شدة وعنفا )) . وهكذا نجد المؤلف
يتابع الصفحات الجديدة ((من تاريخ النضال الوطني في سبيل الاستقلال والحرية ، ذلك
ان الاستبداد والاستغلال لا يزيدان نار النضال إلا لظى واتقادا)) ثم جاء الدكتور
حكمت بشير ، وهو وان كان من رجالات القانون العراقيين البارزين ، ليهتم بالجوانب
التاريخية من نضال السوريين من اجل الاستقلال ، فلقد خصص صفحات كثيرة من كتابه الموسوم ((الجوانب
القانونية لنضال الشعب العربي من اجل الاستقلال) المطبوع بدار الحرية للطباعة
ببغداد سنة 1974 لمتابعة تاريخ ((نضال الشعبين العربيين السوري واللبناني من اجل
استقلالهما القومي)) . وقد عالج الدكتور شبر هذا الموضوع معالجة علمية أكاديمية ،
ولعل من ابرز ما ركز عليه ما حظي به النضال السوري واللبناني من اهتمام العراقيين
خاصة والعرب عامة .. ومما قاله في هذا الصدد ان العرب هبوا لمساعدة نضال الشعب
السوري في محنته ، وان مجلس جامعة الدول العربية في اجتماعه الثاني غير العادي
اتخذ قرارا خاصا في الرابع من حزيران 1945 بادانة العدوان الفرنسي ومساندة طلب
سوريا إجلاء الجيوش الأجنبية من أراضيها . وقد حمل القرار الحكومة الفرنسية
مسؤولية فعل عدوانها كما اكد بان استمرار الاحتلال يعد إخلالا بحقوق الاستقلال
والسيادة )) .
كما اشار الى ان فرنسا اضطرت تحت ضغط ظروف عديدة
الى سحب جيوشها من سوريا في سنة 1946 وكان للمساندة المعنوية التي قدمها العراق
والاشقاء العرب عموما دورا كبيرا في مساعدة السوريين على نيل استقلالهم السياسي
الكامل .
لقد تابع المؤرخون العراقيون خلال الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي
احداث سوريا ، وخاصة ظاهرة الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها منذ اواخر
الاربعينات .. فعلى سبيل المثال ظهرت مجموعة من الكتب التي تتعرض لاسباب تلك
الانقلابات ونتائجها على حياة سوريا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
ولعل كتاب سليم طه التكريتي ( اسرار الانقلاب العسكري الاخير في سوريا ) المطبوع
ببغداد سنة 1949 وكتاب حسين مراد ( اسرار المؤامرة على سوريا) المطبوع ببغداد سنة
1959من اهمها .
ومنذ الستينات من القرن الماضي ، ندب عدد من المؤرخين العراقيين أنفسهم
لدراسة وضع الوطن العربي في العصور الحديثة وكانت سوريا تقع في القلب من اهتمام
اولئك المؤرخين ، وفي هذا الاطار نشير الى مجهودات المؤرخين العرقيين الذين
انصرفوا لتقديم عدد من الكتب حول ما كان يسمى (الشرق الادنى الحديث) ، ومعظم هذه
الكتب كانت تدرس في
المدارس والمعاهد والكليات الجامعية ككتب مقررة (Text
books)
ولعل
من ابرز من اسهم في تأليف هذه الكتب الدكتور عبد العزيز الدوري والسيد عبد المطلب الأمين
والدكتور جعفر خصباك والدكتور فاضل حسين والدكتور عبد الله الفياض والاستاذ محمد
توفيق حسين والدكتور محمود علي الداؤود والدكتور محمد بديع شريف والدكتور مجيد
خدوري والدكتور علاء نوري والدكتور ابراهيم خليل العلاف والدكتور جاسم محمد حسن
العدول والدكتور غانم محمد الحفو والدكتور عوني عبد الرحمن السبعاوي والدكتور طالب
محمد وهيم والدكتور عماد عبد السلام رؤوف والدكتور علاء نورس .
واستكمالا للفائدة اضرب من نفسي مثلا ، فلقد آليت على نفسي ان لا اكتب
كتابا في تاريخ العرب في العصور الحديثة الا وينظر الى الوطن العربي نظرة افقية
لاترى فيه دول واقاليم ووحدات جغرافية متباعدة وانما تنظر اليه على انه وطن واحد
من الخليج العربي حتى المحيط الاطلسي ، يتفاعل فيه الناس وينفعلون بالاحداث التي
شهدونها .. وعلى سبيل المثال نشرت منذ اكثر من ربع قرن كتابين احدهما بعنوان
((تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516 ـ 1916)) والثاني ((تاريخ الوطن
العربي الحديث والمعاصر)) ، وفي الكتابين درست الوطن العربي وحدة واحدة ، وبقدر
تعلق الامر بسوريا وصلاتها مع العراق ، فقد تطرقت في الكتاب الاول الى سوريا من
خلال فصول عديدة تتناول توسع الدولة العثمانية في الوطن العربي والدولة العثمانية
والقوى المحلية في الولايات العربية ومنها اسرة آل العظم في سوريا ، وبروز محمد
علي في مصر ونشاطاته في بعض الاقطار العربية ومنها بلاد الشام والاصلاحات في
الدولة العثمانية ومنها اصلاحات مدحت باشا في الشام والغزو الاستعماري الاوربي
للوطن العربي وردود الفعل العربية وابرزها تنامي الحركة القومية العربية وتعاظم
الوعي الوطني وتأسيس الجمعيات والاحزاب السياسية المناوئة للعثمانيين والدعوة الى
الاستقلال والثورة العربية الكبرى سنة 1916 .
وفي الكتاب الثاني ( تاريخ الوطن العربي الحديث والمعاصر) وقفت عند نشأة
الحركة القومية العربية واثر الحرب العالمية الاولى على مستقبل العرب ونشوء حركة
الثورة العربية وتأسيس الكيانات السياسية الاقليمية ومنها ( المملكة السورية
المتحدة ) ثم تناولت أوضاع الوطن العربي بعد الحرب العالمية الثانية وتنامي حركتي
التحرر العربية وتصفية الاستعمار واشتداد حركة (الدعوة) الى التحقيق الوحدة
العربية وكان لسوريا في كل تلك الفصول موقع متميز فضلا عن تركيزي على اواصر الصلات
الوثيقة التي رابطت حركتي النضال الوطني والقومي في كل من العراق وسوريا .
وبعد تأسيس جامعة بغداد سنة 1958 وتكامل تشكيلات كلياتها وتوجهها نحو
الدراسات العليا ، وظهور جامعات عراقية في بعض المحافظات ، كجامعتي الموصل والبصرة
، بدأ التوجه نحو الاهتمام بتاريخ سوريا الحديث والمعاصر من جهة وتاريخ الصلات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين العرا ق وسوريا من جهة اخرى ..
وانصرف بعض طلبة الدراسات العليا باختيار سوريا او العلاقات مع العراق موضوعات
لرسائلهم ولاطروحاتهم للدكتوراه .. ولا نستطيع في هذا الحيز الإتيان على عناوين
ومضامين كل تلك الرسائل والاطروحات ، لكن لابد من الإشارة الى بعضها وكما يلي :
1 . في سنة 1985 قدم محمد رشيد عبود
الرواي رسالته للماجستير الى مجلس كلية الاداب بجامعة بغداد والموسومة ((التطورات
السياسية في سورية 1949 ـ 1954 )) .
2 . في سنة 1987 قدم يوسف جبران غيث
رسالته للماجستير الى مجلس كلية الاداب بجامعة بغداد بعنوان ((التطورات السياسية
في سوريا 1945ـ 1949)).
3 .
في سنة 1988 قدم ابراهيم سعيد
البيضاني رسالته للماجستير الى مجلس كلية التربية بجامعة بغداد بعنوان ((التطورات
السياسية في سوريا 1945ـ 1958 )) .
4 . في سنة 1988 قدمت انتصار زيدان الجنابي رسالتها
للماجستير الى مجلس كلية الاداب بجامعة بغداد بعنوان ((موقف العراق الرسمي والشعبي
من قيام الجمهورية العربية السورية )) .
5 . في سنة 1989 قدم صباح مهدي ويس الدليمي رسالته
للماجستير الى مجلس كلية الاداب ، جامعة بغداد بعنوان : ((الثورة السورية الكبرى
وموقف الرأي العام العراقي منها 1925 ـ1927 )) .
6 . في سنة 1990 قدم ظاهر محمد صقر الحسناوي رسالته
للماجستير الى مجلس كلية الاداب / جامعة بغداد بعنوان ((شكيب ارسلان ودوره السياسي
1869 ـ 1946 )) .
7 .
في سنة 1992 قدم ابراهيم سعيد
البيضاني اطروحته للدكتوراه الى مجلس كلية الاداب ـ جامعة بغداد بعنوان :
((السياسية الامريكية تجاه سوريا (1936 ـ 1949 )) .
8 . في سنة 1997 قدم محمد رشيد عبود الراوي اطروحته
للدكتوراه الى مجلس كلية الاداب بجامعة بغداد بعنوان ((التطورات السياسية في سوريا
1958 ـ 1963 )) .
9 . في سنة 1998 قدم يوسف جبران غيث اطروحته
للدكتوراه الى مجلس كلية الاداب بجامعة بغداد بعنوان : ((شكري القوتلي ودوره
السياسي في سوريا 1891 ـ 1958 )) .
وفي سنة 2001 قام مركز دراسات
الوحدة العربية في بيروت بنشر كتاب الدكتور محمد جعفر فاضل الحيالي الموسوم :
((العلاقات بين سوريا والعراق 1945 ـ 1958 .. دراسة في العمل السياسي القومي
المشترك )) . والكتاب هذا بالاصل يتألف من :
1 . رسالة الماجستير الى قدمها الدكتور الحيالي الى
مجلس كلية الاداب ، جامعة دمشق سنة 1985 بعنوان ((العلاقات بين سوريا والعراق من
1920 ـ 1941 .. دراسة في العمل القومي المشترك )) .
2 . اطروحة الدكتوراه التي قدمها الدكتور الحيالي
بعنوان : ((العلاقات بين سوريا والعراق 1945 ـ 1958 )) .
وقد اشار الى ذلك في مقدمة كتابه عندما قال
((عندما تقدمت ببحثي هذا الى مركز دراسات الوحدة العربية ، ارتأى الدكتور خير
الدين حسيب المدير العام للمركز مشكورا ان اقوم باختصار رسالة الماجستير والقسم
الاول من اطروحة الدكتوراه بفصل تمهيدي يأتي في مقدمة البحث وذلك لضرورات تقنية
وخوفا من تضخم الكتاب ، لذا جاء الفصل الاول دراسة تمهيدية للعمل القومي المشترك
للفترة الممتدة ما بين 1914 وعام 1945 . اما المرحلة الممتدة من عام 1945 وحتى عام
1958 فقد قمت بتغطيتها كما جاءت في اطروحة الدكتوراه مع بعض الاختصارات التي
تقتضيها ضرورات النشر . وهذه الاسباب الوجيهة جعلت الكتاب المنشور يتألف من مقدمة
وثلاثة أقسام )) .
ركز الدكتور الحيالي في مقدمة كتابه على ابراز
موقع سوريا والعراق بين دول المشرق العربي ، وتطرق الى السمات السياسية المشتركة
بين البلدين والتي تصب ، برأيه ، باتجاه ضرورة تحقيق وحدة البلدين ودور ابناءهما
في مسيرة الحركة العربية القومية منذ اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين
وارتباط كفاحهما بعضهما البعض من خلال الجمعيات التي تشكلت والمؤتمرات التي عقدت
من اجل توحيد الكفاح المشترك بينهما في مواجهة التحديين البريطاني والفرنسي
والمتمثلين باقتسام الهلال الخصيب والمساومة على حقوق العرب والإيغال في خداعهم
. وقد ادى ذلك كله الى وقوع العراق تحت
الانتداب البريطاني في حين وقعت سوريا تحت الانتداب الفرنسي .. وكان لنضال كل من
العراق وسوريا دورهما الفاعل في ظهور كيانين سياسيين منفصلين في اعقاب الحرب
العالمية الاولى سمي الاول بالمملكة السورية المتحدة وسمي الثاني بالمملكة
العراقية .
لقد أثر ظهور هذين الكيانين على مسيرة العمل
السياسي ، فانقسمت جمعية العهد التي سبق ان تأسست سنة 1913 للنضال ضد العثمانيين
الى عهد عراقي وعهد سوري وعقد المؤتمر السوري العام والمؤتمر العراقي العام وتمخض
عن المؤتمرين قرارات أكدت على أهمية الاستقلال القطري مع الدعوى الى الوحدة
العربية .
اهتم الدكتور الحيالي بهذه التطورات ومهد لها في الفصل الاول بالحديث عن
العمل العربي العراقي والسوري المشترك منذ سنة 1914 وكرس القسم الاول من كتابه
والذي يتناول المدة من 1945 الى 1949 لدراسة السياسات الاستعمارية بين الحربين
العالميتين الاولى والثانية . وفي مقدمتهما السياسات التي اتبعتها هذه الدول في
تقسيم المشرق العربي وايجاد كيانات قطرية غيرت السمات العامة للعمل القومي خاصة في
العراق وسوريا بحكم وقوع البلدين تحت سيطرة الدولتين ، كل منهما لها سياستها
الخاصة في التعامل مع البلد الذي تسيطر عليه . وكان لابد للدكتور الحيالي من دراسة
التيارات السياسية العام لسوريا والعراق بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتوضيح
سمات العمل القومي بينهما والعوامل المؤثرة في تحديد تلك السمات .. وفي القسم
الثاني من الكتاب والذي يغطي المدة 1949 ـ 1954
فقد وقف عند ظاهرة الانقلابات العسكرية في سوريا ووضح اسبابها وتطرق الى
القوى المؤثرة الداخلية والخارجية في تلك الانقلابات ولم ينس التركيز على أمرين
اولهما دور العراق الملكي (1921 ـ 1958 ) في تلك الانقلابات وثانيهما المشاريع
التي طرحت من اجل تحديد قدر من الوحدة او الاتحاد بين البلدين ، وفي مقدمة تلك
المشاريع مشروع فاضل الجمالي ومشروع ناظم القدسي .
وعند متابعة أية صلات بين العراق وسوريا ، يجد
الباحث نفسه امام مسؤولية علمية ووطنية وقومية تتحدد ابعادها في رصد الحركة
العربية العراقية والسورية معا ، لما لهذه الحركة من خصائص وجوانب مهمة تركت
أثارها ليس على حاضر سوريا والعراق وانما على مستقبلهما كذلك .. والاهم من ذلك كله
هو تقويم تلك الاحزاب ومعرفة مدى تاثيرها في صنع الكثير من الاحداث التي وقعت في
كلا البلدين .. وأسباب الفشل التي أحاطت بالمشروع الاتحادي والوحدوي العربي
المعاصر .
لقد كانت السنوات الواقعة بين 1945 ، 1958 ،
حاسمة في توضيح صورة العلاقات العراقية ـ السورية ، ففي سنتي 1954 و 1955 انطلقت
دعوات الغرب لربط المنطقة بالاحلاف ومشاريع عرفت بالحزام الشمالي الذي استهدف
تطويق الاتحاد السوفيتي السابق ، والسعي الحثيث لربط العراق وسوريا ومصر والاردن
وبقية الدول العربية في المشرق بهذه الاحلاف ، وأبرزها حلف بغداد ..
ان الوعي الوطني والشعور القومي حالا دون نجاح
هذا المشروع ، فانحصر حلف بغداد ببغداد الملكية ولم تمض سوى ثلاث سنوات حتى انقض
العراقيون على الحلف ومزقوا ميثاقه إربا إربا وذلك عندما نجحوا من خلال تنظيم
الضباط الاحرار وجبهة الاتحاد الوطني صبيحة يوم 14 تموز 1958 في اسقاط النظام
الملكي وإخراج العراق من خانة الغرب ، فانتهت عندئذ كل المحاولات التي بذلها ساسة
الغرب ودهاقنته لإسقاط الحكومات السورية القائمة بين سنتي 1956 و 1957 والسعي
باتجاه إدخال سوريا في حلف بغداد . وبدلا من ان ينجح الغرب في إبعاد سوريا عن
العراق ومصر ، فلقد استطاع قادة هذه البلدان بعد بضعة سنوات من تحقيق مشروعين
وحدويين اولهما الوحدة بين مصر وسوريا (شباط 1958 ) وقيام الجمهورية العربية
المتحدة وثانيهما ميثاق الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق ( آذار 1963 ) لكن
مما لايمكن تجاهله ان الغرب ، كما نجح من قبل في إسقاط تجربة محمد علي في مصر
وتجربة داؤد باشا في العراق أبان القرن التاسع عشر ، نجح في إسقاط المشروع الجديد
وهذا مما يتطلب من الباحثين العراقيين والسوريين معا ، ان يجتمعوا ، لتدارس
الاسباب التي حالت وتحول دون التواصل العربي المشترك وما هذه الندوة المباركة إلا
واحدة من الجهود الحثيثة التي تبذل في هذا الاتجاه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق