الأربعاء، 8 يوليو 2020

عبيدالله بن الحبحاب السلولي الموصلي : والي تونس ومؤسس جامع الزيتونة







عبيدالله بن الحبحاب السلولي الموصلي :   والي تونس ومؤسس جامع الزيتونة


ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل


كثيرا ما يتحدث المؤرخون والآثاريون عن جامع الزيتونة  أو جامعة الزيتونة في تونس  من دون ان يشيروا الى  أن  من بناه هو والي تونس الموصلي عبيد الله بن الحبحاب السلولي  .

وقيمة جامع الزيتونة او لنقل جامعة الزيتونة تكمن في أنه  اول جامعة في التاريخ الاسلامي . فالجامعة هذه تأسست سنة 114 هجرية أي 733 ميلادية.  ولعل اول من اشار الى هذه الحقيقة شيخنا الاستاذ سعيد الديوه جي ( رحمة الله عليه)  في محاضرة القاها في تونس سنة 1963 عندما كان يحضر مؤتمرا للاثار الاسلامية ضمن وفد عراقي يرأسه استاذي الدكتور فيصل الوائلي مدير الاثار العام انذاك ، وكان يدرسنا في قسم التاريخ بكلية التربية مادة التاريخ القديم (رحمة الله عليه ) .

وفي يوم 25 من شباط سنة 2016 عرضت قناة (الجزيرة ) الفضائية تقريرا عن (جامع الزيتونة ) في مدينة تونس العاصمة . واستعرض التقرير معالمه ، والمراحل التاريخية التي مر بها دون ان يذكر حقيقة ان مؤسسه من الموصل الحدباء ، حيث كان واليا على تونس خلال العهد الاموي .

محاضرة الاستاذ الديوه جي أثارت في حينه كثيرا من الاهتمام حتى ان مجلة ( الثقافة التونسية ) وفي عددها الثالث سنة 1964 أعادت نشر المحاضرة .

عبيد الله بن الحبحاب السلولي الموصلي ، كان من رجالات الدولة العربية الاسلامية في العهد الاموي . وقد اختاره الخليفة هشام بن عبد الملك سنة 105 هجرية – 724 ميلادية ، ليتولى خراج مصر ، وتدبير امور جبايته . وكانت مصر من اكبر مقاطعات الدولة الاموية انذاك . وقد توجه عبيد الله الى مصر ، واخذ يتفقد ثروة البلاد ، ووجد ان الثروة متركزة في ايدي قلة من المستفيدين ؛ فهم أصحاب المزارع الواسعة ، والموانيء الكثيرة ، والصنائع المختلفة، وأن ما يقدمونه من الخراج ، والضرائب لا يتناسب مع حاصلاتهم، فكتب الى الخليفة هشام بن عبد الملك  يقترح أن يزيد على كل دينار قيراطا لكي يتمكن من القيام بإصلاحاته، فأقره الخليفة على ذلك.

كان عبيد الله بن الحبحاب من القادة الامويين  الذين إشتهروا بالادارة ، والبناء  ، وتنظيم جباية الخراج،  وتحصيل الضرائب، وتوطين القبائل البدوية ، وتوجيههم الى العمران ، والانتاج. وقد خدم في سلك الادارة وخاصة في مصر وتونس .

وينتمي عبيد الله بن الحبحاب الى قبيلة سلول العربية  التي استقرت في الموصل منذ الفتح . وقد تمتع بقدرات ادارية وتنظيمية قوية . ومع اننا لانمتلك الكثير من المعلومات حول ثقافته ، ونشأته ، وتكوينه الا ان ما توفر لدينا في المدونات التاريخية يشير الى انه كان يتمتع بذكاء كبير ، وفكر وقاد وعقلية إدارية شأنه شأن كثير من القيادات التي ظهرت في صدر الاسلام والعهد الاموي . ويرجع ذلك تأثرهم بالقادة الاوائل قريبي العهد بمدرسة الرسول القائد محمد صلى الله عليه وسلم . ومما يؤكد قولنا هذا ان المؤرخ ابن عذاري المراكشي وصفه بقوله : " وكان رئيسا  نبيلاً ، وأميرا جليلا، بارعاً في الفصاحة،  والخطابة، حافظا لأيام العرب،  واشعارهم ، ووقائعهم"    .

كان من الامور التي ركز عليها عبيد الله بن الحبحاب السلولي الموصلي ،  أنه شجع الكثير من القبائل العربية على الاستقرار في مناطق من مصر وشمال افريقيا في تلك الفترة المبكرة من التاريخ الاسلامي .ولم يقتصر على تشجيعهم الاستقرار في البر بل وايضا في بعض جزر البحر المتوسط ومنها مثلا جزيرة تنيس خاصة وانه وجدها ذات موقع استراتيجي مهم للبحرية الاسلامية . وقد شجعه على ذلك الخليفة  الاموي هشام بن عبد الملك
لهذا كتب عبيد الله الى زعماء قبيلة قيس
يُرغبهم بالهجرة الى مصر ، ويشرح لهم خصب البلاد، وكثرة خيراتها، ووفرة مياهها، وجمال موقعها، فقدم عليه اربعمائة بيت مائة بيت من بني نصر، ومائة من بيت بني عامر، ومائة بيت من بني هوازن، ومائة بيت من بني سُليم، فقسم الاراضي بينهم ، وأمرهم بممارسة الزراعة ، وبما ان هم حديثو عهد بالبلاد ، فإنه لم يأخذ منهم العشور ولا الصدقة، فحسنت حالتهم، وآنسوا بالبلاد، وزادت حاصلاتهم ، فأخذوا ينقلونها الى القلزم والفرمة ويبيعونها هناك ، ولما علم قومهم بهذا، أخذوا يهاجرون الى مصر، فإزداد عددهم، حتى زاد عدد رجالهم الذين يحملون السلاح على الخمسة الآف رجل.

ثم أمرهم عبيدالله بشراء الخيول، فكان الرجل منهم يشتري المهر ويعني به عناية حسنة، يساعدهم على هذا كثرة المراعي في بلدهم التي سكنوها ، فكثرت خيولهم وصاروا من الفرسان المستعدين للقتال .  كما أمرهم بممارسة ركوب البحر، والتدريب على معاناة امور الملاحة، فلم يزالوا يمارسونها حتى برعوا بها،  وهكذا فان عبيدالله جعل من قبيلة قيس البدوية مزارعين ومقاتلين في الوقت ذاته .

تمتع  عبيدالله  بثقة  الخلفاء الامويين الذين عمل معهم .  وكان من الرجال الذين لهم الكلمة المسموعة ، وكانوا يعرفونه اداريا يضع  مصلحة الدولة فوق كل اعتبار حتى أنهم كانوا يسمعون رأيه في الولاة والقضاة ومن ذلك انه وجد ان والي مصر
(الحر بن يوسف ) غير قادر على تسيير الامور في مصر،  فنصح  بنقله من مصر الى الموصل . وقد اعطى الخلفاء الامويون  عبيد الله صلاحيات واسعة في مصر منها صلاحية اختيار رجال الادارة والقضاء.

وجد الخليفة عبد الملك بن مروان ان المصلحة العامة تقتضي الاستفادة من قدرات عبيد الله بن الحبحاب السلولي الموصلي في تونس وكانت تسمى (افريقية) ،  فنقله وعينه واليا على تونس سنة 114 هجرية -733 ميلادية .كما اعطاه صلاحية الاشراف على الاندلس وقد اقر على الاندلس عقبة بن الحجاج . كما استخلف ولده على مصر ينظر في امورها وهكذا اصبحت صلاحيات عبيد الله الادارية تمتد الى مساحة واسعة من حدود مصر الى جبال البرانس في الاندلس .

يؤكد المؤرخون ان القائد العربي الموصلي عبيد الله بن الحبحاب استطاع كسب رضا الناس في هذه المنطقة المترامية من العالم الاسلامي . وكان له دوره في نشر الاسلام بين البربر ، واستطاع ان يؤاخي بينهم وبين اخوانهم العرب .
كما كان له الفضل الكبير في قيادة الفتوح الاسلامية البرية والبحرية في هذه المنطقة المهمة . وقاد جيشا الى المغرب ، ووجه واحدا من قادته وهو حبيب بن أبي عبيدة  ليتابع زحفه في اكمال الخطة التي رسمها له ففتح هذا بلاد السوس ثم توغل في بلاد السودان، ولم يلاق مقاومة من أهل البلاد، فخضعوا له بلدا بعد آخر ، وغنم مقدارا كبيرا من الذهب استفاد منه في تنظيم شؤون البلاد، وولى عليها من يدير امورها وعاد الى قائده عبيدالله.
 كما  وجه عبيدالله همه الى غزو البحر الأبيض المتوسط وذلك لان الروم كانوا يغزون سواحل افريقية فأراد ان يكسر شوكتهم ويستولى على معاقلهم القريبة من افريقية.

 ففي  سنة 110 هـ -    729 ميلادية  بنى اسطولا قويا في دار الصناعة التي وسعها بتونس وولى أمره (قثم من عوانة) وارسله الى جزيرة سردينيا  فتوجه هذا وحاصرها، وفتح احدى قلاعها وعاد مظفرا.
وفي سنة 122 هـ -     740 ميلادية سير حملة اخرى بقيادة حبيب من ابي عبيدة الى صقيلة، وأصحبه خير جنده، فأغار على الجزيرة واستطلع أخبارها، ومهد لحركات الفتح فيها - وأعلم الأمير عبيدالله بقوة العدو، فسير إليه مددا بقيادة ولده عبدالرحمن بن حبيب فتوغل في الجزيرة، ولم يلقه أحد إلا هابه، حتى أناخ على مدينة سرقوسة - وكانت من أعظم مدنها – فقاومه أهلها، فشدد عليهم الخناق، حتى اضطرهم الى مصالحتهم، والنزول الى دفع الجزية، ثم رتب حبيب أمور البلاد في صقيلة وكان ينوي ان يقيم بها حتى يملكها كلها، ولكن حدوث بعض الثورات في بلاد المغرب اضطرت عبيدالله ان يستدعيه مع قسم من جيشه فتوقف عن اكمال فتحها.

وجه عبيدالله جيشا بقيادة (عثمان بن ابي عبيد) فلقيتهم مراكب الروم فضربهم وصدهم، وأغار على جانب من الجزيرة ولم يتوغل فيها للسبب الذي ذكرناه.

ولو مد الله في ولاية عبيدالله لرأيناه  يسيطر على كل  جزر البحر المتوسط، ويجعله بحيرة عربية  تجوب به أساطيلهم.

الذي اريد ان اقوله ان عبيد الله بن الحبحاب الموصلي اسس
الزيتونة في مدينة تونس ، وهو من الجوامع المعدودة في العالم الاسلامي اسسه عبيدالله سنة 114 هـ - 733 ميلادية  اسس بنيانه مطلا على البحر، يشرف على ما يجاوره من السهول وصار الجامع – بعد ذلك – من المراكز العلمية الاسلامية وكان يضاهي الجامع الأزهر بشيوخه وحلقاته العلمية المختلفة ولم يزل منارا يضئ على شمال افريقية ومركزا للعلم والدين.

كما اسس  دارا للصناعة في تونس مهمتها صناعة السفن وما تحتاجه من الادوات البحرية وكان يمهد للسيطرة على البحر المتوسط وتحويله الى بحيرة عربية اسلامية في تلك الفترة المبكرة من تاريخ الاسلام  .

من المشاكل الكبيرة التي بدأ عبيد الله بن الحبحاب يواجها هي الفتن التي شهدتها المنطقة والصراعات القبلية التي عصفت بالدولة الاموية
فاليمانيون ومن انضم اليهم من الخوارج والبربر، أخذوا يحركون الفتن والقلاقل ضده، مما اضطر الخليفة هشام بن عبد الملك  الى صرفه عن هذه البلاد سنة 123 هجرية (741ميلادية ) فعاد الى الموصل وسكن مع اهله وقومه  معززا مكرما، وكان لهم في الموصل حي كبير يعرف بجدة بني الحبحاب.ومن حسن حظه انه عمر طويلا وادرك العهد العباسي في خلافة ابو العباس السفاح لذلك تعرض حاله حال الكثيرين من القادة المحسوبين على العهد الاموي الى الانتقام والكثير من العنت ثم القتل مع عدد من بني امية في الموصل سنة 132 هجرية- 750 ميلادية  وهي سنة قيام العهد العباسي وهكذا الدنيا يوم لك ويوم عليك رحم الله القائد والاداري العربي الموصلي عبيد الله بن الحبحاب وجزاه خيرا على ماقدمه لوطنه وامته وليس لنا الا ان نقول ان ذكر هذا الرجل لايزال قائما من خلال ما انجزه من اعمال مفيدة للامة ومنها تأسيسه جامعة الزينونة ذات التاريخ المجيد .














ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...