الأحد، 5 يوليو 2020

التاريخ السردي والتاريخ النقدي


التاريخ السردي والتاريخ النقدي

ا.د.ابراهيم العلاف
استاذ  التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل

سألتني قبل قليل إحدى طالبات الدراسات العليا عن التاريخ السردي والكتابة التاريخية السردية ..واجيبها بأن التاريخ السردي هو التاريخ التقليدي أي التاريخ الذي يكتفي بسرد المعلومات والاحداث والحقائق دون محاولة تفسيرها او تأويلها وفقا لتفسير محدد او نظرية تاريخية محددة .
والمؤرخ السردي هو : حبيس النصوص والكتب والمصادر والوثائق لايخرج عنها ولايحيد ، ولايحاول ان يُكون منها مادة تاريخية تفيد في حل المشكلات التاريخية وكل همه هو جمع المصادر وترتيب المعلومات ومن ثم عرضها كرونولوجيا اي بطريقة سرد الاحداث سنة فسنة .
والتاريخ السردي هو بعكس التاريخ النقدي الذي يقوم بإعتماد المنهج التاريخي العلمي الذي يجمع الاحداث ويحللها ثم يعيد تركيبها وفق رؤية تاريخية تحليلة تفيد القارئ وتسمح له بالافادة من الكتابة التاريخية في فهم حاضره واستشراف مستقبله .
وبدون الدخول في تفاصيل الرؤى والتفسيرات التاريخية المعروفة التي ظهرت منذ القرن التاسع عشر فإن الكتابة التحليلية تختلف عن الكتابة السردية في انها تستفيد من منجزات العلوم المساعدة للتاريخ كالجغرافية والاقتصاد والاحصاء واللغات وخاصة في تقديم دراسات اقتصادية اجتماعية سياسية ثقافية تفيد الانسان .
وفي التاريخ السردي نرى المؤرخ لايهدف الا الى تقديم دراسات فيها كم كبير من الاحداث والوقائع المعتمدة على النصوص ؛ بينما التاريخ النقدي او التاريخ الذي يعتمد المنهجية العلمية لايجعل دراسة الماضي هدفا في حد ذاته وانما مدخلا لفهم افضل لمشكلات الحاضر واداة لتفسير الحاضر بالارتكاز على الماضي وفهم القوانين التي تحركه وصولا الى استشراف المستقبل .
ومن هنا فإن التاريخ النقدي هو في جانب من جوانبه حوار متصل بين الماضي والحاضر كما يقول المؤرخ إدوار كار في كتابه :"ماهو التاريخ ؟ " .والتاريخ بنظر ادوارد كار حوار بين المؤرخ ووقائعه فالمؤرخ بلا وقائع لايستطيع ان يقدم تاريخا والوقائع اذا لم يتيسر لها مؤرخ يدرسها ويحللها لاقيمة لها او هي في هذه الحالة كم مهمل .نعم المؤرخ بحاجة الى الوثائق والقاعدة الذهبية تقول ان لاتاريخ بلا وثائق لكن على المؤرخ ان لايكون حبيس هذه الوثائق يردد ما هو موجود فيها دون تحليلها وربطها بغيرها من المصادر ووضع مقاربات تاريخية علمية ونقدية لها وفي اطار ما يمكن ان نسميه تعددية التفسيرات والنظريات فكما ان الحياة معقدة ومتشابكة فان التاريخ ايضا معقد ومتشابك في احداثه وملابساته ولايمكن ان يفسر بعامل واحد او نظرية واحدة .
وللاسف فإن المؤرخ السردي التقليدي لايؤمن بما نسميه قوانين التاريخ واحكامه وانما يؤمن بأن التاريخ ماهو الا سلسلة من الروايات التي ينبغي لها ان تسرد على الناس بينما الدراسات الحديثة اثبتت ان للتاريخ قوانين تحركه كما للطبيعة قوانين تحركها ومن لايفهم قوانين التاريخ واحكامه لايفهم التاريخ فهما حقيقيا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...