الأسس الإيديولوجية لنظرية الحكم السلجوقية
د.سناء عبد الله عزيز الطائي
قسم التاريخ -كلية التربية للعلوم الانسانية - جامعة الموصل
مقدمة
شهد الفكر السياسي الإسلامي منذ منتصف القرن الرابع الهجري –العاشر الميلادي ،وخاصة في جانبه المتعلق بمؤسسة الخلافة، تحولات جديدة في ضوء تراجع سلطات الخليفة، وازدياد نفوذ المتغلبين على الدولة من الأمراء البويهيين الفرس والسلاطين الأتراك السلاجقة الذين استحوذوا على الحكم في بغداد عاصمة الدولة العربية -الإسلامية .ولعل ابرز تحول وقع في هذا الاتجاه ، التقسيم الجديد للسلطة بين "الخليفة "و "السلطان" .فلقد اقتصر الخليفة على ممارسة سلطاته الدينية، في حين اختص "السلطان" بالجوانب السياسية الدنيوية(2).
وبقدر ما يتعلق الأمر بموضوعنا ، فأن الحقبة السلجوقية ،ضمن تاريخ الدولة الإسلامية ، تعد من أهم الفترات التاريخية ليس على المستوى السياسي، والاقتصادي وحسب ،وإنما على المستوى الفكري والعلمي والثقافي. فابتداء من العصر السلجوقي، برزت السلطنة، بوصفها مؤسسة سياسية تهيمن على الأمور الدنيوية إلى جانب الخلافة بوصفها مؤسسة دينية(3). ومعنى هذا ان ثمة توزيعا للسلطات في إطار الخلافة قد جرى ،وإمارة الاستيلاء أو السلطنة هي شكل من أشكال توزيع السلطة .لقد أصبح الخليفة في النهاية ممثلا شرعيا ،يفوض هذه السلطات التي تبرر القيام بمهمات السلطة والدولة .وقد قامت عصبية السلاجقة على قاعدة شرع لها الإسلام وهي قاعدة "الفتح " و " حماية الثغور الإسلامية " .ويقينا ان هذا كله أكد بأن الاسلام كدين وحضارة ،ليس دينا قوميا أو اثنيا وهناك ايات قرانية واحاديث نبوية تذهب المذهب هذا وتقول ان الاسلام دين عالمي : " وما أرسلناك الا رحمة للعالمين " .وفيما يتعلق بالأسس الإيديولوجية التي استند إليها السلاجقة في حكم الدولة الإسلامية ، فأنهم اعتمدوا فلسفة سياسية عدت الدولة التي كان على رأسها خلفاء بني عباس، استمرارا لدولة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين والأمويين .ولعل أبرز مفكر أكد هذا التوجه هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي(توفي 450 هجرية -1058 ميلادية ) في كتابه : "الأحكام السلطانية والولايات الدينية " .والذي شرع للحكام البويهيين ومن بعدهم السلاجقة نظرية خاصة في الحكم سميت ب "إمارة الاستيلاء "(4). ويبدو أن الماوردي أخذ بنظر الاعتبار الظروف العامة التي كانت تمر بها الدولة الإسلامية وخاصة في مجال تغلب الأمراء والسلاطين وسيطرتهم على مقدرات الدولة، في ظل ضعف مؤسسة الخلافة .ويذهب روزنثال(5) إلى أن الماوردي ،مع انه حاول متعمدا تجاهل الوضع السياسي المتدني الذي آلت إليه مؤسسة الخلافة في عصره ، إلا انه نظر لذلك الواقع بشكل دقيق .ويعود السبب في ذلك إلى انه كان يتولى منصب "قاضي القضاة" في زمن سيطرة بني بويه على مقدرات بغداد عاصمة الدولة الإسلامية في عهد بني العباس .كما كان أحد مستشاري البلاط في ذلك الوقت،وكان له دور فاعل في المهام السياسية في عهد الخليفة القادر بالله 381-422 هجرية -991-1030 ميلادية ،وابنه القائم بالله 422-467 هجرية -1030-1074 ميلادية مع الأمراء البويهيين. حتى أن تأليفه كتابه : "الأحكام السلطانية " جاء تلبية لرغبة الخليفتين اللذين عمل معهما(6)
لقد قدم الماوردي قراءة عميقة للواقع السياسي المتمثل بالضعف الذي بدت عليه الدولة الإسلامية وخاصة في مجال تشتت السلطة المركزية وتنازعها(7).وتذهب الدكتورة زاهدة محمد طه محيى الدين المزوري في أطروحتها للدكتوراه الموسومة "النظرية السياسية الإسلامية في دراسات المستشرقين البريطانيين توماس ارنولد –هاملتون كب –آن لامبتون أنموذجا(8)، إلى أن الماوردي أدرك ما كانت تواجهه مؤسسة الخلافة من تحديات استهدفت مركزية سلطتها مما أفسح المجال لتغيير جذري في نظرية الحكم ،خاصة بعد أن فقد الخليفة الذي كان يعد القائد الديني والسياسي ،معظم سلطته نتيجة انفصال القيادتين الدينية والسياسية .ويفسر حنا ميخائيل(9) ماحدث بقوله : أن استجابة الماوردي جاءت على مستويين: أولهما إعادة تأكيد ولائه للمثال الإسلامي الذي كان يقول أن الخليفة قائد ديني وسياسي للجماعة .وثانيهما محاولته إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوضع القائم آنذاك من خلال إضفاء الشرعنة الأيديولوجية على السلطة السياسية لمؤسسة الخلافة بهدف صيانة وضع الخليفة وبقاءه رمزا للمجتمع وللدين .
ومن المؤكد أن الماوردي فيما ذهب إليه، استهدف دعم وحماية وحدة الدولة والمجتمع من خلال تقوية الخلافة كمؤسسة مسؤولة عن "حراسة الدين وسياسة الدنيا "(10). ويتم ذلك عن طريق الحفاظ على "الخلافة " التي "استقرت قواعد الملة أصلا عليه وانتظمت بها مصالح الأمة حتى استتبت بها الأمور " (11) .
أما الأمام أبو حامد الغزالي (توفي 505هجرية -111 ميلادية) ، فقد أجاز السلطنة ما دام السلطان يستمد سلطنته بتفويض من الخليفة، وأوجب طاعته؛ لأن طاعته من طاعة الخليفة ، ولا تصبح سلطة السلطان شرعية إلا بموجب تفويض من الخليفة، بوصفه صاحب السلطة، "ومن بايعه صاحب الشوكة فهو الخليفة، ومن استبد بالشوكة وهو مطيع للخليفة في أصل الخطبة والسكة ، فهو سلطان نافذ الحكم والقضاء في أقطار الأرض ولاية نافذة الأحكام. وانطلاقاً من الأخذ بمفهوم انعقاد الإمامة بالشوكة، يحدد الغزالي الاختيار بمعتبري كل زمان، ويكفي أن يبايع صاحب الشوكة (السلطان)، ومبايعته تلغي اختيار أهل الحل والعقد؛ لأن اختياره بمثابة اختيار عن أهل الحل والعقد، فالشخص الواحد المتبوع المطاع إذا بايع كفى؛ إذ في موافقته موافقة الآخرين.وطاعة السلطان واجبة مثلما هي طاعة الخليفة إذا حكم وفقاً للشرع، غير أنه لا يجيز الخروج على السلطان الظالم؛ لأن ذلك أفضل من الفتنة. "والسلطان الظالم الجاهل إذا ساعدته شوكته، وعسر خلعه، وكان في الاستبدال به فتنة ثائرة لا تطاق ، وجب تركه ووجبت طاعته.
وهكذا وضع كل من الماوردي والغزالي الخطوط الأولى لنظرية السلطنة (12).
ونجد صدى لموضوعة عمل الخليفة وتفويضه لبعض سلطاته في الفكر العقيدي الشيعي ، ولعل رسالة الشريف المرتضى(359 - 406 هـ / 969 - 1015م) الموسومة : " مسألة في العمل مع السلطان" ، كانت أفضل تنظير شيعي مبكر لإشكالية التعامل مع السلطة،فالفقهاء الشيعة لم يكتفوا بالتماس حل لمسألة الغيبة وأحكامها (ومنها التعطيل والانتظار) من خلال إجازة قيام نواب للإمام (الفقهاء المجتهدين) وتوليهم مقاليد أمر الإمامة في عهد الغيبة، فقط، بل ذهبوا إلى تقرير جواز الإذن: إذن الفقيه الجامع لشرائط المرجعية ، للحاكم بتولي السلطة، وطبعاً على قاعدة وثوق الفقيه من تدين"الحاكم وعدله ". ومع أن ذلك أدخله الفقهاء في باب وجوب قيام الرئاسة في المجتمع ولو أسندت إلى فاسق إذا ما كانت ديار الإسلام مهددة من الخارج، إلا أن الإذن كان ـ بقوة الحقائق المادية ـ شكلاً من التسويغ الديني لسلطة مطعون في شرعيتها، وخصوصاً حينما تكون تلك السلطة قد نجحت في استثماره لصالح تعزيز صورتها لدى الجمهور، أكان إذناً عاماً أم محدوداً.(13)
ليس من شك في أن ظهور "السلطنة"، بوصفها مؤسسة سياسية في العصر السلجوقي، إلى جانب "الخلافة" بوصفها مؤسسة دينية، يمثل مرحلة مفصلية في تراجع السلطات الشاملة للخلافة، وتقلص سلطاتها من الناحيتين: العملية والنظرية، و يمثل-كذلك- عصر بروز السلطة الدنيوية ممثلة في السلطنة، التي غدت الأكثر حضوراً في الفكر والممارسة طوال الفترات اللاحقة. ومع انتقال السلطة إلى الأيوبيين والمماليك من بعدهم ثم العثمانيين ،أصبحت السلطنة واقعاً لا مفر منه، وفرضت نفسها على الفقهاء، مع استمرار تعلقهم بالصورة التقليدية للخلافة، ومحاولة الدفاع عنها بكل السبل والوسائل في وجه السلطة الدنيوية (السلطنة). وبرز من الفقهاء: الماوردي، والجويني (توفي 478 هجرية -1085 ميلادية )، والغزالي، ، وابن جماعة (توفي 733هجرية -1333 ميلادية ) وابن تيمية (توفي 726 هجرية -1336 ميلادية )، وابن خلدون (توفي 808 هجرية -1405 ميلادية )، إلا أنهم في إطار "الحرص على الشرعية"، و"حفظ وحدة الأمة"، و" نبذ الفتنة" ، اضطروا إلى مسايرة الواقع التاريخيّ، الذي آلت إليه الخلافة بانتقال السلطة الفعلية إلى أيدي السلاطين، بإقرار سلطة المتغلب؛ لتغدو شرعية ومنسجمة مع أحكام الشريعة. فوضعوا التسويات وفقاً لقاعدة: " الضرورات تبيح المحظورات " ، بدءاً بالفقيه الماوردي في تنظيره لإمارة الاستيلاء في أواخر العصر البويهيّ، مروراً بالجويني، وتلميذه الغزالي في عصر السلطنة السلجوقية، بحيث تدرجت النظرية إلى قبول السلطنة، وشرعية اختيار الخليفة، من قبل السلطان السلجوقي صاحب الشوكة، واستمراراً بابن جماعة الذي عاش في عصر المماليك وهو العصر الذي أصبحت فيه السلطنة واقعاً لا مفر منه ؛ إذ سوّغ الأوضاع القائمة في زمنه، فجعل التغلب والقهر أساساً مشروعاً للسلطان، وأكد على الطاعة المطلقة له ، وأضفى على السلاطين مزايا عالية، وأقرّ فيهم من الشروط، ما أقرّ في الخليفة يأستثناء شرط النسب القرشي.
وضمن هذا السياق يمكن فهم آراء ابن خلدون، وتنظيره للعصبية، ودورها في تطور مؤسسة الخلافة حتى تدهور السلطة العباسية، ويدرك ما انتهى إليه سلطان العرب من تراجع في عصره، وانتقال مقاليد السلطة إلى الأعاجم(14).
لقد حاول عبد الرحمن بن خلدون ، من خلال آرائه في " مسألة الإمامة والسلطنة " ، تكوين نظرية جديدة تقوم على واقع "العصبية" ، لكن ذلك لم يمنعه من أن يتتبع خطى الفقهاء الذين سبقوه، لذا نلاحظ أن مفهومه في الإمامة ساير إلى حدٍّ كبير الفقهاء الذين سبقوه، ولا سيما الماوردي الذي تأثر به ابن خلدون كثيراً فيما أورده حول الإمامة.
كما أنه في تنظيره لمفهوم العصبية تأثر كثيراً بمعالجات الماوردي لإمارة الاستيلاء، والجويني والغزالي وابن جماعة في تنظيرهم للسلطان صاحب الشوكة، لذا نلاحظ أن ابن خلدون سار على خطى أسلافه من الفقهاء، وتأثر بهم، غير أنه انفرد عنهم بصوغه مفهومه ضمن رؤية شاملة تقوم على مفهوم العصبية، انسجاماً مع فهمه العميق، واستيعابه للمسيرة التاريخيّة للعرب، والتطور التاريخيّ، الذي رافق انتقال السلطة من العرب إلى غيرهم. ومن هذا المنطلق يرى ابن خلدون أن السلاطين والحكام والأمراء من غير العرب إنما اكتسبوا شرعيتهم" من ولاءهم للدولة وخدمتها" .(15)
درس السير توماس ارنولد(16) العلاقة بين السلطتين الدينية والسياسية ليس في الفكر السياسي الإسلامي، وحسب بل في الواقع السياسي والتاريخي كذلك .ويبدو انه استفاد في هذا المجال من أبو الريحان محمد بن احمد البيروني(17) (توفي 421هجرية -1030 ميلادية ) ،فالبيروني ذهب إلى "أن الدولة والملك قد انتقل في آخر أيام المتقي وأول أيام المستكفي من آل العباس إلى آل بويه . والذي بقي في أيدي العباسية ،إنما هو أمر ديني اعتقادي لاملكي دنيوي ...فالقائم من ولد العباس، إنما هو رئيس الإسلام "(18) .
وقد علق ميخائيل حنا(19) على ما أورده ارنولد اعتمادا على البيروني بقوله : ان ما قاله البيروني أصاب كبد الحقيقة عندما أكد الانفصال بين القيادتين الدينية والسياسية في الدولة الإسلامية التي أصابها الانحلال على أيدي البويهيين .
ولم تكن تلك المسألة هي الوحيدة التي أكد عليها ارنولد وحسب ،بل انه ذهب إلى ابعد من ذلك ، عندما وضع يده على نقطة مهمة هي محور اهتمامنا في هذا البحث وهي أن الماوردي "شرعن "سلطة الأمراء المستقلين عن الخلافة .وكما هو معروف فأن الماوردي قد بحث في الفصل الثالث الموسوم "في تقليد الإمارة على البلاد " من كتابه "الأحكام السلطانية " العلاقات بين مؤسسة الخلافة والأمراء المستقلين عنها .ويقول ارنولد أن الشاعر نظامي عروضي في كتابه " جهار مقالة " استطاع مع بداية القرن الثاني عشر الميلادي ، أن يورد نظرية الماوردي ويضعها في قالب جديد من خلال شرعنته لسلطة الأمراء المستقلين عن مؤسسة الخلافة(20). ويشير ارنولد في هذا المجال إلى أن الشاعر نظامي عروضي بعد أن اقر بأهمية منصب الخليفة ودوره الرئيس في الحفاظ على الشرعية ، أظهر أهمية وجود نواب عنه ، لان الخليفة وبسبب صعوبة السيطرة على كل جهات الدولة لابد وان يسمي حاكما أو أميرا أو سلطانا أو ملكا .وتعتمد الدكتورة زاهدة علىD.B.Macdonald ماكدونالد(21) لتقول أن عروضي كان مدركا لقيمة أهمية نظرية الماوردي في إمارة الاستيلاء والحاجة الشديدة اليها في تلك الظروف الصعبة التي كانت تجتازها الدولة الإسلامية .
وتستند هذه النظرية إلى أن أمير الاستيلاء يقوم بمهمات تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية ، ويكون الأمير أو السلطان بذلك سلطانا شرعيا وأميرا شرعيا .ومعنى هذا انه اغفل عامل النسب ، والعرق كشرط في تولي حكم الدولة الإسلامية ،فأي سلطة بغض النظر عن انتمائها ألاثني أو القومي ،تستطيع أن تشكل "عصبية غالبة "وتمثل الشريعة يمكنها أن تقوم بمهام "الخليفة "وتعد - في نظر الشرع - سلطة شرعية .
والذي جرى أيام حكم السلاجقة للعراق ولبقية الأراضي الإسلامية هو أن الذي أصبح في يد الحكام السلاجقة هو" السلطة" وليس "الخلافة" . ولقد اقتسم "السلطان "السلجوقي السلطة مع "الخليفة " العباسي .ويعني هذا – حسب اعتقادنا واجتهادنا المتواضع – أن الماوردي هذا المفكر الإسلامي المتضلع بعلم السياسة طبق ما يسمى اليوم ب "نظرية فصل السلطات" والتي قال بها الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو بعده بقرون .
وعلى أساس نظرية الماوردي في" أمارة الاستيلاء"، فان السلطان السلجوقي، يمارس السلطة السياسية ذات العلاقة بالحياة العامة، بينما يظل الخليفة زعيما ورمزا للسلطة الدينية. من هنا فأن علاقة السلاطين السلاجقة مع الخلفاء العباسيين كانت جيدة ،وان السلاجقة – كما قال السير توماس ارنولد في كتابه الخلافة المنشور في لندن سنة 1924 – كانوا يحترمون الخليفة العباسي لا لمركزه السياسي ،بل لأنه "خليفة رسول الله "(22) .
لقد أقر الماوردي ومن بعده من الفقهاء، العمل بأمارة الاستيلاء في حالة قيام أمير أو سلطان بالاستيلاء على السلطة حفاظا على شرعية الدولة واستقرارها وديمومتها. ولم يكن الإقرار مطلقا بل مشروطا بالعديد من الشروط وأبرزها :
1- الحفاظ على منصب الإمامة،وتدبير أمور الدين، وحفظ الشريعة .
2- إظهار الطاعة الدينية التي يزول معها حكم العناد والانشقاق.
3- اجتماع الكلمة على الألفة والتناصر، ليكون المسلمون يدًا
على من سواهم.
4- أن تكون عقود الولايات الدينية جائزة، والأحكام والأقضية، نافذة.
5- أن يكون استيفاء الأموال الشرعية بحق، تبرأ به ذمة
مؤديها، ويستبيحه آخذها.
6- استيفاء حق الحدود، وأن تكون قائمة على مستحق.
7-الورع عن محارم الله.
وبموجب هذه الشروط يحق لأمير الاستيلاء أن يعين وزيرا للتفويض ووزيرا للتنفيذ(23) .
وقد تجلت العلاقة الطيبة بين السلاطين السلاجقة والخلفاء العباسيين في مسائل كثيرة أهمها الخلع والهدايا التي كانوا يتبادلونها في المناسبات المختلفة ،وفي ارتباط البيتين العباسي والسلجوقي بروابط المصاهرة .فقد تزوج طغرلبك من ابنة القائم .وزوج القائم ابنه المقتدى من ابنة السلطان ألب ارسلان 464 هجرية .كذلك تزوج الخليفة المستظهر 487-512 هجرية من ابنة السلطان ملكشاه في سنة 502 هجرية .وتزوج الخليفة المقتفى 530-555 هجرية من فاطمة بنت محمد ملكشاه وأخت السلطان محمود .
لقد كان السلطان السلجوقي بعد أن يأتي إلى السلطة يحرص على نيل" التفويض" من الخليفة العباسي .وفي الوقت نفسه يطلب الخليفة عند توليه الخلافة من السلطان السلجوقي تقديم فروض الطاعة وتأكيد "البيعة" ،وحمل الخلع والهدايا السلطانية .وليس من شك في أن المذهب الواحد الذي كان عليه الخليفة والسلطان وهو" المذهب السني- الحنفي" كان من العوامل التي وثقت العلاقات بين الطرفين .فضلا عن أن انعكاسات الانسجام بين مؤسستي الخلافة والسلطنة كان لها أثرها في التقدم السياسي والاجتماعي والحضاري الذي شهدته الدولة الإسلامية .
ومهما يكن من أمر فأن ظهور نظرية الاستيلاء وتطويرها في المراحل التاريخية اللاحقة تدل على حيوية الفكر السياسي الإسلامي ، وانسجامه مع الظروف التاريخية المختلفة .
الهوامش والمصادر :
(1) مدرسة في قسم التاريخ بكلية التربية للعلوم الانسانية -جامعة الموصل
(2) للتفاصيل انظر عليان عبد الفتاح الجالودي ،" تطور مفهوم السلطنة وعلاقتها بالخلافة من إمارة الاستيلاء عند الماوردي الى مفهوم العصبية والشوكة عند ابن خلدون " ، موقع المعهد العالمي للفكر الإسلامي . www.eitt.org
(3) المصدر نفسه .
(4) أبو الحسن علي بن محمد حبيب البصري الماوردي توفي 450 هجرية -1058 ميلادية ، الأحكام السلطانية والولايات الدينية ،تحقيق سمير مصطفى رباب ، المكتبة المصرية ،بيروت ، 2003 .ص ص 30-32 .يقول الدكتور وجيه كوثراني انه " إذا عدنا إلى مصادر معرفتنا (تاريخ معلومات ونظريات فقهية ) ،وإذا استنجدنا بالماوردي وابن خلدون ،نلاحظ أن الدولة الإسلامية قامت في نظر الفقهاء على عصبية ترتكز إلى شريعة (تمثيل ديني ) ،.وأي سلطة بمعزل عن انتمائها ألاثني أو القومي تستطيع إن تشكل عصبية غالبة وتمثل الشريعة ، يمكنها أن تقوم بمهمة الخليفة فتعتبر سلطة شرعية في نظر الاسلام .وقد شرع الماوردي للدولة السلجوقية (امارة الاستيلاء ) ،فأمير الاستيلاء يقوم بمهمات الشرع الإسلامي ويكون أميرا شرعيا ...ومن الطريف آن العثمانيين الأتراك عندما حكموا العالم العربي والإسلامي1515-1918 ، عدوا أنفسهم امتدادا للسلاجقة الذين هم من الأتراك أيضا " .للتفاصيل انظر :"الدولة العثمانية بين الإسلام والقومية " ،ندوة الشهر جرت بمشاركة الدكتور معن زيادة والدكتور وجيه كوثراني والدكتور رشيد خالدي وحررها الأستاذ محمد حرب ونشرت في مجلة تاريخ العرب والعالم ،السنة الثانية ،العدد 17 ،15 آذار –مارس 1980 ص ص 3-5 .
(5) E.J. Rosenthal , Some A spects of Islamic political Thought , Stdia Semitica,Cambrida , 1971 ,p19 .
(6) للتفاصيل انظر : احمد البغدادي ، " الإنسان والمجتمع في الفكر السياسي الماوردي " ، مجلة كلية الآداب ، جامعة الملك سعود ،الرياض ،السعودية ، 1984 ،العدد 1 ،ص ص 273-274 .
(7) سعيد بنسعيد ، " السلطة والوحدة في التطور السياسي الاشعري " ، المجلة الثقافية ، العدد 4 ، عمان –الأردن ، 1984 ، ص 89 .
(8) جاء ذلك في أطروحتها للدكتوراه التي قدمتها الى مجلس كلية الآداب –جامعة الموصل ، بعنوان " النظرية السياسية في دراسات المستشرقين البريطانيين توماس ارنولد ، هاملتون كب ، ان لامبتون انموذجا " ،2006 ، ص 60 .
(9) انظر كتابه : السياسة والوحي ، ترجمة شكري رحيم ،دار الطليعة ،بيروت ،1997 ، ص 114 .
(10) الماوردي ، المصدر السابق ، ص 31 .
(11) المصدر نفسه ، ص 33 .
(12) الجالودي ، المصدر السابق .
(13) عبد الاله بلقزيز ، " الإمامة والسلطة في عصر الغيبة " ، في www.Culture.alwatanyh.com
(14) المصدر نفسه .
(15) عبد الرحمن بن خلدون ،مقدمة العلامة ابن خلدون ، مطبعة الكشاف ،بيروت ،ل.ت، ص 136 .
(16) انظر كتابه : الخلافة ،،،،ترجمة حسن حيدر اللبناني ، دار العزاوي ، بغداد ، 1961 .
(17) انظر كتابه : الآثار الباقية في القرون الخالية ،لا. م،1923 ،ص 132 .
(18) المصدر والصفحة نفسها .
(19) المصدر المشار إليه أعلاه ،ص 114 .
(20) ارنولد ، المصدر السابق ، ص 50
(21) انظر كتابه : Review of the Caliphate . AHR.1925 , vol.30
(22) ارنولد ،المصدر السابق .
(23) wwwislam.qlbe.com –encyclopedia -16-60
2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق