الولايات المتحدة الأميركية والعراق
والمشاركة السياسية
والبناء
الديموقراطي في الشرق الأوسط
أ.د.
ابراهيم خليل العلاّف
مركز
الدراسات الأقليمية –
جامعة الموصل
في كانون الثاني عام 2003 ، أعلن ( كولن
باول ) وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أمام مؤسسة هيرتج فاونديشن Heritage Foundition " بأن الولايات المتحدة تعمل من أجل
اقرار اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية في الشرق الأوسط . فما علاقة هذا
الاعلان بالمتغيرات الأقليمية والدولية التي تشهدها المنطقة ، والتي ترافقت مع
اسقاط النظام السابق في العراق يوم 9 نيسان 2003 ، والدعوة الى جعل العراق انموذجا
لما ينبغي أن يكون عليه الشرق الأوسط بعد التخلص من الأنظمة الشمولية التي تحكمه
منذ عقود(1) !!
ابتداء" لابد من الاشارة الى أن ماأعلنه
( كولن باول ) ليس جديدا على أجندة الأميركان ومخططاتهم تجاه المنطقة التي نعيش
فيها ، ففي عام 1990 ، وقف ( جيمس بيكر ) وزير الخارجية الأميركية الأسبق أيام
ادارة ( جورج بوش الأب ) ليطلب من الكونغرس تخصيص مبالغ اضافية لوزارته ، بقصد
ماأسماه نشر قيم السوق ، وتكريس الانموذج الأميركي في الحياة ، وتشجيع الدول على
الاقتداء بالولايات المتحدة في مجال المحافظة على حقوق الانسان و ( مكافحة الارهاب
الأصولي !!)(2)
دعونا نستعرض ماأسماه كولن باول ( مبادرة
الشراكة الأميركية مع الشرق الأوسط )
Us – Middle East Partnership Initiative
تتضمن المبادرة اعلان قيام الولايات المتحدة
الأميركية بالمساعدة على اقرار اصلاحات سياسية ، واقتصادية ، والاجتماعية ،
وثقافية في بلدان الشرق الأوسط . وترتكز المبادرة على ثلاثة أسس وهي :
1.الاصلاحات
الأقتصادية
2.الانفتاح
السياسي والاجتماعي
3.التربية
والتعليم (3)
ففي مجال الانفتاح سياسيا دعا ( كولن باول )
الدول العربية الى الانفتاح سياسيا قائلا : ((أن الكثيرين من سكان الشرق الأوسط
لايزالون محكومين من أنظمة مغلقة )) لذلك طالب باول بضرورة اتاحة الفرصة أمام بعض
القوى الاجتماعية المدنية للمشاركة في الحياة العامة ، وركز على المرأة ، ولم يغفل
الاشارة الى مايمكن أن تقوم به منظمات المجتمع المدني ( أي المنظمات التطوعية غير
الحكومية ) ، في مجال صنع القرار السياسي والأقتصادي والاجتماعي والثقافي . وقال
أن واشنطن (( تسعى الى دعم برامج تربوية موجهة الى النساء لتعزيز دورهن في المجتمع
)). (4)
اعتمد كولن باول ، في مبادرته ، على
احصاءات كانت قد وردت في تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2002 حول التنمية البشرية في
الشرق الأوسط ، فالعالم العربي مثلا يترجم سنويا حوالي (330 ) كتابا أجنبيا أي
مايعادل خمس ماتترجمه دولة مثل اليونان . وهناك حوالي 50 مليون عربي سوف يدخلون
سوق العمل في العقد القادم ، وعشرة ملايين طفل في سن دخول المدارس لاتتوفر لهم هذه
المدارس ، وهناك 65 مليونا لايحسنون القراءة والكتابة ، لذلك دعا باول العرب الى
أن يندمجوا بمنظومة التجارة العالمية ، خاصةوان حصة الدول العربية من الصادرات
العالمية ، اذا مااستثنينا النفط ، لاتمثل حاليا سوى واحد بالمئة . وقد وعد باول
بتخصيص مبلغ 29 مليون دولار لما أسماه ( دعم انضمام الدول العربية الى منظمة
التجارة العالمية ) . (5)
في شهر أيلول عام 2002 ، أعلنت ( كوندليزا
رايس ) مستشارة الأمن القومي الأميركي ، بأن الولايات المتحدة تريد (( تحرير
العالم الاسلامي ، ونشر الأسلوب الديموقراطي في ربوعه أولا. وثانيا تريد تغيير الأنظمة السياسية العربية )).(6)
ومن هنا بدأ الحديث في أميركا ، وفي ضوء تداعيات أحداث 11 من أيلول عام 2001
والمتمثلة بسلسلة الهجمات التي تعرضت لها مراكز القرار السياسي والأقتصادي والأمني
الأميركي ، يتجه نحو مطالبة الدول العربية والاسلامية بتغيير وتعديل المناهج
الدراسية بحيث لاتتعارض مع (( القيم والمفاهيم التي تنطوي عليها الثقافة الأميركية
والغربية ))!!. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل دعا المسؤولون الأميركان الى الغاء
المدارس الدينية كونها تشكل من وجهة النظر الأميركية الرسمية (( معامل لتفريخ
العناصر المعادية للحضارة الغربية )) وذهبوا كذلك الى المطالبة ((بفرض الرقابة على
نشاط الحجاج )). (7)
الجديد في الدعوة الأميركية أنها أكدت على
اللجوء لتحقيق هذه الأهداف الى خيارات مختلفة ومنها الخيار العسكري اذا اقتضى
الأمر . وتأتي الحرب على العراق ومن ثم احتلاله لتمثل خطوة في طريق ترتيب أوضاع
منطقة الشرق الأوسط وفق الرؤية الأميركية ومما يؤكد ذلك تشبث الولايات المتحدة
بالعراق ، واعتبار أن أمنه جزءا من الأمن القومي الأميركي على حد تعبير الرئيس
الأميركي جورج دبليو بوش . وقد نشرت صحيفة الواشنطن بوست في عددها الصادر بتاريخ 7
آب 2003 ، مقاله كتبتها كولنديزا رايس ، تحدثت فيها عن التغيير الشامل في الشرق
الأوسط ، وقالت : (( أن نهاية نظام صدام حسين في العراق تعزز التقدم الذي بدأ في
جميع أنحاء المنطقة ، فالمفكرون العرب يدعون الحكومات العربية الى معالجة مسألة
عجز الحرية . كما تحدث زعماء في المنطقة عن ميثاق عربي جديد ، يدعم الاصلاح
الداخلي وعن قدر أكبر من المشاركة السياسية ، والانفتاح الأقتصادي ، والولايات
المتحدة تؤيد هذه الخطوات ، وسنعمل مع حلفائنا وأصدقائنا في المنطقة نحو اتخاذ
المزيد منها )). (8)
وتتوقع رايس للعراق بعد حدوث التغيير الشامل
فيه ، أن يصبح ( عنصرا أساسيا ) في (منطقة الشرق الأوسط ) مثلما أصبحت ألمانيا
العمود الفقري لأوربا جديدة موحدة حرة تعيش في سلام )). وختمت رايس مقالها بالقول
: (( يجب اليوم أن تلتزم الولايات المتحدة وأصدقاؤنا وحلفاؤنا بعملية تغيير شامل
وطويل المدى في الشرق الأوسط ، فالشرق الأوسط الذي يضم 22 دولة يبلغ مجموع سكانها
300 مليون نسمة يقل اجمالي انتاجه المحلي عن اسبانيا التي يبلغ عدد سكانها 40
مليون نسمة وسبب تخلفه هو مايصفه مفكرون عرب بارزون ( بعجز الحرية ) السياسية
والأقتصادية )).(9)
اعترفت كوندليزا رايس بان عملية التغيير
الشاملة في الشرق الأوسط والتي تدعو اليها الولايات المتحدة لن تكون سهلة ،
وستستغرق وقتا مما سيتطلب مشاركة واسعة النطاق من الولايات المتحدة وأوربا وجميع
الدول الحرة للعمل في شراكة كاملة مع الذين ، كما تقول ((يشاطروننا اعتقادنا بقوة
الحرية الانسانية في المنطقة ، لكن هذا ليس التزاما عسكريا بالأساس ، بل التزام
يتطلب منا أن نستخدم جميع جوانب قوتنا القومية الدبلوماسية والأقتصادية
والثقافية)).(10) وقد التقط الرئيس الأميركي بوش هذا ليتحدث في كلمة
ألقاها في واشنطن يوم 6 تشرين الثاني 2003 أمام الصندوق القومي للديموقراطية عن ان
مبادرة الشراكة، مع الشرق الأوسط لايمكن أن تتحقق بدون مشاريع محددة ملموسة لذلك
اقترح ((انشاء منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط خلال عشر سنوات
، لادخال شعوب المنطقة في دائرة متسعة من الفرص)). وقال بوش : (( ان العالم يعيش
الآن في عصر من الحرية ، وأن الولايات المتحدة تنوي الالتزام بتعزيز الديموقراطية
في الشرق الأوسط على نحو مماثل لموقفها في أوربا وآسيا)).وأضاف (( أن شعوب دول
الشرق الأوسط تستحق الزعامة المسؤولة ، والعيش كمواطنين فاعلين ينعمون بالحرية )).
ووجه الرئيس الأميركي تحذيرا لسوريا وايران . وقال أن قادة سوريا تركوا ارثا من
القمع والتعذيب والبؤس والخراب . ودعا الحكومة الايرانية الى (( أن تستجيب لمطالبة
الشعب الايراني بالأخذ بمبادئ الديموقراطية ، والآ ستفقد آخر محاولات التمسك
بالشرعية )). وأعرب عن اعتقاده بأن مبادئ الاسلام تتوافق مع المبادئ الديموقراطية
وان مايجري في بلدان الشرق الأوسط لاعلاقة له بالدين الاسلامي ، والأمر لايعدو أن
يكون إلا تخلفا سياسيا واقتصاديا . وقال (( أن نقص الحرية في الكثير من دول الشرق
الأوسط يؤدي الى آثار سلبية خطيرة عاى شعوب المنطقة ، من بينها الفقر وحرمان
النساء من حقوقهن الأساسية )) ووصف بوش سياسة الولايات المتحدة السابقة تجاه حكام
سوريا وايران وحتى مصر بأنها فاشلة وتساءل : (( هل الشعوب في الشرق الأوسط بعيدة
الى حد ما عن الوصول الى الحرية أنا بالنسبة لي كشخص لاأعتقد ذلك)). وقال ان
السياسة الأمريكية التي امتدت نحو ستين عام في تأييد حكومات لاتلتزم بالحرية
السياسية لم تكن موفقة وأن واشنطن قد تبنت (( ستراتيجية مستقبلية جديدة للحرية في
الشرق الأوسط )). (11)
ليس من الممكن في هذا الحيز المقتضب أن نخوض
في الأسس والمرتكزات الفكرية والسياسية التي استندت اليها الستراتيجية الأمريكية
الجديدة ، لكن هذا لايمنعنا من الاشارة الى وثيقتين الأولى مقال كتبه (
مارتن آنديك ) ، وهو استاذ مشارك في معهد بروكنز . عمل لفترة رئيسا لدائرة شرقي
أوربا وجنوب آسيا في مجلس الأمن القومي ( 1992 – 1993 ) بعنوان (( العودة الى السوق Back
To The Bazar )) ، ونشره في مجلة الشؤون
الخارجية (الأميركية ) شباط 2002 (12). وثانيهما وثيقة أعدها ( مجلس السياسات الدفاعية ) في
وزارة الدفاع الأميركية . برئاسة ( ريتشارد بيرل ) ( أيلول 2002 ) والتي أكد فيها
أن العراق هدف تكتيكي والسعودية هدف استراتيجي . أما مصر فهي الجائزة الكبرى .
وكما جاء في هذه الوثيقة أن (( احتلال العراق عسكريا ، وبشكل مباشر من قبل
الولايات المتحدة يغير وجه منطقة الشرق الأوسط بشكل جذري ، لابل أن كل المفاهيم
الجيوبولوتيكية عن الشرق الأوسط لم يعد لها وجود .. لاأنظمة ولادول ، وسوف لن يبقى
من النظام الأقليمي العربي الآ الذكريات وأرشيف الملفات الخاصة التي سيتم حفظها في
مكتبة الكونغرس للمطالعة !!)). (13)
يعلق أحد الباحثين على ذلك ، فيقول أن المستشار
الألماني ( غيرهارد شرويدر) ، ويشاطره الرأي كل الأوربيين ، قد أعلن صراحة (( بأن
الهدف الأمريكي ليس العراق وحده ، ولانظام صدام حسين ، وانما ( ادارة الطاقة ) على
امتداد العالم .. أنه الدم الأسود لحضارة تبدو كئيبة الى حد كبير))(14)
، واذا كان العراق هو الهدف المباشر فماذا عن الأحداث الأخرى ؟! تقول صحيفة يو اس
تودي U.S
Today في تحليلها لما قاله
شرويدر . ان العراق من وجهة النظر الأمريكية هو ( قلب الشرق الأوسط ) الذي يمتد من
البحر المتوسط حتى حدود الصين انه يتاخم ست دول عربية وأقليمية(15) ..
انه كما قيل قبل عقود ( مفتاح المنطقة ) Key Countrey .(16)
لذلك ركزت الولايات المتحدة الأميركية في
علاقاتها مع الشأن العراقي على مسألتين هما أسلحة الدمار الشامل ومواجهة الارهاب
وماأسمته محور الشر لقد أكدت صحيفة وول ستريت جورنال ( 3 تشرين الأول 2002 ) ، عن
أنه بعد أيام من هجمات 11 أيلول ناقش مستشارو الرئيس الأمريكي بوش فكرة شن حرب على
العراق رغم عدم وجود دليل على أنه كانت له أي علاقة بأحداث 11 أيلول .. وتضيف
الصحيفة : ان تحدي العراق للولايات المتحدة الأمريكية وتأكيده على أن ماتواجهه ليس
إلا حصادا لما زرعته في المنطقة ينسف هدف الهيمنة على الشرق الأوسط الغني بالبترول
، ويفسد مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية مهيمنة . وقد اعتقد المسؤولون
الأمريكيون أن الحرب على العراق ستعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة وتقضي على أي
مقاومة للنفوذ الأمريكي كما تضمن أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرنا أميركيا
لاسيما ، وأن النفط العراقي الذي يقدر مخزونه بـ (300 ) مليار برميل يشكل هدفا
ستراتيجيا أساسيا للادارة الأميركية التي تدرك بأن من يمسك بهذه المادة الحيوية
انما يمسك بالقرن كله . (17)
ويؤكد أحد الباحثين أن احتلال العراق سوف
يفتح الستار عن حقبة أمريكية وسوف لايقتصر الأمر على العراق فملامح التغيير ينبغي
أن تشمل منطقة الشرق الأوسط بأجمعها ولاسيما العالم العربي وحسب ( نظرية ألدومينو
) فتركيا مثلا الجارة الشمالية للعراق وهي حليف أميركي مثقل بالمشاكل ، ستواجه
الغاءا لكثير من خصائص وفضائل موقعها الجغرافي والاستراتيجي السابق ليس للولايات
المتحدة وحسب بل ولحلف شمال الأطلسي كذلك ، وستواجه ضغوطا عديدة تجبرها على تغيير
نمط سياساتها الداخلية والخارجية وسوريا الجارة الشمالية الغربية للعراق باتت
تتعرض للضغوط الأميركية وآخرها اقرار الكونكرس الأمريكي للقانون المعروف بقانون
محاسبة سوريا . والسعودية التي كانت في يوم من الأيام احدى دعامتي الاستراتيجية
الأميركية في الشرق الأوسط بدأت تواجه ، وبعد أن سحبت الولايات المتحدة قواتها
العسكرية من أراضيها ، حركة شعبية واسعة للمطالبة بالحرية والتعددية . ولم يقتصر
الأمر على ذلك بل أخذت ساحتها السياسية تشهد سلسلة من التفجيرات الدامية . وحتى
الفلسطينيون فانهم أمام خيار واحد وهو القبول بخارطة الطريق التي ستضمن لهم حسب
مايقول الأمريكيون اقامة دولة مستقلة الى جانب دولة اسرائيلية . أما ايران فقد
أصبحت في وضع لاتحسد عليه فالقوات الأميركية على مقربة من حدودها الغربية والشرقية
، أي في العراق وأفغانستان وليس أمامها سوى أن تذعن لشروط الوكالة الدولية للطاقة
ولما يملى عليها من مواقف والآ واجهت ماواجهه قبلها جارها في العراق .. وفيما
يتعلق ببقية الأنظمة ومنها النظام في مصر فان الاستراتيجية الأميركية الجديدة قد
وضعت تصورا واضحا لما يجري في داخلها(18) . ويعبر مارتن آنديك في
مقالته آنفة الذكر عن ذلك بقوله (( ان مصر سلكت طريقا مختلفا ، لكنه في النهاية
كان طريقا ضارا كذلك ، فلقد واجهت المعارضة بقسوة شديدة ، كما أنها قيدت وخفضت
الفضاء المحدود عمليا للمجتمع المدني المصري . وضرب مارتن انديك على ذلك مثلا قائلا
ان سجن الدكتور سعد الدين ابراهيم عالم الاجتماع المعروف ومدير مركز إبن خلدون
للتنمية وتوجيه تهمة تلقيه أموالا خارجية ، والذي انتقد النظام بسبب وجود مخالفات
في الانتخابات ، يعد دليلا واضحا على القمع . ويختم مارتن انديك مقالته بالقول ((ان
الحكومة المصرية قد فسحت المجال لتكوين شعور معاد للولايات المتحدة ولاسرائيل بهدف
توجيه انظار الشارع المصري بعيدا عن عيوبها لذلك لابد للولايات المتحدة ، في ضوء
ذلك أن تعيد النظر في صفقتها التي عقدتها في التسعينات مع حكومتي مصر والسعودية ..
وان تبحث عن صفقة جديدة .. صفقة تكون مع حلفاء تتوافق سياستهم مع متطلبات الأمن
القومي الأميركي )). (19)
والآن هل ستنجح الولايات المتحدة الأميركية في
ستراتيجيتها الجديدة المبنية على ان قدرها ، كما كتب جون .ل أو سوليفان في العام
1839 ، ان تكون الأمة العظمى في المستقبل .. الأمة التي هدفها الدفاع عن الأمم
المضطهدة .. الأمة التي اختارتها المبادئ السماوية لتسدد ضربة مقاتلة للحكام
المستبدين ، ولتحمل راية السلام والديمقراطية ..(20)
شاعت في الوقت الراهن مقولة أحد
المراقبين وهي أن الحكام العرب لايتخلون عن كراسيهم الآ بطريقين أحدهما ( عزرائيل
) وثانيهما (أمريكا ) .. ومعنى هذا وببساطة أن معظم النظم الحاكمة في الشرق الأوسط
قد صارت في سلوكها السياسي الداخلي والخارجي ، بعيدة كل البعد عن قيم الحرية
والديمقراطية ، واحترام حقوق الانسان . ومع انتقال العالم للأعتماد على اقتصاد
جديد يلبي حاجات الانسان الطبيعية . وفي ضوء الثورة المعلوماتية التي ينعم بها
الانسان في كل أرجاء المعمورة لم يعد اهمال الحقوق المشروعة للانسان في العيش
بكرامة وبحرية وبعدالة أمرا ممكنا ، وبخلاف ذلك فان روح الرفض والمقاومة ، وحتى
التشدد سوف تسود ، وقد تأخذ الشعارات الأميركية ، في أحداث التغيير بقوة ، طريقها
الى عقول وقلوب الكثيرين ، لاسيما وأن أوضاع بلدان الشرق الأوسط الأقتصادية
والاجتماعية والسياسية والثقافية ليست مما يسر أحدا . فهل ستدرك هذه الأنظمة
مايحدق بها من مخاطر وتحديات أو هل ستكون على استعداد للتغيير والاصلاح ؟ وما هي
الأسس التي سوف تعتمدها لأحداث هذا التغيير ؟ والأهم من كل ذلك هل أن هذه الأنظمة
قادرة على فهم حقيقة ان حل القضية الفلسطينية ، ومعالجة مشاكل التجزئة ، والتخلف
والحرمان من الحقوق وهدر كرامة الانسان مرتبط بعضه بالبعض الآخر ..تلك أسئلة نعتقد
أنها ليست فقط مشروعة وانما هي ضرورية لفهم المتغيرات الأقليمية والدولية في
منطقتنا ، وفي ظل الوجود الأميركي الراهن في العراق .
الهوامش والمصادر :
(1)-
للتفاصيل انظر : الياس حنا ، (( المانيفست الأميركي : كولن باول والديمقراطية ))،
قناة الجزيرة ( الفضائية ) 28/كانون الأول/2002 .
File :
A:12-28-2 .htm pp.1-3.
(2)- انظر : مقابلة مع محمد حسنين هيكل أجرته جريدة القبس (
الكويتية) بعددها الصادر في الثامن عشر من
أيار سنة 1990.
(3)- ابراهيم خليل العلاّف ، " أميركا والشراكة مع الوطن
العربي " ، جريدة الثورة (البغدادية ) 28 كانون الثاني 2003.
(4)- المصدر نفسه .
(5)- حنا ، المصدر السابق ، ص 3
(6)انظر : مصطفى العبد الله ، " رايس وتغيير الشرق الأوسط
" ، جريدة الزمان ( الدولية) 28 آب 2003 .
(7) العلاّف ، المصدر السابق .
(8)العبد الله ، المصدر السابق
(9) المصدر نفسه
(10) المصدر نفسه .
(11) لتفاصيل الكلمة التي ألقاها الرئيس الأميركي جورج دبليو
بوش ، أمام الصندوق القومي للديموقراطية في واشنطن . انظر : جريدة الصباح (
البغدادية ) 8 تشرين الثاني 2003 .
(12) Martin Indyk ,
"Back to the Bazzar, " Foreign AFFairs , January- Februry 2002 , pp.
53 – 26.
( 13) لتفاصيل ذلك انظر :" ناظم عبد الواحد الجاسور ، عقيدة
بوش الاستباقية " ، مركز الدراسات الدولية ، جامعة بغداد 2002 ( بحث محدود
التداول ) ص 5 وكذلك أميل أمين ، " قراءة في مذكرة استراتيجية أميركية تستهدف
مصر والسعودية وسوريا " ، جريدة الخليج 6 تشرين الثاني 2003 ويشير فاروق
البربير في مقاله الافتتاحي بمجلة تاريخ العرب والعالم ، بيروت ( السنة 22، العدد
20 ، تشرين الثاني – كانون الأول 2002 ص ص 3-4 أن التقرير المقدم
الى هيئة السياسة الدفاعية في وزارة الدفاع الأميركية ( البنتاغون ) ، المكون من
أربع وعشرين نقطة يقترح مايصفه بأنه " الاستراتيجية الكبرى للشرق الأوسط
" ومع أنه يرسم صورة للأوضاع في العالم العربي الا أنه لايقول كيف ولا بأية
طريقة ولامتى سيتم التغيير الذي تريده الولايات المتحدة وتحت عنوان : " ماذا
أنتج العالم العربي !؟ " ، يورد التقرير النقاط التالية :
·
منذ الاستقلال كانت
الحروب ولاتزال الانتاج الرئيسي للعالم العربي .
·
ان المشكلات
الديموغرافية والأقتصادية باتت مستعصية بسبب الفشل في تأسيس سياسات تصنع الازدهار
والرخاء هدفا لها .
·
الدول العربية كلها
هي اما دول فاشلة أو دول مهددة بالفشل .
·
ان التوترات بين
العالم العربي والعالم الحديث بلغت ذروتها .
·
ان مشكلات العالم
العربي ، وهي مشكلات مصنوعة محليا ، تهيمن عليه وتمنع عمليا تأقلمه مع الخارج .
·
أن أزمة العالم
العربي ، نتيجة ذلك كله ، تتعرض للتصدير الى بقية العالم .
ويتحدث
التقرير عن أن التغيير يمكن أن يتم بالتدخل العسكري المباشر . ولايرى التقرير في
العالم العربي ، الآ بؤرة للعنف والارهاب . ومما يلاحظ أن التقرير يتجاهل ماخلفه
ويخلفه الصراع العربي – الاسرائيلي من آثار على حاضر ومستقبل
المنطقة برمتها !!
(14)
الجاسور ، المصدر السابق ، ص 5
(15)
المصدر والصفحة نفسها .
(16)
اتخذت الولايات المتحدة الأميركية خطوات ثابتة منذ عام 1944 لكسر طوق السيطرة
البريطانية على العراق ، وحاولت التغلغل وفرض نفوذها لتزاحم وتنافس موقع بريطانيا
المميز . ومن خلال تطورات الحرب العالمية الثانية أسهمت الولايات المتحدة من أجل
هدفها ذلك بثقلها الأقتصادي الكبير بالاضافة الى ثقلها العسكري والسياسي بامداد
مركز تموين الشرق الأوسط المؤسس عام 1941 بمختلف التجهيزات والبضائع والمواد
الغذائية .. للتفاصيل انظر : Ghanim
Al – Haffou , L'Irak
Devant La deuxième
guerre
Mondiale . Thése de Doctorat universitè.
De Poitiers , France 1981 , pp. 226, 254 ,
25,
(17) الجاسور ، المصدر السابق ، ص ص 4-5 .
(18)
للتفاصيل انظر : فؤاد حمه خورشيد ، " تحرر العراق ونظرية ( الدومينو) الشرق
أوسطية " ، جريدة التآخي 10 مايس 2003 .
(19)Indyk , op.cit, 53 .
(20) حنا ، المصدر السابق ، ص 1 .
_____________________________________-
1-8-2004
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق