العلاقة بين التاريخ والجغرافية
بقلم : ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
ليس من شك في ان هناك علاقة وثيقة بين " التأريخ"
و" الجغرافية" . ويقينا اننا لانستطيع ان نفهم الاحداث
والوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بدون ان تكون لنا معرفة دقيقة بالمسرح
الجغرافي .وقد انتبه الى هذا الكثير من
السياسيين وخاصة في اوقات الحروب والازمات . ويٌروى ان المذيع وقبل ان يقدم الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت لالقاء خطابه الى الشعب والى المستمعين في العالم بأسره في الثالث والعشرين من شهر شباط –فبراير سنة
1942 – نصح مستمعيه قائلا :" أنه
يحسن بكم ان تتابعوا الرئيس في خطابه وبيدكم خريطة العالم" .. وهذا الكلام
شهادة صارخة على خطورة الجغرافيا لفهم التاريخ فهما واعيا .
لقد اشار عدد كبير من الكٌتاب الذين عالجوا التاريخ ، والسياسة
، والاقتصاد والفلسفة الى خطورة الدور الذي يلعبه الموقع الجغرافي في مشكلات
العالم القومية منها والدولية .
لقد كان هيروديتس وسترابو ومونتسكيو من جملة الكتاب
البارزين الذين كانوا يؤمنون ان دراسة الجغرافية أمر ضروري لفهم التطور.. تطور اي بلد من بلدان العالم تاريخيا وسياسيا .
يقول الدكتور زين نور الدين زين في كتابه :" الصراع
الدولي في الشرق الاوسط وولادة دولتي سوريا ولبنان " ان الجغرافية تٌعد من اقل العوامل تعرضا للتغيير
في تاريخ الشعوب فها هي العوامل الاجتماعية والدينية والسياسية عرضة للتغيير
والتقلب بأستمرار .فهيئة الارض ومواقع السهول والصحارى واماكن الجبال والوديان
والمحيطات والانهار تكاد جميعها ثابتة راسخة في اماكنها .
ان مما ينبغي
التأكيد عليه هو ان العراق من اكثر
المناطق التي يظهر فيها تأثير العوامل الجغرافية سواء على صعيد الموقع الفلكي أو
المناخ او الانهار والاهوار والسهول والجبال والصحراء ..
لقد كان لموقعه الجغرافي، ولغناه الحضاري ، ولثرواته البشرية والاقتصادية
اثر كبير في ما واجهه من تحديات تمثلت بتعرضه للغزاة ابتداء من العصور القديمة
وحتى الاحتلال الاميركي –البريطاني في سنة 2003 .
ان العراق بلد مفتوح على جيرانه.. لذلك كان عبر العصور التاريخية المختلفة - كما يقول
المؤرخ البريطاني المعروف ارنولد توينبي- ساحة للصراع الاقليمى والدولي.
ان هناك علاقة وثيقة بن الجغرافية والتاريخ ..الجغرافية
بثوابتها والتاريخ بحقائقه وموضوع العلاقة هذه شغل اذهان المفكرين والباحثين منذ ان اهتموا بدراسة طبيعة المجتمع البشري على
سطح الارض .
ان الجغرافية تهتم بالمكان ..وهذا دليل على وجود متغيرات
مكانية في الماضي والحاضر .اما التاريخ فيهتم بالزمان وهذا دليل على وجود متغيرات
زمانية في ماضي وحاضر الانسان بل وحتى في مستقبله ..ومن الطريف ان ينشأ فرع في
التاريخ ونقصد به "الجغرافية التاريخية " هذا الفرع يدور في ثلاثة محاور هي: المكان والانسان والزمان ،
فالتاريخ اولا واخرا هو تفاعل بين الانسان والزمان والمكان .
وليس الجغرافية التاريخية هي الفرع الوحيد اللصيق بالتاريخ والمتفاعل معه .. فهناك
علم الخرائط او ما يسمى الكارتوغرافي
وهناك علم اشكال سطح الارض او ما يسمى الجيمورفولوجي وهناك خطط الارض او ما يسمى اليوم بالتخطيط
الحضري والاقليمي وهناك جغرافية المدن والجغرافية الاقتصادية والجغرافية السياسية
ومنها الجيوبوليتكس وهناك الفكر الجغراقي ..
البلدانيون العرب هم أول من اهتم بالجغرافية قبل ان
تتطور الجغرافية في العصر الحديث لتصبح علما مستقلا ..الاصطخري والعمري والمقدسي
البشاري وابن حوقل وياقوت الحموي هم علماء العرب والمسلمين الذين ابدعوا في تطوير
علم الجغرافية ومن بعدهم سترابو ومنتسكيو وكانت وميشيليه ..وجاء ( ماكندر)
و(
ماهان) و( سبيكمان) وغيرهم من اساطين الجغرافية السياسية
والجيوبوليتكس وغيرهم من الفلاسفة
والمفكرين ليؤكدوا على ان الانسان عندما
يصنع التاريخ بدون الاساس الجغرافي يبدو وكأنه يسبح في الهواء .
هل ان التاريخ متحرك والجغرافية ثابتة ؟ ..هذا القول
لايبدو دائما صحيحا في ضوء انجازات الانسان وابداعاته في العصر الحديث ، فطريق رأس الرجاء الصالح - على
سبيل المثال - كان طريقا استراتيجيا مهما لكن شق قناة السويس قلل من اهميته في
التجارة العالمية .
ولنتساءل الان هل ان الامر يترك للمؤرخ.. يكتب ما يريد ..؟ .والجواب ان هارتشون في كتابه
:"طبيعة الجغرافية " ينقل عن براون قوله" بأن مراجعة الوثائق التاريخية تتطلب دراية
الجغرافي" . ومن هناك فالجغرافية كما
يقول كوردن ليست توجه التاريخ وقد الف كتابا بهذا العنوان ليثبت ان الجغرافية والتاريخ كالشجرة
ارضها الجغرافية وماؤها التاريخ .
ان المؤرخ بحاجة ماسة الى ان يعرف شيئا عن الجغرافية
والجغرافية على هذا الاساس تعد علما من العلوم المساعدة التي لايمكن للمؤرخ
تجاهلها .
*حلقة من برنامجي ( شذرات ) من على قناة (الغربية )
الفضائية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق