دور
الجامعات العربية في البناء
الاجتماعي
والثقافي
الأستاذ
الدكتور
إبراهيم خليل العلاف
مركز
الدراسات الإقليمية ـ جامعة الموصل
ملخص
بحث
دور
الجامعات العربية في البناء الاجتماعي
للأستاذ الدكتور
إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الاقليمية ـ جامعة الموصل
لم تعد الجامعات في عالمنا المعاصر ميدانا للتدريس فحسب ، بل اتسعت مهامها
لتكون مراكز للبحث العلمي والتخطيط للمستقبل باتجاه خلق القاعدة العلمية الرصينة
للمجتمع . ولقد اصبح من الضروري ، فيما يتعلق بالدول العربية ، ان تقوم الجامعات
فيها بدور رئيسي في البناء الاجتماعي والثقافي
وتحقيق التنمية المستدامة ، وان تتوطد علاقتها بالمجتمع على كافة
الاصعدة .
يتناول البحث اولا الجامعات العربية من خلال آراء مجموعة من المربين ،
والمفكرين المهتمين بالتعليم العالي ومشكلاته ، ويقف عند النواقص والمشاكل التي
تواجهها هذه الجامعات وابرزها ان بعضها لايزال يدار تبعا لنسق موروث ، وفقدان
التوازن بين العلوم والاداب ، وانخفاض نسبة الجامعيين الى مجموع السكان الكلي ،
وعدم وضوح الفلسفة التعليمية الجامعية ، وفقدان المناخ الحر والديموقراطي داخل
الجامعات وخارجها . والاهم من ذلك كله عدم وجود ربط بين التعليم الجامعي وواقع
العمل والانتاج . ويقف البحث ثانيا عند المقترحات التي تساعد في نهوض الجامعات
العربية وتجعلها قادرة على مواكبة العصر من جهة ، وتلبيته احتياجات المجتمع من جهة
اخرى مع ضرورة السعي باتجاه استحداث نظام واضح يحقق الارتباط بين الجامعات ومؤسسات
الدولة ومنظمات المجتمع المدني من جهة ، والجامعات وخطط التنمية والاصلاح من جهة
اخرى ، ويتطلب هذا احداث هزة شديدة للمؤسسات الجامعية العربية وجعلها قادرة على
استيعاب ظروف العالم المتغيرة وابرزها تحسين نوعية التعليم ، وتفعيل التعاون بين
الجامعات العربية ، وتحقيق استقلالية الجامعات ،واعتمدا مبدأ الديموقراطية في
اختيار القيادات الجامعية ، وافساح المجال لظهور تعليم جامعي اهلي ، واخيرا تسهيل
اتصال الأستاذة والباحثين وطلبة الدراسات العليا بما يدور حولهم في العالم من حركة
متسارعة وباساليب مختلفة منها الاجازات
العلمية السنوية Sabbatical Yea r.
"Abstract"
The
Role of Arab Universities In Social , Cultural Construction .
By : Prof .Dr.
Ibrahim Khalil Al_ Alaaff
Regional Studies Centre ,
University of Mosul, Iraq .
Universitise our contemporary world
are on longer a field for teaching only , but thier duties have enlarged to
include research centers and planning for future in a direction to create a
scientific base for the community . It is necessary for the Arab state that
Universities should play a main role in social and cuctural construction and achieving
sustainable devlopment
The rasearch tackles first the reality of
Arab universities throughout opinions of educators , thinkers interested in
high education with its problems . It also deals with obstacles facing universities
and the most significant is that some of them are still managed in accordance
with an inherited style and losing the balance between sciences and Arts as well
as reducing the ratio of ademicians to all population .Also, there is a mystery
in the philosophy of learning at Universities and a loss of free and democratic
at mosphere inside and outside universities . The important things is that there
is on and connection between Universities education and the reality of work and
production.
The research also deals with suggestions that
may help in promoting Arab universities making them capable to follow up the
age from one side and providing the needs of society from the other by creating
a clear system of connection between universities and establishments of state and
society. This will make a severe shock for universities , organizations and making
a sort of sort of indence for universities by depending on the principle of democracy
in choosing university Leaderships and providing the field in existing a private
education. Finally , fascilitiating the connection of professors, researchres
and post graduate students of what is going no around them in different styles
sush as sabbatical year.
دور
الجامعات العربية في البناء الاجتماعي
الاستاذ
الدكتور ابراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الاقليمية ـ جامعة الموصل
مقدمــة :
لم تعد الجامعات في عالمنا المعاصر ميدانا للتدريس فحسب ، بل اتسعت مهامها
لتكون مراكز للبحث والتخطيط للمستقبل باتجاه خلق القاعدة العلمية الرصينة(1) . ولقد اصبح من الضروري ، فيما يتعلق بالدول العربية ،
ان تقوم الجامعات فيها ( بلغ عددها الان قرابة 200 جامعة) ، بدور رئيس في البناء الاجتماعي
، والثقافي وتحقيق التنمية المستدامة ، وان تتوطد علاقتها بالمجتمع على كافة
الاصعدة ، وان تسهم في العمل من أجل تحقيق قدر كاف من الرخاء المادي والمعنوي
للفرد والمجتمع ، وذلك من خلال تعميق الجوانب الايجابية في الشخصية الانسانية
لمساعدتها في القيام بمهامها ( الدائمة) و ( الشاملة) في بناء المجتمع وهو ما يعرف
بين علماء الاجتماع والاقتصاد بالتنمية المستدامة .. ومن الطبيعي ان تحقيق ذلك
لايمكن ان يتم بخلو المجتمع من (مؤسسات) رسمية وغير رسمية ، ومن ( منظمات مجتمع
مدني) ، ومن هياكل فكرية تتمثل اليوم بالجامعات التي تضم في اروقتها كليات ،
ومعاهد ، ومراكز ومؤسسات علمية بحثية ، واجتماعية ،و بيئية ، يشترك في صياغتها
القطاع الخاص مع مؤسسات الدولة (2)
ان فقدان العلاقة بين الجامعة والمجتمع من شأنه ان يؤثر تأثيرا خطيرا على
تحقيق اهداف ومشاريع التنمية المستدامة .. ليس هذا وحسب ، بل يعيق ما تسعى اليه
الدولة من طموحات تستهدف التخلي عن عتبة التخلف ، وتخطيها من جهة ، وتحقيق التقدم
المنشود من جهة اخرى . ويتعاظم دور الجامعة ، حين يشهد المجتمع عالم متغير بل
وسريع التغيير ويواجه تحديات داخلية وخارجية تعرقل نهوضه وتقدمه (3)
ولقد
بات من الامور المتفق عليها ان التقدم العلمي والتكنلوجي(التقني) ، والثورة
المعلوماتية التي يشهدها العالم اليوم ، يضع على الامم ، التي تبغي النهوض ،
مسؤوليات كبيرة وتحديات تدفعها الى المبادرة في اقتناء تقنيات العصر واستخدامها من
ناحية ، وتطوير اساليب التعليم من ناحية اخرى ، وبالشكل الذي يجعلها قادرة على
مسايرة روح العصر الذي اصبح فيه العلم وتطبيقاته يشكلان عصب الحياة (4) .
ومن هنا فان طبيعة التغيير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تفرضه ظروف
التنمية المستدامة ، وارتباط ذلك بالتحولات في الميادين (الوطنية) و (القومية)
و(الانسانية) تقتضي من الجامعات ان تأخذ دورها في احداث التغيير المطلوب .
واقع
الجامعات العربية
ينبغي
الاعتراف باديء ذي بدء ، بان الجامعات العربية ، بالرغم من التقدم الذي حصل فيها ،
لاتزال تعاني من نواقص عديدة في مجال تلبية متطلبات المجتمع ، فهي فضلا عن عدم
قدرتها على مواكبة مستلزمات التغيير بعيدة عن تخطي العقبة التكنلوجية ،
والمعلوماتية ، ومعنى هذا انها لن تحقق بعد الحد الادنى من رسالتها . ولا نريد
الدخول في تفاصيل النواقص التي تعاني منها الجامعات ، لكن لابد من ايراد بعض آراء
عدد من المربين والمفكرين العرب المهتمين بالتعليم العالي في الوطن العربي، فمنذ
سنوات اصبح لدينا سجل موثق بالسلبيات والنواقص ، التي يعاني منها التعليم العالي
وابرزها ان الجامعات كانت ولا تزال تخرج سنويا اعدادا كبيرة من الطلبة الذين
لايمكنهم الافادة من ثقافتهم ومؤهلاتهم فائدة ملموسة في مشاريع التنمية والخدمات .
وقد سبق للدكتور المرحوم ادورد سعيد (5) ان
اتهم
الجامعات
في الوطن العربي بانها تدار بشكل عام ، تبعا لنسق ما موروث عنه ، او مفروض مباشرة
من قبل قوة مستعمرة سابقة . أما الدكتور انطوان زحلان(6)
فيقف
عند
مسألة البحث العلمي ، ويكشف بجرأة شديدة ، النطاق المحدود جدا للنشاط العلمي في
اقطار الوطن العربي .. وتظهر احصائية نشرها صبحي القاسم(7) بان مرتبة بلدان الوطن العربي في معدلها العام
في ادنى مرتبة من مناطق العالم في البحث العلمي بعد افريقيا , وقد نشر الدكتور فارس
الشمري (8) مقالة جاء فيها ان الدول العربية متأخرة كثيرا
في مجال البحث والتطوير (R and D)
وقال لو اخذنا مثالا على توازن الانفاق على انشطة البحث والتطوير في بريطانيا لسنة
2001 نجد انها انفقت (19) مليار جنيه استرليني وهو ما يعادل (1,88%) من الناتج
القومي لبريطانيا GDP
هذا بالمقارنة بـ (1,4%) وهو المعدل في دول العالم ولـ (0,3%) من الـ GDP للدول الاسلامية و(1,15%) من الـ GDP للدول العربية . اما الدكتور اسامة عبد
الرحمن (9) فتناول جانبا آخر من رسالة الجامعات
العربية ، ذلك هو دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية .
ويرى ان الجامعات " لم تحقق بعد الحد الادنى من رسالتها ، وهو اعداد
المتخصصين في المجالات المختلفة ، وبالمستوى المطلوب لمواجهة احتياجات التنمية
" . ويضيف : " ان الجامعات العربية لاتزال الى حد كبير رهينة الدور
التقليدي وتكاد تعيش في عزلة عن المجتمع ومؤسساته الاخرى ، فهي لاتمارس الدور
النشيط والفعال الذي تمارسه الجامعات في الدول المتقدمة وخاصة من الخروج ببعض
برامجها الى خارج اسوارها " . ويناقش الدكتور عبد الباري الدرة(10) واقع ، ونوعية التعليم العالي ، وقدرة
الجامعات العربية على مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين فيقول : " ان
الجامعات العربية ، لاتزال اسيرة المنظومة الفكرية التقليدية في فلسفتها ،
ومناهجها ، وهياكلها ، وادارتها ، واساليب تدريسها ، وقلة بحوثها ، وضعفها ، وغياب
برامجها في خدمة المجتمع ، وضعف مستوى خريجيها ، وانفصال معارفهم ومهاراتهم عن
حاجة السوق ، وضعف دورها في التنمية ، والاهم من كل ذلك تقلص استقلالها الاكاديمي
، وغياب مشاركة العاملين فيها ، من اساتذة وطلبة ومنتسبين آخرين ، في صنع القرارات
" .
ويحدد الدكتور الياس زين (11) ، العيوب والنواقص التي تعاني منها
الجامعات العربية ، ويقول انها تتلخص بفقدان التوازن بين العلوم والاداب ، وانخفاض
نسبة الجامعيين للسكان ، وبطالة خريجي الجامعات ، وهجرة اعداد كبيرة مهم الى خارج
البلدان العربية ، فضلا عن ان تأثير خريجي الجامعات العربية لايكاد يذكر في مجال
تطوير التقنية اسوة بما يفعله مثلا الخريجون في كل من اليابان واسرائيل في تطوير
التقنية الغربية المستوردة ، فاسرائيل مثلا استطاعت في اقل من جيل واحد (30 سنة)
تطوير هذه التقنية ، والتوصل الى تقنية متقدمة خاصة بها . ومن النواقص التي تعاني
منها الجامعات العربية ضعف التنسيق بين بعضها البعض ، فكثيرا ما تهمل النشاطات
والبحوث التي يقوم بها التدريسيون في الجامعات والمراكز العلمية في البلدان
الغربية او تكرر . هذا فضلا عن اهمالها القضايا والمشكلات العلمية ذات الاهمية على
الصعيدين الوطني والقومي .
اما الدكتور نادر فرجاني (12)
، فيشير الى ان هناك اربعة توجهات استراتيجية ، صار ملحا ان تتضافر في
عملية جادة لاصلاح جذري للتعليم العالي في البلدان العربية تبدأ دون ابطاء وهي :
استمرار مسؤولية الدولة ، مع تحرير الجامعات من سلطات الحكومة،واحداث هزة شديدة
للمؤسسات الجامعية بهدف تحسين النوعية ، واقامة نسق للتعليم العالي المرن من خلال
اعداد افراد قابلين للتعليم المستمر وبهذا يتعين ان تكتسب الجامعات مقومين اساسيين
هما (التنوع) و (المرونة) .
ويأخذ الدكتور عبد المالك خلف التميمي (13) على الجامعات العربية انها تفتقر الى فلسفة
واهداف تعليمية وتربوية متجددة ومجددة . ويقف الدكتور علي فخرو (14) عند متطلبات النهوض بالجامعات وابرزها
اخراج الجامعات من قبضة الدولة ، والسعي باتجاه دفع الجامعات لتخريج مواطنين
يتمتعون باستقلالية الشخصية ،وروح
المبادرة والقدرة على الابداع والتفاعل الحي مع المعرفة . ويعتقد الدكتور صبحي
القاسم استمرار ضيق قاعدة التخصصات المتاحة للطلبة في الجامعات ، وبناؤها قريبة من
التخصصات التقليدية يضعف قدرتها على مواكبتها للطلب في سوق العمل .
ما الدور المطلوب من الجامعات تحقيقه ؟
ان الجامعات لاتستطيع تأدية دورها في عملية
التغيير والتقدم والبناء الحضاري بدون تطور سياسي واجتماعي واقتصادي مواز ومواكب
لتطورها في جو ديموقراطي يتيح الفرصة كاملة لحرية ( البحث) و ( الرأي) و (النقد) ،
ويرى البعض ان الجامعات العربية تشكو ازمة حقيقة وهي جزء من ازمة التخلف العامة
التي يعيشها المجتمع العربي . وقد انعكس ذلك على الجامعات ، فبدلا من ان تكون
الجامعات (رائدة) في قيادة المجتمع وتغييره ، اصبحت (تابعة) تعكس سلبياته وتلهث
وراءه !! (15)
ولكي تقوم الجامعات بدورها المطلوب في ميادين
( التنمية المستدامة) ، و (التقدم التكنلوجي) ، و( الاسهام في الانتاج) ، و (قيادة
المجتمع الفكرية) لابد من اعادة النظر الجذرية في هياكل التعليم كله ، واوضاع
الجامعات وتحويلها من
( مراكز تقليدية) لتخريج الطلبة الى (مراكز
لبناء جيل جديد) قادر على استيعاب المستجدات في العلوم والتكنلوجيا وثورة
المعلومات المتدفقة ، وحتى تستطيع ان تؤدي دورها الفاعل لابد من التركيز على ضرورة
تنمية التفكير العلمي ، واخذ قضايا المجتمع ومشاكله المعقدة بنظر الاعتبار ,
وايجاد الحلول لها وخدمة المجتمع المهني والوطني والقومي والانساني ، وبكلمة موجزة
، فان نوع فلسفة التعليم العالي واهدافه المطلوبة ينبغي ان تكون فلسفة واضحة الاسس
(علمية) (تطبيقية) تربط بين التنمية التربوية والتنمية الاقتصادية والتنمية
الاجتماعية والتنمية الثقافية واخيرا التنمية السياسية . وهذا يتطلب تطوير المناهج
الدراسية وجعلها اكثر ملائمة مع مقتضيات التنمية الشاملة بابعادها المختلفة (16) .
وهناك اليوم اتجاه قوي في العالم يقوم على
اساس ربط التعليم الجامعي بمواقع العمل والانتاج ، ففي الولايات المتحدة الامريكية
مثلا انواع من كليات المجتمع ذات مفهوم حديث تقدم خدماتها التربوية الى المنطقة
الجغرافية ، وهناك عدد من البلدان اعتمدت ( مبدأ الدراسة والعمل) ، أي ان العمل
بات يشكل جزءا لايتجزأ من منهاج الدراسة (17) .
اما فيما يتعلق بدور الجامعة كمؤسسة تخدم
حركة الانتاج في المجتمع ، فان هذا لايتحقق الا برط العلم والتكنلوجيا في حلقة
واحدة تؤدي الى التقدم التقني الذاتي من خلال خلق المناخ الملائم لايجاد نوع من
الارتباط الوثيق بين الجامعات ومؤسسات التعليم عموما والمؤسسات الصناعية ، وان يتم
تحويل نتائج البحوث الاساسية في الجامعات الى منتجات واساليب جديدة او تعديل
وتحسين المتوفر فيها ، وان تصل بين التاريخ الفكري والتاريخ الطبيعي للانسان وعلى
مستوى مراحل امتلاك التقنية المعروفة المستقلة (18)
.
تقول الباحثة نعيمة حسن رزوقي في بحثها
الموسوم : " الجامعات بين المعرفة والتطور التكنلوجي " (19) ، ان العلاقة بين المشاريع الانتاجية
والمؤسسات التعليمية والبحثية ينبغي ان تكون قوية ومستمرة ،و الابداع لايتحقق
بمعزل عن الممارسة وتشخيص متطلبات المجتمع ، فالجامعات نشأت لتوفير (عنصر الانسان)
القادر على ايجاد وتطويع وتطوير أي صناعة،لصالح رفاهيته ، وازدهاره ، والمخطط
التالي (20) يوضح التفاعل بين الجامعات والمشاريع
الانتاجية والخدمية وبما ينسجم مع تطوير المجتمع وتقدمه .
إن دعوة الجامعات لكي تأخذ دورها الفاعل في تقدم
المجتمع وتنميته ، ليست جديدة ، وثمة ادبيات ترجع الى السنوات العشر الماضية تؤكد
على ضرورة تعميق التعاون بين الجامعات ومؤسسات الدولة والمشاريع الانتاجية
والخدمية والقطاع الخاص ، الا ان هذه الدعوات لم تجد لها صدى مناسبا ، فالجامعات
في البلدان العربية عموما ، لم يتسن لها بعد ان تصبح مؤسسات اصيلة ذات بنية ذاتية
تلبي حاجات المجتمــع. ويعزي الدكتور اسامة عبد الرحمن(21) ذلك الى عوامل داخلية ، واخرى خارجية .
وهذه العوامل تتعلق من ناحية بنوعية القيادات الادارية المهنية على تسيير الجامعات
، ونوعية القوى البشرية المسؤولة عن التعليم داخل الجامعات من ناحية اخرى . واما
العوامل الخارجية ، فترتبط بنوعية الحياة التي يعيشها المجتمع الذي توجد فيه هذه
الجامعات في جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وثمة فجوة واسعة وكبيرة
بين الجامعات من جهة ومؤسسات الدولة والمجتمع من جهة اخرى ، هذه المؤسسات
المستفيدة من خريجي هذه الجامعات . كما ان انعدام قنوات الاتصال بين الجامعات ،
وتلك المؤسسات يقلص من دور الجامعات التنموي والخدمي . ويضيف الدكتور الياس زين (22) الى ذلك ان نسبة طلاب الجامعات لمجموع
الشباب والشابات في سن المرحلة الجامعية ضئيل جدا اذا ما قورن مع النسبة في
البلدان المتقدمة ، حيث كان معدل الانتساب 50% للاشخاص من الفئة العمرية 18 ـ 24
سنة 1972 ، وتشير بعض الدراسات الحديثة الى ان نصيب التعليم العالي من جملة
الملتحقين بالتعليم في البلدان العربية ما يقارب (5,3%) في التسعينات من القرن
الماضي وهذه النسبة تقل كثيرا عن النسبة المقابلة في البلدان المتقدمة حيث تبلغ
(17,6%) في سنة 1994 وهي في تزايد مستمر .
ويتضح من هذه المقارنة ان الدعوة الى تقليل
التوسع في التعليم العالي والتي بدأنا نسمعها في بعض زوايا الحياة في مجتمعنا
العربي ، وبحجج وذرائع مختلفة ، تنطوي على حرمان المجتمع العربي من القاعدة
الاساسية للعلوم والثقافة والتنمية المستديمة والمتقدمة (23) .
مقترحات
ازاء هذه الواقع الذي
تعاني منه جامعاتنا العربية ، ومن اجل ان تغدو هذه الجامعات مراكز للنهوض والتقدم
والتنمية ، لابد من ايراد بعض المقترحات وابرزها ما يأتي :
1 ـ
السعي باتجاه استحداث نظام واضح يحقق ارتباطا بين الجامعات ومؤسسات المجتمع
والدولة يقوم على وضع برامج عمل مشتركة تستهدف اجراء دراسات او تهيئة حلول لمشاكل
فنية او غيرها او احداث تنمية بحوث تطوير تكنلوجيا ، ويمكن ان يحدد هذا النظام
آلية للتعاون بين الباحثين من الاساتذة وطلبة الدراسات العليا والمشاريع الصناعية
او الشركات او مؤسسات ومنظمات المجتمع (غير الحكومية)(24)
2 ـ
تحقيق التكامل بين سياسة التعليم الجامعي ، وخطط التنمية الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية ،وتطوير المناهج الجامعية ، وبالشكل الذي يؤدي الى تخريج
كوادر قادرة على تلبية احتياجات المجتمع ومشاريع التنمية (25)
3 ـ
احداث هزة شديدة للمؤسسات الجامعية بهدف تحسين النوعية مع عدم السماح بانشاء
مؤسسات جديدة الا بضمان مستوى نوعية ارقى جوهريا من المستهدف ولا يتم ذلك الا
بتفادي التكرار النمطي في نسق التعليم العالي ككل والتحول نحو نمط التعليم العالي
المرن والمواكب لاحتياجات التنمية ووضع برامج فعالة لترقية قدرات هيئات التدريس
والباحثين في الجامعات وتوفير المناخ العلمي الاكاديمي المناسب (26)
4 ـ
تفعيل التعاون بين الجامعات العربية والوقوف بوجه النزعات القطرية التي
تعيق العمل العلمي العربي المشترك والسعي نحو تبادل الاساتذة وانشاء اساليب حديثة
تحقق التخطيط لبحوث مشتركة والاسهام في مناقشة رسائل الماجستير و اطروحات الدكتوراه
، وتسهيل حضور الاساتذة الندوات والمؤتمرات العلمية التي تعقد على ساحة الوطن
العربي ورفع كل القيود والحدود التي تعيق ذلك (27)
5 ـ
تحقيق مسألة استقلالية الجامعات وابعادها عن التأثيرات الفكرية والسياسية
التي تنتهجها الدولة والتأكيد على التمسك بالثوابت الوطنية والقومية والانسانية ، أو
ما يسمى بالمصالح العليا للدولة وللأمة عموما ، دون التدخل في تفاصيل الصراعات
السياسية والحزبية والمذهبية وما شاكل (28)
6 ـ اعتماد مبدأ الديمقراطية في اختيار
القيادات الجامعية ابتداءا من رئيس الجامعة وانتهاء برئيس القسم العلمي ، وما لم
تكن الجامعة مستقلة ماليا واكاديميا ، وما لم تتوفر فيها حرية البحث والرأي فانها
لايمـكن ان تؤدي دورها المطلـوب في تحقيـق تقدم المجتمع وتنميته (29)
7 ـ
تطوير المناهج والدراسات في الجامعات حسب اهداف كل جامعة وبيئة توطنها
واحتياجات المشاريع والمؤسسات التي يفترض ان ترتبط بها والابتعاد عن التنميط
والتوحيد وبالشكل الذي يجعل من الجامعات وكأنها مدارس ثانوية كبيرة (30)
8 ـ
الاستمرار في فتح الحوار بين اساتذة الجامعات والمسؤولين في مؤسسات الدولة
والمجتمع للوصول الى صيغ افضل للتعاون (31)
9 ـ
اعطاء المجال للتعليم الجامعي الاهلي والاجنبي وتشجيعه على فتح تخصصات
جديدة لاتتوفر في التعليم الجامعي الرسمي مع ضمان تحقيق نوع من التعاون بين
القطاعين التعليميين الحكومي والاهلي وبقاء اشراف الدولة الفكري على مؤسسات
التعليم الاهلي والاجنبي ووفق ضوابط تلتزم بثوابت الوطن وخصوصياته مع متابعة وحل
اشكالية التمويل وقبول المساعدات المالية من الخارج(32)
10 ـ تشجيع اساتذة الجامعات وتحفيزهم ( ماديا
ومعنويا) وحثهم على الغور في اعماق المجتمع ، والتفاعل مع كل قطاعاته ومواكبة حركة
التغيير الاقتصادي والاجتماعي والمعلوماتي والتأكيد عليهم بان مجال (الترف
الاجتماعي) و (البروج العاجية) غير مستساغ في عصرنا الحاضر ، وان عليهم التصدي
لمشكلات بلدهم والاسهام في وضع حلول من خلال بحوثهم ودراساتهم (33)
11
ـ وبالمقابل دعوة مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع
المدني والمؤسسات الخاصة لطرح احتياجاتهم ومشاكلهم التي تعترض عملهم الانتاجي
والخدمي والمعرفي امام الباحثين واساتذة الجامعات ، وكما هو جار في العالم المتقدم
حتى يمكن وضع حلول لمشاكل العمل او اقتراح بدائل للتطوير (34) .
12 ـ
تسهيل حركة الاساتذة والباحثين،وطلبة الدراسات العليا ، وتقليص الروتين ،
والابتعاد عن المنغصات ووضع العراقيل الادارية والمالية والتي لها انعكاسات سلبية
على عملهم العلمي والبحثي (35) .
13 ـ
واخيرا تسهيل اتصال الاساتذة بما يدور حولهم في العالم من حركة متسارعة
تشمل في مظاهرها كل جوانب الحياة ،وتشجيعهم على حضور المؤتمرات والندوات وورش
العمل والبرامج والدورات التدريبية والاجازات العلمية .
خاتــمة :
ان الاستاذ الجامعي ، لايستطيع ان يكون
طرفا نشيطا في تقدم المجتمع وتنميته وقدرته على مواجهة متغيرات العالم المتسارعة
الا من خلال حركتين اساسيتين ، أولهما : حركة الحياة اليومية والاعتيادية بما فيها
من جوانب عملية تغني الجانب النظري لديه . وثانيهما : حركة العالم من حوله بما فيه
من تيارات سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية . وعلى الاستاذ الجامعي ان يدرك بانه
يحمل (رسالة) هي اقرب في كل المقاييس ، الى رسالة الرسل ، والقادة ، والمصلحين ،
ويتطلب منه ذلك ان يكون متقدما على غيره من العاملين في مؤسسات الدولة منصرفا الى
البحث والدراسة . والاستاذ الجامعي ، باعتباره المؤهل علميا ، كفاءة وخبرة ، لهو
اقدر على نقل احدث التطورات العلمية النظرية والتطبيقية في شتى الاختصاصات الى
الطلبة وغيرهم عن طريق التدريس ، والبحث ، والعمل في المختبرات ، واقامة الندوات
والمؤتمرات العلمية ، والقاء المحاضرات والاشراف على طلبة الدراسات العليا
وتدريسهم ، ونشر البحوث والدراسات والمقالات في حقل اختصاصه هذا فضلا عن ما يتوقعه
المجتمع من الاستاذ الجامعي او في الحقيقة ما يصر عليه ، وهو ان (الاستاذ) ينبغي
ان يكون قدوة في سلوكه ، ومثالا طيبا يحتذى به ، لا بالنسبة لطلبته فحسب ، بل
بالنسبة الى بيئته كذلك ، ويرى البعض من الكتاب ان النظرة السائدة للاستاذ في
المجتمع ، لاتختلف عن النظرة الى (رجل الدين) ،واذا كان الاستاذ الجامعي كذلك يحق
لنا ان نتحدث عن دور الجامعات في احداث التغيير الاقتصادي والاجتماعي والفكري في
المجتمع وبما يساعد على التقدم والتنمية والتغيير والبناء .
الهوامــش :
(1)
انظر : ابراهيم خليل احمد (العلاف) ،
" الجامعة مركز للبحث والتصور" ، مجلة الجامعة ، الموصل ، السنة
(11) ، العدد (10) ، تموز 1981 ، ص 77 .
(2)
انظر
: عبد الستار كريم المرسومي " من اجل تنمية دائمة في العراق " ،
جريدة
الصباح ، بغداد ، 13 آذار / مارس 2005 .
(3)
انظر
ياسين خليل ، " دور الجامعة في
الدول النامية " ، مجلة
آفاق عربية ، بغداد ، السنة (1) ، العدد (1) ، ايلول / سبتمبر 1975 ، ص 33 .
(4)
نعيمة
حسن رزوقي ، " الجامعات بين المعرفة العلمية والتطور التكنلوجي "
، مجلة آفاق عربية ، بغداد ،السنة (18) ،العدد (12) ، كانون الاول / ديســمبر 1933
، ص47 .
(5)
انظر
كتابه : " الاستشراق : المعرفة ، السلطة ، الانشاء " ، ترجمة كمال ابو ديب ، ( بيروت ، 1981)
ص 319 .
(6)
انظر
كتابه : " العلم والسياسة العلمية في الوطن العربي " ، ( بيروت ، 1980) ، ص ص 28 ، 40 ـ 41 .
(7)
عنوان
الدراسة التي نشرت فيها الاحصائية هو " افكار في مسيرة البحث العلمي
والتطور التجريبي في بلدان الوطن العربي " نشرة المنتدى ، عمان ، العدد
(139) نيسان 1997 ، وأدناه التفاصيل الاحصائية .
بعض المؤشرات المهمة في تحليل واقع تمويل البحث
والتطوير
البلد او
البلدان
|
سجل الدخل بالمليار
دولار
|
مجموع الانفاق على البحث بالمليون دولار
|
نسبة الانفاق الى الدخل
الوطني%
|
جملة الباحثين بالآلاف
|
عدد الباحثين لكل مائة الف نسمة
|
تكلفة الباحث السنوية بالالف دولار
|
بلدان الوطن العربي
|
487
|
535
|
11%
|
15,2
|
6
|
36
|
اسرائيل
|
73
|
1774
|
2,43
|
10,9
|
2,5
|
162
|
تركيا
|
131
|
524
|
40%
|
16,8
|
27
|
31
|
اسبانيا
|
483
|
3959
|
82%
|
80,4
|
2,6
|
49
|
العالم
|
25600
|
535900
|
2,1%
|
3400
|
61
|
156
|
(8)
وعنوان
مقاله : "انشطة البحث والتطوير في العراق: مراجعة تاريخية ورؤية مستقبلية
" جريدة الصباح ، بغداد ، 7 نيسان / ابريل 2005 .
(9)
انظر
كتابه : " البيروقراطية النفطية ومعضـلة التنميـة "،(الكـويت ،
1982) ، ص ص 223 ـ 243 .
(10) انظر
: " ندوة نوعية التعليم العالي " ، وقائع نشرة المنتدى ، عمان ،
المجلد (13) ، العدد (157) ، تشرين الاول /اكتوبر 1998، ص 11 .
(11) انظر : " الجامعات وتحديات التنمية في الوطن العربي
" مجلة قضايا عربية ، بيروت ، السنة
(6) ، العدد (4) ، آب 1979 ، ص ص 301 ـ 306 .
(12) انظر : " احصاءات التعليم العالي في الوطن العربي
" ، مجلة المستقبل العربي ، بيروت ، السنة (21) ، العدد(237) تشرين الثاني
/نوفمبر ،998 ،ص ص 102 ،106 .
(13) انظر : "التعليم العالي والتنمية في منطقة الخليج
العربي " ، مجلة المستقبل العربي ، العدد(152)، 1985 ، ص ص 73 ـ75
(14) انظر : علي فخرو ، "متطلبات تطوير التعليم العالي
" ، مجلة المستقبل العربي ، بيروت ، السنة (21) ، العدد (237) ، تشرين
الثاني/ نوفمبر 1998 ، ص81 . وكذلك ، صبحي القاسم : " افاق التعليم العالي
وقضاياه في بلدان الوطن العربي " ، نشرة المنتدى ، عمان ، العدد (143) ،
آب / اغسطس 1997، ص5 .
(15) للتفاصيل انظر : ابراهيم خليل العلاف ، "التعليم
العالي في الوطن العربي " : الواقع والتصورات المستقبلية " ، مجلة
بحوث مستقبلية ، تصدرها كلية الحدباء الجامعة في الموصل ، العدد (2) ، تموز /يوليو
2000، ص94 .
(16) انظر : ابراهيم خليل العلاف ، " التعليم العالي في
الوطن العربي " ، بحث القي في ندوة : التعليم العالي في الوطن
العربي ، التي عقدت في الدار البيضاء في المغرب بين 25 ـ30 نيسان 1993 ، ونظمها
اتحاد المعلمين العرب .
(17) الياس زين ، " الجامعات وتحديات التنمية في الوطن
العربي " مجلة قضايا عربية ، بيروت ، السنة (6) ، العدد (4) ، آب / اغسطس
1979 ، ص ص 320 ـ332 .
(18) نعيمة حسن رزوقي ، " الجامعات بين المعرفة العلمية والتطور
التكنلوجي " ، مجلة آفاق عربية ، السنة (18) ، العدد (12) ، كانون الاول
/ديسمبر1993 ،ص42 .
(19) المصدر نفسه ، ص42 .
(20) المصدر والصفحة نفسها .
(21) انظر : البيروقراطية ومعضلة التنمية ، ص ص 223 ـ243 .
(22) انظر : الجامعات وتحديات التنمية في الوطن العربي ، ص ص 301
ـ306 .
(23) المصدر نفسه ، ص ص 305 ـ 306
(24) رزوقي ، المصدر نفسه ، ص45 .
(25) المصدر والصفحة نفسها .
(26) انظر نادر فرجاني ، " احصاءات التعليم العالي في الوطن
العربي " مجلة المستقبل العربي ، بيروت ، السنة (21) ، العدد(237) ن
تشرين الثاني / نوفمبر 1998، ص106 .
(27) فرجاني ، احصاء التعليم العالي في الوطن العربي ، ص 106
.
(28) انظر : عبد المالك خلف التميمي ، "التعليم العالي
والتنمية في منطقة الخليج العربي " ، ص ص 73 .
(29) التميمي ، التعليم العالي والتنمية في منطقة الخليج العربي
، ص75 .
(30) رزوقي ، المصدر السابق ، ص 45 .
(31) العلاف ، الجامعة مركزا للبحث والتطور ، ص 80 .
(32) انظر : العلاف ، التعليم العالي في الوطن العربي ، ص ص
97 ـ 98 .
(33) العلاف ، الجامعة مركزا للبحث والتطور ،
ص 81 .
(34) المصدر نفسه ، ص82 .
(35) المصدر نفسه ،ص83 .
(36) المصدر نفسه ، ص82 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق