الجمعة، 31 مارس 2023

الشيخ جاسم آل ثاني ودوره في الحفاظ على استقلال قطر ومواجهة التحديات المحلية والأجنبية 1878-1913..........ابراهيم خليل العلاف


 غلاف كتاب الدكتور ابراهيم خليل العلاف ( الخليج العربي ..دراسات في التاريخ والسياسة والتعليم ) منشورات مركز الدراسات الاقليمية - جامعة الموصل سلسلة شؤون اقليمية رقم (11) دار ابن الاثير للطباعة والنشر- جامعة الموصل2007

 

الشيخ جاسم آل ثاني ودوره في الحفاظ على استقلال قطر ومواجهة التحديات المحلية والأجنبية 1878-1913*

ا.د.ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل

 

مقدمــة:

كان وراء التوجه العثماني نحو منطقة الخليج العربي في النصف الثاني من القرن السادس عشر عوامل عديدة، لعل من أبرزها ظهور طلائع الغزاة الأوربيين، وتأسيس الدولة الصفوية الفارسية وبروز تطلعاتها التوسعية في الأرض والمياه العربية(1). وبعد سيطرة العثمانيين على مصر، وإسقاط دولة المماليك فيها سنة 1516، أصبحت السويس قاعدة بحرية مهمة للتوسع في البحر الأحمر، كما أصبحت البصرة بعد سيطرة العثمانيين عليها سنة 1546 القاعدة العثمانية الثانية للتوسع باتجاه الخليج العربي ومناطق وسط وشرقي الجزيرة العربية، لذلك سرعان ما اتجهت جهود العثمانيين نحو المناطق المجاورة للبصرة مثل الأحواز والقطيف والإحساء والبحرين وقطر. وكان وصول العثمانيين إلى هذه المناطق يمثل بداية لصراع دولي وأقليمي كان له أثره في تغيير موازين القوى ليس في منطقة الخليج العربي بل الجزيرة العربية كلها(2).

لقد سار العثمانيون على السياسة الحربية نفسها التي سار عليها المماليك في مصر وهي إرسال الحملات البحرية العديدة إلى منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر بقصد مواجهة الغزاة الأوربيين(3)، وكانت الحملات العثمانية الأولى تنطلق من السويس، ولكن بعد سنة 1546 باتت تخرج من البصرة. ومع أن العثمانيين حاولوا التنسيق بين مينائي السويس والبصرة. إلاّ أنهم لم يوفقوا في ذلك لعدم امتلاكهم امكانات بحرية كافية، وكان هذا من أسباب اخفاقهم في التصدي للقوى الإستعمارية الأوربية. لقد أدى ذلك إلى تحمل القوى المحلية العربية لمسؤولية مواجهة التحديات الأجنبية، فتنامت هذه القوى وتعاظم دورها السياسي والعسكري واشتدت قدرتها على تكوين كيانات سياسية لها واضحة المعالم. ومن هذه القوى أسرة آل ثاني في قطر(4).

 

الشيخ جاسم وظروف وصوله إلى السلطة في قطر

يبدأ التاريخ الحديث لقطر بوصول آل ثاني إليها وذلك أوائل القرن الثامن عشر.. والشيخ (ثاني) هو الجد الأعلى لهذه الأسرة، لكن ابنه الشيخ محمد الذي اتخذ من الدوحة مقراً له يُعد المؤسس الحقيقي لدولة قطر. وقد عرف الشيخ محمد بالذكاء الحاد والشجاعة والحنكة والتقوى وحب الخير وقوة الشخصية(5).. لذلك نجح في جمع القبائل العربية في قطر حوله، وسعى لترسيخ استقلال قطر وإظهارها ككيان مستقل وذلك بعد نجاحه في تنظيم علاقته بالبريطانيين من خلال عقده اتفاقية سنة 1868، والتي عززت استقلال قطر عن البحرين وتضمنت اعترافاً صريحاً به حاكماً مستقلاً على قطر وعاصمتها الدوحة(6). وبعد وفاته سنة 1395هـ-1878م، تولى السلطة ابنه الشيخ جاسم والذي كانت له جهوده الواضحة في تكوين قطر الحديثة(7).

ولد الشيخ جاسم في مدينة المحرق بالبحرين سنة 1826، ومنذ صغره تعهده أبوه الشيخ محمد بالرعاية والعناية، فقد عيّن له أساتذة متخصصون بالعلوم المختلفة، وقد أظهر الشيخ جاسم ميلاً واضحاً نحو الدراسات الدينية وخاصة الفقه، وكان لمرافقته العلماء والشعراء المعاصرين له أثر كبير في تكوينه الثقافي حتى وصف بأنه كان "أعلم جماعته"(8). وقد وصل الشيخ جاسم إلى مرتبة القضاء والجلوس للحكم بين الناس حتى أنّ الكتب السنوية العثمانية (السالنامات) أطلقت عليه أسم (جاسم أفندي) تقديراً منها لثقافته ولمعرفته وتميزه بين أقرانه من الرجال آنذاك(9).

عرف الشيخ جاسم بالورع والتقوى، وأظهر من طيبة النفس وحسن الإدارة واحترام رجال العلم والدين، ماجعله محط أنظار القبائل القطرية، فدانت له بالولاء بعدما اكتشفت فيه خصال الشجاعة والكرم والسياسة الرشيدة والقدرة على فهم ظروف بلاده والمنطقة كلها(10). وقد وصفه لوريمر(11) بانه كان من أكثر الرجال في قطر نفوذاً.

احتفظ الشيخ جاسم حتى وفاته في 17 تموز 1913 بقدرة جسمانية كبيرة، فكان يشاهد في أواخر حياته وقد زادت عمره على الثمانين عاماً، وهو يمتطي جواده ويسابق به ابنائه وأحفاده(12). لذلك وقر في أذهان الكثيرين قصصاً وروايات اسطورية جعلت منه زعيماً بارزاً ليس في منطقة الخليج العربي وحسب، بل في الوطن العربي كله(13).

أدار الشيخ جاسم شؤون بلاده بمقدرة وكفاءة عاليين وسط أجواء الصراع والتنافس الدولي والأقليمي العاصف، فتصدى لكل محاولات العثمانيين والبريطانيين للتدخل في الشؤون الداخلية لقطر، وظلّ محافظاً على النزعة الإستقلالية، وخاض من أجل ذلك معارك عديدة وكان الشيخ جاسم معروفاً بصلابته وإصراره على تحقيق هدفه في جعل قطر مركزاً لدولة عربية قوية تضم جزيرة العرب(14). وقد اتضح هدفه هذا منذ تحمله مسؤولية الحكم في قطر، خلال السنوات الإخيرة من حكم والده الشيخ محمد، والذي حال كبر سنه وفقدانه للبصر دون استمراره في إدارة الحكم. وبعد وفاة والده سنة 1878 اتضحت قدرات الشيخ جاسم في المناورة وتحقيق التوازن في علاقات قطر الخارجية، والتي استهدفت منع أية قوة محلية أو أجنبية للتدخل في شؤون قطر وتهديد استقلالها، كما سنرى.

 

سياسته إزاء العثمانيين

أشرنا فيما سبق، إلى أن العثمانيين بعد سيطرتهم على البصرة أدخلوا أجزاء أخرى من الخليج والجزيرة العربية تحت نفوذهم ومن هذه الأجزاء شبه جزيرة قطر، إلاّ أنهم اكتفوا بعد فشلهم في مواجهة القوى الإستعمارية الأوربية هناك بالإعتماد على الزعامات السياسية وتجنب اعباء الحكم المباشر والإقتصار على قبول الولاء الأسمي(15).

ولكن العثمانيين، منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأوا بانتهاج سياسة مركزية جديدة تمثلت بإعادة الحكم المباشر إلى ولايات الدولة العثمانية(16)، ففي منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية عملوا على تطبيق هذه السياسة، ومما شجعهم على ذلك محاولات السعوديين إعادة بناء أنفسهم بعد خروج محمد علي والي مصر إثر معاهدة لندن سنة 1840 من المنطقة(17)، ونجاح البريطانيين في الوصول إلى مكانة متقدمة في أرجاء الخليج العربي وعزمهم على الإصطدام بأية قوة تحول دون سيطرتهم وتقوية نفوذهم(18)، ويبدو أن العثمانيين شعروا لعوامل عديدة، بإزدياد اهمية الخليج العربي وخاصة أثر افتتاح قناة السويس سنة 1869، لذلك قرروا تكليف والي بغداد مدحت باشا 1869-1872 بتوجيه حملة عسكرية تكون مهمتها بسط النفوذ العثماني على مناطق شرقي الجزيرة والخليج العربي والحيلولة دون تعاظم نفوذ آل سعود والبريطانيين هناك(19).

وصلت قوة فرعية من الحملة العسكرية العثمانية التي كان يقودها نافذ باشا إلى قطر، وكانت مؤلفة من أربعة ألوية ومئة مقاتل مزودين بمدفع ميدان كبير، وذلك في الثالث عشر من مايس-آيار سنة 1871، وقد اعلن الشيخ جاسم نيابة عن والده ترحيبه بالقوة العثمانية ووافق على رفع العلم العثماني على مقر الحكم في الدوحة(20). ويعلل المؤرخون(21) أسباب موقف الشيخ جاسم هذا بقولهم: أنه فعل ذلك بقصد قطع الطريق على العثمانيين ومنعهم من الوقوف مع آل خليفة في البحرين، والذين كانوا يطالبون بما كانوا يسمونه شرعية امتلاكهم الأراضي في شبه جزيرة قطر، كما أن الشيخ جاسم كان يريد الحيلولة دون استمرار شيوخ البحرين بمطالبة قطر بدفع المبالغ السنوية التي كانوا يحصلون عليها من القبائل القطرية ويسلمونها للسعوديين.

ويذهب الدكتور عبدالعزيز سليمان نوار(22) إلى أن موقف الشيخ جاسم في ترحيبه بالعثمانيين انطلق من رغبة حقيقية في مقاومة ضغط البريطانيين وتشجيعهم لشيوخ البحرين في ادعاءاتهم السيادة على قطر. وقد أشار لوريمر(23) إلى أن الشيخ جاسم قدّم لمساعد المقيم السياسي البريطاني أثناء زيارته قطر، بعد وصول العثمانيين إليها مباشرة تبريراً لموقفه قائلاً: "أنه يعيش في البر والدولة العثمانية قوة برية عظيمة، كما أن الحكومة البريطانية قد أخفقت في تحقيق العدالة لرعاياه في أكثر من حادثة من حوادث القرصنة".

أمّا بشأن الأسباب الكامنة وراء الإندفاع العثماني نحو قطر، فقد ذهب المؤرخون في تفسير ذلك مذاهب شتى، فالدكتور جون كيلي(24) يقول أن ذلك يرجع إلى رغبة العثمانيين في تأمين خطوط المواصلات بين القطيف والإحساء من هجمات بدو سعود أمير الوهابيين الواقعة بين قطر والعقير. ويرى الدكتور صلاح العقاد(25) أن التعليمات التي زوّد بها قائد الحملة تقضي بأنه بعد إتمام السيطرة على القطيف والإحساء، فإن عليه الإتجاه إلى شبه جزيرة قطر للسيطرة عليها، فهي ذات أهمية كبيرة من حيث الموقع وقربها من جزر البحرين، إذ يمكن رغم التعهد بعدم المساس بالبحرين إيجاد توازن مع البريطانيين في وسط الخليج العربي، هذا فضلاً عن أن أهالي قطر يملكون عدداً من القوارب وسفن الغوص التي يمكن الإستفادة منها.

منح العثمانيون في سنة 1876 الشيخ جاسم لقب قائممقام قطر شأنه في ذلك شأن شيخ الكويت الذي حمل لقب قائممقام الكويت منذ سنة 1865(26)، واصبح للقائممقام مساعد باسم معاون القائممقام وأعلن بأن قطر قضاء تتبعه خمسة نواح هي: دبي، الزبارة، العديد، الوكرة، وجبيلة. وكان قضاء قطر واحداً من ثلاثة أقضية قطر والهفوف والقطيف تابعة الى ولاية البصرة آنذاك(27). وفي سنة 1873 انسحبت القوة العثمانية النظامية من قطر وتركت مكانها حامية رمزية من رجال الضبطية (الشرطة) لا يزيد عددهم عن ثلاثين شخصاً يقودهم قاسم أغا، وهكذا لم يبق في قطر
 وجود عسكري عثماني فعلي، وظلّت العلاقات القبلية فيها كما كانت من قبل وبقي شيوخ آل ثاني في الدوحة هم أقوى العناصر في الحياة السياسية القطرية(28).

بذل العثمانيون محاولات عديدة للتدخل في شؤون قطر الداخلية، وكان قائد الضبطية قاسم أغا يصر على قيام الشيخ باستشارته في كل كبيرة وصغيرة، هذا فضلاً عن ماكان يحصله من مبالغ كثيرة من أموال أهل الدوحة(29). وقد كتب الملازم (فريزر) مساعدة المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي تقريراً إلى حكومته سنة 1875 قال فيه: "أن شيوخ آل ثاني الذين رحبوا بالعثمانيين في البداية، كوسيلة لمناوءة سيطرة بريطانيا على شؤون البحر قد اصبحوا ضائقين كل الضيق بالعثمانيين، لكنهم يخفون ضيقهم به خشية نفيهم إلى استانبول"(30).

   لقد أتسمت السنوات الواقعة بين 1889-1891 بمحاولات العثمانيين المتكررة لتشديد قبضتهم على قطر، وذلك من خلال وضعها تحت إدارة عثمانية مباشرة. ففي تموز سنة 1889 قام عاكف باشا متصرف الإحساء بزيارة للدوحة، وخلال لقاءه بالشيخ جاسم اقترح مشروعاً لإنشاء مبنى حكومي في الدوحة، توضع فيه قوة من المشاة والفرسان، ونصّ المشروع كذلك على تأسيس دار للعوائد الكمركية وفرض ضرائب جديدة على السكان وخاصة تجار اللؤلؤ، وأن يعين مدير لميناء الدوحة مسؤول عن تحصيل العوائد من السفن وأن تفتح مكاتب بريدية في الزبارة والعديد، وقد اعترض الشيخ جاسم على هذا المشروع وعدّه تدخلاً في شؤون بلاده، لذلك قدّم استقالته من منصب القائممقام سنة 1890، وأعلن بأن حكم قطر قد انتقل من بين يديه إلى أيدي المسؤولين الأتراك، وذلك بقصد إحراج العثمانيين أمام السكان، لكن والي البصرة سرعان ما أدرك خطورة الأمر، فرفض الإستقالة والتمس من الشيخ جاسم العدول عنها والمضي في تأدية واجباته. ويبدو أن العثمانيين فعلوا ذلك خوفاً من أن تفلت الأمور من أيديهم، خاصة وأنهم كانوا يعرفون ماكان يتمتع به الشيخ جاسم من نفوذ على القبائل القطرية(31).

أخذ العثمانيون يتحينون الفرصة، لكي يضعفوا نفوذ الشيخ جاسم خاصة بعد أن نجح في إحباط مشاريعهم في إعادة بسط النفوذ العثماني المباشر على قطر وقد ظلّوا يعدونه مسؤولاً عن ما كانوا يسمونه بالقلاقل والإضطرابات بين القبائل في قطر وعلى طول ساحلها. وقد وصلت العلاقة بين الشيخ جاسم والسلطات العثمانية إلى أزمة حادة سنة 1893 أثناء قيادة والي البصرة محمد حافظ باشا لحملة عسكرية في شباط-آذار من السنة المذكورة استهدفت الشيخ جاسم بحجة أنه حصر لنفسه منذ عدة سنوات رسوم وتجارة قطر وامتنع عن دفع الرسوم السنوية المقررة من قبل الدولة العثمانية(32).

وصلت الحملة العثمانية الجديدة الدوحة في 14 شباط 1893 واستدعى الوالي، الشيخ جاسم إليه، لكن الشيخ جاسم رفض مقابلته وتوجه نحو الوجبة على بعد 12 ميلاً غربي الدوحة وأرسل أخاه الشيخ أحمد متذرعاً بمرضه وكبر سنه معرباً في الوقت ذاته عن رغبته في التخلي عن منصبه كقائممقام لأخيه ومؤكداً للوالي أن سكان قطر لايملكون نخيلاً ولاتوجد لديهم أملاك لكي يدفعوا تلك الضريبة وأنهم يقضون معظم أشهر السنة في الغوص لتحصيل رزقهم(33).

قام الوالي باعتقال الشيخ أحمد و (12) من وجهاء الدوحة وذلك ليلة 25 آذار 1893، وتحركت القوة العثمانية لتطويق الوجبة، وقد استعد الشيخ جاسم للمواجهة وتمكن من أن يجمع حوله قرابة أربعة آلاف مقاتل، وحدث الإصطدام بين الطرفين ودار معظم القتال في مسيمير على بعد سبعة أميال جنوبي الدوحة. وقد اضطرت القوة العثمانية إزاء بسالة القطريين إلى الإنسحاب نحو حصن الدوحة بعد أن تكبدت خسائر فادحة قدّرت بمائة قتيل. أما الوالي فقد انتقل إلى إحدى السفن العثمانية الراسية في الميناء، وقد أصدر أوامره بإطلاق نيران المدفعية منها نحو المدينة، ولكن القوات القطرية استطاعت السيطرة على آبار المياه القريبة من الدوحة فاضطر الوالي إلى طلب المفاوضات لفك الحصـار عـن قواته واشترط الشيخ جاسم اطلاق سراح الشيخ أحمد ورفاقه فأذعن الوالي لذلك وبدأ يدبر أمر عودة فرسانه الذين جاء بهم من الإحساء براً عن طريق الهفوف. وفي حزيران سنة 1893 قام وفد من وجهاء البصرة برئاسة السيد محمد سعيد نقيب أشراف البصرة وبتكليف من السلطان عبدالحميد الثاني 1876-1909 بتسوية الموقف بين الشيخ جاسم والحكومة العثمانية، خاصة بعد عزل والي البصرة. وقد أسفر الإتفاق عن تنازل الشيخ جاسم، في مقابل الأسلحة التي حصل عليها من الجنود العثمانيين الأسرى، عن قائممقامية قطر لشقيقه الشيخ أحمد، ومع أنه ذهب للسكن في قرية الأسيل القريبة من الدوحة، لكنه ظلّ محتفظاً بموقعه شيخاً لقطر وحاكماً فعلياً لها(34)، وإلى شيء من هذا القبيل يشير لوريمر(35) حين يقول: "أنه لم يكن يتم إبرام شيء ذي خطر في قطر دون مشورته".

حاولت السلطات العثمانية تأكيد نفوذها في قطر بين سنتي 1902 و 1910 وذلك بتعيين عدد من مدراء نواحي العديد والوكرة والزيارة وجزيرة آل عماره، فتصدى لها الشيخ جاسم ولم يتعاون مع العثمانيين في تسهيل مهمة هؤلاء المدراء وتشجع الأهالي على طرد بعضهم مما أضطر السلطات العثمانية إلى سحبهم وترك القطريين يديرون أمورهم بأنفسهم(36)، كما فشلت السلطات العثمانية في إيجاد منافس للشيخ جاسم في حكم قطر بالرغم من المحاولات المتكررة، ومن ذلك ماحدث سنة 1886 حين دعمت محمد بن عبدالوهاب وزعيم الغارية لإزاحة الشيخ جاسم عن السلطة، وكذلك في سعيها تشجيع الشيخ احمد شقيق الشيخ جاسم في تولي المسؤولية الكاملة عن شؤون قطر وانتزاع الحكم من أخيه(37). وكان مقتل الشيخ أحمد في كانون الأول سنة 1905 فرصة أمام الشيخ جاسم ليثبت بانه مازال قادراً على مواجهة التحديات وقد نجح في السيطرة على الموقف وبدا كما يقول لوريمر(38): "مهتماً أعظم الإهتمام بكل الأمور المتعلقة بعمله ورغم تجاوزه الثمانين من العمر ظلّ محتفظاً بكامل قواه وملكاته".

رشّح الشيخ جاسم ولده الشيخ عبدالله ليكون مسؤولاً عن الدوحة، وطيلة السنوات 1905 وحتى وفاته سنة 1913 عمل الشيخ على توجيه ولده وتدريبه على أن يكون حاكماً لقطر من بعده. كما حرص على انهاء كل ادعاء للعثمانيين بتبعية قطر إليهم، وقد تحقق ذلك حين أضطرت الحكومة العثمانية، وتحت وطأة مشاكلها في طرابلس الغرب والبلقان، إلى الدخول في مفاوضات مع الحكومة البريطانية خلال المدة من شباط سنة 1911 وحتى تموز 1913 بقصد التوصل إلى إنهاء الصراع العثماني- البريطاني في منطقة الخليج العربي، وقد تضمن الإتفاق الذي تم التوصل إليه في 29 تموز 1913 موافقة الحكومة العثمانية على التنازل عن كل ما لها من حقوق ومطالب في شبه جزيرة قطر. كما اعترفت بأن قطر امارة مستقلة يحكمها آل ثاني وفي المقابل تعهدت الحكومة البريطانية يمنع شيوخ البحرين من محاولة ضم قطر وعيّن الإتفاق ضبط الحدود الفاصلة بين شبه جزيرة قطر ومتصرفية نجد (الإحساء)(39)، وقد ظلّت الحامية العثمانية في قطر حتى سنة 1915 حين أقدمت البحرية البريطانية، خلال اندلاع الحرب العالمية الأولى ووقوف العثمانيين فيها إلى جانب الألمان ضد بريطانيا على اخلائها من قطر(40).

 

سياسة الشيخ جاسم إزاء البريطانيين

استندت السياسة البريطانية تجاه الخليج العربي على بقائه تحت سيطرتهم البحرية بعيداً عن نفوذ أية قوة أخرى، وكان إتفاق سنة 1853 مع بعض شيوخ المنطقة يمثل الأساس الذي ارتكزت عليه السياسة البريطانية هناك. ولم تكن قطر ضمن المشيخات التي وقعت على ذلك الإتفاق، كما لم يكن لبريطانيا اتصال سابق بشيوخ قطر قبل هذا الإتفاق، لأن بريطانيا كانت تعدها جزءاً من ممتلكات شيخ البحرين(41). وفي سنة 1868 وقع الشيخ محمد مع المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي (لويس بيللي Belly) اتفاقاً أكّد استقلالية قطر عن البحرين مع الإستمرار في دفع مبالغ سنوية (نصاب الزكاة) من قبل شيوخ القبائل القطرية إلى شيوخ البحرين والذين يرسلونها للسعوديين لقاء حماية الأراضي القطرية من غارات البدو المجاورين كبنى مرة والعجمان(42)، وكانت وصول الحملة العثمانية فرصة أمام الشيخ جاسم لكي يتحرر من هذا الشرط، لذلك شجّع البريطانيون شيخ البحرين للإحتجاج على تصرف الحكومة العثمانية إزاء قطر، وأرسلوا مندوباً إلى الدوحة لمطالبة شيخها بالمبالغ التي كان يدفعها لشيخ البحرين(43)، وقد رفض الشيخ جاسم المطالب البريطانية وأعلن أنه "رعية عثمانية"(44)، حاول لويس بيللي بعد وصول الحملة العثمانية إلى قطر، التاكد مما إذا كانت الحكومة العثمانية هي التي أمرت الشيخ جاسم بإتخاذ الإجراءات تلك أم لا، فأتصل بالقنصل البريطاني العام في بغداد (نيل هربرت Herbert) فردّ عليه هذا نقلاً عن والي بغداد مدحت باشا "بأن تأكيد الدولة العثمانية بعدم التدخل في شؤون البحرين أمر لا يشمل قطر"(45). وحين أرسل (بيللي) مساعده (كرانت) إلى قطر لمعرفة مايجري فيها اهتمت الحكومة العثمانية وعدّت مافعلته بريطانيا عدواناً على أراضيها، لذلك كان من رأي (بيللي) أن يترك الموقف في قطر مائعاً في على أراضيها، لذلك كان من رأي (بيللي) أن يترك الموقف في قطر مائعاً في الظروف الراهنة طالما اقتصرت السيادة العثمانية على الدوحة، لكن أية محاولة لتوسيع السيطرة العثمانية فإنها سوف تقاوم(46).

 

أرسل (نورث بروك) نائب الملك في الهند في نيسان 1876 مذكرة إلى حكومته قال فيها: ان وجود العثمانيين في سواحل قطر سيقلل من الهيبة البريطانية، وأضاف: سوف لن يكون لنا فرصة نثبت فيها أرجحية الأمن بالقرب من سواحل قطر، إلاّ باجتثاث الوجود العثماني"(47)، لذلك قامت بريطانيا بتأكيد اتفاقاتها مع شيوخ البحرين حتى لايصل إليها العثمانيون، واستمات البريطانيون في وضع حد لإندفاع العثمانيين ووقف زحفهم عند خور العديد(48)، وبعد اضطرار الحكومة العثمانية إلى سحب قواتها العسكرية الفعلية من قطر اقتصاداً في النفقات، أصبح الشيخ جاسم وجهاً لوجه مع البريطانيين فبدأ الصراع بينهما(49).، وكانت أمام البريطانيين أساليب مختلفة لكي يعملوا من خلالها على تقويض سلطته، ومن ذلك اتهامه بتشجيع بعض القبائل على ممارسة القرصنة، وخاصة تجاه السفن التابعة للبحرين خارج ساحل قطر، وكانت هذه السلطات تلزم الشيخ جاسم بإستعادة المسروقات وإلقاء القبض على من قام بالقرصنة، ومثال ذلك ماحدث سنة 1889 حين ارتكبت بنو هاجر عملية (قرصنة) تجاه سفينة من البحرين، وقد تزامن اتهام البريطانيين للشيخ جاسم بدعمه لقبيلة بني هاجر مع الصراع الذي كان دائراً بين قطر من جهة والبحرين وأبو ظبي من جهة أخرى بسبب الزبّارة والعديد(50).

كما دخل الشيخ جاسم في صراع مع السلطات البريطانية التي كانت تحمي رعاياها من التجار الهنود (من طائفة البونيان) في مدينة الدوحة بعد أن شعر بأن هؤلاء يعملون كجواسيس للإنكليز ويسعون لتخريب اقتصاد قطر ومنافسة تجارها في أرزاقهم، بحكم امتلاكهم للخبرة ورؤوس الأموال الضخمة واحتكارهم لتجارة اللؤلؤ عصب الحياة الإقتصادية في قطر آنذاك(51)         

أقدم الشيخ جاسم في آيار سنة 1882 إلى إغلاق محلات التجار الهنود في الدوحة بالقوة وأزعمهم على مغادرة قطر، وكان ذلك الإجراء سبباً في أزمة سياسية خطيرة بين الشيخ جاسم والبريطانيين الذين أرسلوا إليه إنذاراً حملّوه فيه المسؤولية كاملة عن كل الخسائر التي لحقت برعاياهم، ولم يأبه الشيخ جاسم بالإنذار، وفي تشرين الثاني 1882 قام موفد من المقيمية البريطانية في البحرين بزيارة الدوحة، وقد وجد الشيخ جاسم ان الحكمة تقضي بالموافقة على دفع تعويض لأولئك التجار، لكنه رفض عودتهم إلى قطر من البحرين التي كانوا قد لجأوا إليها. ولقد اتضح بأن الشيخ جاسم قد فعل ذلك تأكيداً لمبدأ السيادة الوطنية لقطر وحفظاً للحقوق الاقتصادية لأبنائها(52).    

  أعرب الشيخ جاسم بعد انتصاره على القوات العثمانية سنة 1893 عن رغبته في تنظيم علاقاته مع بريطانيا وفق أسس جديدة قائمة على احترام استقلال قطر، وقد أفصح عن ذلك خلال لقاءه سنتي 1898 و 1899 بعدد من المسؤولين البريطانيين في الخليج العربي أمثال (روبنسون) قائد السفينة البريطانية (سفنكس) والرائد ميد المقيم السياسي البريطاني و (جاسكن) مساعد الوكيل السياسي في البحرين سنة 1900.

وقد كتب روبنسون تقريراً أرسله في تشرين الثاني 1898 إلى حكومته أشار فيه إلى تفاقم العداء بين القطريين والعثمانيين، وقال أن الشيخ جاسم يعيش في منطقة بعيدة عن العاصمة، وأن أخوه الشيخ احمد يدير شؤون الحكم(53). في 19 كانون الثاني سنة 1903 كتب المقيم السياسي البريطاني تقريراً إلى حكومة الهند، أفاد فيه ان الشيخ جاسم لايزال الشيخ الفعلي المعترف به في قطر من قبل القطريين والعثمانيين. وفي 16 أيلول 1903 كتب كامبل بعد مقابلته الشيخ جاسم تقريراً إلى حكومة الهند قال فيه: أن الشيخ جاسم أخبره بأن علاقته بالعثمانيين سيئة(54).

لقد احدث مقتل الشيخ احمد في كانون الأول 1905 تغيراً في الموقف السياسي في قطر، فقد التقى الشيخ جاسم في تشرين 1906 بموفد المقيم السياسي البريطاني ونقل إليه خبر تولي الشيخ عبدالله السلطة في قطر. وتظهر الرسائل المتبادلة بين الشيخ جاسم وابنه الشيخ عبدالله من جهة والمسؤولين البريطانيين في الخليج العربي آنذاك من جهة أخرى الطابع الودي بين الطرفين. كما أظهرت اهتمام البريطانيين بتطور الوضع الصحي للشيخ جاسم سنة 1913(55)، وبعد وفاته في 17 تموز 1913 أقدم الشيخ عبدالله على عقد معاهدة 1916 مع البريطانيين، ففتحت تلك المعاهدة صفحة جديدة من العلاقات القطرية- البريطانية(56).

سياسة الشيخ جاسم إزاء القوى المحلية

لم يكن الشيخ جاسم من الحكّام الذين يفضلون الإنزواء داخل محيطهم، فمنذ توليه السلطة في قطر وجد نفسه في صراعات متشابكة مع القوى المحلية والأجنبية التي استهدفت استقلال قطر والتدخل في شؤونها، وقد أشرنا فيما سبق إلى سياسته إزاء القوى الأجنبية، وسنتعرض هنا إلى سياسته تجاه القوى المحلية، ومنها البحرين وأبو ظبي والكويت ونجد وحائل.

 

1- مع البحرين

عمل الشيخ جاسم بعد توليه السلطة في قطر على تأكيد استقلال بلاده عن البحرين، وكان ترحيبه بالعثمانييين سنة 1871 جزءاً من خطته في إسقاط مطالب شيوخ البحرين بقطر، وللشيخ جاسم تجربة مرّة مع شيوخ البحرين الذين سبق أن اعتقلوه إبان زيارته للبحرين سنة 1868 موفداً من والده الشيخ محمد(57). وقد اتصل شيوخ البحرين بحاكم أبو ظبي الشيخ زايد بن خليفة للحصول على مساعدته في مهاجمة قطر، وذلك في حزيران سنة 1868، إلاّ أن الشيخ محمد قاوم المهاجمين ودارت معركة حامية قرب الوكرة، كان النصر فيها للقطريين، وعند ذلك اضطر آل خليفة إلى إطلاق سراح الشيخ جاسم(58).

أظهر شيخ البحرين عيسى بن علي للبريطانيين خشيته من اتساع النفوذ العثماني باتجاه بلاده، وكان لقبول شيخ البحرين الحماية البريطانية أثر في إقدام الشيخ جاسم على اتخاذ موقف مناهض لشيخ البحرين وإصراره على قطع كل شيء يقود بقطر إلى التبعية للبحرين. وفي سنة 1878 حسم الشيخ جاسم مسألة السيادة القطرية على الزبارة حيث قاد هجوماً باتجاهها ولم يقف الشيخ جاسم عند هذا الحد بل حاول السيطرة على البحرين نفسها وتجددت محاولاته سنتي 1879 و 1890 إلاّ أن البريطانيين حذّروه بضرورة التوقف عن محاولاته وقاموا في أيلول 1890 بتدمير سفنه الراسية في ميناء الزبارة، وقد نفى الشيخ على أثر ذلك أن تكون له أية نوايا توسعية إزاء البحرين(59).

 

2- مع أبو ظبي

 أما بشأن العديد، فقد عمل الشيخ جاسم على انتهاز كل فرصة ليؤكد تبعية العديد إلى قطر من المفهوم العثماني الذي ينظر إلى حدود سنجق (لواء) نجد (الإحساء) نظرة أكثر شمولاً وإتساعاً معتبراً أن هذه الحدود لاتضم منطقة الإحساء وحدها بل البحرين وقطر وساحل عمان وسلطنة مسقط(60). وفي الحقيقة فإن التحدي الوحيد الذي اضطر الشيخ زايد بن خليفة بن شخبوط حاكم أبو ظبي إلى مواجهته آنذاك، كان نابعاً من الشيخ جاسم الذي حاول السيطرة على العديد. وتقع ناحية العديد في الزاوية الجنوبية الشرقية من شبه جزيرة قطر، وقد أقامت فيها منذ سنة 1869 عشيرة القبيسات بزعامة بطي بن خادم بعد ان هاجرت من أبو ظبي بسبب نزاع بينها وبين الشيخ زايد بن خليفة(61).

أثار الشيخ جاسم في سنة 1880 مسألة استعادة ديونه المترتبة على الشيخ بطي ابن خادم، وفي سنة 1888 نشب صراع بين الطرفين أثر غارة قام بها المناصير من بطن البو شعر الموالية للشيخ زايد على اسوار الدوحة. وردّ الشيخ جاسم بتوجيه ضربة إلى واحة (ليوه) مرتين، الأولى في آذار 1888، والثانية في مطلع 1889(62).

بعث الشيخ جاسم برسالة إلى عبدالله باشا بن ثنيان آل سعود وكان مقيماً في استانبول في 9 حزيران 1888 أشار فيها إلى أن الشيخ زايد قد "كبت الناس وتسلط عليهم بالإرهاب" وإن بعضاً من سكان أبو ظبي جاؤوا إليه بهدف وضع الترتيبات التي تخلصهم من سلطته وحتى يأمنوا ضد القتل والنهب والسلب، وأضاف أن الشيخ زايد حاول الإستيلاء على قطر وضواحيها وضمها إلى عمان وقد هاجمها قرب صلاة الفجر حاول الإستيلاء على قطر وضواحيها وضمها إلى عمان وقد هاجمها قرب صلاة الفجر في 18 رمضان 1305 هـ/1888م، وصار المهاجمون ينادون على الناس كلما خرج احدهم من داره تلبية للنداء ذبحوه أمامه، وهكذا كان (علي) ابن الشيخ جاسم قد ذبح مع خمسين من أبرز رجال المدينة، وقال الشيخ جاسم انه لم يكن آنذاك في المدينة وحين وصل ورجاله كان كل شيء قد انتهى وانسحب المهاجمون، ودعا الشيخ جاسم عبدالله باشا إلى عرض الموضوع على الحكومة العثمانية لتتخذ اجراءاً حاسماً وتضطلع بمهمة السيطرة على عمان أو تصرح له بالإستيلاء عليها وإنهاء حكم الشيخ زايد(63).

وقف البريطانيون مع الشيخ زايد وطلبوا من وكيلهم في الشارقة إخباره برفضهم مطالب الشيخ جاسم في أن العديد تتبع قطر ولم يمنع هذا  العثمانيين فيما بعد من تثبيت سيادتهم على العديد، فقرروا سنة 1910 إرسال مدير عثماني لها واستمروا على هذا الحال حتى قيام الحرب العالمية الأولى(64).

 

3- الكويت

كان لحاكم الكويت الشيخ عبدالله الصباح دور كبير في دعم حملة مدحت باشا سنة 1871 وإقناع الشيخ جاسم للترحيب بها ورفع العلم العثماني، ولكن العلاقة سرعان ما توترت بين الشيخ جاسم والشيخ مبارك، ويرد الدكتور عبدالعزيز محمد المنصور(65) ذلك إلى طموح الرجلين ورغبتهما في السيطرة على الإحساء والمناطق الأخرى في الجزيرة العربية.

ويبدو ان لمواقف الشيخ جاسم في مسألة قيام يوسف بن ابراهيم بالثأر لمقتل أخوي الشيخ مبارك في 17 آذار 1896 أثر كبير في خلق روح الصراع وإصرار الشيخ جاسم على مد يد العون إلى يوسف بن ابراهيم وإعداد قوة برية وبحرية لمهاجمة الكويت والسعي لإقامة تحالف مع أمير حائل ابن الرشيد، وقد استمرت الإستعدادات لهذه الحملة حتى تشرين الثاني سنة 1898، إلاّ أن السلطات العثمانية في البصرة تدخلت واوقفت تنفيذ الخطة(66).

ظلّت العلاقات بين الكويت وقطر إبان حكم الشيخ متوترة خاصة بعد أن قام شيخ الكويت بمساندة قبيلة البو عينين التي كانت تقطن الوكرة في تمردها على الشيخ جاسم بعد ان قام ابنه الشيخ عبدالرحمن شيخ الوكرة في تشرين الأول 1908 بتدمير مساكنهم ومعاقبة بعض غاصة اللؤلؤ وفرض ضرائب عليهم، وقد تدخل الشيخ جاسم وتمكن من عقد صلح مع زعماء هذه القبيلة ولكن شيخ الكويت أعرب عن رغبته في استقبالهم وانتقالهم إلى إحدى قرى الكويت في تشرين الأول 1909 وكان عددهم قرابة ألف رجل(67).

 

4- مع نجد

أمّا بشأن العلاقة بين قطر ونجد، فيمكن القول أن السعوديين كان لهم دور كبير في دعم القطريين في مجال استقلالهم عن البحرين، وقد تميزت العلاقة بين القطريين والسعوديين بالتعاون، إذ فتحت قطر أبوابها لإستقبال آل سعود وخاصة الأمير عبدالرحمن الفيصل وابنه عبدالعزيز في احلك الظروف التي واجهوها إبان هزيمة المليدة في 1891 ومطاردة العثمانيين وال رشيد وامراء الساحل العماني لهم(68). ويعد استقبال الشيخ جاسم آل سعود دليل على عدم خضوعه للعثمانيين، وقد قدّم الشيخ جاسم مساعدات مالية وعسكرية لآل سعود أبان صراعهم مع آل رشيد، كما قدّم السعوديون مساعدات للشيخ جاسم أبان صراعه مع منافسيه على السلطة(69). وقد أوضحت زيارة قام بها الأمير عبدالعزيز آل سعود للمناطق المتاخمة لقطر في صيف سنة 1905 خلاف الرأي بين الشيخ جاسم وأخيه الشيخ أحمد حول التعاون مع السعوديين، فالشيخ جاسم أرسل إلى الأمير عبدالعزيز خطاب ترحيب وهدايا من السلاح والمال والأرز والذهب، وذهب لزيارته. أما الشيخ أحمد، فقد أنذر الأمير عبدالعزيز بأن أية محاولة من جانبه لعبور اقليم قطر ستقف بوجهها قوات مشتركة من الدوحة وأبو ظبي(70).  

ويبدو أن استعادة السعوديين لإقليم الإحساء، أحدث تبديلا في موقف الشيخ جاسم نظراً لقرب هذا الإقليم من قطر، فبدأ يخشى من إقدام جاره القوي على الإندفاع باتجاه قطر. لذلك أرسل في 10 تموز 1913 رسالة إلى الأمير عبدالعزيز يُحذره فيها من مغبّة التفكير في ضم قطر، لكن الشيخ جاسم توفي في 17 تموز 1913 أي بعد أسبوع واحد من إرسال هذه الرسالة. وقد تولى الشيخ عبدالله السلطة في قطر. ويبدو أنه لم يجد أية صعوبة في التكيف مع التغيير، فكانت له علاقاته الجيدة مع السعوديين الذين تعهدوا في (معاهدة دارين) التي وقعوها مع البريطانيين في 26 كانون الأول 1915 بإحترام حدود قطر وسيادتها(71).

 

5- حائل

كان الشيخ جاسم على صلة طيبة بالأمير محمد بن عبدالله الرشيد أمير حائل لذلك طلب مساعدته في مهاجمة أبو ظبي والثأر لمقتل ولده علي وغيره من رجال قطر أبان حادثة سنة 1888، وقد رحّب ابن الرشيد بالدعوة بإعتبار أن ذلك يحقق هدفه في الوصول إلى ساحل عمان وهي من ممتلكات الدولة السعودية الثانية آنذاك.

وقد أحدث خبر التحالف هذا ردّ فعل عنيف من لدن شيوخ ساحل عمان وسلطان مسقط الذين استنجدوا بالسلطات البريطانية التي وجهّت إنذاراً إلى الحكومة العثمانية، مشيرة إلى أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أي تحرك أو مساعدة للشيخ جاسم(72).

وقد أشرنا فيما سبق إلى تعاون الشيخ جاسم والشيخ محمد بن عبدالله أمير حائل في التخطيط لدخول الكويت، وفي سنة 1901 طلب الأمير عبدالعزيز آل الرشيد من الشيخ مساعدته لمهاجمة عبدالعزيز بن سعود، لكن الشيخ جاسم رفض ذلك متعللاً بالعلاقة الطيبة التي كانت تربطه مع والد الأمير عبدالعزيز بن سعود(73)

الخلاصـــة

لقد بذل الشيخ جاسم طيلة فترة حكمة البالغة 36 عاما والواقعة بين 1878 و 1913، جهوداً كبيرة في وضع الأسس الراسخة لدولة قطر، فاستطاع ابعاد قطر عن الخضوع لأية قوة أجنبية أو محلية، ورفض بإستمرار تدخل العثمانيين والبريطانيين في شؤون بلاده الداخلية، وكان يحرص على أن يكون لقطر كيان مستقل خاص بها.

كان الشيخ جاسم يتمتع بدعم واحترام ومحبة الشعب القطري، فالتفتْ حوله القبائل القطرية ونجح هو في لم شعثهم وتوحيدهم وتعبئتهم لمواجهة التحديات التي كانت تواجهها قطر في تلك المرحلة العصيبة من تاريخها ووسط اجواء الصراع الدولي الخطير في منطقة الخليج العربي آنذاك.

ويمكن القول أن الشيخ جاسم استفاد من الصراع العثماني - البريطاني في المنطقة، لكي يدعم استقلال قطر، واستمر ذلك حتى 1913 عندما اضطرت الدولة العثمانية بحكم مواجهتها لمشاكلها في طرابلس الغرب والبلقان إلى الدخول في إتفاق مع بريطانيا في 29 تموز 1913 وبموجبه اعترفت بسيادة قطر واستقلالها، وكان ذلك مقدمة لقيام البريطانيين بتنظيم علاقتهم مع قطر بصيغة معاهدة تم الإتفاق على عقدها سنة 1916 وتعهدت بريطانيا بموجبها بالمحافظة على استقلال قطر وضمان حدودها، فبدأت عندئذ مرحلة جديدة من تاريخ قطر الحديث.

 

 

 

 

 

 

 

 

هوامش الفصل الرابع

(1) للتفاصيل، أنظر: ابراهيم خليل أحمد، تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني 1516-1916، دار ابن الأثير للطباعة والنشر، جامعة الموصل (الموصل، 1982)، ص ص 20-26.

(2) أنظر: إبراهيم خليل احمد، "بدايات التوجه العثماني نحو منطقة الخليج العربي"، مجلة المؤرخ العربي، السنة (16)، العدد (43)، 1990.

(3) للتفاصيل عن موقف المماليك من الغزو الأجنبي للخليج العربي، أنظر: محمد عبدالمنعم السيد الراقد، الغزو العثماني لمصر ونتائجه على الوطن العربي، (القاهرة، 1973).

(4) التفاصيل المحاولات العثمانية الأولى للنفوذ إلى الخليج العربي ومواجهة الغزوات الأوربية، أنظر صالح أوزبران، الأتراك العثمانيين والبرتغاليين في الخليج العربي 1534-1581، ترجمة: عبدالجبار ناجي، (البصرة، 1979).

(5) انظر: عبدالعزيز محمد المنصور، التطور السياسي لقطر في الفترة مابين 1868-1916، (الكويت، 1975) ص ص 23-25.

(6) انظر نص الإتفاق الموقع من قبل محمد بن ثاني ولويس بللي، المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي في 12 أيلول 1868 في المنصور، المصدر السابق، ص 211.

(7) يرد اسم الشيخ جاسم في بعض المصادر (الشيخ قاسم) أنظر: محمود بهجت سنان، تاريخ قطر العام، (بغداد، 1966)، ص 90؛ مصطفى عبدالقادر النجار، التاريخ السياسي لعلاقات العراق الدولية بالخليج العربي: دراسة في التاريخ الدولي، مطبعة جامعة البصرة، (البصرة، 1975)، ص 55.

(8) المنصور، المصدر السابق، ص 267.

(9) سنان، المصدر السابق، ص 90.

(10) المصدر نفسه، ص ص 90-91.

(11) أنظر كتابه: دليل الخليج، القسم التاريخي، الجزء الثالث، طبعة جديدة معدلة ومنقحة اعدها قسم الترجمة بمكتب أمير دولة قطر، مطابع علي بن علي (الدوحة، 1975)، ص 1218.

(12) أشارت بعض المصادر إلى أن الشيخ جاسم كان من كبار تجار اللؤلؤ في منطقة الخليج العربي، وكان له أسطول من السفن يعمل في المغاصات على حسابه الخاص. انظر: سنان، المصدر السابق، ص 90؛ المنصور، المصدر السابق، ص 28 وقد نفى احمد العناني في كتابه تاريخ قطر ذلك قائلاً: بأنه لم يعرف عن الشيخ جاسم أنه كان يملك سفناً للغوص، ولكنه كان يجهز الغواصين باحتياجاتهم ويستوفـي اللؤلؤ الذي يشتريه منهم بقيمته الحقيقية. أنظر: المنصور، المصدر السابق، ص 6.

(13) النجار، المصدر السابق، هامش، ص 114.

(14) المنصور، المصدر السابق، ص 24 وينفي أحمد العناني من لجنة تاريخ قطر هذا الرأي، ويعتقد أن فيه الكثير من المبالغة ويقول: ان اصطدامه بالقوى المجاورة كان بسبب المواقف السلبية لهذه القوى تجاه قطر. انظر: المنصور، المصدر السابق، ص 11.

(15) النجار، المصدر السابق، ص ص 35، 45، وكذلك أنظر: طارق نافع الحمداني "موقف القوى المحلية في الولاة العثمانيين في البصرة خلال القرن السادس عشر"، مجلة دراسات للأجيال، بغداد، السنة (5) العدد (3)، تشرين الأول 1982، ص ص 209-215.

(16) للتفاصيل، أنظر: احمد، تاريخ الوطن العربي في العهد العثماني، ص 95.

(17) حول نشاط محمد علي باشا (1805-1848) والي مصر في الجزيرة العربية والخليج العربي، أنظر: ابراهيم خليل احمد "موقع البحرين في محاولات محمد علي باشا لتأسيس دولة عربية موحدة"، مجلة الوثيقة، البحرين، السنة (2)، العدد (4)، كانون الثاني 1984.

(18) للتفاصيل حول مسعى بريطانيا لجعل الخليج العربي بحيرة مغلقة لها. انظر: عبدالأمير محمد أمين، المصالح البريطانية في الخليج العربي، ترجمة: هاشم كاطع لازم، (البصرة، 1977)، وكذلك عبدالعزيز عبدالغني ابراهيم، بريطانيا وإمارات الساحل العثماني، دراسة في العلاقات التعاهدية، (البصرة، 1978).

(19) كان الهدف المعلن للحملة، هو استجابة الوالي العثماني مدحت باشا لطلب عبدالله بن فيصل آل سعود، وكان في صراع على السلطة مع اخيه سعود والذي كان يحصل على المساعدة من الإنكليز لإخراجه من الإحساء، ورأي الوالي أن هذه فرصة جيدة لتنفيذ خطته في الإستيلاء على الكويت وقطر والبحرين والحلول محل السعوديين في نجد. للتفاصيل، انظر: عبدالعزيز سليمان نوار، تاريخ العراق الحديث، (القاهرة، 1968)، ص 426؛ سنان، المصدر السابق، ص 76.

(20) Ahmad Mustafa Abu-Hakima, The Modern History of Kuweit 1750-1965 (London, 1983), P.86.

(21) أنظر على سبيل المثال، ما كتبه عبدالعزيز عبدالغني ابراهيم في كتابه: بريطانيا وإمارات الساحل العماني، ص 306، وكذلك ما كتبه مؤيد عاصي سلمان، العلاقات القطرية - البريطانية 1868-1916 دراسة تاريخية في العلاقات السياسية، رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة إلى مركز دراسات الخليج العربي، جامعة البصرة، 1989، ص 53، وكذلك:

Abu-Hakima, Op, Cit, P. 86.

(22) أنظر كتابه: تاريخ العراق الحديث، ص 426.

(23) أنظر كتابه: دليل الخليج، ج 3، ص 1218.

(24) أنظر كتابه: بريطانيا والخليج 1795-1880، ترجمة: محمد امين مصطفى، (القاهرة، د.ت)، ج 1، ص 605.

(25) انظر بحثه الموسوم: "حملة مدحت باشا في شبه الجزيرة العربية سنة1871 وصداها في منطقة الخليج العربي" لجنة تدوين تاريخ قطر، البحوث المقدمة إلى مؤتمر دراسات تاريخ شرق الجزيرة العربية، (الدوحة، 1976)، ج 2، 930.

(26) انظر: لوريمر، ج 3، ص 122.

(27) لتفاصيل التشكيلات الإدارية لولاية البصرة آنذاك، انظر: ابراهيم خليل احمد: "السالنامات العثمانية مصدراً لتاريخ البصرة الحديث"، مجلة الخليج العربي، السنة (14)، العددان (3،4)، 1982.

(28) كانت الحامية العثمانية الموجودة في الدوحة سنة 1881 بما فيهم رجال الضبطية تتألف من (130) رجلاً. أنظر: لوريمر، ج 34، ص ص 1219، 1221.

(29) كانت مدينة الدوحة تدفع كل سنة مبلغاً يتراوح بين 9-10 قران كعوائد للحكومة العثمانية. أنظر: لوريمر، ج3، ص 1220.

(30) المصدر والصفحة نفسها.

(31) المصدر نفسه، ج3، ص 1223.

(32) للتفاصيل، أنظر: دولة قطر، قسم الوثائق بمكتب أمير دولة قطر، وثائق التاريخ القطري، من الوثائق البريطانية والعثمانية 1868-1949، (الدوحة، 1979)، ص 191.

(33) سنان، المصدر السابق، ص 94؛ وثائق التاريخ القطري، ص 192.

(34) للتفاصيل، انظر: المنصور، المصدر السابق، ص ص 150-154.

(35) انظر كتابه: دليل الخليج، ج 3، ص 1252.

(36) لتفاصيل مشكلة المديرين، أنظر: السابق، ص ص 119-121.

(37) كان محمد بن عبدالوهاب من عشيرة سبيع، وقد ارتفع شأنه بسبب مصاهرته لآل ثاني واستطاع بعد فترة من الزمن استمالة عشيرة ألبو كواره واعلن العصيان على الشيخ جاسم، لكنه لم يثبت بعد أن توجهت إليه قوات الشيخ جاسم فتفرق اتباعه وتركوه فانهزم هو إلى البحرين. انظر: رأي أحمد العناني حول حركته في المنصور، المصدر السابق، ص ص 8-9.

(38) أنظر كتابه: دليل الخليج، ج3، ص 1252.

(39) أنظر تفصيلات وافية عن الإتفاق، وخاصة القسم الثاني منه المتعلق بقطر في: النجار، المصدر السابق ص 120.

(40) كان عدد أفراد الحامية العثمانية حين اندلعت الحرب العالمية الأولى (275) ضابطاً وجندياً. أنظر: المنصور، المصدر السابق، ص ص 1123-1241.

(41) سنان، المصدر السابق، ص 78.

(42) أنظر نص الإتفاق في: المنصور، المصدر السابق ص 211، وكذلك تعقيبات احمد العناني في: المصدر نفسه، ص 7.

(43) نوار، المصدر السابق، ص 427؛ سنان، المصدر السابق، ص 79،

(44) المصدر والصفحة نفسها.

(45) لوريمر، المصدر السابق، ج3، 1231.

(46) نوار، المصدر السابق، ص 427.

(47) أنظر: ابراهيم، المصدر السابق، ص 310.

(48) المنصور، المصدر السابق، ص ص 82، 91.

(49) سنان، المصدر السابق، ص 79.

(50) للتفاصيل، أنظر: لوريمر، ج3، ص ص 1221، 1225.

(51) المنصور، المصدر السابق، ص 27.

(52) لوريمر، المصدر السابق، ج3، ص 1231.

(53) لتفاصيل تقرير روبنسون، أنظر: ص أي سالدانا، الشؤون القطرية من سنة 1873 الى 1904، تعريب: أحمد العناني، (الدوحة، 1976)، ص ص 95-97.

(54) المنصور، المصدر السابق، ص ص 104-1095.

(55) سلمان، المصدر السابق، ص 151.

(56) أنظر: نص المعاهدة التي وقعت بين الشيخ عبدالله وبرسي كوكس المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي في 3 تشرين الثاني 1996 في: سلمان، المصدر السابق، ص ص  175-181.

(57) أنظر: المنصور، المصدر السابق، ص 42؛ ستان، المصدر السابق، ص ص 74-75.

(58) سلمان، المصدر السابق، ص 23.

(59) للتفاصيل، أنظر: المنصور، المصدر السابق، ص ص 48-51.

(60) جي. بي. كيلي، الحدود الشرقية لشبه الجزيرة العربية، تعريب وتعليق: خيري حماد، (بيروت، 1971)، ص 142.

(61) المصدر والصفحة نفسها، وكذلك: سلمان، المصدر السابق، ص 73.

(62) المصدر نفسه، ص 146.

(63) أنظر نص الرسالة في: المنصور، المصدر السابق، ص ص 214-218.

(64) المصدر نفسه، ص 189.

(65) أنظر، كتابه: التطور السياسي لقطر، ص 163.

(66) Abu-Hakima, Op, Cit, P. 112.

(67) المنصور، المصدر السابق، ص ص 164-165.

(68) المصدر نفسه، ص 197.

(69) المصدر نفسه، ص 200.

(70) لوريمر، ج3، ص 1266.

(71) سلمان، المصدر السابق، ص 140؛ سنان، المصدر السابق، ص 265.

(72) للتفاصيل، أنظر: جبار يحيي عبيد، التاريخ السياسي لامارة حائل 1835-1921، رسالة ماجستير غير منشورة، قدمت الى كلية الآداب، جامعة بغداد، 1983، ص 134.

(73) المنصور، المصدر السابق، ص 209.

__________________________________________

*الفصل الرابع من كتاب الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل - العراق والموسوم ( الخليج العربي ..دراسات في التاريخ والسياسة والتعليم ، دار ابن الاثير للطباعة والنشر - جامعة الموصل 2007 الصفحات من 95-120

 

   


كريم منصور........... والصوت الذهبي الحزين

  كريم منصور........... والصوت الذهبي الحزين ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل  لا ابالغ اذا قلت انه من ال...