قرية الشيخ إبراهيم في محافظة نينوى
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
وقرية الشيخ ابراهيم ، أو الابراهيمية كما في بعض
الوثائق الرسمية العثمانية من القرى
العراقية التي تمتلك تاريخا ثرا من حيث انها واحدة من القرى التي تقع على طريق الحرير . كما انها تعد من ميادين حركة تلعفر المسلحة ضد
الاستعمار البريطاني في ثورة العشرين الكبرى 1920 .
.
وللقرية تاريخ مجيد في مقاومة الانكليز ، فقد ساهم اهلها في ثورة تلعفر سنة 1920 وساعدوا قائد القوات الوطنية لادارة الحركات المسلحة في العراق جميل المدفعي وافراد قوته المنسحبة بالمؤن ، وهم في طريقهم الى دير الزور ، حيث نزلوا في ضيافة الشيخ عبد الرحمن آغا عبد الكريم آل حيدر ، وزودهم بما يقارب (40) طغاراً من الشعير علفاً لحيواناتهم
وللقرية تاريخ مجيد في مقاومة الانكليز ، فقد ساهم اهلها في ثورة تلعفر سنة 1920 وساعدوا قائد القوات الوطنية لادارة الحركات المسلحة في العراق جميل المدفعي وافراد قوته المنسحبة بالمؤن ، وهم في طريقهم الى دير الزور ، حيث نزلوا في ضيافة الشيخ عبد الرحمن آغا عبد الكريم آل حيدر ، وزودهم بما يقارب (40) طغاراً من الشعير علفاً لحيواناتهم
وكان لاهل القرية دور كبير في ايواء العديد من الاسر التلعفرية التي نزحت
من مركز قضاء تلعفر والقرى المجاورة بعد قصف الطائرات البريطانية للثوار ولمساكن
التلعفريين واتلاف محاصيلهم وقع ثورتهم بالقوة المفرطة وتكرر هذا خلال احداث سنتي 2004و2005 حين كانت في المنطقة وخاصة في مدينة تلعفر عمليات عسكرية واسعة .
ويذكر المؤرخ الاستاذ رشيد عبد القادر الرشيد في مقالة له منشورة في موقع (نحن التركمان ) ان اهالي قرية الشيخ ابراهيم معروفون بالطيبة ، والكرم
، والمبالغة في اكرام الضيف. ويروي قصصا عن ذلك يتحدث بها عدد من ضباط الجيش
العراقي عندما كانت عناصر الدورات الخاصة
بالكلية العسكرية تمر بالقرية عن طريق
تمارين ماكان يسمى بالفرضية القتالية
وقرية الشيخ ابراهيم تتبع إداريا ناحية المحلبية ، وتبعد
عن مركز الناحية خمسة كيلومترات في حين تبعد ( 25 ) كيلومتر عن مركز قضاء تللعفر في جنوبها
الشرقي ، وتقع على السفح الجنوبي لسلسلة تلول الابراهيمية او ما يعرف اليوم بجبل
الشيخ ابراهيم ، تجاورها تلة مسعود وتلة مگرود
شرقاً وتلال بوخور غرباً ثم مرتفعات تلعفر وجبال ساسان.
وسبب تسميتها بقرية الشيخ ابراهيم يعود الى احد الرجال الصالحين إسمه
الشيخ ابراهيم وهي قرية زراعية يمارس اهلها الزراعة وتربية الاغنام والمواشي ، وفيها
الكثير من البساتين والاراضي الزراعية الخصبة .
وفي القرية جبل ارتفاعه قرابة 536
مترا يسمى ايضا بجبل الشيخ ابراهيم .
ازدهرت قرية الشيخ ابراهيم خلال
العهد العثماني وورد ذكر مزارعها في السجلات العثمانية على انها مزرعة الشيخ
ابراهيم (شيخ ابراهيم مزرعه سي) .. وبموجب نظام المالكانه العثمانية ، فإن عشيرة
علي دوله هي من كان لها حق التصرف فيها. وترتبط بالاراضي الزراعية عين ماء تنبع من
كهف يقع بين التلال المنتشرة في القرية وقد نصبت على المياه الجارية من هذه العين
رحى لطحن الحبوب كما يشير الى ذلك المؤرخ الموصلي احمد بن الخياط وهذه العين تقع
في جنوبي القرية وهي فوق هذا وذاك تسقى اشجار التين والرمان والزيتون .
وكأي موقع عثماني يقع في
الطريق السلطاني ، فإن في قرية الشيخ ابراهيم بقايا مخفر عثماني وقد بنيت على انقاض هذا المخفر
مدرسة الشيخ ابراهيم الابتدائية للبنين .
في كتاب (ترجمة الاولياء في الموصل الحدباء ) للمؤرخ الموصلي احمد بن الخياط المتوفى سنة 1780 ميلادية (1285هجرية ) ورد ذكر
قرية الشيخ ابراهيم وكيف ان فيها مرقد الشيخ ابراهيم وهو من الاولياء الصالحين
عمري من ذرية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهذا المشهد الشريف كما جاء في
الكتاب يقع خارج مدينة الموصل وفي موقع بين تلعفر والمحلبية .
وعلق محقق الكتاب شيخنا الجليل المرحوم الاستاذ سعيد الديوه جي فقال
ان قرية الشيخ ابراهيم في الوقت الحاضر ويقصد وقت تحقيق الكتاب اوائل الستينات من
القرن العشرين " عامرة يسكنها قوم من تلعفر يزرع فيها الرمان والزيتون والتين
والعنب والحبوب . اما الشيخ المقصود الشيخ ابراهيم الخرفاوي ولانعلم عنه شيئا
والمرقد او المشهد عامر في الوقت الحاضر " .
نعود الى المؤرخ الكبير احمد بن الخياط والمتوفى كما قلنا سنة 1780 اي
في القرن الثامن عشر فنرى انه يقول عن الشيخ ابراهيم الذي تسمت القرية بأسمه أنه
" من كبار الاولياء يتحاماه قطاع
الطريق ،فلا يتعرضون لمن يكون فيه . وعنده قرية خربة قد اندثرت معالمها وبقي منها
آثار وعنده عين جارية كان عليها [رحى لطحن الحبوب ] ومزارع ، وله عقار كبير وله
اسم في الدولة العلية [العثمانية ] ويتولى نظارته رجل من أهل الموصل .ويزور قبره
الشريف المسلمون كثيرا ،ويتبركون به ويرون بركته ويُحكى عنه كرامات خارقة وتأثير
عظيم من هتك حرمته ، أن تعدى على جاره ، او على نُظاره رضي الله عنه وعن آبائه
الكرام ونفعنا الله ببركاتهم آمين " .
إن اكثرية سكان
قرية الشيخ ابراهيم هم من عشيرة ( علي الدوله ) و من فروع : ال حيدر وال كُلي وال
جلّو وال خلّو وال وهب ( قلّي ) ، اضافة الى عشيرة قصاب ( فرعي ساعد وقُردي ) ،
وبيوتات من عشائر اخرى ال
هورج - ال وضحة -ال الله ويردي -بيت ملا علي وهب - ال مردو - ال سلوش وال حنيز وال
لوند ، وفي الآونة الاخيرة سكن القرية قسم من الكورد منهم اسرة الحاج احمد كرد واسرة السيد اسماعيل
كرد ، وفيها ايضا مجاميع صغيرة فيها من
الحديديين ( الحمرات ) العرب .
ومع ان القرية اليوم تضم من كافة القوميات الا ان
السكان يتحدثون اللغة التركمانية لغة
الجاغتاي القريبة جدا من لغة اهالي تلعفر ويبدون وكأنهم عنصر واحد متأخين يحب
بعضهم بعضا ويعيشون بمودة وسلام وازياء
النساء يغلب عليها الزي التركماني .
وكما هو
معروف فإن مجتمع قرية الشيخ ابراهيم هو مجتمع
زراعي وتغلب على الزراعة زراعة الحنطة والشعير كما كانت زراعة القطن منتشرة في القرية حتى ستينيات القرن
الماضي ، وتقتصر الثروة الحيوانية على تربية المواشي وخاصة الاغنام والأبقار ، اضافة
الى تربية الدواجن
ويمتلك اغلب السكان بساتين للتين والرمان والزيتون
التي تبلغ مساحتها قرابة 120 دونماً ، وقد
كانت هذه المحاصيل تسوّق وتصدر الى الموصل وتل عبطة وبعشيقة وتلعفر حتى سنة 2010 ،
وما زالت محاصيل الزيتون تباع في اسواق تلعفر حتى يومنا هذا وكما في القرى الموصلية الاخرى فإن توجه الاهالي
الى الوظيفة المدنية والعسكرية أثر سلبا على ممارسة الزراعة في قرية الشيخ ابراهيم
.
في قرية الشيخ ابراهيم مركزصحي وللاسف اغلق هذا المركز
منذ سنة 2014، فيضطر السكان الى مراجعة مركز ناحية المحلبية للعلاج .
وفيما يتعلق بالواقع التعليمي فأن قرية الشيخ
ابراهيم تعد من اقدم المناطق التي شهدت فتح مدرسة ابتدائية فيها وقد عرفت القرية في سنة 1918 فتح مدرسة الشيخ
ابراهيم الابتدائية للبنين . وكان التلاميذ يداومون في مخفر الشرطة العثماني لكنهم
انتقلوا بعد ذلك الى بناية مستقلة سنة
1925 ، وكان قسم من تلاميذ بلدة المحلبية
يأتون للدراسة فيها . وهي وتعد من اقدم
المدارس في المنطقة ( الى جانب المدرسة التي كانت في تلعفر ) ، حتى ان الطلبة
القادمين من المحلبية كانوا يدرسون فيها .وهناك للبنات مدرسة هي مدرسة الشيخ ابراهيم
الابتدائية للبنات.
وكان من المؤمل ان تفتح فيها بعد سنة 2003
مدرسة ثانوية لكن ذلك للاسف لم يتحقق بعد
وفي قرية الشيخ ابراهيم مسجدان الاول قديم بناه الشيخ عبد الرحمن آغا
عبد الكريم سنة 1945 ، والثاني جامع اقدم من الاول
بني سنة 1800 تقريبا وكان يقع في دار السيد عبد الخالق آل حيدر مختار
القرية ، ولكن الاهالي حولوه الى مطحنة . وهناك جامع ثالث حديث بناه الحاج احمد
كرد سنة 2008 عند مدخل القرية.
كما ضمت القرية مرقد الشيخ اسماعيل الصوفي ( 1918 –
1997 ) احد شيوخ الطريقة الصوفية الرفاعية قبل ان تدمره عناصر داعش عند سيطرتها
على القرية سنة 2014 -2017 .
للاسف الشديد اصبحت قرية الشيخ ابراهيم من القرى
الطاردة حيث يهجرها سكانها بسبب عدم توفر
الخدمات من ماء وطرق وكهرباء ومحلات تجارية وتفاقم الامر في السنوات العشر الماضية مما
يتطلب من المسؤولين في محافظة نينوى الى دراسة الامر والاهتمام بهذه القرية
التاريخية الزراعية المهمة .
ولعل من الصعوبات التي يواجهها ابناء هذه القرية هو
عدم توفر اسالة للماء فهي لاتزال تزود بالماء من خلال السيارات (التانكرات )
.ولاتزال عين الشيخ ابراهيم تتدفق بحمد الله ويعمل ابناء القرية على الاستفادة
منها عبر خراطيم المياه الممتدة منها الى البيوت والبساتين والحقول هي غير صالحة للشرب وفيها نسب من الملوحة
والكبريت لكنها تستخدم للغسل وما شاكل
ذلك .
من هنا اؤكد على المسؤولين في محافظة نينوى ان
ينظروا بعين الاهتمام لقرية الشيخ ابراهيم ويعملوا من اجل تحسين واقعها الصحي
والتعليمي والخدماتي فلاهلها علينا حق وتلك مسؤولية وطنية واخلاقية وهي رعاية
شعبنا واسعادهم قدر الامكان وحسب القدرات مع وجوب دعوة اهالي القرية الى ان يشمروا
عن سواعدهم وان يهتموا بقريتهم ويرفعوا مستوى وضعها العام وما حك جلدك مثل ظفرك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق