الأربعاء، 8 يوليو 2020

شعر الموصل في القرن الثاني عشر للهجرة الثامن عشر للميلاد ا.د. ابراهيم خليل العلاف




شعر الموصل في القرن  الثاني عشر للهجرة الثامن عشر للميلاد 

ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل 

كم انا سعيد اليوم وكتاب الاخ والصديق الغالي الدكتور شريف بشير أحمد الموسوم ( الشعر في الموصل في القرن الثاني عشر للهجرة الثامن عشر للميلاد ) بين يدي ، وقد اهداني نسخة منه مشفوعة بعبارات جميلة اعتز بها ، وافخر وانا اشكره واتمنى له الموفقية والتألق الدائم
.
والكتاب صدر عن (دار البداية ناشرون وموزعون في عمان - العاصمة الاردنية ) .ولا ابالغ اذا قلت انني كنت انتظر نشر الكتاب منذ سنة 1989 ،  ففي تلك السنة  كنت على اطلاع تام برسالة الماجستير التي قدمها الى مجلس كلية الاداب بجامعة الموصل والتي نوقشت يوم السبت 3 حزيران 1989 وكانت الرسالة بإشراف  اخي وصديقي الاستاذ الدكتور ناظم رشيد شيخو
.
وسبب اهتمامي واحتفالي بصدور الكتاب هو انني أعرف بأن الموضوع كان بكرا ومتميزا ، وان ماقدمه الاخ الدكتور شريف بشير احمد الاستاذ المساعد في قسم اللغة العربية - كلية الاداب - جامعة الموصل ، كان يرقى لأن يكون اطروحة دكتوراه وليس رسالة ماجستير واجزم ان المؤلف الكريم لو كان في جامعة اجنبية لمنح شهادة الدكتوراه على عمله المتميز ، والذى اجراه على يد استاذ مقتدر بارع متميز هو  الصديق والزميل والاخ الاستاذ الدكتور ناظم رشيد شيخو.

 
الاخ الدكتور شريف بشير احمد ، وهو يدرس الشعر في الموصل خلال العهد الجليلي في الموصل وهو عصر له خصوصيته من حيث كونه عصرا اتاح للموصل بفضل منهجية وسياسة الاسرة الجليلية التي حكمت الموصل بين سنتي 1726-1843 ان تؤكد شخصيتها الحضارية وموقعها في حركة التاريخ الانساني .

وهو اي المؤلف لم يقف عن دراسة تاريخ الحركة الشعرية في الموصل ، بل تغلغل في اعماق التشكيل الشعري الموصلي ، وقدم رؤية علمية موضوعية لمضامين شعر الموصل ، وافكاره ووقف عند محفزات الشعر وانماطه الدينية والاجتماعية والسياسية كما لاحق الشعر في شكله وتشكله من خلال قراءة علمية حداثوية في بناءه واسلوبه وتقنياته وصوره وبلاغته ومقومات العروض والقافية فيه.
 
لقد اكد الاخ الدكتور شريف بشير أحمد من خلال دراسته هذه ، على ان الموصل المدينة العربية الاسلامية كان لها دور سامق في العصور الاسلامية المتعاقبة كانت مدينة تتوهج بالشعر ، ولها صيت أدبي في أركان المعمورة الاربع ، وكان شعراءها صناعا للتاريخ وشهود عيان لما واجهته هذه المدينة ومنطقتها من تحديات اقليمية ودولية.
 
ومن هنا كانت الموصل بيئة خصبة للشعر المخضب بدماء شهداءها ، وهم يدافعون عنها قولا وفعلا حين حاصرها نادرشاه سنة 1743 م (1156 هجرية ) بقرابة ربع مليون مقاتل في حصار لم يشهد القرن 18 شبيها له الا  في حصار نابليون لموسكو .

في كتاب (الحجة على من زاد على ابن حجة ) لعثمان الحيائي الجليلي الذي نشره الدكتور محمد صديق الجليلي سنة 1973 ان احد الشعراء قال وهو يصف كيف تصدى اهالي الموصل للغزاة :
ويومٌ  له الحدباءُ شاب وليدها
                    فتلقي به الحبلى الجنينُ وتندب ُ
هناك بان السيد السند الذي
                    له الراية البيضاء  أقوى واغلب ُ


الشيء الرائع في هذه الحقبة ، ان الموصل شهدت بروز  أُسر موصلية اسهمت في بناء المجتمع الموصلي بناء ثقافيا وادبيا وعلميا منها  ال العمري وال الغلامي وال المفتي وغيرهم ممن رفدوا المشهد الشعري في هاتيك الايام بالكثير من القصائد والاراجيز والدواوين الشعرية .


 كذلك كانت الوان الشعراء تتفاوت في اهتماماتهم بين الشعر الديني ، والشعر القومي،  والشعر السياسي .. وكان لكل لون ممثلين لذلك اغتنت بيئة الموصل الشعرية بشعراء كثر وجدنا سير بعضهم في كتب من قبيل ( الروض النضر ) و(شمامة العنبر ) و( منهل الاولياء ) و(منية الادباء ) و( العلم السامي ) و( سلك الدرر)  .
 
شعراء كثر منهم عبد الوهاب بن حسن الامام (توفي 1759 م ) ، وابو بكر الكاتب (توفي 1760 م ) ، ومحمد امين العمري (توفي 1788م ) ، وعلي الوهبي الجفعتري ( 1787م ) ، وخليل البصير (توفي 1762م ) ، وفتح الله القادري الموصلي (توفي 1789م ) ، ومحمد بن مصطفى الغلامي (توفي 1772م ) ، وعصام الدين العمري (توفي 1770 ) ، والملا جرجيس بن درويش الموصلي (1726م ) ، وعبد الله الفخري (توفي 1774م ) ، وعلي بن مصطفى الغلامي (توفي 1778م ) ، وخليل بن عمر خدادة الكاتب (توفي بعد 1737م ) ، وحسن عبد الباقي الموصلي ( توفي 1744 م) ،
ويحيى بن فخر الدين المفتي (توفي 1773م ) وغيرهم .

 الذي اريد ان اقوله وانا اتحدث عن الشعر في الموصل خلال العهد الجليلي اي خلال الفترة من سنة 1726 الى سنة 1843 ميلادية وهي الفترة التي حكمت فيها الاسرة الجليلية ولاية الموصل ، انني في (موسوعة الموصل الحضارية ) والتي اصدرتها جامعة الموصل سنة 1992 بخمسة مجلدات وكنت مشرفا على المجلدين المتعلقين بتاريخ الموصل الحديث كتبت عن الحياة الفكرية في الموصل الجليلية ونشرت ذلك في كتابي ( تاريخ الموصل الحديث ) ومما قلته ان الموصل بالرغم من المحن والنكبات التي مرت عليها  منذ بدايات الغزو المغولي استطاعت الحفاظ على شخصيتها الحضارية العربية .وفضلا عن ذلك فإنها شهدت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر نهضة علمية وادبية  ، فإتسعت حركة التأليف باللغة العربية وتأكدت قدرة الموصليين على اثبات وجودهم الحضاري ويرجع ذلك الى الموصليين نجحوا في ابعاد مدينتهم عن السيطرة المركزية العثمانية وحكمها حكما مباشرا فترة تزيد على المائة سنة التي استمرت من 1726 حتى 1834 ومن ناحية اخرى فإن هذه النهضة جاءت لتملأ الفراغ الابداعي الذي خيم على الساحة الثقافية في الموصل في الموصل خلال القرون الخمسة التالية لزوال السيادة سنة 656 هجرية – 1258 ميلادية .

فقط اريد ان اقف عند الشعر فأقول ان الشعراء الموصليين اهتموا بتنميق العبارة ، واحتفظوا بكثير من مواضيع الشعراء العرب الافذاذ وابوابها ، واشتهر في الموصل عدد كبير من الشعراء منهم على سبيل المثال مراد بن علي العمري (المتوفى سنة 1716 ) الذي قال عنه صاحب كتاب (شمامة العنبر ) " اذا كان غيره للمعالي فريد ، فهو للمعالي مرادُ ، وفي النظم شاعر مجيد ، وفي العلم فاضل مجاد ، وفي الرأي صائب سديد" .

ومن الشعراء  الملا جرجيس بن درويش (توفي 1727 ) وكان شاعرا له شغف بالهزل وقد اثنى المرادي في كتابه ( سلك الدرر ) على فصاحته وبلاغته ولطيف محاضراته ومناظراته . ومن الاشياء  الجميلة التي اريد ان اقولها ان الشعر والادب في الموصل في هذه المرحلة  بدأ يبحث عن اشكال جديدة متميزة عن المفاهيم الادبية العثمانية التي كانت تسود العصر مثل (الاستناد الى قدسية الخلافة العثمانية وسيادة النزعة الدينية ) ، ويمكن ان نعثر على الكثير من الامثلة ومن ذلك ان عبد الباقي العمري له الكثير من القصائد التي يشكو فيها فساد الحكم العثماني وانتشار الرشوة وعبث الولاة وقد رسم لنا صورة واضحة لما كان عليه العراق كله وليس الموصل وحدها حينما قال :
قد استحال العراق مفسدة  *** ليس سوى ضرب السيف يُصلحها
واهله كالاغنام عاث بها  *** اذوبة والكلاب تنبحها
هذا بساطور الشر يسلخها *** وذا بسكين القهر يذبحها
وكم تيوس على العراق نزت *** من اين لي ذو قرنين ينطحها
جاست خلال ديارهم فئة *** أحسنها في الخلال اقبحها
في كل يوم من شر طائفة *** تطوف من حولها يصبحها
صدورها كالاعجاز خاوية  *** على عروش قد ساء  مطرحها
لكنها والاطماع مديتها *** أشرها في الاطماع أشرحها

وتتجلى النزعة القومية في قصائد عبد الله الفخري مفتي الحنفية المتوفى سنة 1774 وهو يقول :
وانا من العرب الكرام أُلى العلى ***وفينا الهدى والمجد والعلم والشعر ُ
وما ضم حب المال قط صدورنا *** فأموالنا عبد واغراضنا حر
أبى المجد إلا ان نعيش بعزة *** اذا لم يكن مجد فمختارنا القبر
وأنا لفينا نخوة عربية *** وأنا لنا جدٌ به ينتهي الفخر ُ


Top of Form


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...