تقديمي لكتاب الاستاذ سلام الشماع الموسوم ( الدكتور علي الوردي : الرسائل المتبادلة بين تكساس وبغداد )
بقلم :ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
كم كنت سعيدا ، وانا أكلف من الاخ
الصحفي المخضرم الاستاذ سلام الشماع ، لان أقرأ كتابه :"رسائل علي الوردي
" ، واقدم له ؛فالاستاذ الدكتور علي حسين الوردي ( 1913-1995 ) عالم الاجتماع العراقي الكبير ليس
استاذا اكاديميا فحسب ، بل هو استاذ عاش بين الناس علمهم ‘ وتعلم منهم . وكم كان
يكره ان يكون في برجه الجامعي العاجي ، وكنتُ أراه يتجول في الاسواق ، ويسأل الناس
ويمازحهم ويعلق على هذه الظاهرة وتلك
بعبارات بسيطة لكنها تحمل معان ودلالات عميقة . كنتُ أحسبه قد سلك هذا
السلوك مذ صار استاذا لعلم الاجتماع في كلية الاداب والعلوم ببغداد سنة 1948، لكني تفاجأت –وأنا اقرأ رسائله المتبادلة مع
والده حسين الذي يشتغل صائغا ، ومع قريبه خليل ابراهيم الورد الموظف في مديرية
معارف (التربية ) بغداد خلال السنوات التي قضاها في جامعة تكساس بالولايات المتحدة
الاميركية . علي الوردي ملآ الدنيا وشغل الناس ...أقلق الحكام ورجال الدين ، وأقض
مضاجعهم بآرءه وأفكاره التي فسر فيها طبيعة المجتمع العراقي والشخصية العراقية
واعرف حكاما تصدوا لافكار الوردي في خطبهم ولكن بشكل غير مباشر .. كما اعرف رجال دين
انهمكوا بالرد على اطروحاته الواحدة تلو
الاخرى ، وخاصة ما يتعلق منها بازدواجية الفرد العراقي، وتناشزه الاجتماعي ، وبعدم تخلصه من عاداته
وارثه البدوي في كل حركاته وسكناته .
لاأريد أن أدخل في تفاصيل نظرياته وآراءه
، فذلك يحتاج الى مجلدات ولكن ماأريد ان أقوله
أنني استمتعت كثيرا ، وانا اقرأ رسائله الممتدة من ايلول سنة 1946 وحتى تشرين
الاول سنة 1950 ؛ وهذه الرسائل متبادلة مع قريبه الاستاذ خليل ابراهيم الورد
الموظف في مديرية معارف بغداد ، ووالده حسين الوردي .
وتكشف هذه الرسائل جوانب من حياة وشخصية الدكتور علي الوردي وهو
موظف في دائرة ضريبة الدخل ببغداد وطالب دكتوراه يدرس علم الاجتماع في جامعة تكساس
وقبل ان يمارس التدريس مدرسا ، فأستاذا
مساعدا ، وأستاذا (بروفيسورا) ومن ثم عندما انتهى به الامر أستاذا متمرسا في جامعة
بغداد أي بعد ان أحيل على التقاعد ولعله أول من حمل لقب (أستاذ متمرس ) في جامعة
بغداد ، وهو لقب يعطى للاستاذ اذا احيل على التقاعد وبموجبه يحتفظ بكل امتيازاته
ومكتبه في الجامعة ، إذ ليس من المعقول ان
يحال الاستاذ على التقاعد بعد ان وصل الى مرتبة الاستاذية وامتلك تجربة ثرة طوال
سني خدمته التي تتجاوز ال45 عاما .
اقول بعد قراءة الرسائل التي ارسلها الوردي أو التي تسلمها أن علي
الوردي ، كان رجلا وطنيا أحب العراق وتفانى في خدمته وافتخر به وتباهى خاصة في
موطن دراسته في جامعة تكساس بالولايات المتحدة الاميركية فهو يطلب صورا عن بغداد
ومعالمها كما يطلب صورا عن مدن العراق
والاثار والمساجد وصور المراسيم
الدينية ومنها عزاء الحسين عليه السلام .. كما كان يطلب طوابعا عراقية ليباهى بها زملاءه الاميركان وغير الاميركان
...كما كان الوردي متعلقا بإرث بلده وتقاليد أهله ، فهو يطلب من الاستاذ خليل
الورد ان يرسل اليه السبح والغترة والعقال والعباءة العربية ويقول انه يريد ان
يلبسها في الحفلات هناك اي في اميركا .
وعلي الوردي - كما تكشف رسائله - عروبي
قومي ؛ فهو لم ينسَ قضية العرب المركزية : فلسطين .. فنجده منذ الايام الاولى لوجوده
في الولايات المتحدة ينهمك في إلقاء المحاضرات عن فلسطين ونضالها ضد الصهاينة
ومحاولتهم اغتصابها في هاتيك الايام .ولعل من أبرز الاماكن التي القى فيها محاضرات
عن فلسطين - فضلا عن احاديثه ومقابلاته في التلفزيون - جمعية YMCA وهي جمعية الشبان المسيحيين .
وعلي الوردي ، وكما نرى من بعض الرسائل رجل يحب والده
واولاده واصدقاءه واقرباءه ويسأل عنهم ويتفقد احوالهم .. يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم
.ومن الطريف انه ومنذ ذلك الوقت اكتشف اهمية الاسطوانات فهو كان يسجل صوته عليها
ويرسلها الى اهله في بغداد ويطلب ان يشتروا لهم (كرامافون ) لكي يستطيعوا ان
يشغلوا الاسطوانة وكم كان والده يسر بذلك .
ولم يقف الامر عند هذا الحد بل كان
ينقل اليهم تصورات اصدقاءه الاميركان الذين كانوا يعرفون بغداد جيدا من خلال قصص
وحكايات الف ليلة وليلة ويصفونها اي بغداد
على أنها " مدينة علي بابا والاربعين حرامي " .
كما تضمنت رسائله وصفا لبعض المباني في
شيكاغو وغيرها ومنها المخازن والاسواق الكبيرة والتي نسميها اليوم ب(المولات ) ، ولااعرف
فقط سر زيارته لمعبد البهائية وتباحثه مع رئيس المعبد وتقديمه نبذة عن تاريخ
البهائية وانبهاره بالمبنى واصراره على ان يرسل لقريبه خليل الورد صورة لهذا
المبنى المعروف ب(مشرق الاذكار ) وهو اكبر معبد للبهائية في العالم وقد نعود لهذا
الموضوع لنجد تفسيرا لهذا الاهتمام .
وعلي
الوردي - وهو يدرس في الولايات المتحدة وطوال سنوات - ظل ملتصقا ببلده يريد ان
يعرف الاوضاع السياسية فيه ، ويهتم لتشكيل الوزارات ويسأل عن من رشح نفسه في منطقة
سكناه : الكاظمية ، ومن اصبح وزيرا
للمعارف (التربية ) ، ويريد ان ترسل اليه بعض الصحف البغدادية حتى انه طلب
الاشتراك في بعض الصحف ومنها مثلا "جريدة الزمان " البغدادية لصاحبها
توفيق السمعاني وكانت جريدة رصينة متطورة وبالفعل حصل على تلك الصحف وكانت تصله
بإنتظام طيلة فترة دراسته .
في
إحدى رسائله يقول :" ويا حبذا لو تابعتَ هذه الطريقة النافعة في إرسال عدة
جرائد عن كل حادثة سياسية أو اجتماعية هامة تحدث عندكم وبهذه الطريقة أطّلع على
آخر الأخبار في الوطن. إن جرائد أمريكا خصوصاً جرائد المدن الصغيرة (كأوستن) لا
تبحث إلا نادراً عن أحوال الشرق، ولذا
فأني في ظلام مطبق من ناحية الأخبار. وأمس كنت مدعواً في بيت عائلة عربية فاطلعت
على جريدة عربية وبعض المجلات المصرية حيث إندهشت عندما قرأت بعض الأخبار التي
حدثت في مصر والعراق ، وأنا غافل عنها مغمور في وسط هذا المجتمع المنعزل السعيد!"
.
ومن
الطريف القول ان علي الوردي ما انفك يطلب الكتب والمصادر والمراجع من العراق ، فلقد
إكتشف بإن هناك فقرا في المكتبات الاميركية من المصادر والمراجع العربية وخاصة تلك
التي تتعلق بإبن خلدون موضوع دراسته.. وقد بدأ قريبه خليل الورد يرسل اليه المصادر
والمراجع تباعا وعندما انتهى من دراسته أعاد الى بلده قرابة (60 ) رزمة من الكتب
.لنقرأ ما كتبه في احدى رسائله وقد انتهى
من مناقشة اطروحته :" أرجو أن تكون رزم الكتب التي أرسلتها من أمريكا قد وصلت
إلى البيت وهي حوالي "60" رزمة أو أكثر قليلاً، فالرجاء إخباري بما تمّ
عنها. فإذا وصلت أرجو أن تحفظ في مكان ملائم في البيت من غير فتح حتى يسهل نقلها
في حالة الانتقال إلى بيت آخر" .
يعلق
الوردي على مسألة حاجته الى المصادر والمراجع من العراق بقوله لقريبه السيد خليل في إحدى رسائله :" ولا أخفي عليك أن دراستي هنا تتطلب أي
مرجع (مهما كان) يبحث عن شؤون العراق وعاداته وتقاليده الاجتماعية فالرجاء أن ترسل
لي كل ما تجد من كتب أو صور أو مجلات ونشرات تأخذ هذه الناحية بعين الاعتبار، فكل
شيء مما نعتبره في العراق بسيطاً يعتبر هنا قيّما خصوصاً عن أحوال البدو في العراق
والعشائر وسكان الأهوار والفرات الأوسط وإذا أمكن الحصول على صور لحياة العشائر في
أكواخهم ومضايفهم وحفلاتهم
" .
علي
الوردي لم يكن يقبل ان يكون عالة على والده أو على اي شخص آخر ، فمن راتبه القليل
وهو قد خفض بعد حصوله على البعثة كان يبعث
النقود لوالده الصائغ خاصة بعد ان عرف بأن مهنة الصياغة قد تدهورت بسبب الحرب وان
والده ترك دكانه واصبح عاجزا لكبر سنه
..كان قريبه السيد خليل قد ارسل اليه رسالة جاء فيها :" أخي العزيز إن صناعة
الصياغة أصبحت ضنينة في هذه الأيام ، وأن أكثر الصياغ الكبار عاطلون وأن دخلهم
اليومي لا يسد حاجتهم الضرورية وأن والدكم "حفظه الله" يعاني في هذه
الأيام أزمة مادية وأن الإعانة الشهرية التي أعطيتها له لا تكفي لسد النفقات فأرجو
إبداء رأيك في إمداد المساعدة له" .وبعد ان ارسل الوردي المبلغ اخيره السيد
خليل بالتالي :" إني فيما أعتقد أن الطريق الذي أرسلت به الحوالة سهل جداً إذ
أرسل لي البنك العثماني "علم وخبر" بوصول الحوالة فذهبت إلى هناك فطلب
مني الموظف المسؤول شاهد تعريف فذهبت إلى السوق وأخذت الحاج عبد الأمير الأزري
وشهد لي بأنه يعرفني وتسلمت 35,526 ديناراً "خمسة وثلاثين ديتاراً وخمسمائة
وست وعشرين فلساً " .
كان
علي الوردي رجلا عاطفيا يحزن إذا تأخرت رسائل والده اليه وكان يسأل عن كل افراد
العائلة كان حنونا كان يسأل عن ولده حسان
وحماد وعن ضرورة ادخالهما المدرسة فيجيبه السيد خليل الورد بالقول :" إني
سأسجل حسان وحماد في أول السنة الدراسية الجديدة ولا تصل إلى هنا حتى تجدهما
تلميذي مدرسة" .
وكان
رجلا يحترم الاسرة والبيت ولم تشغله الحياة الغربية في اميركا مع تلونها ولم تبهره
بل ظل رجلا شرقيا يحس بقيمة تقاليده وقيمه العربية والاسلامية فإستحق منا التقدير
والاحترام وقد استمرت هذه الخصلة عنده حتى بعد عودته فنراه يكتب عن من يسميهم
"المتفرنجون " وينتقدهم ويفضحهم .. كما انه كان معارضا للزواج
بالاجنبيات ويعيب على إبن بغداد ان يتزوج بأجنبية ويقول انه ينبغي ان لايفضح هذا
نفسه ويأتي بواحدة لاتفهم ظروف العراق وعادات اهله .يكتب لقريبه السيد خليل رسالة
يصف فيها احتفالا بعيد رأس السنة الميلادية حضره في اميركا ويقول في الرسالة
:" هذا أول يوم من السنة الجديدة وقد دعيتُ بهذه المناسبة إلى وليمة مساء أمس
في إحدى البيوت وكانت سهرة طيبة وعجيبة بالنسبة إلى أخلاق الشرق وعاداته، وقد بدأت
أتعود على هذه العادات التي يجفل منها العراقي أو قد يشهر خنجره فيمزّق به البطون
إذا رآها لكن لا تعجب فهنا أمريكا بلد العجائب وهنا أكثر المجتمعات تحرراً من
التقاليد، ساعدنا الله وألهمنا وإياكم الصبر" .
كان
علي الوردي من خلال رسائله حريصا على ان لايظل يوما واحدا بلا وظيفة، وكان يطلب ان يسأل له قريبه خليل عن الشواغر في
كليات بغداد ومعاهدها ويقول في إحدى رسائله :" ومن الرجاء أيضاً أن تراقبوا
وضع كلية العلوم والآداب الجديدة أو دار المعلمين العالية وهل فيهما شاغر من حيث
تدريس الفلسفة أو الاجتماع أو الاقتصاد أو ما أشبه، ذلك أني ربما وصلت العراق في
الشتاء وما أدري هل يمكن تعييني في ذلك الوقت حيث السنة الدراسية على وشك الانتهاء
وبالنظر إلى الأزمة المالية" .وقد فرح كثيرا عندما وصلته رسالة من بغداد ارسله قريبه السيد خليل وهو موظف كما قلنا في
وزارة المعارف وفيها :" وقد حدثني أحد موظفي وزارة المعارف بأن إسمك أدخل في
ملاك كلية الآداب لتدريس علم الاجتماع فيها" .
وعلي
الوردي وهو يوفر المال في موطن دراسته
يريد ان يعرف سعر الدولار في بلده لانه مصمم وقد علم بأن اليهود يبيعون دورهم على
شراء بيت مستقل يؤثثه على مزاجه بدلا من بيت ابيه الذي يقع في منطقة غير نظيفة.
وتصله رسالة من السيد خليل يقول له لاتحمل هما فقد " اتفقنا أنا وابن عمك
السيد محمد على أن يكون استقبالك واستقبال زائريك في بيت عمك السيد هاشم حيث أنه
دار جديد عامر في أراضي النواب وهي مؤثثة بأحسن الأثاث فأرجو أن تكون معنا على هذا
الاتفاق وتخبرنا برسالة أخرى أو برقية موعد وصولك لنستطيع أن نقوم بما يلزم في هذه
المناسبة السعيدة" .ثم يخبره بما حصل بشأن الكهرباء التي كان يسأل عنها
الوردي وهل مدت الاسلاك في منطقته ويقول :" أما قضية الكهرباء فأن الأسلاك
تُمدُّ الآن وقد وصلت إلى شارع الشريف الرضي، وأما الدور فأن أسعارها في هبوط
مستمر وقد أوصاني بعض الخبراء بأن لا نتسرع الآن لعلك إذا أتيت وتخيرت الشيء بنظرك
فذلك أحسن" .
وهو
يرسل رسالة الى قريبه وإبن عمه السيد خليل الورد ان " يسأل بعض الصرافين عن
سعر الدولار في السوق وما هو وضعه بعد تنزيل الباون والدينار في السوق السوداء "
.وقد اجابه السيد خليل الورد بقوله :" أما الدولار فقد سألت لك عن سعره عدة
صرّافين وأجابوا بأن سعره حوالي الأربعمائة فلس فأحياناً يهبط قليلاً عنها
وأحياناً يرتفع إليها أو يزيد. وإنك تعلم أن الدولار له قيمة مهمة لأنه من العملات
النادرة وهو مطلوب على أية صورة كانت" .
ولايتوانى
الوردي عن ان يخبر والده واهله بتفاصيل دراسته ويعلمهم بكل خطوات مسيرته العلمية
فهو يكتب لهم ويقول :" لقد واجهت قبل
لحظة رئيس اللجنة المختصة بالنظر في رسالتي للدكتوراه، وأخبرني أن اللجنة قد
اجتمعت أمس وقررت أن آخذ بعض الدروس في الفصل الثاني من هذه السنة وذلك لإكمال
العدد المقرر من الساعات في اختصاصي الفرعي وهو الاقتصاد، أما في الاختصاص الرئيسي
(الاجتماع) فقد رأت اللجنة أني قد كمّلت جميع الساعات المقتضيات فيه. وهذا يعني
أني سوف أبقى في أمريكا حتى شهر حزيران القادم وأتركها متوجهاً إلى العراق "
.
يبشر
الوردي والده وقريبه في رسالة له ويقول :" إني قد انتهيتُ من تقديم الأطروحة
وقد وجدت لجنة الأساتذة فيها نظرية جديدة في علم الاجتماع والمفهوم أنها ستكتب
رسمياً (أو كتبت فعلاً) إلى وزارة المعارف تخبرها بهذا الخبر الذي يدعو إلى
الفخار، وأظنّ الخبر سينشر على صفحات الجرائد في بغداد كما هو المعهود" .
والجدير
بالذكر ان استاذ الوردي في جامعة تكساس ، قرر بعد ان رأى مستواه ‘ أن يقفز إلى دراسة
الدكتوراه من غير حاجة إلى دراسة الماجستير (M. A) اختصاراً للوقت وكتب كتاباً بهذا الشأن إلى
وزير المعارف في بغداد" .وكما هو معروف فإن الوردي انجز في بيروت قبل ان
يسافر الى اميركا دراسته للبكالوريوس في
جامعة بيروت الاميركية وقدم اطروحة تخرج فيها وقد علمتُ ذلك من رسالة ارسلها الى
قريبه السيد خليل الورد يقول فيها :" ولي رجاء إن استطعت أن تقوم به هو أن
ترسل لي (أطروحتي) التي قدمتها إلى جامعة بيروت الأمريكية عند تخرجي منها وهي
موجودة الآن في مكتبتي في البيت بنسختين (نسخة المسودة بخطي ونسخة مطبوعة
بالطابعة) فالرجاء إرسالهما مع تغليفهما تغليفاً جيداً بورق قويّ لكي لا تتبعثر في
الطريق" .
لقد
كانت اطروحة الوردي للحصول على الدكتوراه تدور حول نظرية ابن خلدون وقد طلب من
السيد خليل ان يرسل له كل ما يتعلق بإبن خلدون من كتب ، وعقب على ما كان يفعله وينجزه بالقول في رسالة له الى السيد خليل
:" أني وجدتُ بعد الدراسة الطويلة في التاريخ الإسلامي نقطة حساسة دار حولها
كثير من الصدام الفكري والاجتماعي ألا وهي ذلك التناقض بين ما يتطلب الدين
الإسلامي من عدالة اجتماعية وما حدث بالفعل في المجتمع الإسلامي من ظلم وتباين في
الطبقات الاجتماعية وتبذير وفقر، لقد وجدت أن هذا التناقض قد أنتج ثورة الخوارج
وانعزال الصوفيين وتقية الإمامية وثورات الزيديين واشتراكية الإسماعليين وبالتالي
فلسفة ابن خلدون في حتمية الظروف الاجتماعية. ورأيي أن ابن خلدون كتب مقدمته بدافع
الاعتذار عن الواقع والدفاع عن هذا التناقض بين الإسلام والمسلمين" .
وفي رسالة اخرى يقول :" ومن المناسب أن
أذكر أنه في هذه الليلة التي أكتب إليك ... ألقيت محاضرة عن العراق حضرها ثلاثة من
أساتذة علم الاجتماع في الجامعة وقد أوضحت فيها شيئاً من موضوع الأطروحة فسرّ بها
الأساتذة وأبدوا تقديرهم لها وبذا فأني والحمد لله مطمئن كل الاطمئنان "
عاد
الوردي الى العراق ، واصبح استاذا لعلم
الاجتماع اواخر الاربعينات واوائل
الخمسينات من القرن الماضي ، وبدأ يكتب في الصحف والمجلات ، ويلقي محاضرات واحاديث
في الاذاعة والتلفزيون ، والف الكتب الكثيرة وأثارت آراءه الكثير من الجدل ، ولاتزال
.. وهكذا بدا الوردي عالما اجتماعيا فذا
شرح مكنونات مجتمعه وحللها ووضع القوانين التي تساعدنا في معرفة ركائز
المجتمع العراقي وجذوره الماضية ومعرفة بعض ملامح مستقبله .
ان
العمل الذي اضطلع به صديقنا الاستاذ سلام الشماع كبير وكبير جدا وسيسجل له التاريخ
انه قدم من خفايا افكار واتجاهات ونظريات الوردي وآراءه ما لم نكن نعرفه من ، قبل
فعن طريق رسائله الشخصية Personal messages وهي
كما هو معروف من مصادر التاريخ اكتشفنا جزئيات حياة الوردي وهو طالب دكتوراه وهذا
شيء يُحمد عليه تمنياتي لاخي الاستاذ سلام الشماع بالتوفيق والتألق الدائم ، وجزاه
الله خير الجزاء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق