الاثنين، 21 مارس 2016

التطورات السياسية في تونس خلال الحرب العالمية الثانية واستقلالها في 20 اذار 1956 ا.د. ابراهيم خليل العلاف





التطورات السياسية في تونس خلال الحرب العالمية الثانية واستقلالها في  20 اذار  1956
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
كما هو معروف ، فإن فرنسا الاستعمارية بعد احتلالها  الجزائر أخذت تعمل  من اجل السيطرة على تونس. وقد تقرر مصير تونس في ( مؤتمر برلين ) سنة 1878 ، وذلك نتيجة المساومة التي تمت بين فرنسا ، وبريطانيا ، والمانيا .اذ وعد البريطانيون بأنهم لن يقفوا امام الفرنسيين في حالة استيلائهم على تونس مقابل قيام البريطانيون  بإحتلال قبرص.  وقد عانت تونس التي كانت خاضعة للدولة العثمانية لكنها تحكم من قبل ( البايات ومفردها الباي) اي الحاكم (بك في  المشرق )  من اوضاع اقتصادية وسياسية متدهورة . وتغلغلت رؤوس الاموال الفرنسية في مفاصل الاقتصاد التونسي ، وحاول الباي محمد الصادق 1859-1882 الحيلولة دون وقوع تونس فريسة بيد المستعمرين الفرنسيين ، الا ان فرنسا استغلت حوادث الحدود الجزائرية – التونسية،  وانتقال قبيلة بني خمير التونسية عبر الحدود ، وإدعاءها ان هذا الامر مخل بالامن في الجزائر ، ولابد من ردع القبائل وضمان أمن الحدود .
وفي 24 نيسان سنة 1881 ، إجتازت القوات الفرنسية الحدود التونسية ودخلت العاصمة تونس،  والتقى الجنرال بريار بالقنصل الفرنسي روستان ودخلا قصر باردو في 12 ايار 1881 وفرضا على الباي محمد الصادق التوقيع على معاهدة  قبل فيها الاحتلال ، وهكذا جُردت تونس من شخصيتها السياسية ، وحرمت من ممارسة علاقاتها الخارجية .
قامت في تونس حركات مقاومة عارمة ، وحدثت انتفاضات كثيرة . وفي اعقاب الحرب العالمية الاولى وحتى الحرب العالمية الثانية استأنف الوطنيون التونسيون نشاطاتهم في مقاومة الاستعمار الغرنسي ، وشكلوا في شباط سنة 1920 (الحزب الحر الدستوري) ،  واوضحوا الغاية منه وهي : " تبليغ الوطن رشده ، وتحريره من الاستعباد " وهكذا بدأت مرحلة جديدة من مراحل الحركة الوطنية التونسية .
وخلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945 ، حدثت تطورات سياسية عالمية ادت الى قيام جيوش الحلفاء بإحتلال تونس في 8 ايار سنة 1943 ، ودخلت الجيوش  الفرنسية تونس تحت حماية جيوش الحلفاء  بسبب سقوط باريس بيد الالمان وتشكيل حكومة فيشي العميلة لهم . وقد استغلت السلطات  الفرنسية  فرصة الحرب لخلع ( الباي محمد المنصف ) بحجة ميله الى قوات المحور يوم 14 ايار 1943 ، ونفته الى بلدة الاغوات جنوبي الجزائر .ثم انصرفت السلطات الفرنسية بعد ذلك لقمع الحركة الوطنية فأصدرت اوامرها  بإعدام  المئات من الوطنيين دون محاكمة . كما نسفت القرى الامنة بسكانها والقت بالمئات من الوطنيين في السجون .
هذه الاوضاع اضطرت " الحزب الدستوري الجديد " الى العمل السري وعقد مؤتمرا في شباط 1945 اصدر بعده قرارات تطالب بضرورة منح تونس استقلالا ذاتيا .
وقد توجه الحبيب بورقيبة زعيم الحزب الى مصر ووصل القاهرة بعد سفرة متعبة يوم 26 نيسان 1945 وقد اجتمع بورقيبة في القاهرة بممثلي الدول العربية في جامعة الدول العربية للحصول منهم على دعم لبلاده .
واثناء غياب بورقيبة تولى صالح بن يوسف امين الحزب قيادة الحركة الوطنية في تونس وفي تموز 1945 شهدت تونس انتفاضات عارمة وخاصة في منطقة زرمدين وهي قرية تقع على الساحل وواجهت الانتفاضة قمعا من السلطات الفرنسية .
كان رد فعل المقاومة التونسية عقد اجتماع سري في تونس العاصمة يوم 23 ايار 1946 حضره ممثلون عن الحزب الدستوري الجديد واخرون عن الحزب الحر الدستوري .هذا فضلا عن ممثلين عن الاتحادات والجمعيات النقابية .طالب المؤتمر بالاستقلال التام والانضمام الى الجامعة العربية وسرعان ما اكتشفت السلطات الفرنسية مكان انعقاد المؤتمر فإعتقلت معظم قادته واودعتهم السجن وقد ادى هذا الى نشوب سلسلة من التظاهرات  والاحتجاجات والاضرابات كما احتجبت الصحف الناطقة باللغة العربية احتجاجا وتردد صدى الاحداث في العالم فإضطرت السلطات الفرنسية الى اطلاق سراح المعتقلين بعد ان قضوا شهرا في السجن .
حاول الفرنسيون استرضاء القوى الوطنية التونسية   ، واصدرت برنامجا للاصلاحات يوم 23 ايلول 1946  كان من اهم ماتضمنه انشاء مجلس وزراء  يتكون من ست وزراء تونسيين وست وزراء فرنسيين ورفع عدد من اعضاء المجالس البلدية المنتخبة اصواتهم معترضين على هكذا برنامج ومع هذا جرى نوع من اللقاء بين الجنرال الفرنسي ماست وعددا من قادة المعارضة الذين اكدوا له ان مطلبهم الرئيسي هو الاستقلال التام لبلدهم .
وفي اب 1947 اعلن الفرنسيون مشروع اخر للاصلاح ورفضته المعارضة ووقع اضراب عام نظمه الاتحاد العام التونسي للشغل في مدينة صفاقس في 15 اب 1947 ضد شركة صفاقس –قفصة وهاجم الجنود الفرنسيون العمال المضربين وقتلوا وجرحوا عددا كبيرا منهم .
عاد الحبيب بورقيبة الى تونس في ايلول 1949 واستلم قيادة الحزب الدستوري الجديد والحركة الوطنية ثانية وفي حزيران سنة 1950  اصدرت الحكومة الفرنسية بينا اعربت في عن نيتها منح تونس استقلالا تاما .
ثم اصدرت مراسيم اصلاحية جديدة في 8 شباط 1951 واضطر بورقيبة الى القبول بها انسجاما مع سياسته القائمة على اساس :"خذ وطالب " وهي السياسة نفسها التي كان ينتهجها الملك فيصل الاول ملك العراق مع الانكليز .
في اب 1950 تشكلت وزارة تونسية برئاسة (بن محمد شنيق ) وكان من اعضائها صالح بن يوسف الكاتب العام للحزب الدستوري الجديد .وكان من المقرر ان تبدأ الحكومة المفاوضات التي سنبغي "ان تقود البلاد التونسية على مراحل نحو الاستقلال الذاتي " .ولكن تحالف بعض اصحاب المصالح في فرنسا وتونس ضد مجرى السياسة الفرنسية الجديدة كان قويا جدا .
وفي تونس نفسها كان الجو العام متوترا بسبب سوء نية كبار الموظفين الفرنسيين الذين رفضوا تقبل الوضع الجديد ولم يتردد هؤلاء في اراقة دماء التونسيين الذين اضربوا في (النفيضة ) يوم 20 تشرين الثاني 1950 ولكن المفاوضات ظلت متواصلة حتى فشلت يوم تسلم الوزير الاول (رئيس الوزراء ) بن محمد شنيق مذكرة من الخارجية الفرنسية بتاريخ 15 كانون الاول 1951 والتي اكدت ابقاء نوع من المراقبة الفرنسية على الحياة السياسية التونسية .
وسرعان ما اعلن الحبيب بورقيبة ان صفحة في تاريخ تونس قد طويت واخرى قد بدأت .عندئذ شكلت السلطات الفرنسية بعد  ان وصل المقيم الفرنسي الجديد  ( جان در هوتكلوك )  ميليشيا تحمل اسم (اليد الحمراء )  تتخصص بإختطاف الزعماء التونسيين واعتقالهم وكان من ضحاياهافرحات حشاد مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل يوم 5 كانون الاول 1950 .
وكرد فعل على ذلك نظم التونسيون انفسهم في تنظيمات مسلحة وبدأت حركة الكفاح المسلح في الاحراش والجنوب والساحل وحققت هذه التنظيمات الكثير من الانجازات واستمرت المقاومة المسلحة حتى تشرين الثاني 1954 .
اضطرت الحكومة الفرنسية ازاء اشتداد المقاومة ونتيجة هزيمتها المنكرة في معركة ديان بيان فو في لربيع 1954 الى تغيير سياستها ففي 31 تموز 1954 وصل منديس فرانس رئيس الوزراء فرنسا الى قرطاج واعلن عن نية فرنسا منح تونس استقلال داخلي .وفي 4 ايلول 1954 بدأت المفاوضات بين الجانبين الفرنسي والتونسي واستمرت حتى 3 حزيران 1955 وخلال المفوضات ، وجه المقيم الفرنسي العام في تونس نداءا الى الثوار طالبهم بتسليم اسلحتهم واعدا اياهم بالعفو .
كما تعهدت الحكومة الفرنسية في 16 تشرين الثاني 1954 بضمان سلامة الثوار ، وتدخل الحزب  الدستوري  الجديد ، ليقنع اعدادا من المقاتلين بتسليم اسلحتهم وتشكلت وزارة لبدء المفاوضات كان من بين اعضائها (المنجي سليم ) ، ومن شخصيات مستقلة اخرى وبدأت المفاضات وكانت صعبة وزاد من تعقيدها اندلاع الثورة الجزائرية يوم 1 تشرين الثاني 1954 وتدهور الحالة السياسية في المغرب .
اظهرت حكومة منديس فرانس نوعا من التصلب في المفاوضات وخاصة فيما يتعلق بحقوق  الفرنسيين المقيمين في تونس .
وخلال المفاوضات سقطت حكومة منديس فرانز في 5 شباط 1955 وخلفتها وزارة إدغار فور FOURE  الذي انهى المفاوضات ووقع على الاتفاقيات التونسية –الفرنسية في 3 حزيران 1955 .
احدثت نتائج  المفاوضات انقساما داخل صفوف الحزب الدستوري الجديد فالامين العام للحزب (صالح بن يوسف ) رفض الاتفاقيات وقال انها لم تعط تونس سوى الاستقلال الداخلي ودعا الى مواصلة النضال .
لكن مؤتمر الحزب الدستوري الجديد الذي انعقد في صفاقس يوم 15 تشرين الثاني 1955 ايد الحبيب بورقيبه وسياسته الواقعية كما وصفت في حينه .
ونشبت معركة  سياسية حامية بين انصار ( صالح بن يوسف)  وانصار (الحبيب بورقيبة ) وقد دفعت هذه المعركة  الحزب الدستوري الجديد الى  ان يصلب مواقفه في المفاوضات  وكانت هذه كما يقول الاستاذ محمد الهادي الشريف في كتابه "تاريخ تونس " "ثابتة من الثوابت في سياسة بورقيبة وتتمثل في انه كان يعتمد على تنازلات الخصم ليطالب بالمزيد منها .
عاد صالح بن يوسف الى تونس في 13 ايلول 1955 وحاول الحبيب بورقيبة ان يقنعه بالعدول عن معارضته للاتفاقيات وعرض عليه رئاسة الحكومة التي ستتشكل فرفض لذلك أقدم بورقيبة على استحصال الموافقة من الحزب على فصله ورد صالح بن يوسف بأن استصدر قرارا بفصل بورقيبة من الحزب وهكذا انقسم الحزب الدستوري الجديد على نفسه .
كان المكتب السياسي برئاسة بورقيبة والامانة العامة برئاسة بن يوسف وقد دخلت السلطات الفرنسية على الخط فأصدرت قرارا بإعتقال صالح بن يوسف الذي فر الى ليبيا وعند ذلك اصدر بورقيبة قرارا بحل الامانة العامة للحزب الدستوري الجديد .
كان لهذه التطورات اثر كبير في استئناف بورقيبة للمفاوضات مع الحكومة الفرنسية التي ادركت ان معارضتها قد تدفع التونسيين الى معارضة بورقيبة نفسه .
وفي 20 اذار 1956 اعلنت حكومة ( غي موليه ) الفرنسية الغاء معاهدة 12 ايار 1881 واستقلال تونس استقلالا تاما . لكن مما يلحظ ان هذا الاستقلال لم يكن تاما اذ احتفظت فرنسا بقاعدة بنزرت البحرية حتى تشرين الاول 1963 .
لقد نص بروتوكول الاستقلال على المبادئ الرئيسية التي يستند اليها وضع تونس مشترطا عقد اتفاقيات بين الطرفين والتي يجب ان تنظم العلاقات المشتركة بينهما في حقلي الدفاع والشؤون الخارجية لتونس .وجاء في البروتوكول بأن فرنسا تعلن اعترافها بتونس وانطلاقا من ذلك فإن المعاهدة المعقودة بين فرنسا وتونس في الثاني عشر من مايس 1881 فقدت القوة في تنظيم العلاقات بينهما .
كما ان المواد المتضمنة في اتفاقية 3 حزيران 1955 والتي تناقض مع الوضع الجديد لتونس كدولة مستقلة ذات سيادة ستغير او تلغى واستنادا الى ذلك ،فإن تونس ستقوم بتنفيذ مسؤوليتها في حقول السياسة الخارجية والامن والدفاع الوطني ،وكذلك في تكوين جيشها الوطني .وانطلاقا من الاحترام المتبادل لسيادة فرنسا وتونس فإن الطرفين اتفقا على تحديد وتنفيذ الشروط المتعلقة بالعلاقات المتبادلة بين البلدين على اساس الارادة الحرة على ان يتعاونا في الحقول التي يملكان فيها مصالح مشتركة وعلى الاخص في حقلي الدفاع والسياسة الخارجية .ونصت الاتفاقية بين الطرفين على شروط مساعدة فرنسا لتونس في بنائها لجيشها الوطني **.
كانت اول خطوة أقدمت عليها تونس عقب حصولها على الاستقلال إبعاد (البايات ) ، واعلان قيام ( الجمهورية التونسية ) يوم 25 تموز 1957 وقد تسلم الحبيب بورقيبة ورفاقه من قادة الحزب الدستوري الجديد  الحكم ، وهو الحزب الذي اطلق عليه فيما بعد (الحزب الاشتراكي الدستوري ) .

*ابراهيم خليل العلاف ، تاريخ الوطن العربي الحديث والمعاصر ،دار ابن الاثير للطباعة والنشر ، جامعة الموصل ، (الموصل ، 1983 ) ص ص 236-239 .
**نص وثيقة الاستقلال التي هي (بروتوكول 20 مارس 1956 ) موجودة في ( مجلة الشؤون الدولية ) Foreign Affairs 1956 العدد 5 نص روسي ص ص 158-159 .....كما انها موجودة في L Arnee Politigue 1956 p510-511 .وقد درس  الاستاذ الدكتور حكمت شبر  في كتابه " الجوانب القانونية لنضال الشعب العربي من اجل الاستقلال "صدر ببغداد 1974 وهو اطروحته للدكتوراه في الاتحاد السوفيتي السابق قد اطلع على البروتوكول في الفصل الخاص بتونس ص ص 88-119 في ملفات ووثائق الامم المتحدة التي قبلت تونس في عضويتها في تشرين الثاني 1956 ..وقد اتخذت الدورة الطارئة للجمعية العامة للامم المتحدة قرارها الحازم بإجلاء جميع القوات الفرنسية من الاراضي التونسية والمطالبة فورا بالبدء بالمفوضات بين تونس وفرنسا حول الجلاء وفي 15 تشرين الاول 1963 تم اجلاء اخر جندي فرنسي من الاراضي التونسية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مدينة طرسوس ودورها في التاريخ العربي الإسلامي (172-354 هـ -788-965 م كتاب للدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي

  مدينة طرسوس ودورها في التاريخ العربي الإسلامي (172-354 هـ -788-965 م كتاب للدكتورة سناء عبد الله عزيز الطائي عرض ومراجعة : الدكتور زياد ع...