السبت، 23 يناير 2010

شخصية الموصل العربية -الاسلامية ..عرض تأريخي


شخصية الموصل العربية الإسلامية:عرض تاريخي

أ.د. إبراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث -جامعة الموصل

كلمة لابد منها :

ليس من مهمات هذه الدراسة ، الرد على أولئك الذين باتوا ينكرون القومية العربية ، بقدر ما هي محاولة لإبراز حقيقة تاريخية تتعلق بالطبيعة العربية الإسلامية للموصل كمدينة ، وكإقليم حضاري ، كان له دوره التاريخي الفاعل عبر عصور سحيقة في القدم (1) .

والانتماء القومي العربي الذي نقصده لا يرتبط بالأسس العرقية وإنما بالأسس الثقافية ، وبالمعنى الذي أشار إليه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حين قال : (( ليست العربية بأحدكم من أب ولا أم ، وإنما هي باللسان ، فمن تكلم العربية فهو عربي )) . وتفسير الحديث الشريف أن بودقة العروبة الصاهرة هي اللسان العربي ، فمن أتخذه لساناً له ، وشعر أنه جزء من الأمة التي تنطق به ، فهو عربي مهما اختلفت الأصول التي تحدر عنها .

ومما يزيد هذا التفسير تأكيداً وقوة أن لفظ عربي وردت في القران الكريم في آيات عديدة ، قرينة اللسان العربي من ذلك آية ( 16 ) في سورة النحل (( وهذا لسان عربي مبين )) ، وآية (12) في سورة يوسف (( إنا أنزلناه قراناً عربياً لعلكم تعقلون )) ، وفي آية (13) في سورة الزمر(( قراناً عربياً غير ذي عوج لعلكم تعقلون ))، وواضح كل الوضوح من هذه الآيات الكريمات أن كلمة عربي اتصلت أولاً وقبل كل شئ باللغة العربية ، وليس فيها أي إشارة إلى جنس أو عرق ، وفي هذا دليل قاطع على أمرين أولهما أن العروبة تقوم أول ما تقوم ، على أساس من اللغة العربية . وثانيهما أن من أحب العرب أحب الإسلام ومن بغض العرب بغض الإسلام(2) .

أولاً: مرحلة ما قبل الإسلام

كانت منطقة الموصل منذ عصور ما قبل التاريخ ، موطن عطاء حضاري متقدم ، ومما ساعد على ذلك موقع الموصل الجغرافي ، وخصوبة أرضها ، وجودة مناخها ، ولوجود نهر دجلة ، فضلاً عن غناها وقدراتها في تقديم الكثير من المنجزات الحضارية وخاصة فيما يتعلق باكتشاف الزراعة ونشوء القرى والمدن والقصبات (3) .

اقترنت الموصل كمدينة، بنينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية ( 2000ق.م – 612 ق.م ) .وكما تشير الدراسات التاريخية المتداولة ، فأن الأقوام الجزرية السامية كم سُميت خطأً من قبل العالم النمساوي شلوستر ) ، التي انطلقت من الجزيرة العربية ، خلال فترات مختلفة من التاريخ ، قد وجدت طريقها إلى الموصل ، وان منطقة الموصل كانت معروفة عند العرب قبل الإسلام بخصوبتها ، وطيب مناخها ، فكانوا يسمونها ( باعربايا ) أي بلاد العرب (4) .

ويذكر أبن الفقيه رواية للأصمعي تقول : (( كانت قريش تسأل في الجاهلية عن خصب باعربايا وهي الموصل لقدرها عندهم … )) (5).

ولقد وقر في ذهن العرب ، أن نينوى هي قرية النبي يونس عليه السلام ، والنبي يونس عليه السلام ، نبي من أهل القرن الثامن قبل الميلاد . وقد وردت قصته في العهد القديم بأسم يونان بن امتاي ، كما ورد ذكر النبي يونس عليه السلام في القران الكريم بأسم يونس وذي النون أي صاحب الحوت في ست سور هي ( يونس، الأنبياء ، الصافات ، الأنعام ، القلم ، النساء ) (6) .

وقد تحدث القران الكريم عن النبي يونس في قوله تعالى : (( وان يونس لمن المرسلين . اذ اَبِقَ الى الفُلك المشحون ، فسَاهم فكان من المُدحضين ، فالتقمهُ الحوتُ وهو مُليم ، فلولا أنه كان من المسبحين ، للبث في بطنه الى يوم يُبعثون ، فنبذناه بالعراء وهو سقيم ، وأنبتنا عليه شجرةً من يقطين ، وأرسلناه الى مائة ألف أو يزيدون فأمنوا فمتعناهم الى حين )). (7)

وهكذا فأن أهل نينوى لما عرفوا صدق النبي يونس عليه السلام ، وصدق دعوته ، خرجوا إلى تل مرتفع سُمي فيما بعد بتل التوبة وأعلنوا توبتهم ، إذ كانوا قوماً وثنيين ، وعادوا إلى مساكنهم مؤمنين موحدين (8) .

قال تعالى : (( فلولا كانت قريةٌ آمنت فَنفعها ايمانُها إلا قومَ يُونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ))(9).

ولقد اتجهت نحو الموصل مجاميع كبيرة من القبائل العربية قبل الإسلام وجاء ذلك ضمن سياق هجرات عرفتها الجزيرة العربية ، ابتدأت بهجرة الاكديين ، والاموريين ، والكلدانيين ، والآشوريين واستمرت حتى القرن الثامن عشر الميلادي ، حين هاجرت قبائل شمر إلى العراق وسوريا . وكان وراء هذه الهجرة عوامل عديدة يتعلق بعضها باشتداد المنازعات والخصومات القبلية في الجزيرة العربية ، في حين تعلق البعض الآخر بأن خصوبة منطقة الموصل والجزيرة الفراتية وكثرة مياهها وطيب مناخها ، دفع تلك القبائل الى أن تهجر مواطنها القاحلة في الجزيرة العربية وتتجه نحو الشام والعراق (10). ومن أبرز القبائل التي استوطنت الموصل أياد ،وتغلب ، ونمر ، وشيبان وقضاعة (11) .

ان مما يوضح طبيعة الصلة بين الموصل والجزيرة العربية ، وجود بعض الروايات التاريخية ، التي تشير إلى أن بعض الأحناف العرب الذين رفضوا عبادة الأصنام ، ولم يدخلوا في اليهودية والنصرانية ، قد أوصلتهم أسفارهم وهم يبحثون عن العقيدة الصحيحة الى الموصل . وكان من أبرز هؤلاء الأحناف زيد بن عمرو بن نفيل(12) . وقد ذكر المؤرخ والمفسر المعروف إبن كثير أن زيداً ذهب الى (( الشام يلتمس ، ويطلب من أهل الكتاب الاول ، دين إبراهيم ويسأل عنه ولم يزل في ذلك فيما يزعمون حتى أتى الموصل والجزيرة كلها )) . (13)

أما البخاري فذكر في صحيحه أن زيداً بن عمرو بن نفيل لقي الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي (14) وأن مما له صلة متينة بهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما وصل الى الطائف ، التقى بشخص هناك أسمه ( عداس ) وكان مسيحياً من أهل نينوى ، ,أورد ذلك المؤرخ والمفسر المعروف الطبري حينما ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما اضطره سفهاء الطائف للالتجاء الى أحد بساتينها للتخلص مما كان يتعرض له من الأذى ، جاءه عداس بطبق فيه عنب . (( فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده ، قال : بسم الله ، ثم أكل ، فنظر عداس في وجهه ، ثم قال : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذا البلاد ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ومن أهل أي البلاد أنت ياعداس وما دينك ؟ قال : نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ فقال له عداس : وما يدريك ما يونس بن متى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أخي ، كان نبياً وأنا نبي ، فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه ، فلما رأى عتبة وشيبة إبنا ربيعة ما فعله عداس ، وكانا مشركين ، قالا له : ويلك ياعداس ، مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه .. قال يا سيدي ما في الارض خير من هذا ، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه الا نبي ، قالا له : ويحك ياعداس ، لايصرفنك عن دينك …))(15) .

كانت الموصل في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام قد وقعت تحت الاحتلال الاجنبي : الاخميني والسلوقي والفرثي والساساني (16) وفقدت نينوى أثر سقوط الإمبراطورية الآشورية سنة 612 ق. م على يد الميديين والكلديين ، مكانتها السياسية وأفسحت المجال فيما بعد لظهور دولة الحضر العربية التي لم تكن في زمن الآشوريين سوى قرية صغيرة لكن بمرور الزمن أصبحت القرية مركزاً لتجمع القبائل العربية المتجمعة حول مياه الأمطار التي تنساب إلى الحضر أو تسير تحت الأرض في سرب لتظهر في البثوق التي تكثر في أطراف تلك القرية (17) . وبعد سنة 126 ق. م توسعت مدينة الحضر ، وازدادت أهميتها بتأثير عاملين أولهما : الدين وثانيهما العامل العسكري ، ومما يعزز هذا الرأي كثرة المعابد الموجودة في الحضر ، ومناعة أسوارها واستحكاماتها . وقد أشارت بعض المصادر إلى أن القبائل العربية كانت مستمرة في مقاومة النفوذ الاجنبي . أورد الطبري والمسعودي أخباراً تؤكد بأن لقبيلتي أياد وقضاعة ، دوراً مهماً في هذه المقاومة التي تقتصر على الجانب العسكري ، بل اتسعت لتأخذ شكل المعارضة لعقائد المحتلين (17) . وقد أشار أحد الباحثين الى أن العرب رفضوا الدخول في المجوسية وهي الديانة الرسمية للإمبراطورية الساسانية ، وفي الوقت نفسه امتنعوا عن تقبل المذهب الرسمي للإمبراطورية البيزنطية بخصوص طبيعة السيد المسيح ، وظلوا يعتمدون (( العربية لغة لكنيستهم المستقلة عن بيزنطة ))(18).

ثانياً: مرحلة ما بعد الإسلام

إزاء الارتباط التاريخي بين الموصل وبيئتها العربية ، لم يكن غريباً على القبائل العربية بعد ظهور الإسلام أن تظهر اهتماما بأوضاع أبناء العمومة في العراق والشام ، خاصة وأن الصلات التجارية بين الجزيرة العربية ومنطقة الهلال الخصيب كانت مستمرة ولذلك عندما بدأت الفتوحات لنشر الرسالة الإسلامية السمحاء ، كانت الموصل في مقدمة المناطق التي اتجه اليها المسلمون . وقد فتحت معركة القادسية ، التي حررت العراق من السيطرة الفارسية في حدود سنة 15 هـ / 636م ، الباب لتحرير الموصل من التسلط البيزنطي ، وأسرع القائد العربي ( عبد الله بن المعتم ) ،بإرسال رسل من قبائل تغلب ، وأياد ، الى الموصل قبل دخول القوات العسكرية اليها . ولم يجد المسلمون أية صعوبة في فتح الموصل صلحاً ، ومن أجل تأمين الأمن والنظام في المدينة ، عّين عبد الله بن المعتم ( ربعي بن الافكل العنزي ) على شؤون الحرب في المدينة ، وعهد الى ( عرفجة بن هرثمة ) بأمور جباية الخراج والشؤون المالية (19).

لقد سكنت الموصل في أعقاب الفتح ، قبائل عربية عديدة ، ويلاحظ الموصليون أن مدينتهم ما زالت منقسمة إلى أحياء وميادين ومحلات ، وأن لسكان كل حي عادات وتقاليد متمايزة موروثة عن القبيلة التي ينتسبون إليها . كما أن لكل حي مسجداً وسوقاً ومقبرة خاصة يسمى بأسم المحلة . وكان في المدينة أبواب عديدة موزعة على أحيائها جرياً على عادات أجدادهم العرب عند تمصيرهم المدن والتوطن فيها ويعزى ذلك الى أن العرب يمقتون النظام المركزي ، فكانوا أينما حلوا تجمعوا قبائل وفرقاً منفصلة لكل قبيلة حيها ، ومنازلها ، ومسجدها ، وسوقها ومقبرتها . ومن القبائل التي سكنت الموصل بعد الفتح تغلب ، ونمر ، وأياد ، وقريش ، وبنو الحارث ، وبنو تميم ، وخزرج ، والشهوان ، وبنو ثقيف ، والمشاهدة ،و بنو هاشم المعروفون بالسادات ، وبنو عبادة ، والخواتنه ، والعزة ،و الزبيد ، والحياليين ،و البو نجمة ، والشقادحة ،و العكيدات (20).

ولنتساءل عن موقف نصارى الموصل من الفتح الإسلامي فنقول (( النصارى في الموصل استقبلوا العرب مثل محررين )) ، و(( لقد فتحوا أبواب المدينة أمام العرب ، لكي ينجوا من طغيان البيزنطيين )) ،و يشير الاب جان موريس فييه الدومينيكي (( الى أن ( مارن عّمه ) ، وكان أسقفاً لنينوى ، قد أصبح جاثليقاً لكنيسة المشرق في نحو سنة 647م ، برغم كبر سنه ، بدعم أصدقاءه العرب اعترافا منهم بالخدمات التي قدمها لهم عند دخولهم الموصل خاصة في مجال تزويد الجيوش العربية بالمؤونة الضرورية )) . وينقل عن تاريخ ميخائيل السرياني قوله (( أن الرومان البيزنطيين نهبوا كنائسنا ، وأديرتنا ، وعاملونا بهمجية ودون شفقة ، فأرسل الله من الجنوب بني إسماعيل لينقذونا منهم … ومن قساوتهم ومن شرهم ، وغضبهم ، وحسدهم العاتي ، وإننا حصلنا على الراحة والسلام )) . ويضيف الى ذلك قوله : (( أن المسيحيين الذين اعتنقوا الإسلام إبان الفتح العربي لم يكونوا قد فعلوا ذلك نتيجة ضغط أو إكراه . فالعرب الفاتحين كانوا يمنحون أهل البلاد حرية الاختيار بين الإسلام أو دفع الجزية لقاء حمايتهم )) (21)

دخلت الموصل في حوزة الدولة العربية الإسلامية ، وقرر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( 13-23هـ / 634-640م) اتخاذها مركزاً للفتوح ومقراً لأجناد الدولة . وقد أسهمت القبائل العربية في الموصل ، خلال العهدين الراشدي والأموي ، في عمليات تحرير أذربيجان وأرمينيا خاصة بعد أن ازدادت أهميتها الإستراتيجية والاقتصادية والسياسية ، إثر اختيارها قاعدة إدارية لمنطقة ديار ربيعة التي شكلت الجزء الاكبر من ولاية الجزيرة (22).

ولم تبق الموصل أبان الحكم العباسي (123-656هـ/ 749-1258م) بعيدة عن التطورات السياسية التي شهدتها الدولة العربية الإسلامية ، فلقد قامت القبائل العربية ، بدور مهم في الحفاظ على الهوية العربية إزاء التحديات الأجنبية ، خاصة بعد أن أدخل العباسيون بعض الأنظمة والتقاليد الغريبة عن العرب (23) . ولم يتوانى الموصليون عن أن ينفردوا في بعض الفترات التاريخية ليؤسسوا لهم كيانات سياسية عربية وتحقق هذا مرتين أولاهما : عندما أقام الحمدانيون دولة مستقلة لهم في الموصل وحلب بين سنتي 193- 381هـ / 905-991 م (24) . وثانيهما عندما أسس العقيليون دولة مستقلة في الموصل بين سنتي 380-489هـ / 990-1095م . ولم يكن ذلك بعيداً عن الدولة العباسية وإنما كان ذلك ضمن إطار سيادتها السياسية والروحية (25) . وخلال الفترة التي سبقت سقوط بغداد على يد المغول سنة 656هـ/ 1258م ، إزدهرت في الموصل الحركة العلمية والحضارية ونبغ فيها أدباء وعلماء وفلاسفة وأطباء ومفسرين وشعراء كان لهم دورهم الفاعل في بناء الحضارة العربية والاسلامية .(26).

لقد كانت الموصل في مقدمة الدول العربية الإسلامية التي تحسست خطر الصليبيين الذين بدأوا يهددون بيت المقدس منذ أن أعلن البابا أوربانوس الثاني سنة 1095 م ، الحرب ضد المسلمين ودعا الى تخليص بيت المقدس من أيديهم . ومما يسجل لولاة الموصل أنهم رفعوا لواء الجهاد وتزعمت الموصل حركة المقاومة ضد العدوان الصليبي منذ بدايته بحكم قربها من مسرح الأحداث وباعتبارها أهم إمارة في شمال العراق أصبحت قاعدة للحركات العسكرية ، ومن ابرز أمراء الموصل الذين قادوا حركة الجهاد أبو سعيد كربوغا ، وشرف الدين مودود ، وعماد الدين زنكي ، ونور الدين زنكي . وكانت مقارعة الموصل للصليبيين ممهدة للنجاح الحاسم الذي حققه صلاح الدين الايوبي حينما نجح في إقامة جبهة الموصل – دمشق – القاهرة واستطاع في معركة حطين من تحرير بيت المقدس سنة 583هـ / 1188م (27).

بعد سقوط بغداد بيد المغول ، حاولت الموصل أخذ زمام المبادرة وقيادة حركة المقاومة ضد الغزاة ، وقد عمل الملك الصالح بن السلطان بدر الدين لؤلؤ ، حاكم الموصل بعد وفاة ابيه ، على تنظيم جبهة عربية إسلامية تتألف من الموصل ودمشق والقاهرة تقف ضد المد المغولي ، لكن هولاكو ، القائد المغولي أسرع فجّهز جيشاً كبيراً بقيادة سنداغو لمحاصرة الموصل وكعادة المدينة عند مواجهتها للغزاة فقد صمدت بصبر وشجاعة واباء تدافع عن دينها وحريتها وعروبتها ، على الرغم من سقوطها سنة 660هـ /1260 م والخراب الذي لحق بها والتدهور العلمي والاقتصادي والاجتماعي. (28)

خلال العهد العثماني 1515 – 1918 تميزت الموصل ، بعد دخول العثمانيين سنة 1515 في أعقاب أنتصارهم على الفرس الصفويين في معركة جالديران سنة 1514 ، بقدرتها على الحفاظ على شخصيتها الحضارية وتأكد ذلك من خلال افساحها المجال للجليليين وهم أسرة عربية أصلها من حصن كيفا بديار بكر قدمت مجهودات عسكرية كبيرة للدولة العثمانية ، لكي ينفردوا بحكم الموصل أكثر من مائة سنة أمتدت بين 1726 و 1834 وكذلك في صمودها أمام جيوش نادرشاه الفارسي الذي حاصر المدينة أربعين يوماً ابتدأت في اليوم الرابع عشر من أيلول سنة 1743 . وقد فشل نادرشاه فشلاً ذريعاً وانسحب من أمام أسوارها على الرغم من أنه حشد جيشاً قوامه ربع مليون رجل . وقد ذكر المؤرخ روبرت اولسون الذي درس الحصار وقدم عنه أطروحة للدكتوراه في جامعة برنستون الامريكية (( بأن القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين ، لم يشهدا حصار أية مدينة بمثل تلك القوة ، اللهم الا اذا استثنينا حصار نابليون لمدينة موسكو بـ (400) ألف رجل )) (29).

في أيام الحصار تجلت الطبيعة العربية – الإسلامية للموصل ، كما تمثلت الروح الوطنية لسكانها المسلمين والمسيحيين بأجمل صورها ففي رسالة الحاج حسين باشا الجليلي التي كتبها مفتي الموصل السيد يحيى أفندي الفخري ، ورد فيها على رسالة نادرشاه ما يؤكد إعتصام المدينة بالله الواحد الاحد (( فمن لاذ بكهف كفايته كفاه وحماه … فلا تغرنكم الحياه الدنيا ولايغرنكم بالله الغرور .. بلدتنا بحمد الله حصينة … أسيافنا صقيلة وسطوتنا ثقيلة وحلومنا رزينة وقلوبنا كالحديد متينة وبلدتنا بحمد الله حصينة .. فلا سمعاً لكم ولا طاعة وأهلاً بالسعادة والشهادة هذه الساعة )) (30).

وعندما أقدم محمد علي باشا والي مصر (1805-1842) على إقامة دولة عربية قومية قوية تتخذ من مصر قاعدة لها وتحركت جيوش أبنه ابراهيم لتسيطر على السودان والجزيرة العربية والخليج العربي والشام أخذت الموصل تتابع تلك النشاطات ، وجرى تعاون بين يحيى باشا الجليلي والشيخ صفوك شيخ عشائر شمر الجربا لمد العون للقوات المصرية . وكان يحيى باشا قد سيطر على الموصل بعد الانتفاضة التي قام بها ضد الوالي العثماني في بغداد على رضا باشا االلاز، وذلك بسبب دعم شيخ عشائر شمر له وللمدينة . وقد أعلن يحيى باشا الجليلي بعد استيلاءه على الموصل بمساعدة أهاليها ، أنه (( عاد الى الموصل وسوف يحكمها بأمر من دولة إبراهيم باشا لا بأمر من الدولة العثمانية )) (31). لكن الوالي العثماني تمكن من الإطاحة بحكم يحيى باشا الجليلي وإعادة الموصل إلى الحكم المباشر سنة 1834 ولم تمض سوى بضع سنوات حتى شهدت الموصل انتفاضة عربية عارمة سنة 1839 . وقد شملت الثورة أنحاء الموصل كافة ، وشارك فيها عدد من علماء الدين والاعيان وكان قادة الانتفاضة على صلة بأحد ضباط الجيش المصري في بلاد الشام واتضح ذلك من خلال رسالة مؤرخة في 12 آب 1839 جاء فيها أن والي بغداد علي رضا باشا أخمد الثورة وقتل من أعيان الموصل (( إثنان وسبعون شخصاً وسير من العلماء سبعة الى نواحي البصرة من دون ذنب سوى أنهم كاتبوا أفندينا أبراهيم باشا )) (32) . ويشير الدكتور عماد عبد السلام رؤوف استناداً الى وثيقة مهمة عثر عليها تتحدث عن الانتفاضة تلك الى أن عبد الكريم سبتي بن محسن من قبيلة الخزاعل ، وكان يسكن في محلة المكاوي في الموصل هو من أبرز قادة الانتفاضة . وكانت محلات الموصل مثل الميدان ، ورأس الكور ، والمكاوي ، وإمام إبراهيم ، هي الجزء الأكثر كثافة وأهمية في المدينة في القرن التاسع عشر ، اذ أنها تقع في منطقة قريبة من شاطئ دجلة ، وتصلها الامدادات بسرعة فضلاً عن أرتفاعها عن باقي أجزاء المدينة وفيها طرق ضيقة ( عوجات ) وكان يشارك عبد الكريم سبتي عدد من الزعامات مثل رجال من آل النوح ورؤساء عشائر من المحلات نفسها ومنهم الشهوان والبو حمدان (33).

أضطرت السلطات العثمانية الى أسناد ولاية الموصل الى شخصية موصلية هو ( محمد سعيد آل ياسين ) وذلك بعد أن أدركت رغبة الاهالي في أن يكون حاكمهم من بينهم ولكن مجئ السلطان محمود الثاني 1808-1839 وانتهاجه سياسة إعادة الحكم العثماني المباشر الى الولايات العثمانية أدى الى تعيين محمد اينجه بيرقدار والياً على الموصل وخلال عهده وعهد مدحت باشا والي بغداد 1869- 1872 شهدت الولايات العثمانية حركة إصلاحية لتحديث مؤسسات الدولة . وقد استمر الوضع حتى حدوث الانقلاب العثماني في 23 تموز 1908 ومع أن السلطان عبد الحميد الثاني 1876- 1909 استجاب لمطالب الثوار من جماعة الاتحاد والترقي فأعاد العمل بدستور 1876 ، الا أنهم سرعان ما خلعوه سنة 1909 ولم يلق الانقلاب في الموصل صدى واسعاً لان سكان الموصل كانوا يكنون لعبد الحميد الولاء بإعتباره يمثل آنذاك خليفة المسلمين ورائد الجامعة الاسلامية وقد شهدت مساجد وجوامع الموصل اجتماعات كبيرة بكى فيها الناس عبد الحميد وعدوا سقوطه انهياراً لأحد أعمدة الحكم الاسلامي (34).

لقد نشط الاتحاديون وكانوا على صلة بالمنظمات الماسونية الأوربية في الدعاية لمبادئهم في الحرية والعدالة والمساواة ، لكن أهل الموصل مالوا الى تشكيل جمعيات مناوئة لجمعية الاتحاد والترقي ، فتأسست جمعية الاخاء العربي العثماني . وحين بدأ الاتحاديون يدعون الى الطورانية والتتريك ، سعى الموصليون الى الالتفاف حول تنظيمات الاحزاب المعارضة كالحزب الحر المعتدل وحزب الحرية والائتلاف الذين كان لهما فروع في الموصل ، لكن هذين الحزبين فشلا في خلق تيار سياسي عربي قومي الامر الذي أضطر الموصليين الى التفكير في العمل السري ضمن تنظيمات قومية عربية أهمها جمعية العهد وجمعية العلم السريتين في الموصل (35).

جاءت الحرب العالمية الاولى لتعرقل النمو العربي القومي خاصة بعد أن دخل الشريف حسين ، شريف مكة في مساومات مع البريطانيين للثورة ضد العثمانيين . وعندما أصبحت الموصل سنة 1913 على أثر تنسيق الجيوش العثمانية بعد حرب البلقان وتشكيل الفيالق ، مقراً للفيلق الثاني عشر الذي كان بقيادة أمير اللواء أسعد باشا الدرزي وهو سوري ورئيس أركانه المقدم ياسين الهاشمي وهو عراقي ، أخذ عدد من الضباط الموصليين ومنهم عبد الله الدليمي ومحمد شريف الفاروقي العمري وعلي جودت الايوبي وبالتعاون مع زملائهم من بغداد ودمشق بالعمل على إنشاء فرع لجمعية العهد العسكرية السرية التي تأسست في استانبول العاصمة العثمانية سنة 1913 . وقد قام هذا الفرع بنشاط ملحوظ ضد السلطات العثمانية . وتأسست في الموصل جمعية العلم خلال هذه الفترة 1914 ضمت عدداً من الشباب المتحمسين من التيارين القومي والديني أمثال محمد رؤوف الغلامي ومكي الشربتي وعبد المجيد شوقي البكري ، وصار للجمعية عدد من المؤيدين ومعظمهم من علماء الدين أمثال محمد طاهر الفخري ومحمد سعيد الغلامي . وقد أتسع نشاط الجمعية اتساعاً كبيراً خلال الحرب العالمية الاولى ( 1914-1918 ) ، فكانت تبث الروح الوطنية والقومية (36).

استفادت بريطانيا من ظروف الحرب العالمية الأولى فأقدمت على احتلال الموصل سنة 1918 بعد احتلالها للبصرة 1914 وبغداد 1917 . وقد نشأ عن احتلال البريطانيين للموصل وضع جديد اذ ظهرت المقاومة بجانبيها العسكري والسلمي ، فعلى الصعيد السلمي أو السياسي قامت كل من جمعيتي العلم والعهد العراقي بالكثير من الفعاليات المضادة للمحتلين ولم يمض وقت طويل على بدء الاحتلال حتى انتسب إلى هاتين الجمعيتين جمع غفير من وجوه الموصل وعلمائها وتجارها ومثقفيها ورؤساء عشائرها كما أسهم الموصليون في المؤتمر العراقي بدمشق الذي عقد في 8 آذار 1920 وفيه قرر الموصليون مع إخوانهم من أبناء المدن الأخرى إعلان استقلال العراق وإتحاده مع سوريا سياسياً واقتصادياً . وانفرد فرع جمعية العهد في الموصل برفض الفقرة التي وردت في برنامج الجمعية والداعية الى التعاون مع بريطانيا(37) .

أما على الصعيد العسكري فقد حدثت في تلعفر يوم 4 حزيران 1920 مقاومة عارمة للمحتلين الانكليز كانت مقدمة لثورة شملت العراق كله وهي ثورة 1920 الكبرى . وقد رفع الموصليون ، ولاول مرة في تاريخ العراق ، العلم العربي بعد سيطرتهم على قلعة تلعفر ، حين أدركت السلطات البريطانية نية الثوار مهاجمة الموصل أرسلت قوات عسكرية كبيرة لاخماد الحركة فتم لها ما أرادت ومع هذا فقد كان لحركة تلعفر أثر في التغيير الذي حدث في السياسة البريطانية إذ نشر البريطانيون في بغداد بتاريخ 17 حزيران سنة 1920 بياناً جاء فيه ما يؤكد رغبة الحكومة البريطانية في جعل العراق دولة مستقلة . وتقرر إعادة السر بيرسي كوكس لتنفيذ هذه المهمة . كما أسهمت حركة تلعفر في تقوية اعتقاد العراقيين في الوسط والجنوب بأن الوضع العسكري البريطاني كان ضعيفاً ، وأن البريطانيين لن يستطيعوا الثبات طويلاً ، وكان ذلك من العوامل المؤدية الى نشوب الثورة الكبرى سنة 1920 بنطاقها الواسع وأهدافها الواضحة (38).

كان وطنيو الموصل على اتصال وثيق بالحركة الوطنية في بغداد ، وممن أبرز التنظيمات التي قامت بدور كبير في الدعوة الى استقلال العراق والمحافظة على وحدته ، حزب الاستقلال الذي تأسس في الموصل في الفاتح من أيلول سنة 1924 . وقد قام هذا الحزب بالتعاون مع جمعية الدفاع الوطني الموصلية التي تشكلت في 25 كانون الثاني 1925 بدور مهم في رفض المطالب التركية باعتبار الموصل جزءاً من الدولة التركية وهو ما عرف بمشكلة الموصل . وقد ظهرت هذه المشكلة عندما طالب الأتراك بولاية الموصل باعتبار أن القوات البريطانية دخلت اليها واحتلتها بعد عقد الهدنة ، لكن الاتجاه الوطني العراقي الذي ساد الموصل كان من العوامل الرئيسية في تسهيل أمر صيرورة ولاية الموصل جزءاً لا يتجزأ من الدولة العراقية (39).

كان حزب الاستقلال في الموصل أول حزب يتطرق الى الوحدة العربية . فقد جاء في نظامه السياسي (( أنه يعمل من أجل تنشيط حركة الوحدة العربية بقدر ما تسمح به طبيعة العراق السياسية ومنافعه الخاصة )) . وقد كانت تلك الظاهرة جديدة لم تبرز في منهاج أي حزب سبق هذا أو تلاه في تلك الفترة الزمنية ، ويبدو أن ذلك يرجع الى أن أعضاء ومؤسسي حزب الاستقلال في الموصل هم من العهدين السابقين . وقد ضمت الهيئة الادارية لحزب الاستقلال شخصيات موصلية عرفت باتجاهها العروبي أمثال سعيد الحاج ثابت ومكي الشربتي وشريف الصابونجي . وقد أصدر حزب الاستقلال جريدة العهد لتكون لسان حاله . وظهر العدد الاول في 20 كانون الثاني 1925 . وبعد إنتهاء مشكلة الموصل وصدور قرار عصبة الامم بتأكيد ارتباط الموصل بالدولة العراقية الحديثة سنة 1926 ورد مطالب تركيا ، أخذ الحزب يتلاشى ليفسح المجال لأحزاب أخرى تتطلبها ظروف العراق (40) .

في الثلاثينات من القرن العشرين ظهرت تنظيمات قومية عربية في الموصل منها على سبيل المثال نادي الجزيرة الذي تأسس في آذار سنة 1936 بهدف نشر الفكر القومي العربي وتنميته بين الشباب ومن مؤسسيه عبد الجبار الجومرد ونجم الدين جميران ونوئيل رسام وبشير حديد . وسرعان ما ظهرت أحزاب قومية كان لها فروع في الموصل ومنها حركة القوميين العرب التي تشكلت في أعقاب هزيمة 1948 . وفي سنة 1951 ظهرت هذه الحركة وأصدرت نشرة بأسم الثأر واهتمت بالنضال السياسي الذي يهدف الى التخلص من الصهيونية وخلق دولة عربية موحدة (41).

لقد ظلت الصبغة العربية الإسلامية تطبع العمل السياسي في الموصل وظهر ذلك واضحاً في كل الإحداث السياسية التي شهدتها الموصل وخاصة في السنوات 1952 و1959 وقد لا يتسع المجال في هذا الحيز المقتضب لمتابعة التعاون الذي حدث بين التيارين الديني والاسلامي والقومي العربي في الموصل ابان العهد الملكي أو ما بعد ثورة 14 تموز 1958 ويكفي أن نشير الى تضافر جهود رواد العمل السياسي في كثير من التظاهرات التي شهدتها الموصل انتصاراً لنضال شعبنا المجاهد في فلسطين ولعل من أبرز ميادين هذا النشاط فرع الحزب العربي القومي الذي أسسه عدد من الشباب العربي في بيروت منذ أواخر الثلاثينات وكان عبد الرحمن محمود الارحيم وحازم المفتي وإبراهيم وصفي من قادته وقد قام بدور وطني فاعل خلال ثورة مايس 1941 في العراق (42).

أما المحطة الاخرى التي شهدت تعاون التيارين الديني الاسلامي والقومي العربي فقد كانت خلال ثورة الموصل سنة 1959 حينما تعرضت هوية الموصل العربية الاسلامية للخطر وكان من قادة ( التجمع القومي الديني ) غانم حمودات وهاشم عبد السلام وسعد الله الحسيني وعبد الباري الطالب وفخري الخيرو (43).

خاتمة :

إن لموقع الموصل الجغرافي ، ولآرثها الحضاري ، ولتركيبتها السكانية ، أثر كبير في توجهاتها السياسية والفكرية والاجتماعية . وكما سبق أن قدمنا ، فأن الموصل تمثل نقطة إحتكاك وتفاعل دائم بين أقاليم طبيعية أربعة مهمة ، فهي من ناحية منطقة إنتقال من الصحراء المنبسطة الجافة الى الجبال الممطرة وماوراءها ، وهي من ناحية أخرى منطقة التقاء بين إقليم الجزيرة وبين السهل الرسوبي أو سواد العراق .. ولاشك في أن لكل من هذه الاقاليم الطبيعية تأثيره الخاص المتميز في تشكيل الحياة السياسية والحضارية والاجتماعية ، مما منحها بتوالي العصور شخصية مميزة ظاهرة القسمات (44).

تميز المجتمع الموصلي ، ولا يزال ، بتعدد وتنوع قومياته وأديانه ، وعاشت عناصره منذ عصور بعيدة متجاورة مشتركة ، وفي أجواء غلب عليها طابع التعاون والتسامح والمودة ، بحيث بدا السكان الموصليين وكأنهم ينتمون الى عنصر واحد . فمن الناحية الاثنية ضمت الموصل العرب والاكراد والتركمان والشبك . أما من الناحية الدينية ، فضمت المسلمين والمسيحيين واليزيدية ويمثل المسلمون الاغلبية العظمى كما يمثل العرب الاكثرية الساحقة (45). ومما عرفه الموصليون أن مدينتهم محاطة بقرى مسيحية ، وهذا أمر جعلهم يتمسكون بعقيدتهم الاسلامية ويعتزون بها من أجل تطبيق مبادئها السمحة وفي مقدمتها إحترام من يجدون بأنهم أقرب اليهم مودة . وفي الوقت نفسه لا ينكرون بأن إخوانهم الاكراد يعيشون في المنطقة الجبلية التي تمتد الى الشمال والشرق من مدينتهم وهذا عزز توجههم القومي مع احترامهم لتوجه إخوانهم الأكراد القومي . ولعل من الحقائق التي تم إثباتها تاريخياً ، أن التيار القومي العربي في الموصل سار جنباً الى جنب مع التيار القومي الكردي ، فكلاهما تدرج خلال ظهورهما وخاصة في السنوات 1908-1914 من اتجاهات ثقافية الى أخرى سياسية ، ومن تطلعات أقليمية محدودة في الاطار العثماني الى أفاق أوسع (46). كما لم يكن هناك منذ أواخر القرن التاسع عشر أي تقاطع أو تضاد بين التيارين . وفي الوقت نفسه أكدنا من خلال الصفحات السابقة ،أن الطبيعة الدينية الاسلامية للموصل لم تكن في أي يوم من الايام متعارضة مع الطبيعة القومية العربية ، فضلاً عن أن المحدد الديني Religin Determine كان له دور كبير في تحديد التكوين الاجتماعي والثقافي للموصل ويرجع ذلك الى أن سكان الموصل على إختلاف أديانهم هم على جانب عظيم من التدين والورع ، ويؤيد ذلك هذا العدد الكبير من المساجد والجوامع والاديرة والكنائس والمراقد التي تحتضنها الموصل . وقد أعطى هذا التنوع الموصل ميزة جعلها تنفرد بها عن باقي المدن العراقية ، مما كان له الاثر الكبير في شخصية وسلوك الفرد الموصلي ، لذلك ليس غريباً اليوم أن نلمح الرغبة الجامحة بين أبناء الموصل للعمل سوية في مثل هذه الظروف الصعبة من أجل بناء وطن واحد يتمتع فيه الجميع بالالفة والمحبة والعدالة . خاصة وأن التاريخ لم يسجل ، خلال مختلف عصوره ، حدوث أي شئ من الكدر وعدم الانسجام بين السكان فلقد حافظت الموصل دوماً على وحدتها ، وانسجامها ، وتضامنها الاجتماعي (47).

الهوامش والمصادر :

1. ثمة من العرب، وبعض من المسؤولين ، قد أصبح لا يخجل من التصريح (( بأن الأوضاع التي تعيشها المنطقة قد جعلت لبلاده تكفر بالعروبة )). جريدة المدى 24 آذار 2004.

2. عبد الرحمن البزاز ، هذه قوميتنا ، دار القلم ، ( القاهرة ، لا.ت ) ص ص 113-114.

3. للتفاصيل أنظر : هاشم يحيى الملاح ، (( الموصل والرسالة الاسلامية )) في جامعة الموصل ، موسوعة الموصل الحضارية ، المجلد (2) ، دار الكتب للطباعة والنشر ، ( الموصل ، 1992 9 ، ص 13.

4. للتفاصيل انظر : سالم أحمد محل ، (( منطقة الموصل تحت وطأة الاحتلال الساساني )) ، جامعة الموصل ، موسوعة الموصل الحضارية ، المجلد (1) ، ص 146.

5. أنظر : أبو بكر أحمد بن محمد الهمداني ( إبن الفقيه ، مختصر كتاب البلدان ، مطبعة بريل ، ليدن 1303هـ (1885م) ، ص ص135 .

6. أدهام عبد العزيز الولي ، (( جامع النبي يونس وتل التوبة ، موكب التاريخ )) ، مجلة آفاق الثقافة والتراث ، دبي ، الامارات العربية المتحدة ، السنة العاشرة ، العدد الاربعون ، شوال 1423هـ – يناير – كانون الثاني 2003 ، ص ص 152-153 .

7. القران الكريم ، سورة الصافات ، الايات (139-148).

8. الولي ، المصدر السابق ، ص 163-146.

9. القران الكريم ، سورة يونس ، الاية (98).

10. حل ، المصدر السابق ، ص 146.

11. للتفاصيل أنظر: محمد جاسم حمادي المشهداني ، الجزيرة الفراتية والموصل ، ( بغداد ، 1977)، ص 157.

12. الملاح ، المصدر السابق ، ص 16.

13. ابن كثير ، السيرة النبوية ، ( بيروت ، لا.ت ) ، جـ1 ، ص ص 79-80.

14. المصدر نفسه ، جـ1 ، ص ص 81-82.

15. ابن هشام ، السيرة النبوية ، القسم الاول ، ( القاهرة ، 1955 ) ، ص ص 420-421.

16. أنظر : جابر خليل إبراهيم ، (( منطقة الموصل في فترة الاحتلال الاجنبي : الاخميني والسلوقي والفرثي )) في موسوعة الموصل الحضارية ، المجلد الاول ، ص ص 128-144.

17. أنظر : المسعودي ، مروج الذهب ، جـ 1 ، ( بيروت ، 1986 ) ، ص 270 ، وكذلك الطبري ، تاريخ الرسل والملوك ، جـ2 ، ( القاهرة ، 1968 ، ص ص 47-48).

18. أنظر : نكيتا ايسيلين ، الشرق الاوسط في العصر الوسيط ، ترجمة منصور أبو الحسن ، ( بيروت ، 1986 ) ، ص 47 .

19. للتفاصيل أنظر: ابن الاثير ، الكامل في التاريخ ، جـ2 ، المطبعة الاميرية، القاهرة 1301 هـ ، ص 258.

20. للتفاصيل أنظر : احمد علي الصوفي ، خطط الموصل ، جزءان ، ( الموصل ، 1953 ) .

21. للتفاصيل أنظر : جان موريس فييه الدومنيكي ، الاثار المسيحية في الموصل ، ترجمة نجيب قاقو ، مطبعة الطيف ، ( بغداد ، 2000 ) ن ص ص 16-18 .

22. عبد الواحد ذنون طه ، (( الموصل في العهد الاموي 40-132هـ/660-749م )) في موسوعة الموصل الحضارية ، المجلد (2) ، ص ص 32-36 .

23. فاروق عمر فوزي ، (( الموصل أبان الحكم العباسي المباشر )) ، في موسوعة الموصل الحضارية ، المجلد (2) ، ص ص 66- 75 .

24. فيصل السامر ، الدولة الحمدانية ، جـ1 ، ( بغداد ، 1970) .

25. خاشع المعاضيدي ، دولة بني عقيل في الموصل ، ( بغداد ، 1968 ).

26. للتفاصيل أنظر : سليمان صائغ ، تاريخ الموصل ، جـ 2 ، ( القاهرة ، 1923) .

27. توفيق سلطان اليوزبكي ، (( محافظة نينوى في العصور العربية والاسلامية )) ، محافظة نينوى بين الماضي والحاضر ، دار الكتب للطباعة والنشر، ( الموصل ، 1986) ص ص 67-69 .

28. إبراهيم خليل العلاف ، الموصل في العصور الحديثة ، في عامر سليمان وآخرون ،في عامر سليمان وآخرون ، محافظة نينوى بين الماضي والحاضر ، دار الكتب للطباعة والنشر، ( الموصل ، 1986) ص ص 89.

29.

R.Olson, The siege of Mousel &Ottoman-persian Relation 1718-1743

(Bloomington , 1975) p.187.

30. عماد عبد السلام رؤوف ، الموصل في العهد العثماني ، مطبعة الاداب ، ( النجف الاشرف ، 1975 ) ، ص ص 102-115، 514-517.

31. للتفاصيل أنظر : رسالة الماجستير التي قدمتها سهير نبيل كمال بأشراف كاتب هذه السطور الى مجلس كلية الاداب بجامعة الموصل سنة 2003 والموسومة (( سياسة محمد علي باشا والي مصر تجاه العراق والخليج العربي وموقف بريطانيا والدولة العثمانية منها 1816 -1840 ، وهي غير منشورة ، ص ص 76 –81 .

32. عماد عبد السلام رؤوف ، (( أضواء على انتفاضة الموصل المنسية 1839 )) ، مجلة المجمع العلمي ، المجلد (44) ، الجزء (1) ، بغداد 1998 ، ص ص 170-172.

33. المصدر نفسه ، ص ص 172-176.

34. إبراهيم خليل أحمد العلاف ، الموصل في العصور الحديثة ، ص ص 102-103 .

35. المصدر نفسه ، ص 109.

36. للتفاصيل أنظر : ابراهيم خليل العلاف ، الحركة العربية في الموصل قبيل الحرب العالمية الاولى )) ، مجلة الخليج العربي ، يصدرها مركز دراسات الخليج العربي ، ( البصرة ، 1976) .

37. أنظر: عبد الله الفياض ، الثورة العراقية الكبرى سنة 1920 ، مطبعة الارشاد ، ( بغداد ، 1963 ) ، ص 62 .

38. للتفاصيل أنظر : إبراهيم خليل العلاف ، ثورة 1920 الوطنية والقومية في العراق ، في: مجموعة باحثين ، المفصل في تاريخ العراق المعاصر ، مؤسسة بيت الحكمة ، ( بغداد ، 2002 ) ، ص ص 182-183 .

39. أنظر : فاروق صالح العمر ، الأحزاب السياسية في العراق 1921-1932 ، دار الحرية للطباعة ، ( بغداد ، 1978 ) .

40. انظر : إبراهيم خليل العلاف ، تاريخ الفكر القومي العربي ، دار الشؤون الثقافية العامة ، ( بغداد ، 2001 ) ، ص 185 .

41. المصدر نفسه ، ص 188 .

42. من مؤسسيه البارزين ممدوح السخن وفريد يعيش من فلسطين وقسطنطين زريق وعادل عسيران من لبنان ومسلم الحافظ ومنير الريس من سوريا ويشير الريس أن تأسسيس الحزب العربي القومي تم قبل بضع سنين من عام 1936 وثمة من يحدد عام 1929 تاريخاً لتأسيسه وأكد الحزب على أهمية العمل من أجل وحدة العرب واستقلالهم ، أنظر: عبد الفتاح علي البوتاني ، الحياة الحزبية في الموصل 1926-1958 ، مطبعة وزارة التربية ، ( أربيل ، 2003 ) ، ص ص 132-133 .

43. للتفاصيل انظر : هاشم عبد الرزاق صالح الطائي ، ثورة الموصل القومية : دراسة تاريخية ، رسالة ماجستير غير منشورة قدمت الى مجلس كلية الآداب / جامعة الموصل ، 1999 ، ص ص 59-60.

44. رؤوف ، الموصل في العهد العثماني ، ص ص 10-11.

45. ابراهيم خليل العلاف ، (( الحياة الاجتماعية في ولاية الموصل 1515-1918)) ، في :عبد الجليل التميمي ، ( جمع وتقديم ) ، الحياة الاجتماعية في الولايات العربية أثناء العهد العثماني ، الجزءان الأول والثاني ، زغوان – تونس 1988، ص 511 .

46. ابراهيم خليل العلاف ، ولاية الموصل : دراسة في تطوراتها السياسية 1908-1922 ، رسالة ماجستير قدمت إلى مجلس كلية الآداب –جامعة بغداد 1975 وهي غير منشورة ، ص 117 .

47. للتفاصيل أنظر: خليل محمد حسين الخالدي ، التنظيم الاجتماعي والشخصية الموصلية : دراسة سوسيو- انثروبولوجية ، بحث غير منشور بحوزة صاحبه ولدينا نسخة منه ، 2002 ، ص ص 15-16.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...