الخميس، 7 يناير 2010

عبد الحافظ سليمان 1926-1995 ودوره الدعوي والتربوي


عبدالحافظ سليمان 1926_ 1995
ودوره الدعوي والتربوي
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية_جامعة الموصل
رحم الله أستاذنا عبد الحافظ سليمان، فقد كان من المع المدرسين، وأكثرهم تأثيرا في طلبتهم، لما كان يتمتع به من أخلاق رفيعة، وسلوك متميز، ورحمة واضحة، واريحية وبساطة في التعامل مع الناس والحياة والمجتمع. وقد تتلمذت على يديه عندما كنت طالبا في المتوسطة المركزية في الستينات من القرن الماضي، وعرفته أكثر، بعد تقاعده وفتحه في الثمانينات محلا لبيع (المبردات الكهربائية) في محلة المحموديين بالموصل، وظلت علاقتي به طيبة حتى توفى، رحمة الله، في الثاني عشر من أيار سنة 1995.
عبدالحافظ سليمان، لم يأخذ حقه من الاهتمام، ولم يكتب عنه إلا الشيء القليل، ولم يضمه أستاذنا الدكتور عمر الطالب إلى موسوعته الشهيرة (موسوعة إعلام الموصل في القرن العشرين) ،وقد كتب عنه الأستاذ ذنون البكر، مشكورا، مقالة، في جريدة (الشورى) الموصلية بعددها (15) الصادر في 14 آب سنة 2003.
ولد عبدالحافظ سليمان في مدينة الموصل سنة 1926، وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية فيها، ثم ذهب إلى بغداد ليدخل كلية الإمام الأعظم (الشريعة)، وتخرج فيها سنة 1952. وقد عين في العام ذاته مدرسا في المتوسطة المركزية، ثم في إعدادية الحكمة. وخلال مسيرته التعليمية الطويلة، تخرج على يديه آلاف من الطلبة الذين لايزالون يكنون له الاحترام والتقدير.
كان لعبد الحافظ سليمان دور كبير في فتح ثانوية مسائية أهلية باسم (ثانوية الأماني)، وقد تولى إدارتها وعمل معه فيها الأستاذ ذنون البكر، وكان يدرس الرياضيات، ثم اختاره ليكون معاونا له إلى جانب الأستاذ نافع على الذنون (المعاون الثاني) ،وكان ذلك في مطلع الستينات من القرن الماضي. وقد احتلت ثانوية الأماني المسائية، بفضل إدارته ، وما استقطبته من كفاءات علمية مقتدرة، مكانة بارزة في البنية المدرسية التعليمية الموصلية في تلك الفترة المهمة من تاريخ الموصل القريب.
وفي سنة 1969، وافقت وزارة التربية على إعارة خدمات الأستاذ عبد الحافظ سليمان إلى المملكة العربية السعودية ولمدة ثلاث سنوات. وقد عين مدرسا في ثانوية طيبة في المدينة المنورة.
انضم الأستاذ عبد الحافظ سليمان إلى (جماعة الإخوان المسلمين) منذ أن كان طالبا في كلية الإمام الأعظم ببغداد. وتقول الباحثة إيمان عبد الحميد محمد الدباغ في كتابها (جمعية الأخوة الإسلامية في العراق 1949_1954): إن من الذين كانوا إلى جانبه عند انضمامه إلى الجماعة الأستاذين عبد الرزاق قاسم الصفار وعبد الله العقيل. وأضافت بان عبد الحافظ سليمان كان احد الدعاة الأوائل في حركة الإخوان المسلمين في الموصل وقد ارتبط، برابطة خاصة، مع الأستاذ الشيخ محمد محمود الصواف، مرشد الجماعة في المملكة العربية السعودية. ويقول الأستاذ ذنون البكر، وهو من كان على علاقة وثيقة به، أن للأستاذ عبد الحافظ سليمان ((السبق في انتشار أول صحوة إسلامية في مدينة الموصل، وابتدأت من (مسبح) الإخوان هو.... والأستاذ غانم سعد الله حمودات، اللذان عاشا تلك الولادة..)).
ونقل الأستاذ البكر شهادة بحق الأستاذ عبد الحافظ سليمان كتبها احد تلاميذه وهو الأستاذ الدكتور ذو النون الاطرقجي الذي قال عن أستاذه : (فوجئنا، وقد فارقنا المدرسة الابتدائية، بالبون الشاسع بين معلميها وتلاميذها، وازداد شساعة في المتوسطة المركزية بمدرس لا يشبه المدرسين الآخرين، علما وصرامة ، مدرس متواضع امتلك مشاعر الطلبة المذهولين بصرامته، وبساطته، وأخلاقه الرفيعة، المأخوذين بما يفعم به عقولهم وقلوبهم من صور الإيمان، ومآثر الإسلام). ويضيف إلى ذلك قوله :( انه أصبح يرى عددا من الطلبة يتحدثون عن دار [بقصد جمعية] للإخوة الإسلامية يتردد عليها أستاذ اللغة العربية والتربية الإسلامية عبد الحافظ سليمان، ونتهامس أنا وزميلي عادل فلنكتشف هذا العالم الغريب ونتتبع أستاذنا الحبيب إلى دار قرب الجامع ألنوري الكبير، وحين يرانا يحتضننا ويغمرنا بمشاعر مزيجة من الأخوة والأبوة، مشاعر لم نعهدها من قبل لدى أستاذ من معلمينا أو مدرسينا، ونتعلق به وبجمعيته وبأفكاره ونتفجر نشاطا، وقراءة وعبادة، وثقة بالله وبالنفس ، ويصبح الكتاب صديقا، والندوة والمحاضرة حبيبين، نقرا مايلائم أعمارنا وماهو فوق مستوى استيعابنا، وتمر الأعوام، ونلتقي ونفترق، وقد يحس احدنا أو عدد منا ، بأنه قد جاوز المرحلة المتوسطة، وأستاذنا العزيز ، ولكن أحدا منا، على مر السنين ، لم يحس بأنه اقل حبا لأستاذه، ذي القلب المؤمن الكبير الذي جعله الله سبب هدايته الأولى إلى صراط الله، وسبيل الجماعة الرائدة، والى الفهم الشامل المتوازن السليم للإسلام العظيم...).
لم يكن الأستاذ عبد الحافظ سليمان بعيدا عن هموم الناس، فلقد أسهم في النشاط السياسي في الموصل، وقد أشار الأستاذ احمد سامي ألجلبي (رحمه الله) في محاضرته التي ألقاها في جمعية الشبان المسلمين في الموصل يوم 2 نيسان 2004 بعنوان : (( نشأة جماعة الإخوان المسلمون في الموصل))، إلى أن الأستاذ عبد الحافظ سليمان شارك مع جماعة الإخوان في المجالس التأبينية التي أقيمت في أماكن عدة من الموصل لشهداء وثبة كانون الثاني سنة 1948 من بينها (التجمع الذي أقيم في الجامع ألنوري الكبير) والذي تكلم فيه الأستاذ غانم حمودات، وكان حينذاك طالبا في المدرسة الإعدادية، ثم تكلم عبد الحافظ سليمان، وكان الإخوان يهتفون هتافهم المعهود: ((الله اكبر ولله الحمد)).. ((الله غايتنا ، الرسول قائدنا، والقران دستورنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا)).
حدثني الأستاذ يوسف ذنون، الخطاط والباحث الموصلي المعروف، أن الأستاذ عبد الحافظ سليمان كان ضمن تجمع إسلامي- عروبي تأسس في الموصل لمواجهة المد الشيوعي سنة 1959 ،وكانت هناك لجنة توجه العمل في هذا التجمع القومي _الإسلامي تتألف من الأساتذة عبد الباري الطالب (حركة القوميين العرب) و عبد الحافظ سليمان (الإخوان المسلمون) ويونس عزيز (الحركة الإسلامية التي انشقت عن الإخوان) وسالم محضر باشي (حزب الاستقلال) وغانم العناز (حزب البعث العربي الاشتراكي) ويوسف ذنون (المستقلون) . وقد رفع التجمع هذا شعارا وهو: (نكون او لانكون) وكان التجمع يتواصل قي اجتماعاته وله صلات بالقيادات العسكرية في الموصل وقام بدور مهم قبل ثورة الشواف 1959 وأثنائها.. لكنه انحل بعد فشل الثورة واعتقل عدد من رموزه. وفيما يتعلق بالأستاذ عبد الحافظ سليمان فقد اعتقل بتهمة المشاركة بالثورة. وبعد إطلاق سراحه غادر مدينة الموصل متوجها إلى سوريا وبقى هناك ثلاثة أشهر، ثم عاد إلى الموصل ليواصل نشاطه الدعوي والتربوي بعد تحسن الأوضاع الأمنية وانحسار نفوذ الشيوعيين فيها .
قال الأستاذ صلاح الدين عزيز (رحمه الله) في مقابلة مع الباحثة إيمان الدباغ في حزيران 15 مايس 2004 أن عبد الحافظ سليمان رئيس جمعية الأخوة الإسلامية فرع الموصل سابقا، واجه ماواجه أثناء التعذيب في المعتقل،فمن كثرة التعذيب فان لحم جسده كان يقطع مع ملابسه، وكانت ملابسه ممتلئة بالدماء ومتقطعة من كثرة التعذيب.
يقول الأستاذ ذنون البكر أن الأستاذ عبد الحافظ سليمان ((لم ينسلخ ، رحمه الله، عن دعوة الإخوان، واني اشهد له أمام الله أن لسانه لم يكن يلهج إلا باسمهم، وكان كل حصاده يتجمع في سلالهم)).. لكن المصادر المتداولة، تشير إلى انه انشق عن الإخوان مع عدد من زملائه، وتنقل الباحثة إيمان عبد الحميد الدباغ عن الأستاذ غانم حمودات قوله أن الأستاذ عبد الحافظ سليمان انضم بعد ثورة 14 تموز 1958، إلى عدد من الشخصيات إلى ماسمي بـ ( الجبهة الإسلامية) .. وقد ضمت الجبهة عبد الغني سالم زيدان ، وهؤلاء انشقوا عن جماعة الإخوان المسلمين ، وانضم لهذه الجبهة في الموصل أشخاص أبرزهم عبد الحافظ سليمان وغانم الصفار ويحيى علاوي وحازم الحاج داؤد وعبدالاله الحمداني واحمد على الدباغ وجمال علي البر زنجي وعبد الحافظ مجيد، وكان هؤلاء يعقدون اجتماعاتهم في مقهى يحيى مقابل المتحف الحضاري الحالي واخذوا يصدرون نشرة باسم (الجبهة الإسلامية) ويبدو أن جماعة الجبهة كانت تنحو منحا عروبيا -إسلاميا.. وللرد على الجبهة اصدر الإخوان المسلمين نشرة مضادة لهم باسم (الكتلة الإسلامية). وقد استمرت الجبهة الإسلامية بالعمل حتى بعد حل تنظيم الإخوان المسلمين سنة 1963. ومن الطبيعي أن يكون لذلك الانشقاق أثره المهم في عرقلة انتشار دعوة الإخوان المسلمين بين الجانبين لكن مما ينبغي تأكيده أن الأستاذ عبد الحافظ سليمان ظل متمسكا بمبادئ الإخوان،عاملا من اجل تحقيق أهدافهم ،وهذا ما كنا نلاحظه عليه حتى وفاته رحمه الله وجزاه على ماقدمه وفعله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملاحظات حول التاريخ ..كتابته واهميته وفائدته

  ملاحظات حول التاريخ ..كتابته واهميته وفائدته  ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس -مركز الدراسات الاقليمية -جامعة الموص...