محمود عطار باشي .. من رجالات التربية والتعليم في الموصل
أ.د.إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل
حين كتبت تلميذتي النجيبة بيداء سالم صالح رسالتها للماجستير الموسومة : (( التعليم في الموصل 1958 – 1968 )) كان بودي أن يكون الأستاذ محمود عبد الله عطار باشي ، واحدا من ابرز القيادات التعليمية والتربوية التي لابد أن نوثق لنشاطها في الموصل عبر سنوات طويلة من الخدمة .. إلا أن عدم توفر المعلومات عنه ، وصعوبة الوصول إلى وثائق خدمته سواء في المديرية العامة للتربية في محافظة نينوى ، أو في مديرية التقاعد العامة حال دون أن نستطيع الوقوف عند مجهودات هذا الرجل الكريم رحمه الله ولغرض تأكيد مانقول أن استأذنا الراحل الدكتور عمر الطالب لم يكتب عنه في موسوعته ( موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين ) سوى ( 10) كلمات فقط ( اقل من سطر واحد ) وللأسف الشديد فان العناية بالتوثيق ، والأوراق الخاصة للرواد وللبارزين وللأعلام لاتزال محدودة إن لم نقل معدومة ، ولعل وراء ذلك عدم عناية الأشخاص أنفسهم بتراثهم وتاريخهم ، وانصرافهم نحو العمل كثيرا مايجعلهم غير قادرين على جمع مواد هذا التراث وهذا التاريخ تمهيدا لوضعه بين أيدي المؤرخين ، فاللوم ينبغي أن لاينصب على المؤرخين والباحثين ، فثمة قاعدة تقول ( أن لا تاريخ بلا وثائق ) والتاريخ ( عبارة عن حوار متصل بين المؤرخ ووقائعه ) فالمؤرخ لايستطيع أن يفعل شيئا في ظل غياب الوقائع والمصادر والمعطيات ، والوقائع نفسها تظل غير ذات أهمية إذا لم تجد من المؤرخ عناية بها .
المهم أن اهتمامنا بالكتابة عن رواد التربية والتعليم في الموصل لايزال قائماً وسعينا للحصول على المصادر مستمر ، وقد تيسرت لنا ، ونحن نفكر بالكتابة عن الأستاذ محمود عطار باشي بعض المعلومات المتيسرة التي لاتسمن ولاتغني من جوع ، ولكن ما لايدرك كله لايترك بعضه فالرجل من أسرة معروفة بالنشاط التجاري ولها سمعة طيبة في الموصل وعمه ( إبراهيم عطار باشي ) وهو من رجالات الحركة القومية العربية، والوطنية الموصلية أشهر من نار على علم وقد كتبنا عنه في بعض الصحف ، وكذلك في كتابنا الذي أصدرناه مؤخرا بعنوان: ( شخصيات موصلية ).
لقد اهتم إبراهيم عطار باشي بابن أخيه محمود عندما توفي والده ، وهو لما يزل طفلا صغيرا ، ورعاه وادخله المدرسة في بغداد ، وأكمل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية هناك .. كما تيسرت له فرصة الانضمام إلى البعثة العلمية العراقية إلى الجامعة الأميركية في بيروت ، ومن هناك التحق بجامعة مونتانا بالولايات المتحدة الأميركية وقد تخصص في الكيمياء ، وحصل على شهادة البكالوريوس سنة 1943.
عاد إلى وطنه إبان سنوات الحرب العالمية الثانية ، وقد لاقى في طريقه إلى العراق الكثير من الصعوبات ، ولكنه على أية حال وصل بيروت وبعدها دمشق وحلب فالموصل ، وقد عين مدرسا في ( المتوسطة الغربية ) ثم معاونا وقد تشرفت بمعرفته عندما كان مديرا للمتوسطة المركزية مقابل جامع نبي الله شيت ، وكانت المدرسة في عهده مثالا للمتوسطة التربوية المتميزة إذ ضمت خيرة الأساتذة ، كما حظيت بطلبة متميزين شاء القدر أن يقوموا بجور بارز في بناء وطنهم وأمتهم في شتى مجالات الحياة .
لقد كان المرحوم محمود عطار باشي واسع الصدر ، حليماً ، هادئاً ، محباً لزملائه وطلبته ، كان يحرص على تفقد الصفوف أثناء إلقاء المحاضرات ، ولم يكن يالوا جهدا في توجيه الأساتذة والتأكيد عليهم بترصين موادهم الدراسية وبذل الجهود الحثيثة من اجل نقل معارفهم الى طلبتهم بكل الوسائل التربوية المتاحة . وكثيرا ما كنت أرى الأساتذة ، وقد كنت طالبا في هذه المدرسة أوائل الستينات من القرن الماضي ومن زملائي قيس الوتار وزكريا الحبال ونبيل ألجلبي ونبيل عبد الجبار يكنون لمديرهم محمود عطار باش كل التقدير والاحترام .. وأتذكر من هؤلاء الأساتذة غانم يونس ، وسالم الحمداني ، وعبد الله ألنعيمي وعز الدين السردار ، وعبد الحميد الحيالي ، وعامر داؤد نادر ، وقد عزموا جميعا بتميزهم في حقول تخصصاتهم فضلا عن توجهاتهم العروبية -والإسلامية ..
أصبح الأستاذ محمود عطار باشي مفتشا ( مشرفاً ) تربويا اختصاصا لمادة الكيمياء لسنوات عديدة ، وقد كان يؤكد في زياراته للمدارس على أهمية العناية بالمختبرات .. لذلك شهد له الجميع بالإخلاص في العمل ، والالتزام بالمبادئ الأخلاقية والوطنية والقومية والدينية .. كان رحمه الله صاحب ذوق رفيع وعنايته بالزهور وزراعتها بأنواعها النادرة معروفة ، حتى انه كان يشارك في كثير من ( معارض الزهور ) التي أقيمت في الموصل خاصة إبان تنظيم مهرجانات الربيع في السبعينات من القرن الماضي وقد حصل على جوائز عديدة .. وفي سنة 1973 أحال نفسه على التقاعد لينصرف لهوايته ولتعبده ولاهتمامه بأسرته وقد توفي رحمه الله سنة 1999 .. دعوة مخلصة لكل من تتلمذ على يديه ، أو زامله ، أو عرفه أن يعمل على تزويدنا بما لديه من مآثر وانتاجات ومجهودات هذا الرجل التربوي الكبير ، وقمين بنا أن نجعله ونجعل أمثاله قدوة لأبنائنا وأحفادنا وبذلك نكون قد قدمنا لوطنا مايفيده ..
*الرجاء زيارة مدونة الدكتور إبراهيم العلاف wwwallafblogspotcom.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق