الجمعة، 8 يناير 2010

قاسم محمد الرجب 1917-1974 ومكتبة المثنى ومجلة المكتبة


قاسم محمد الرجب (1917 ـ1974)ومكتبة المثنى ومجلة المكتبة

أ .د. إبراهيم خليل العلاف

مركز الدراسات الإقليمية /جامعة الموصل

قاسم محمد الرجب ( 1917 ـ1974) ، مكتبي عراقي، بل هو من ابرز المكتبيين العراقيين الرواد .. فلقد كانت مكتبته ( المثنى) ، بمثابة منتدى ثقافي ودار للنشر ومطبعة وأداة لتسهيل وصول الكتاب إلى أيدي محبيه رغم الكثير من العوائق .. فهو من الأوائل الذين اهتموا باستنساخ أمهات الكتب العربية عبر ما يسمى آنذاك بـ (الأوفست) .. و فضلا عن هذا فقد اصدر مجلة تعنى بالكتاب ، علما وفنا وتجارة ، تلك هي مجلة المكتبة .

ولد قاسم محمد الرجب في حي ألا عظمية ببغداد سنة 1917 ، أي مع موعد احتلال بغداد من قبل الإنكليز أبان الحرب العالمية الأولى ، لذلك لم تتيسر له فرصة إكمال دراسته ، فتوقف عن الدراسة إلى الصف السادس الابتدائي .. كتب عنه صديقنا الأستاذ حميد المطبعي في موسوعة ( أعلام العراق في القرن العشرين) وقال بأنه اشتغل في بداية حياته العملية في المكتبة العربية في سوق السراي ببغداد سنة 1937 وفي السنة ذاتها اختمرت في ذهنه فكرة فتح مكتبـة ، فأسس مكتبة المثنى أول الأمر في دكان صغير . مقابل سوق الذهب ، ثم انخرط في سلك الجندية واسهم في ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الإنكليز ورجاله في العراق سنة 1941 ثم واصل بعدها العمل في المكتبة متنقلا من دكان إلى آخر وأخيرا اشترى بيت الدكتور صائب شوكت وهو طبيب معروف آنذاك وحوله إلى مكتبة المثنى في شارع المتنبي ببغداد .. ومنذ ذلك الوقت وهو يسعى من اجل تطوير الكتاب ، طباعة وإخراجا ونشر مئات الكتب وأقام مجلسا في باحة مكتبته يرتاده العلماء والمفكرون والمؤرخون والأطباء . اصدر فهارس عديدة لنوادر مكتبته 1958 ـ 1968 ، كما نشر كتاب تاج التراجم في طبقات لابن قطلوبغا سنة 1962 ..

وقد أرخ له ولنشاطه الأستاذ كور كيس عواد ،المعجمي العراقي المعروف في كتابه الموسوم : ((مشاركة العراق في نشر التراث العربي )) . وقد توفي رحمه الله يوم 1 نيسان 1974 في بيروت ونقل جثمانه الى بغداد ودفن في مقبرة الإمام الأعظم ..

لعل من أهم ما أنجزه هذا الرجل ، إصداره أول مجلة عراقية تعنى بالكتاب وهي مجلة المكتبة . وقد صدر عدها الأول في أيار سنة 1960 وجاء في ترويستها أنها ((قائمة شهرية تصدرها مكتبة المثنى لصاحبها قاسم محمد الرجب ، بغداد ـ شارع المتنبـي ، تلفون 83588) .. وهي بحجـم صغيـر وبمقـاس

(20 ×14سم) وتباع النسخة الواحدة بـ(50) فلسا وفيما بعد تغيرت الترويسة فيما لتصبح ((المكتبة مجلة شهرية للكتب والكتاب)) . كما ظهر الى جانب اسم صاحب المجلة فيما بعد اسم رئيس التحرير مهدي القزاز والمدير المسؤول عبد الكريم جواد المحامي وكانت المجلة تطبع في مطبعة شفيق ببغداد وصفحات المجلة تراوحت خلال فترة صدورها بين ((70 ـ90 صفحة)) ، و كانت المجلة تعد ، بحق ، ((فتحا جديدا في الصحافة العربية، ولونا ثقافيا فريدا تقبله القراء بالغبطة والسرور ليس في العراق فحسب بل وفي جميع أقطار الدنيا العربية ودوائر الاستشراق الأجنبية وجميع المعنيين بشؤون الثقافـة وتيارات الفكـر في العالم )) .

وقد عبر ((صفوة المفكرين وعلماء المشرقيات)) عن فرحتهم بصدور المجلة وابدوا إعجابهم بها واثنوا على خططها الثقافية ، كما حظيت بتقدير أعلام الباحثين والمثقفين في البلاد العربية .. وقد اسهم في تحريرها نخبة كبيرة من الكتاب والمفكرين والعلماء والمثقفين العراقيين وغير العراقيين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر ، الدكتور صالح احمد العلي ، والأستاذ احمد حامد الصراف والدكتور يوسف عز الدين والأستاذ عبد الرزاق الهلالي والأستاذ نهاد عبد المجيد والدكتور مصطفى جواد والدكتور شكري فيصل والأستاذ كور كيس عواد والأستاذ مهدي القزاز والأستاذ هيثم الكيلاني والأستاذ فؤاد جميل والأستاذ سلمان هادي الطعمة والأستاذ هلال ناجي والأستاذ فؤاد يوسف قزانجي والأستاذ محمد صادق الموسوي والأستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف والأستاذ جليل العطية والأستاذ خليل إبراهيم العطية والأستاذ علاء الدين خروفة والأستاذ مكي الجميل والأستاذ مشكور ألا سدي والأستاذ سليم المعروف والأستاذ حكمت توما شي والأستاذ الدكتور احمد حامد الشر بتي والدكتور محسن غياض والأستاذ فريد الظاهر والأستاذ حميد مجيد هدو والأب يوسف سعيد والأستاذ مصطفى حسنين والأستاذ عبد الكريم جواد والدكتور علي جواد الطاهر والأستاذ محمود العبطة ، والأستاذ عامر عبد الودود والدكتور فاروق عمر حسين فوزي والأستاذ محمد هادي الأميني والدكتور عبد اللطيف حمزة والأستاذ الدكتور عبد الكريم الأمين والأستاذ خالد محسن إسماعيل والأستاذ كاظم الخليفة والأستاذ خضر عباس ألصالحي ، والأستاذ محمد جعفر ألا سدي والدكتور حسين مؤنس والأستاذ فؤاد افرام البستاني والأستاذ عدنان عبد الكريم قدوري والأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري والدكتور صفاء خلوصي والدكتور إسماعيل ناجي والسيد توفيق الفكيكي والأستاذ عباس العزاوي والأستاذ خضر العباسي والأستاذ ناجي محفوظ والأستاذ محمد سعيد العريان والأستاذ جميل احمد ألكاظمي والشاعر احمد الصافي النجفي والأستاذ عبد القادر البراك .

وكان في المجلة أبواب ثابتة منها : (( مطالعات في الكتب)) و ((رسائل القراء )) و ((اخبار ثقافية )) و ((حياة الفكر والثقافة)) و ((أنباء الكتب والكتاب))

و ((ظهر حديثا )) و((الكتب الجديدة )) و ((أخبار الأدب والأدباء في كل مكان )) . و ((أدب )) و ((معرض الكتب والكتاب )) و ((الكتب العراقية الصادرة حديثا )) و ((كتب نادرة أعادت طبعها مكتبة المثنى )) .


على صفحات مجلة المكتبة نشر الأستاذ قاسم محمد الرجب ((مذكراته))

بعنوان : ((مذكراتي في سوق السراي )) وفيها كشف الكثير من المعلومات عن حياته ونشأته العصامية وكذلك حول صناعة الكتاب في العراق ووضع المخطوطات ومما قاله ان المخطوطات كانت تصل الى بغداد من كربلاء والنجف الاشرف ومن الموصل وكان يتسوقها ألكتبي الشيخ مهدي رئيس وغيره ويعرضها على نعمان ألا عظمي والأب انستاس الكرملي فان لم يوفق في بيعها لهما عرضها على الأستاذ المؤرخ عباس العزاوي رحمهم جميعا . ومن كركوك كان يتسوق المخطوطات الملا صابر حافظ وهو رجل مسن .. أما في الموصل فكان يسوقها شاكر شنشل صاحب المكتبة الوطنية فيها . وقال ان سوق السراي كان واحدا من المناطق التي يحرص زوار بغداد على ارتيادها لشراء الكتب ، فلقد زراها كثير من العلماء والمؤرخين والأدباء والسياسيين منهم عبد العزيز الميمني الراجكوتي أستاذ العربية في جامعة عليكره والرحالة والاديب امين الريحاني والعالم بالمخطوطات محمد امين الخانجي ( المصري)ومن المستشرقين الذين زاروا السوق (غوتهليد وايل) الذي حقق ونشر كتاب (الانصاف بين النحويين) للانباري والعلامة ريتر ناشر سلسلة المكتبة الإسلامية والمتخصص بعلم الفرق وعلم الحديث وقد بلغ ما نشره (18) كتابا منها فرق الشيعة للنوبختي والوافي بالوفيات للصفدي .

لقد أعاد قاسم الرجب ، عبر مكتبة المثنى ، طبع كتب نادرة منها البدء والتاريخ المنسوب لابي زيد البلخي وعلم الفلك وتاريخه عند العرب للمستشرق الإيطالي كارلو أ . نالينو وزبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك لابن شاهين الظاهري وتاج التراجم في طبقات الحنفية لابي القاسم زين الدين ابن قطلوبغا وتاريخ ابي يعلي حمزة بن القلانسي المعروف بذيل تاريخ دمشق وكتاب الاعتبار لاسامة بن منقذ واصول الدين في علم الكلام في الفرق لعبد القادر البغدادي وتقويم البلدان لابي الفداء والمسالك والممالك لابن خرداذبه وتجارب الأمم لمسكويه .

واهتمت (المكتبة) بالصراعات الفكرية بين الكتاب والأدباء ومن ذلك نشرها نقد الدكتورة عائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطيء) للأستاذ عباس محمود العقاد وتساؤلها انه كيف جاز لكاتب مجمعي مسلم يشترك في الإشراف على مجلة الازهر ان يقول ان رأيه في المرأة هو رأي الخالق !!

وافردت للشخصيات الفكرية البارزة جانبا من صفحاتها ، فلقد كتب عن المستشرق الجيكوسلوفاكي الدكتور جان باكوش (عمره سنة 1961 كان 72 سنة) وهو أستاذ في دراسات التصوف الإسلامي ومتخصص باللغات السامية واحد علماء السريانية . كما كتبت عن حياة الاقتصادي الوطني اللبناني اميل البستاني ونبهت إلى أن جورج برا ون وزير الخارجية البريطانية (1967) كتب مقدمة لكتاب عن البستاني ألفه دزموند ستيوارت ، الصحفي والأكاديمي البريطاني المعروف وصاحب كتاب الشرق الأوسط الحديث والذي سبق له ان عمل أستاذا في قسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب بجامعة بغداد أواخر الخمسينات واوائل الستينات من القرن الماضي ، كما وقفت عند شخصيته الدكتور عبد المعيد فان أستاذ في الدراسات العربية والإسلامية في الجامعة العثمانية في حيدر اباد في الهند وقد قام بزيارة الى العراق (1966) .

كان للكتب التي تنشر عن الإسلام والعرب والفكر الفلسفي والاجتماعي في بلاد الشرق موضع في طيات وصفحات المكتبة .. التي حرصت على التعريف بكل ما ينشر خارج العراق ، فلقد أشارت الى كتاب صدر في موسكو بعنوان : (( الفكر الفلسفي والاجتماعي الحديث في بلاد المشرق)) والذي ألفه مجموعة من المستشرقين السوفييت آنذاك (1966) .. كما كتبت عن كتاب الإسلام الذي أصدره المستشرق الفرنسي بيير ر وندو وقالت ان ماكس ما لوان الاثاري المعروف وزوج اجاثا كرسيتي اصدر كتابا بعنوان (نمرود وبقاياها) وان مطابع طهران أنجزت طبع كتاب الذريعة الى تصانيف الشيعة لاغا بزرك الطهراني ..

ووضعت المجلة خطة لتوثيق حياة أدباء الأطباء في العراق الحديث ، فعهدت الى الأستاذ سليم المعروف للكتابة في عددها (11) السنة الثانية ، آذار 1962 عن الدكتور معمر خالد الشابندر ، وفي العدد (2) ، السنة الثالثة (حزيران 1962) للكتابة عن الدكتور إسماعيل ناجي

واحتوت المجلة على صور لبعض الكتاب والمفكرين والصحفيين والمستشرقين والباحثين والمؤلفين الذين كتبت عنهم .. لقد كانت مجلة غنية بالمعلومات ، زاخرة بأخبار الكتب والكتاب .. لذلك تعد ، بنظرنا مصدرا مهما لكل من يريد توثيق الحياة الثقافية العراقية المعاصرة خاصة وأنها ظلت مستمرة في الصدور حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي
*المصدر : wwwallafblogspotcom.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...