الجمعة، 15 يناير 2010

غربي الحاج احمد شاعرا وصحفيا وسياسيا ووزيرا




غربي الحاج احمد شاعرا وصحفيا وسياسيا ومحاميا ووزيرا

ا.د.براهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الجديث -جامعة الموصل

عرف الموصليون غربي الحاج احمد شاعرا وصحفيا وسياسيا ومحاميا ووزيرا، وقبل كل ذلك إنسانا مناضلا، عمل من أجل وطنه وأمته العربية.. ومن هنا فان إلقاء حزمة من الضوء على سيرته ونضاله تصبح ضرورة لابد منها لكي نذكر بما قدمه هذا الرائد الجليل من خدمة وطنية وقومية.. فغربي الحاج احمد عاش في محلة شعبية موصلية كانت تعرف في الماضي بمحلة جهار سوق، أي الأسواق الأربع وتسمى اليوم بشهر سوق، وهي قريبة من باب الجديد من جهة وباب البيض من جهة أخرى.
ولد سنة 1924 وبعد أن أكمل دراسته الأولية في كتاب تديره امرأة فاضلة دخل مدرسة باب البيض للبنين ولعل من أبرز ما تميزت به سنوات تعليمه الأولى حبه للمطالعة وتردده المستمر على المكتبة العامة التي كانت تسمى (مكتبة الملك غازي) وهناك ظهرت رغبته في حفظ الشعر ثم نظمه بعد ذلك.
التحق بكلية الحقوق ببغداد بعد أن أنهى دراسته الإعدادية في الموصل وتخرج سنة 1945 واتجه حال تخرجه نحو العمل السياسي العلني فانضم إلى حزب الاستقلال المؤسس في نيسان 1946 وصار معتمدا لفرع الموصل من بين أعضاء هيئته الإدارية. وقد أشار في أوراقه الخاصة بأنه انتمى إلى (الحزب العربي السري) منذ كان طالبا في كلية الحقوق 1942-1943، وضم هذا الحزب عددا من الشباب العربي القومي أمثال: محمد يونس السبعاوي، ومحمد صديق شنشل، ودرويش المقدادي، وفريد زين الدين، وقاسم المفتي، وسعيد حمو، وسلمان ألصفواني، وممدوح السخن، وإبراهيم طوقان، وكنعان الملاح، وقد تأسس هذا الحزب في سوريا وكانت له فروع في بعض المدن العربية ويؤمن بالوحدة العربية ويعمل من أجلها وكان نادي الجزيرة بالموصل واحدا من واجهاته وقد أسهم غربي حاج احمد في النشاط السياسي الذي شهده العراق إبان العهد الملكي (1921-1958) فتعرض إلى الاعتقال مرات عديدة.
كتب غربي الحاج احمد، منذ أن كان طالبا في كلية الحقوق، مقالات عديدة نشرتها له الصحف والمجلات آنذاك. كما نظم الشعر وقد ظهرت له بعض القصائد بأسماء مستعارة منها على سبيل المثال (المتنبي الصغير) و(أسامة) وقد نشر قصيدة في جريدة حبزبوز لصاحبها نوري ثابت ببغداد باسم مستعار وكانت عبارة عن محاورة بين الفقير والدينار جاء فيها:
أنت يا دينار عندي
قطعة من ذي السماء
لم لا تهوى فقيرا
يا عدو الفقراء
نحن يا دينار في أوطاننا
ذي غرباء
فاتق الله وصلنا
لنزيح الدخلاء

وليس من شك في انه كان يعرض بالمستعمرين وحكام العراق في العهد الملكي الرجعي لسيطرتهم على مقدرات البلاد، وإهمالهم الشعب. ولغربي الحاج احمد قصائد حماسية كثيرة لعل من أبرزها قصيدته الموسومة: (قل للطغاة) التي ألقيت في مهرجان حزب الاستقلال في بغداد في الاحتفالية بذكرى ثورة 1920 (30 من حزيران 1952) وقال عنها بعض السياسيين أنها (نبوءة بسقوط النظام الملكي) وقد لقيت إعجابا كبيرا وانتشارا واسعا وجاء فيها:
قل للطغاة تزودوا
أخشى ينغصكم غد
أخشى عليكم همسة
أو لمسة تترصد
أخشى على آمالكم
وهي اللطاف تبدد
ثم يقول:
لكم الحياة رخية
فأبنوا القصور وشيدوا
لا ترهبوا وثباتهم
ان يسخطوا أو يحقدوا
تا الله لن يتحرروا
مالم يسل مهند
عرف غربي الحاج احمد خلال حياته السياسية بمقالاته العنيفة التي حملت عناوين متحدية نذكر منها: (دولة الكفاءة) (لا نامت أعين الجبناء) و(لا تقلقوا الفساد) (جملنا البارك) (فوائد البصل) (يا أشباه الرجال ولا رجال) وقد تولى غربي الحاج احمد رئاسة تحرير جريدة النضال، لسان حال حزب الاستقلال فرع الموصل منذ 29 من آذار 1948 واستمر يمارس عمله حتى سنة 1954 حين عطلت الحياة الحزبية، وأغلقت الصحف الوطنية تمهيدا لقيام الحكم الملكي بربط العراق بحلف بغداد الاستعماري. وقد اتسمت مقالاته بالصدق والجدية والنقد اللاذع للممارسات الخاطئة في السلطة والمجتمع وبحكم وعيه الثابت وحسه المرهف وفهمه الصحيح لحركة التاريخ في العراق المعاصر. كما أن الأستاذ غربي الحاج احمد واجه المحاكمة مرتين بعد نشره مقالتيه: (دولة الكفاءة) و(لا تقلقوا الفساد) بتهمة (الإخلال بالأمن العام، وإضعاف نفوذ الحكومة، واتهامها بالفساد وإثارة شعور عدم الإخلاص للمقام الأعلى (الملك) والتبشير إلى أن يكون مصيره مصير فاروق ملك مصر السابق). إلا أن غربي الحاج احمد تصدى لحاكميه ودافع عن قضيته بكل إصرار وعناد موضحا أن وظيفة الصحفي والكاتب لم تتعد حدود النقد المباح الذي منحه إياه القانون لذلك صدر الأمر ببراءته وإخلاء سبيله ليظل شاهدا على أن الرجال مواقف وان التاريخ يظل وعاء لحفظ تلك المواقف تذكيرا للأجيال ودعوة لها لكي تستلهم سير أولئك الرجال، وتستهدي بهم في سيرتها الصاعدة لبناء كيان الأمة وتحقيق رسالتها وتجديد حياتها.
كتب عنه حميد المطبعي في (موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين) في جزئها الأول الذي صدر سنة 1995 قائلا بأنه كان (صوتا للنضال العربي) (وبسبب نضاله القومي سجن أكثر من مرة ونفي إلى مدن الجنوب بعد العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 بقرار من المجلس العرفي العسكري). كما كتبت عنه السيدة مريم السناطي مقالا مطولا استغرق صفحة كاملة في جريدة الجمهورية بتاريخ 12 من نيسان 1992 بعنوان: (غربي الحاج احمد يتذكر). وقد رافقته منذ طفولته ودراسته وتكوينه الثقافي والسياسي وعلاقته بالشعراء الكبار أمثال المرحوم الرصافي وحضوره المهرجانات الأدبية والشعرية داخل العراق وخارجه ووقف عند نشاطه الصحفي وعلاقته بالدكتور سليم ألنعيمي صاحب مجلة التقدم وممارسته الصحافة في هذه المجلة سنة 1945 ودوره في رابطة الأدب والقانون التي تشكلت في كلية الحقوق عندما كان طالبا ورحلته مع مهنة المحاماة ومقالاته في (الهدى) التي أصدرها المرحوم فخري الخيرو وكذلك في (الأديب) التي أصدرها المرحوم محي الدين أبو الخطاب، كما أشارت إلى مهنته التي أوكلتها إليه قيادة ثورة 14 تموز 1958 وهي ما كانت تسمى بمديرية الإرشاد (مديرية الإذاعة والتلفزيون) وكذلك رئاسته للمؤسسة العامة للصحافة سنة 1967 واستمراره في وزارة ناجي طالب في 9 من آب 1966 وزيرا للوحدة وفي المرة الثانية التي استوزر فيها وكان وزيرا للدولة (10 من أيار 1967) وفي أواسط سنة 1968 عمل وكيلا لوزارة التخطيط، كما عين سفيرا في وزارة الخارجية وفي سنة 1969 أحال نفسه على التقاعد لينصرف إلى مهنة المحاماة في مدينته:الموصل وهي مهنته التي قال بأنه يحبها ويهواها لأنها تساعده في الإسهام بحل مشاكل الناس ولعل مما يسجل لهذه الشخصية الموصلية المرموقة، استمرارها في العطاء فهو فضلا عن مشاغل مهنته كان يقرأ كثيرا، ويكتب مذكراته السياسية وله عشرة كتب مخطوطة فضلا عــن ديوان شعر كبير وكتب تراثية محققة كما كان له حضوره في نشاطات جامعة الموصل الثقافية وفي مجالس الأدب والسياسة الأخرى في المدينة.
wwwallafblogspotcom.blogspot.com
*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...