بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين يسعدني أنا (الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف )أن ارحب بكم في مدونتي الثانية مدونة الدكتور ابراهيم خليل العلاف ..واود القول بانني سأخصص هذه المدونة لكتاباتي التاريخية والثقافية العراقية والعربية عملا بالقول المأثور : " من نشر علما كلله الله بأكاليل الغار ومن كتم علما ألجمه الله بلجام من نار " .
الأربعاء، 20 يناير 2010
أحمد علي الصوفي مؤرخا
أحمد علي الصوفي مؤرخا
أ.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
تعرفت على المرحوم الاستاذ احمد علي الصوفي (1893-1982) المؤرخ الباحث الموصلي المعروف سنة 1973 حينما كنت أجمع مادة رسالتي للماجستير عن (ولاية الموصل) وخلال المدة من سنة 1973 وحتى الوقت الحاضر، وأنا أتابع كل مقالة أو دراسة أو خبر ينشر عن جهود هذا الرجل الرائد في مجال التاريخ والاثار والتراث وقد وصلت الى قناعة تامة بان الصوفي يعد من رواد النهضة العربية المعاصرة في العراق، فمن هو الصوفي؟ وما أبرز اثاره وكتاباته ؟ وما سمات منهجه في التأليف التاريخي؟
ولد احمد بن علي أفندي ال سليمان اغا الملقب بالصوفي في مدينة الموصل سنة 1893م. ولقب بالصوفي لتوجهه الديني المبكر، وتردده ثلاث سنوات على المدرسة الدينية الموجودة في جامع الرابعية. وبعد ذلك أتجه نحو المدارس الرسمية فدخل المدرسة الرشدية (المتوسطة) وبعدها الاعدادية الملكية ليتخرج منها سنة 1917م. وقد قضى مدة خدمته العسكرية كاتبا في دائرة التجنيد وأستمر كذلك حتى انتهاء الحرب العالمية الاولى ووقوع الموصل سنة 1918 تحت الاحتلال البريطاني.
أتجه الصوفي للعمل في سلك التعليم، فعين في 26 نيسان 1920 معلما في المدرسة العراقية، وانتقل الى المدرسة الخضرية ثم نسب في أيلول 1926 مدرسا في ثانوية الموصل وانتهى به المطاف معاونا لمدير متوسطة المثنى وتقاعد سنة 1956 بعد بلوغه السن القانونية.
وخلال المدة من 9 تشرين الاول 1935 وحتى نيسان 1937 أجتذبه المرحوم الاستاذ ساطع الحصري مدير الاثار العام مفتشا في مديرية الاثار بالموصل.
أسهمت مصادر عديدة في التكوين الثقافي للصوفي، لعل من أبرزها : دراساته الدينية الاولى التي تلقاها على أيدي نخبة من علماء الدين الذين زخرت بهم الموصل في مطلع القرن العشرين ومن هؤلاء الحاج محمد الرضواني (ت سنة 1938) الذي كان يشجع طلبته على البحث وحل المسائل بروح علمية، كما عاش الصوفي أجواء الحركة السياسية النشيطة التي شهدتها الموصل في أعقاب الحرب العالمية الاولى وانسحاب العثمانيين وحدوث الاحتلال البريطاني وتنامي الشعور الوطني اثر ظهور مشكلة الموصل ومطالبة الاتراك بها.
كان عضوا في جمعية العهد فرع الموصل وبدفع من قادة الحركة الوطنية أتجه نحو التعليم مع نخبة من رفاقه بهدف العمل على تربية النشى وفق مفاهيم وأفكار وطنية وقومية.
وكان الصوفي على صلة وثيقة برواد العمل الوطني والقومي أمثال ساطع الحصري (1880-1968) ودرويش المقدادي (1898-1961) وداؤد الجلبي (1879-1960) . وكان لهذه الصلة اثر كبير في تنمية الحس التاريخي وولعه بتسجيل جوانب مهمة من تاريخ العراق عامة والموصل خاصة والاستفادة من دروس التاريخ في تقوية الشعور المعادي للانكليز وبناء جيل جديد في العراق على أسس وطنية وقومية متينة.
ولقد أتجه الصوفي الى التأليف التاريخي حال تركه العمل في دائرة الاثار، فأصدر كتابه (الاثار والمباني العربية الاسلامية في الموصل) سنة 1940 وتطرق فيه الى موقع الموصل وأهميتها وأقوال المؤرخين في تأسيسها وتمصيرها وابرز المباني العربية الاسلامية فيها. وبعد ذلك بتسع سنوات اصدر كتابه (تاريخ المحاكم والنظم الادارية في الموصل) وبعد محاولة جادة لدراسة أصول القضاء الشرعي والمدني في الموصل خلال الفترة الواقعة بين سنتي 1534 و 1918. وفي سنة 1951 اصدر خريطة الموصل على عهد الاتابكيين وتعد الى اليوم من أرصن وأدق خرائط الموصل التاريخية. كما أصدر سنة 1953 كتاب (المماليك في العراق 1723-1831) وفيه فصل مهم عن الاسرة الجليلية في الموصل والتي أنتقدها الصوفي وعدها مسؤولة عن الصراعات السياسية والدموية والنكبات الاقتصادية التي شهدتها الموصل أبان الفترة المذكورة انفا.
وخلال السنة ذاتها اصدر كتابه (خطط الموصل) بجزئين ويعد تاريخا شاملا لمدينة الموصل وخططها وسكانها وعشائرها واحياءها ومساجدها وأسواقها وأبوابها وأسوارها. في سنة 1955 أصدر كتابه (ارض السواد) الذي درس فيه مشكلة الارض والمياه في العراق وأدان فيه اهمال المسؤولين العناية بمشاريع الري وحمل الغزاة الاجانب الذين استولوا على مقاليد الحكم بعد سقوط بغداد سنة 1258 مسؤولية تدهور أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأنصرف الصوفي لجمع الحكايات الشعبية في الموصل من صدور العجائز والجدات قبل اندثارها. وأصدر كتابه (الحكايات الشعبية في الموصل) سنة 1962 وجمع فيه (21) حكاية وركز على دلالتها التربوية والاخلاقية دون التعمق في أصولها ومآخذها التاريخية. وفي سنة 1970 اصدر كتابه (تاريخ بلدية الموصل) لمناسبة مرور مائة عاما على تأسيس البلدية. فتحدث عن فكرة البلدية منذ ظهور الاسلام حتى سنة 1958 وقدم جردا تاريخيا مفصلا برؤساء بلدية الموصل منذ تأسيسها مع توضيح لأبرز منجزاتهم العمرانية والاجتماعية. وللصوفي كتب مخطوطة منها كتاب (تاريخ وعبر) ويبحث فيه تاريخ الموصل أواخر العهد العثماني وما بعد ذلك. كما ترك مقالات ودراسات عديدة في صحف الموصل وبغداد ويقتضي الواجب العلمي جمعها واصدارها في كتاب أو كتب احياء لذكرى هذا الرجل الرائد.
لم يكن الصوفي مؤرخا محترفا، بمعنى أنه لم يدرس مادة التاريخ دراسة أكاديمية منظمة تساعده في ان يتخذ من دراسته هذه حرفة يعتاش منها، بل كان مؤرخا هاويا اتخذ التأريخ وسيلة من وسائل التثقيف والتربية الوطنية والقومية للناشئة الذين حرص كل الحرص على ان يحبوا تاريخهم ويستلهموا رموزه وقيمه بشرط عدم التفريط بشروط ومواصفات الكتابة التاريخية. وكان الصوفي يقدم التاريخ بأسلوب قصصي ماتع لذلك أحبه طلبته لطرافته وأسلوبه ولطفه وقوة شخصيته.
ومن خلال متابعة ما أنجزه من كتب ودراسات يمكن القول أنه كان يدرك بأن التاريخ مجرى الحياة، وان ما يجري في حقبة معينة له تأثير على حياة الناس في الحقبة الزمنية التالية ومن هنا جاء اهتمامه بكل حقب وتاريخ فترات الموصل. ولم يكن الصوفي بعيدا عن قواعد المنهج التاريخي فقد عرف بان التاريخ، كما قال في أحد كتبه قد غدا اليوم (يدرس كعلم من العلوم لا مجموعة من الحوادث والحروب التي تدرس وقائعها اعتباطا واهتبالا). وفي كل كتبه سعى الصوفي الرجوع الى المصادر الاصلية وبلغات متعددة كلما استطاع الى ذلك سبيلا. كما انه كان يضع خطة واضحة للبحث ويرتب الاحداث ترتيبا زمنيا منطقيا، ولا يغفل التحليل والتفسير وابداء الاراء. واهتم الصوفي بما يسمى اليوم بـ(التأريخ المحلي)، فقد كانت معظم كتاباته تدور حول الموصل وأوضاعها السياسية والاقتصادية والادارية والعمرانية وهذا اللون من الدراسات حديث النشأة. ولم يقف الصوفي عند التاريخ السياسي بل أهتم بالجوانب الحضارية والاجتماعية فكتب عن تاريخ المباني والمحاكم والبلدية وخطط المدينة والامراض والفيضانات والحكايات الشعبية وله في كل ما كتب فضل الريادة،. ولجأ الصوفي الى التاريخ الشفهي فجمع حكاياته من (الصدور التي أنهكها كبر السن) ولم يكتف بما هو مسطور في الكتب، فتحرى الروايات وحلل مضامينها. ولم يكن الصوفي بعيدا عن أحداث مجتمعه، فقد أرتبط في العشرينات من القرن الماضي بجمعية العهد فرع الموصل وفي الثلاثينات نشط في تنظيمات نادي المثنى المعروف بتوجهاته القومية. كما أنضم الى حزب الاخاء الوطني 1933. وكان من الاعضاء المؤسسين لجمعية التراث العربي التي تأسست في الموصل في 16 حزيران 1973 وكان من أهدافها تشجيع الدراسات المتعلقة بتاريخ الموصل وتراثها. وقد ظل على صلة بشخصيات فكرية وثقافية عراقية وعربية وأجنبية بارزة. وأحتفظ بالرغم من كبر سنه بذاكرة وقادة ولم يتوقف عن الكتابة والتأليف حتى أتته المنية مساء يوم الثلاثاء الثامن من كانون الاول 1982 عن عمر يناهز الثامنة والثمانين.
وقد أبنه طلابه وزملائه وكتبت لقاء فتحي عبد الله العبادي عنه رسالة ماجستير بأشراف كاتب هذه السطور قدمتها الى مجلس كلية التربية بجامعة الموصل 2004 وأشارت الى مجهوداته وابرزت صفاته ومنها سعة علمه وقوة شخصيته وأهمية كتاباته التي تشكل بحق مجموعة قيمة من المعطيات التي يفيد منها الباحثون والمؤرخون في تاريخ العراق عامة وتاريخ الموصل خاصة فرحم الله الصوفي وجزاه الله عن ما كتبه ونشره وتركه خــير جزاء .
*المصدر كتاب شخصيات موصلية لكاتب هذه السطور ومدونة الدكتور ابراهيم العلاف ورابطها التالي :
wwwallafblogspotcom.blogspot.com
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل
الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...
-
(السسي) من جرزات الموصل المشهورة - ابراهيم العلاف * وعندما تحدثت عن جرزات او كرزات الموصل وقفت عند السسي ويبدو ان هناك من يحب السسي وسأل...
-
أهلا بنابتة البلاد ومرحبا جددتم العهد الذي قد أخلقا لاتيأسوا أن تستردوا مجدكم فلرب مغلوب هوى ثم إرتقى مدتْ له الامال من أفلاكها ...
-
وردحاق صاق ناصي ..............ورد الحق وصاغ النصيب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل حين قدمتُ حلقة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق