الثلاثاء، 19 يناير 2010

جعفر ابو التمن والحركة الوطنية العراقية المعاصرة


جعفر أبو ألتمن و الحركة الوطنية العراقية المعاصرة

أ.د.إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل

في تقرير سري بريطاني، وصف جعفر أبو ألتمن: (( بأنه رجل وطني متطرف، مثقف، يمتلك قدرا كبيرا من النشاط والحيوية والنفوذ، لعب دورا مهما في تصعيد الحركة الوطنية وخاصة في التحريض ضد الانتداب البريطاني)) . وجعفر أبو ألتمن واحد من الشخصيات البارزة في تاريخ العراق المعاصرلكونه من الرجال الذين تركوا أثرا كبيرا على جيل واسع من الشباب في العراق .
ولد جعفر أبو ألتمن سنة 1881 في بغداد، من عائلة بغدادية عربية تجارية . ونشأ نشأة دينية عربية بحثه. ولم يتجه نحو الوظائف الحكومية ،وإنما بدأ حياته في الاشتغال بالتجارة، لكنه ثقف نفسه بنفسه عن طريق مطالعة الكتب ذات المواضيع المختلفة.
أن من ابرز ملامح سيرة جعفر أبو ألتمن أواخر العهد العثماني أسهامه الجدي في تأسيس معهد تعليمي باسم ( مكتب الترقي الجعفري العثماني) أي مدرسة الترقي الجعفري العثمانية من جهة ،واشتراكه في حركة الجهاد ضد الانكليز حين هددوا البصرة في تشرين الثاني 1914 من جهة أخرى. وبعد احتلال الانكليز لبغداد في 11 آذار –مارس سنة 1917 ، حسبت السلطات البريطانية لجعفر أبو ألتمن ، بعد أن احست بمكانته البارزة في المجتمع ، ألف حساب ، فحاولت الاستعانة به، فكان له في هذه الفترة نشاط اجتماعي ثقافي، خاصة من خلال دوره عضوا في مجلس المعارف والمجلس البلدي لمدينة بغداد . ولكن سرعان ماأستقال بعد أن ظهرت الأوجه الحقيقية للاستعمار البريطاني.
أن دور جعفر أبو ألتمن أصبح واضحا للفترة التي تبدأ باستفتاء ارنولد ولسن الحاكم السياسي البريطاني في العراق عام 1918 – 1919 وتنتهي بتنصيب فيصل ملكا على العراق في آب –أغسطس 1921 . فلقد احتل مركزا مهما في الحركة المطالبة بالاستقلال، وقيامه بدور مهم في جمعية حرس الاستقلال، وهي المنظمة السرية التي أسسها الوطنيون في شباط 1919 من أجل المطالبة بالاستقلال وكان حلقة الوصل بين الحركة الوطنية في بغداد، والفرات الأوسط، وعند نشوب الثورة في الفرات الأوسط عام 1920 غذاها، وهو في بغداد، بما قدمه من أموال وما ألقاه من خطب حماسية في الاجتماعات الوطنية التي كانت تعقد في داره، وهذا مما أدى الى تضايق المحتلين منه فحاولوا ألقاء القبض عليه، ولكنه هرب والتحق بميدان الثورة المستعر ، فأسهم في قيادة الثورة حتى انتهائهاحيث اضطر الى الهرب الى الحجاز .
أما موقف جعفر أبو ألتمن من ترشيح فيصل ملكا على العراق فيبرز من خلال إدراكه بأن تتويج فيصل ليس إلا " لعبة استعمارية " وعرف جعفر هذه اللعبة الاستعمارية وعندما حاول فيصل أن يستميله أليه طالبا منه أن يصطحبه إلى العراق إلا أن أبي ألتمن رفض ذلك.
يقول المؤلف أن جعفر أبو ألتمن أدرك أن ترشيح فيصل قد حصل خلف ستار،
فأثر أن يتأخر في الرجوع ريثما ينجلي الموقف ويتوضح الأمر ، فتذرع بالبقاء لأداء فريضة الحج لذلك بقي في الحجاز ولم يعد الى العراق إلا بعد انتهاء مراسيم تتويج فيصل ملكا .
تبدأ المرحلة الثالثة من حياة جعفر في سنة 1921 وتنتهي 1923 وفي هذه المرحلة. عاد الى العراق وبدأ بمساهماته الفعلية في الحركة الوطنية . فقد أسس الحزب الوطني العراقي في تموز 1921 ولقد أخذ الحزب الوطني يمارس النشاط السياسي بدعوته الى معارضة المعاهدة العراقية البريطانية لسنة 1922 والتي لم تكن تختلف عن صك الانتداب . وكان حصيلة هذا النشاط أن القي القبض على جعفر أبو ألتمن وعلى مجموعة من زملائه ونفوا الى جزيرة سجام في الخليج العربي . ولقد مكث هنا كعشرة أشهر . كما أغلق الحزب الوطني وبعد أن وجهت السلطات البريطانية المحتلة هذه الضربة للحركة الوطنية، أتمت توقيع المعاهدة، واتخذت الإجراءات لانتخاب المجلس التأسيسي لإبرام المعاهدة ووضع القانون الأساسي (الدستور )، فلما عاد جعفر من المنفى وقف موقفاً سلبياً من انتخابات المجلس التأسيسي لعلمه بأنها لن تكون حرة.
وبهذا الموقف وضع جعفر أبو ألتمن الأساس للسياسة السلبية التي رافقته طوال حياته السياسية. يرى الاستاذ خيري أمين العمري أن أبو ألتمن كان متأثراً بسياسة حزب المؤتمر الهندي الذي انتهج طريق العصيان المدني أسلوبا للنضال ضد الاستعمار البريطاني، فحاول جعفر أن يلجأ الى أسلوب مقارب منه في العراق (انظر مجلة الهلال، أول نيسان 1968 ص 36) والى شئ من هذا القبيل يشير الدكتور فاضل حسين في مقدمته الرصينة لكتاب الأستاذ الصديق عبد الرزاق الدراجي ،رحمه الله ، في كتابه عن أبي ألتمن والذي هو بألا صل رسالة ماجستير لم يحضر مناقشتها ودافع عنها المشرف على الرسالة الأستاذ الدكتور فاضل حسين بسبب وفاة الطالب الدراجي اثر حادث سير فيقول: "لم ينتم جعفر أبو ألتمن الى مدرسة فيصل الأول السياسية، مدرسة المفاوضات والسياسة الواقعية بل كان المعارض المزمن، وهو في هذا يختلف عن ياسين الهاشمي الذي يمكن دعوته بالمعارض الموالي، وفي الواقع لم يذهب أبو ألتمن في سلبيته مذهب الذين قاطعوا الحكم وقعدوا في بيوتهم بل حاول أن ينشر الوعي السياسي في صفوف الجماهير الشعبية".
ثم تبدأ المرحلة الرابعة من حياة جعفر أبو ألتمن، وهي التي تقع بين سنتي 1924و 1932 ولعل من ابرز ملامحها إعادة تشكيل الحزب الوطني العراقي وموقفه المعارض لمعاهدة 1930 ومساندته لياسين الهاشمي وحزبه: حزب الإخاء الوطني في معارضته للمعاهدة وتوقيعه وثيقة التآخي بين الحزبين ومعارضة بعض أعضاء الحزب الوطني هذه السياسة لأنها تقف عثر أمام آمالهم في الوصول الى السلطة والبرلمان .كما أن أحد زعماء حزب الإخاء الوطني هو رشيد عالي الكيلاني، لم يستطع الاستمرار في الالتزام بوثيقة التآخي فألف وزارته الأولى سنة 1923 ولقد دفع هذا جعفر أبو ألتمن الى اعتزال العمل السياسي في الأول من تشرين الثاني 1933.
وتبقى المرحلة الأخيرة من حياة جعفر أبو ألتمن، وهي المحصورة بين سنتي 1934و 1945 وهي مرحلة مهمة من حياته، لأنها شهدت تحولاً في اتجاهه السياسي وهو انضمامه الى جماعة الأهالي فأستوعب أفكارها المسماة (الشعبية) وأصبح قائداً لتلك الجماعة، ولقد اندفع أبو ألتمن في هذا الاتجاه فاشترك في انقلاب سنة 1936 وتولى في وزارة حكمت سليمان ،منصب وزير المالية، ولكن ميل الفريق الركن بكر صدقي قائد الانقلاب والذي هو الاول في الوطن العربي ، إلى فرض دكتاتورية عسكرية في البلاد وظهور الخلافات بين الجناح العسكري المتمثل في جماعة بكر صدقي، والجناح المدني المتمثل في (جماعة الأهالي) دفعت أبو ألتمن الى الاستقالة بعد أن فشل في مساعيه لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر، فأصيب بخيبة أمل، اعتزل على أثرها العمل السياسي حتى توفي في 20 تشرين الثاني رحمه سنة 1945 رحمه الله .
وقد يكون من المناسب أن نذكر القراء الأعزاء، بأن الأستاذ الدكتور خالد عبد محسن وكان كاتب هذه السطور قد التقاه في لندن أواسط السبعينات من القرن الماضي، كان يعد أطروحته للدكتوراه في جامعة لندن عن جعفر أبو ألتمن، باعتباره من ابرز المعارضين العراقيين لنظام الحكم في العراق وخاصة في سنواته الأولى. وقد ناقش أطروحته وطبعها قبل سنوات قليلة في كتاب مهم .وتبقى حقيقة لابد من التأكيد عليها وهي أن جعفر أبو التمن يعد من ابرز رجالات الحركة الوطنية العراقية المعاصرة لذلك يستحق منا الذكر .
*راجع مدونة الدكتور إبراهيم العلاف ورابطها wwwallafblogspotcom.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...