الخميس، 14 يناير 2010

عبد الغني حامد العناز( 1934-2007 ) وغرفة تجارة الموصل



عبد الغني حامد العناز (1934-2007) وغرفة تجارة الموصل
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية_جامعة الموصل
آل العناز أسرة موصلية، عربية، عريقة، قدمت الكثير لهذه المدينة في مجالات العلم، والدين، والتجارة، والسياسة، والدبلوماسية، والثقافة، والاجتماع.. وقد سموا كذلك نسبة إلى جدهم السيد حسين بن محمد بن سلطان الذي حمل لقب العناز تيمنا بالشيخ العناز ،وهو أحد الأولياء المسلمين الصالحين المدفون في مقبرة تحمل أسمه ،وتضم كما يقول أحمد بن الخياط الموصلي في كتابه : ((ترجمة الاولياء في الموصل الحدباء )) ،قبور جماعة من الفضلاء . وتقع قرب أحد أبواب الموصل وهو الباب الجديد ،وهم حمدانيون ، وكانوا يسكنون في بداية الأمر في محلة النبي جرجيس ، ولكن بعض من اشتهر منهم، سكن في محلة الأمام عون الدين ، وقد جاورت بيوتهم بيوت البكريين، وأسرة ضياء يونس (1835 -1937 ) من مثقفي الموصل وسياسييها ،اختير نائبا عنها سنة 1929 ثم عمل سكرتيرا لمجلس الوزراء العراقي .
وقد اشتهر آل العناز بالتجارة ،وكنت أرى محلات الحاج حامد ،وشقيقه وشريكة الحاج مصطفى في باب السراي مقابل جامع الباشا الشهير. كما عرفت الحاج محمود الذي كان يمتلك مقهى معروف وهو من أوائل الذين ادخل الراديو إلى مقهاه في أوائل الثلاثينات من القرن الماضي.
انخرط آل العناز في خدمة الموصل، وبرزت منهم شخصيات مهمة وعلى كافة الأصعدة السياسية والعلمية والقانونية والتجارية والعسكرية ، ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى الأستاذ محمد غانم العناز السياسي ،والدبلوماسي ،والسفير الأسبق ، والأستاذ المحامي والصحفي شاكر العناز ،والدكتور المهندس سعد شاكر العناز مدير دار ابن الاثير للطباعة والنشر –جامعة الموصل سابقا ، والمشرف التربوي الأستاذ عبد الخالق العناز ،والأستاذ الدكتور هشام مصطفى العناز عميد كلية الهندسة / جامعة الموصل الأسبق، والأستاذ عبد الغني حامد العناز رئيس غرفة تجارة الموصل (1969_1978) موضوع مقالتنا هذه .
ولد الأستاذ عبد الغني حامد حسين العناز في مدينة الموصل سنة 1934، ونشا وترعرع في محلة الإمام عون الدين، ثم انتقلت أسرته في مرحلة الصبا إلى محلة الباب الجديد.. وكعادة آل العناز فقد انغمس ، منذ صباه ، بالعمل التجاري ومنذ أواسط الخمسينات من القرن الماضي وصار من التجار المعروفين بتجارة الملابس والكماليات. فضلا عن إسهامه في قطاع المقاولات. وكان (معرض ألوان) في شارع نينوى، بالقرب من( مقهى الشرق) المعروفة ، واحدا من محلات عمله، وقد عرف بين أقرانه بالصدق ،والأمانة ، والوفاء ، واحتفظ بعلاقات صداقة وعمل مع عدد كبير من تجار بغداد وبقية المدن العراقية.
ونظرا لنشاطه التجاري، وسمعته والطيبة فقد دعاه إخوانه التجار، وانتخبوه ليكون رئيسا لغرفة تجارة الموصل ولدورتين متتاليتين وضمن المدة من 1969 وحتى سنة 1978. وقد عمل إلى جانبه نخبة من الاقتصاديين المرموقين أمثال الأستاذ عبد المجيد النافوسي(أمين سر الغرفة )، والأستاذ ربيع محمود ألنعيمي(مدير إدارة الغرفة )، والأستاذ مظفر اللاوند والأستاذ جاسم محمد اليوسف، والأستاذ موفق سلمان علاوي ،والأستاذ ممتاز الياور ،والأستاذ عبد الجواد ألنعيمي ،والأستاذ زهير المفتي
إن أية مراجعة لنشاطاته في الغرفة، تدلنا على انه استطاع أن يجعل من غرفة التجارة مؤسسة ليست تجارية تدافع عن مصالح التجارة، وتجمع شملهم وحسب، بل مؤسسة اجتماعية، واقتصادية، وثقافية لها شأن في حياة الموصل العامة.. ولعل إسهامه في إقرار تشريع قانون تقاعد التجار وضمان رعايتهم الصحية كان من ابرز ماقدم خلال انشغاله لمنصب رئيس الغرفة، ومن القضايا التي كان يؤكد عليها ويكافح من اجلها، ، الدعوة إلى تفعيل القطاع الخاص ودفعه باتجاه أن يكون ركيزة مهمة من ركائز الاقتصاد الوطني .ولايمكن أن ننسى إسهاماته الكثيرة ومشاركاته الحيوية في مؤتمرات الاتحاد العام للعرف التجارية سواء التي كانت تعقد داخل العراق أو ضمن اجتماعات ومؤتمرات الغرف التجارية العربية ومنها على سبيل المثال الجلسة30 لمجلس الاتحاد العام للغرف التجارية الذي انعقد في فندق المحطة بالموصل يوم 12 أيلول 1974 ومؤتمر الغرف التجارية العربية في الكويت 1977 .
لقد حرص الأستاذ عبد الغني العناز على أن يكون لغرفة تجارة الموصل صوت مسموع في الدوائر والمؤسسات التجارية الموصلية والعربية والعالمية ، فعمل على إصدار( نشرة غرفة تجارة الموصل) وذلك في سنة 1974 ومما يسعدني أنني احتفظ بمجلدات هذه النشرة كاملة .
جاءت ترويسة النشرة التي صدر عددها الأول في 11 أيار-مايو 1974 إلى أنها نشرة تتضمن أخبارا اقتصادية ، ومقالات علمية، وتحقيقات صحفية تهم التجار رئيس التحرير عبد المجيد النانوسي .. وقد طبعت بمطبعة الجمهور في الموصل ولديها رقم إيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد ( 121 لسنة 1974) .كما أنها مسجلة بمصلحة البريد والرق والهاتف برقم 111، وقد جاء في كلمة العدد الأول أن النشرة جاءت لتعكس إحدى الجوانب الرئيسية لنشاط مجلس إدارة الغرفة الجديدة. ومن مهام النشرة معالجة المشاكل الاقتصادية والتجارية والتوصية بوضع الحلول المناسبة لها، والتقريب بين وجهات نظر المؤسسات والشركات العامة ووكلائها ،واقتراح إنشاء المشاريع التي تحتاجها محافظة نينوى، وأخيرا رفع المستوى المهني والصحي والمالي لطبقة التجار والكسبة التي تمثل قطاعا كبيرا من قطاعات الشعب، وقد أسهم في تحرير النشرة كتاب وأدباء ومؤرخون، واقتصاديون وغيرهم ويمكن ان نورد أسماء بعضهم وهم الأستاذ سعيد الديوه جي، والدكتور حميد القيسي ،والاستاذ ممتاز الياور، والمحامي محمود ألنعيمي ،والأستاذ زهير المفتي، والأستاذ عبد الوهاب ألنعيمي، والأستاذ عبد المجيد النافوسي ، والدكتور زكريا الباشا( مصري وهو أستاذ الاقتصاد في كلية الإدارة والاقتصاد –جامعة الموصل ) )، والأستاذ صادق محمد العباسي ،والدكتور أنور قصيرة، والسيد كمال الدين محمد السالم، والمحامي إسماعيل العمري، والأستاذ ربيع ألنعيمي والأستاذ أمير أكرم الصواف، والأستاذ طارق إسماعيل السيد توحي ، والسيدة لمياء علي الحنون، والدكتور وليد السيفو، والسيد ذنون البكر ،والآنسة هناء محمد قاسم،والآنسة ليلى إبراهيم احمد، والآنسة رباح احمد ضياء ،والسيد غانم قصاب
وفي العدد الثاني الصادر يوم 23 أيار 1974 كتب الأستاذ عبد الغني العناز رئيس الغرفة الافتتاحية. ومما قاله أن النشرة تهدف إلى تطمين قطاع التجار، وتبحث عن كل مايساعدهم على العمل خدمة للاقتصاد الوطني والنفع العام .وأضاف أن غرفة التجارة، استطاعت ((أن تضمن عائلة التاجر بسعيها المتواصل لتشريع قانون التقاعد ، كما أنها كفلت له الضمان الصحي ووفرت له سبل إعانته داخل القطر وخارجه ليحظى بالعناية الصحية اللازمة ، وبهذا وفرت لمحترفي هذه المهنة ضمان الشيخوخة والصحة وحمته من أفات العوز والمرض ، وهيأت له أسباب الضمان بالتأمين الإلزامي ..)) وقد بذل الأستاذ العناز جهودا كبيرة من اجل تشجيع التجار والكسبة للانضمام إلى الغرفة ويتضح ذلك من خلال دعوتهم المستمرة لهم عبر الصحف ووسائل الإعلام المختلفة وكان يرى بان انضمامهم للغرفة يحمي مصالحهم ويحقق لهم فوائد تجارية واجتماعية كبيرة.
في العدد الرابع من النشرة والصادرة في 8 حزيران 1974 ، أجرت هيئة التحرير مقابلة مع الأستاذ عبد الغني العناز رئيس الغرفة .. ومما قاله جوابا على سؤال يتعلق بما قدمه مجلس إدارة الغرفة : (( منذ تولينا مجلس إدارة الغرفة من الدورة الأولى في السادس من تشرين الثاني سنة 1969 عملنا ، أنا وزملائي أعضاء مجلس الإدارة ، على تقديم أفضل الخدمات والمكاسب لمنتسبي الغرفة ، وعلى وجه التحديد إقرار تشريع قانون تقاعد التجار والكسبة، ونعتقد أن هذا القانون يعد الأول من نوعه ليس في بلدان العالم الثالث فحسب بل في العالم اجمع ، وسيكون له صدى واسعا ورحبا لدى المستفيدين منه…)).
وأضاف الأستاذ العناز إلى ذلك أن مجلس إدارة الغرفة منذ توليه للمرة الثانية الإدارة في السادس من كانون الأول-ديسمبر سنة 1973 يبذل قصارى جهوده لتصعيد الحركة التجارية في الموصل وإنعاشها.. كما تم رفع مشروع صندوق الضمان الصحي للكبار إلى الجهات المختصة لإقراره .. علما بان مشروع التسليف والضمان الصحي المعمول به .. يعد من أهم المنجزات التي حققها المجلس في دورته الحالية وبموجبه يتم تسليف منتسبي الغرفة من الكسبة وصغار التجار مبالغ من حالات المرض أو الزواج أو أبناء السكن .. فضلا عن أن الغرفة حققت مشروع التأمين الجماعي على حياة الكسبة والتجار لمن يرغب بالتأمين على حياته وبإقساط مخفضة وقال أن الدورة الأولى لمجلس إدارة غرفة تجارة الموصل رغم أنها شهدت حركة نشطة بمشاركتها في المؤتمرات الدولية كمؤتمر الخرطوم سنة 1971 ومؤتمر بغداد في شباط 1973، إلا أن الحركة ازدادت نشاطا في الدورة الثانية حيث اتصلت الغرفة بعدد من مدراء الشركات والمؤسسات العامة لتعقد ندوات مفتوحة مع وكلائهم في محافظة نينوى)).
وقدم السيد رئيس الغرفة الأستاذ العناز في المقابلة تلك لمحة عن تاريخ غرفة تجارة الموصل وقال إن الغرفة تأسست سنة 1926 وكانت مجالس الإدارة التي تعاقبت عليها ممثلة بالقطاع الخاص حتى عام 1969 حيث تم تشكيل الاتحاد العام للغرف التجارية العراقية للإشراف المباشر على أعمال الغرف التجارية في المدن العراقية وبذلك تحدد مجلس الإدارة من عدد من العاملين في القطاع العام يتم تعينهم من قبل وزارة الاقتصاد ، أما أعضاء القطاع الخاص فيتم انتخابهم أصوليا، وبذلك تمتزج الخبرات العلمية للقطاع العام .. وقال إن نشرة غرفة تجارة الموصل أول نشرة تصدرها الغرفة منذ تأسيسها.
كان الأستاذ عبد الغني العناز حريصا على عقد الندوات الموسعة مع رؤساء المؤسسات العامة والمدراء العامة للشركات التجارية مع مقر الغرفة بشارع نينوى وكانت النشرة تتابع وقائع هذه الندوات التي كان حضور الأستاذ عبد الغني العناز فيها واضحا وقد استضافت الغرفة عددا من المدراء العاملين منهم على سبيل المثال المدير العام للشركة العامة للسيارات ومعاون المدير العام وتوزيع المواد الكيماوية ورئيس المؤسسة العامة للحبوب والشركة العامة للدواجن في المنطقة الشمالية والمدير العام للشركة العامة للسمنت ومدير مصلحة المبيعات الحكومية والمدير العام لشركة المعادن الوطنية فرع المشراق .وكانت الندوات تخرج بتوصيات تأخذ طريقها إلى التنفيذ. ومن الطريف أن يتولى الأستاذ عبد الغني العناز مسؤولية توثيق نشاطات غرفة التجارة منذ تأسيسها ففي العدد العاشر الصادر في 29 أب 1974 نراه يسبر غور أرشيف مكتبة الغرفة ويقتطف فقرات مهمة من محاضر الجلسات الأولى للغرفة لينشرها كوثائق تاريخية تعكس تطور الغرفة منذ سنة 1926 ومن هذه الوثائق مايشير إلى قبول مجلس إدارة الغرفة في اجتماعه الأول في كانون الأول 1926 كل السيد يونس بن محمد الكلاك في الغرفة (الصنف الرابع) والسيد احمد بن حسين العناز (الصنف الثالث) كما شكلت الغرفة لجنة من عبد المجيد جلبي زكريا ،وإبراهيم أفندي عقراوي،لتدقيق الشهادات التي تعطى من الغرفة للتجار. كما تلي في الاجتماع " سند يعقوب سارة المؤرخ في 18 كانون الأول 1926 الحاوي على مبلغ خمسة وأربعون روبية وخمسة آنات قيمة قرطاسية للغرفة وتقرر باتفاق الاراء وصرفها". وعمل الأستاذ العناز هذا، يدل على وعيه بأهمية التاريخ ،والتوثيق في بناء الاقتصاد والمجتمع بناء صحيحا .
عرفت الأستاذ عبد الغني العناز شخصيا، ووجدته أنسانا يحب التطور،جادا، محبا للعمل العام الذي يفيد مدينته ووطنه. هذا فضلا عن امتلاكه لثقافة تجارية واسعة وقد انتقل إلى رحمة الله في 8 آب 2007 وها نحن نذكره والذكر للانسان حياة ثانية له .
* يرجى زيارة( مدونة الدكتور إبراهيم العلاف) ورابطها : wwwallafblogspotcom.blogspot.com

هناك تعليقان (2):

ملاحظات حول التاريخ ..كتابته واهميته وفائدته

  ملاحظات حول التاريخ ..كتابته واهميته وفائدته  ا.د.ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس -مركز الدراسات الاقليمية -جامعة الموص...