في الموصل صدرت أول مجلة عراقية اسمها إكليل الورود !!
أ.د.إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية_جامعة الموصل
لم يكن غريباً عن الموصل، وهي تشهد حالة النهضة العربية المعاصرة منذ أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أن يصدر أبنائها جريدة أو مجلة ،وان يؤسسوا مدرسة حديثة، ومطبعة حديثة. وقد سجل تاريخ تطور الطباعة في العراق أن أول مطبعة تأسست في الموصل، كانت مطبعة الدومنيكان سنة 1858، وفي البدء كانت مطبعة حجرية، ثم وجد الدومنيكان أن مطبعتهم هذه لاتفي بالغرض،فعملوا على توسيعها ،وشراء معدات طباعية ومجاميع من الحروف العربية والسريانية والفرنسية من المطبعة الأهلية بباريس. وقد الحق بالمطبعة الجريدة مسبك لصب الحروف، وقسم لتجليد الكتب وتذهيبها بالطرق الحديثة.
وفي سنة 1863 أسس روفائيل مازجي، المطبعة الكلدانية، وانشأ عيسى محفوظ بمشاركة فتح الله سرسم سنة 1910 مطبعة نينوى. وهكذا أصبح في الموصل مطابع كثيرة أسهمت في النهضة الفكرية، ونشر الوعي القومي، وكان لنهضة الطباعة وتطورها اثر كبير في تطور الصحافة ونهضتها.
كانت جريدة (موصل) التي صدر عددها الأول في 25 حزيران-يونيو سنة 1885 أول جريدة تصدر في المدينة. كما صدرت جريدة نينوى في 15 تموز 1909، وجريدة النجاح التي صدرت عددها الأول في 12 تشرين الثاني-نوفمبر 1910. وكان في الموصل جريدة هزلية اسمها (جكه باز) أي المهذار التي ظهر عددها الأول في 27 حزيران-يونيو 1911.. والى جانب هذه الصحف، صدرت (إكليل الورود) في كانون الأول 1902، لتعد أول مجلة تصدر في العراق كله. وقد جاء في ترويستها أنها: (( مجلة دينية أدبية علمية شهرية:أصحاب الامتياز الآباء الدومنيكان)).وقد بلغ عدد صفحات المجلة في بداية صدورها (20) صفحة ولكنه كان يتغير في بعض الأحيان إذ يزداد ليتراوح بين 24_28 صفحة علما بان الواجهتين الداخليتين للغلاف كانتا تستعملان لكتابة المقالات كذلك وفي بعض الأحيان تستعمل الواجهة الأخيرة من الغلاف في تكملة المقال(أما بالنسبة لمقاس المجلة فهو (18x11,5 سم).
لم تكن المجلة سنة 1963 متوفرة لدى الباحثين، فحين كتب الدكتور عبد الله الفياض رسالته للماجستير في الجامعة الأمريكية ببيروت سنة 1962 عن ثورة 1920 العراقية ، قال بأنه عثر على بعض الأعداد عند روفائيل بابو إسحاق في بغداد. أما أحمد فياض المفرجي، فقد بحث عنها كثيرا ولم يحصل على أعدادها كاملة.. وقد تمكنت عند إعدادي لرسالة الماجستير سنة 1973 عن ولاية الموصل من العثور على أعدادها كاملة من مكتبة دير ماربهنام.وكما هو معروف فان مجلة إكليل الورود صدرت بثلاث لغات هي العربية وصدر منها 650 عددا، والفرنسية صدرت منها 400 عددا، والكلدانية وصدر منها 330 عددا وعندما الفت كتابي (نشأة الصحافة العربية في الموصل) وطبع سنة 1982 قلت أن الموضوعات في جميع اللغات كانت متشابهة حيث كانت تترجم من لغة إلى أخرى، إلا أن ذلك لم يكن صحيحا، فثمة اختلاف في موضوعات المجلة فما تنشره الطبعة العربية قد لايكون مطابقا لما تنشره الطبعة الفرنسية وهكذا.
اشتغل في تحرير المجلة عدد من المحررين أمثال الأب عبدالاحد جرجي البغدادي، والقس باسيل بشوري ،والأديب فرج الله كسبو .وقد اهتمت المجلة بالموضوعات الصحية والسياسية والاجتماعية والثقافية، فأخذت تحرص على تزويد القارئ بالمعلومات العامة المفيدة، فقد كتبت في عددها الصادر في تموز 1907 عن السكر، وفي عددها الصادر في حزيران 1908 عن التبغ، وفي عددها الصادر في أيار-مايو 1907 عن القهوة. كما مارست المجلة وظيفتها الصحفية في العناية بمواد التوجيه والإرشاد والتثقيف وبوسائل عديدة، منها نشر القصص ذات الطابع الإنساني أو نشر الأقوال والمأثورات الحكمية مثال ذلك النصائح التي وجهتها إلى القراء في عدد نيسان-ابريل 1905: (لاتؤخر عمل اليوم إلى الغد) و(لاتستخدم الغير في عمل تقدر أن تعمله أنت)، و(لاتشتر مالا ينفعك وان بيع رخيصا)، و(لأتصرف حصتك قبل أن تكون قد حصلتها) و(كلما شعرت بالغضب فعد من الواحد إلى المائة قبل أن تتكلم).
كما اهتمت المجلة بنقد الكتب الجديدة ومن ذلك مانشرته في عدد شباط -فبراير1907 عند صدور كتاب سليم حسون (الأجوبة الشافية في الصرف والنحو) وفي عدد آذار-مارس 1903 نقدت رواية استشهاد مارثيسيوس المعربة عن الفرنسية ،وكرست المجلة بعض صفحاتها لتأكيد أهمية العمل وضرورته للإنسان، ففي عددها الصادر في آب-اغسطس سنة 1907 نشرت مقالة بعنوان (لاتستح من صناعتك وان باتت حقيرة) قالت فيه: (العار كل العار من كان عبد البطالة المهلكة أو من طلب الربح من طريق محظور يترفع في قصدها ذو الذمة الصادقة والشرف الحقيقي).
كما عنيت المجلة ، منذ بداية صدورها بتزويد القارئ بأخبار علمية، فنشرت في عددها الصادر في تشرين الأول-اكتوبر 1907 خبراً يتعلق بمذنب دانيال. ونشرت في عددها الصادر في تشرين الأول-اكتوبر 1909 مقال مطول بعنوان (نظر في الاختراعات الحديثة) قالت فيه " ان زماننا هو زمان الترقي في مرافئ الفنون واجتباء أغرب.. الأثمار.. وما تلك الأثمار إلا الاختراعات .. ومن هذه الاختراعات التلغراف، واللاسلكي، والاوتومبيل (السيارة) والمناطيد أو المركبات الهوائية الحديثة". واهتمت المجلة بالنفط ونشرت إحصائيات عن إنتاجه وأهميته . كما كتبت عن مااسمته بـ (الصحف السيارة في فرنسة) وقالت أن عدد الصحف التي صدرت في فرنسا سنة 1900 بلغ (6866) وعلقت قائلة : لكن الكثير من هذه الصحف والمجلات (لايفيد الأخلاق .
كان للمجلة أبواب ثابتة أهمها باب بعنوان (نصائح صحية) وباب (أخبار حالية ) تذكر فيه بعض الأخبار السياسية والاقتصادية والعمرانية وقد ظلت المجلة تصدر بانتظام نحو ستة أعوام، وصدر آخر عدد منها في كانون الأول-ديسمبر 1909.
قال مؤرخ الصحافة الرائد رزوق عيسى في مقال له بمجلة الحرية (البغدادية) التي صدرت سنة 1925 إن غاية المجلة الأولى (تهذيب الأخلاق) .. أما فائق بطي فقد أشار في الموسوعة العراقية (بغداد، 1976) أنها (مجلة اعتنت بنشر أخبار المجتمع الموصلي) ونقول نحن، إن المجلة وان كرست بعض صفحاتها لمقالات ذات طابع ديني مسيحي، إلا أنها تعد بحق مرآة انعكست على صفحاتها- وطيلة الفترة 1902_1909- جوانب مهمة من أخبار وأحداث المجتمع الموصلي في مرحلته التاريخية وفي وقت لم تكن الصحافة في العراق قد خطت بعد خطواتها الواسعة في التطور والنهضة فتحية لإكليل الورود وتحية لمن أصدرها وتولى مسؤولية تحريرها وجزاهم الله خيرا لما قدموه لمدينتهم ووطنهم وأمتهم.
*راجع مدونة الدكتور ابراهيم العلاف
wwwallafblogspotcom.blogspot.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق