الخميس، 21 يناير 2010

الدكتور خير الدين شريف العمري والمزاوجة بين الطب والشرع


الدكتور خير الدين شريف العمري والمزاوجة بين الطب والشرع


أ.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث _جامعة الموصل


منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي، تعرفت على الدكتور خير الدين شريف العمري عندما انتدبني، وكنت مدرسا مساعدا في قسم التاريخ بكلية الآداب_ جامعة الموصل ،للتدريس في (معهد المهن الصحية العالي) الذي كان يشغل فيه منصب معاون المدير.. وقد قضيت في تدريس مادة( تاريخ الوطن العربي) سنة دراسية كاملة، وكانت صلتي بالمعهد معه مباشرة، فوجدته أنسانا فاضلا، وأستاذا قديرا محبوبا من لدن طلبته. ومنذ ذلك الوقت وحتى وفاته، رحمه الله في الحادي والثلاثين من شهر تشرين الأول / أكتوبر سنة 2009، ظلت علاقتي به طيبه، فكان يهديني مايصدره من كتب، كما كنت أحرص على الاطلاع على متابعة انجازاته في مجال التأليف، ومما قوى الصلة بيني وبينه، أنه كان محبا للتراث والتاريخ، فضلا عن انه كان مرتبطا ارتباطا فاعلاً بالكثير من المؤسسات والجمعيات والمنظمات التي يقال عنها اليوم أنها منظمات المجتمع المدني، فهو عضو في الاتحاد العام للأدباء والكتاب، وهو من أصدقاء جامعة الموصل، وهو عضو في جمعية مكافحة التدرن، وعضو في جمعية مكافحة السرطان فرع الموصل، كما انه كاتب، وباحث، ومؤلف ،وإداري ناجح، وباختصار كان علما من أعلام الموصل في القرن العشرين.
سألته مرة عن محمد شريف الفاروقي (العمري) ،الرجل الذي كان له حضور فاعل في الحركة العربية القومية منذ السنوات الأولى من القرن العشرين ،وقد أسهم إسهاما مؤثرا في الثورة العربية الكبرى، فقال انه من آل العمري، وكنت أظن انه والده ، لتشابه الأسماء فقال أن محمد شريف ذاك لم يتزوج واغتيل سنة 1920 .. وهكذا صححت معلوماتي عندما كتبت عن محمد شريف الفاروقي العمري في كتابي: (شخصيات موصلية).
أستاذنا خير الدين ، رحمه الله، هو خير الدين بن شريف بن محمد أفندي الصابر العمري (أبو إدريس)، ولد في مدينة الموصل سنة 1932،وقضى دراسته الابتدائية والمتوسطة بين أقضية الموصل المختلفة بحكم عمل والده المهندس في مديرية الطابو (التسجيل العقاري) وأكمل دراسته الإعدادية في مدينة الموصل سنة 1950 وسافر إلى دمشق ونال شهادة العلوم الفيزياوية والكيماوية الحيوية من كلية العلوم-الجامعة السورية بدمشق ثم درس الطب في الجامعة ذاتها وعمل في بعض مستشفيات حلب قرابة سنتين وحصل على الدكتوراه من جامعة دمشق سنة 1926.عاد إلى الموصل سنة 1963، وعين طبيبا على ملاك رئاسة صحة نينوى، وفي سنة 1974 اشغل وظيفة طبيب جراح في شعبة العمليات الصغرى، وكلف بالإشراف على العيادة الخارجية كذلك، واحب التدريسي وتفرغ له، لذلك نقل إلى معهد المهن الصحية العالي سنة 1975. وفي سنة 1985 حصل لقب (مدرس)، جريا على ماهو موجود في جامعة الموصل. عين رئيسا لقسم المعاونين الطبيين في المعهد، كما تولى منصب إعدادية التمريض للبنين في الموصل سنة 1987 وبناء على طلبة أحيل على التقاعد سنة 1988.
كان الدكتور خير الدين ، رحمه الله، إنسانا مؤمنا بالعمل الوطني، والاجتماعي، والثقافي ، وليس ذلك غريبا عليه، فهو من أسرة آل العمري العريقة التي تولت حكم الموصل لفترة كما أنها أسهمت في تكوين بنيتها السياسية ،والاقتصادية، والاجتماعية، والإدارية، والدبلوماسية، والثقافية، والعلمية، والدينية، في التاريخ الحديث والمعاصر. وكان والده وجده من الرجال الصالحين، وقد عاش في بيئة علمية، ودينية محافظة.
فجده محمد أفندي الصابر، كان أستاذا في الفقه، وهو من تلاميذ الشيخ محمد أفندي الرضواني، وقد ورث الدكتور خير الدين كل تلك الخصال الطيبة ، فضلا عن تميزه بالصدق والثقة بالنفس، وحب الناس، والعطف على الصغير، واحترام الكبير،لذلك كان يحظى باحترام الجميع حتى أن آل العمري كانوا يستشيرونه في كثير من الأمور، ويعد مرجعهم في حل المشاكل والصعوبات التي تعترضهم في حياتهم اليومية..
ليس من السهولة حصر كل إنتاجه العلمي، فهو كثير ،ومتناثر في الصحف والمجلات والدوريات والكتب، فهو كاتب دائم في مجلة التربية الإسلامية، ومقالاته حول (الأخطاء الشائعة عن الطب)منشورة بصورة متسلسلة ويمكن الرجوع له، كما انه أسهم في تحرير مجلة (الآسي) التي تصدرها نقابة الأطباء فرع نينوى.وله بحوث منشورة وغير منشورة، تدور البحوث المنشورة حول معالجة القرحة الهضمية ، والتداوي في الصيام، وظاهرة التلبس بين الفقه والطب،
وقد اعد سنة 1926 أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه وكان عنوانها:"الريح الصدرية العفوية"


كما اصدر الكتب التالية:
1. الموجز في علم النفس والتمريض العقلي 1973
2. علم النفس والتمريض العقلي 1985
3. القلق بلباس العصر 1987
4. موسوعة العلوم الطبية 1989
5. خفاق في الزواج 1991
6. ظاهرة التلبس بين الفقه والطب 2004
7. الحلال والحرام من التداوي في الصيام 2007
أما المخطوطات التي تنتظر النشر ونأمل أن تنشر من قبل أولاده ، فأهمها:
1. تصحيح مفاهيم الكبت والعفة والصبر
2. أخطاء شائعة عن الطب (جزءان)
3. الطب للمجتمع (خمسة أجزاء)
4. الإمراض النفسية والعقلية وعلاقتها بالروح
إن مما يميز إنتاجه العلمي ، قدرته على المزاوجة بين الطب والفقه ويرجع ذلك إلى امتلاكه الملكة العلمية كونه طبيبا، والمملكة الفقهية كونه قد درس وتبحر بالعلوم الشرعية الدينية ،لذلك جاءت كتبه ،ومقالاته فقهية ومفيدة لكل إنسان يريد أن تكون حياته سليمة وقويمة، خالية من الشطط والانحراف.
حصل خلال حياته العلمية على أوسمة، وشارات تكريم، وكتب شكر وتقدير كثيرة، فعلى سبيل المثال جرى تكريمه لمناسبة(( يوم العلم)) في محافظة نينوى سنة 1998 باعتباره من المتميزين في حقل الطب. كما كرمته وزارة الصحة سنة 1991.
إن الدكتور خير الدين شريف العمري، قام بأعمال متميزة ،ونشاطه معروف، وموثق وينبغي أن ينشر ليكون قدوة لأبنائنا وأحفادنا، فالرجل متزوج من سيدة عربية سورية فاضلة وقفت إلى جانبه في السراء والضراء، وأسهمت معه في تعليم وتربية أولاده تربية عربية إسلامية طيبة ..والاهم من ذلك انه كان يؤكد على أولاده أن يكونوا صادقين مع أنفسهم، ومع محيطهم وكثيرا ما كان يستشيرهم بغيه غرس الثقة في نفوسهم وتوجيههم نحو التفكير الصائب المستقل.
وفوق هذا وذاك،فانه لم ينس مهنته، ومدينته ، فهو من المؤسسين الأوائل لمصرف الدم في الموصل(1963). كما انه عمل على مطالبة رئاسة الصحة بإدخال أجهزة التخدير الحديثة سنة 1964، بعد أن كان التخدير يتم بالطريقة التقليدية وعلى أيدي الممرضين.
ومع انه تقاعد عن العمل الحكومي سنة 1988، لكنه استمر يمارس مهنته في عيادته الخاصة في مدينة الزهور بالموصل، حتى وفاته رحمه الله في 31 تشرين الأول / أكتوبر سنة 2009، اثر نوبة قلبية فاجأته ولم تمهله طويلاً .رحمه الله، وجزاه خيرا على كل ماقدم لمهنته ووطنه وأمته.
*المصدر مدونة الدكتور إبراهيم العلاف wwwallafblogspotcom.blogspot.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...