بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين يسعدني أنا (الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف )أن ارحب بكم في مدونتي الثانية مدونة الدكتور ابراهيم خليل العلاف ..واود القول بانني سأخصص هذه المدونة لكتاباتي التاريخية والثقافية العراقية والعربية عملا بالقول المأثور : " من نشر علما كلله الله بأكاليل الغار ومن كتم علما ألجمه الله بلجام من نار " .
السبت، 16 يناير 2010
الدكتور عبد الاله أحمد والتأريخ لحركة الادب القصصي في العراق
الدكتور عبد الاله أحمد والتأريخ لحركة الادب القصصي في العراق
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث-جامعة الموصل
ليس كمثل الأستاذ الدكتور عبد الإله احمد (1940ـ2007) ، الكاتب والناقد ، والاديب ، والاستاذ الجامعي الذي رحل عن دنيانا في السادس عشر من مايس 2007 ، من وثق للأدب القصصي في العراق المعاصر . وبالرغم من عظم انجازاته ، وابداعاته في مجال الكتابة والنقد ، الا انه كشأن زملائه وأقرانه الادباء والمفكرين ، والشعراء والأساتذة ، والأكاديميين لم يحظ بما يستحقه من اهتمام ، وقد عاش ومات كما قال احد تلاميذه ، وهو حمزة عليوي في دائرة ((الصمت والعزلة)) .
لقد خسرت الحركة الادبية والثقافية في العراق والبلدان العربية ، بحق واحدا من نقادها وباحثيها البارزين ، كانت له يد طولى في الكثير من البحوث والدراسات والاطروحات الجامعية التي نجم عنها عدد كبير من الباحثين والاساتذة والدارسين الذين رفدوا جامعاتنا والجامعات العربية بالكثير من العطاء سواء في مجال البحث او التأليف او التدريس . وكان لعبد الاله احمد ، كما جاء في بيان نعيه الذي اصدره الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ((فضل الريادة في توثيق الحركة القصصية)) وخاصة في كتابيه الشهيرين: ((نشأة القصة وتطورها في العراق 1908 ـ1939)) و ((الادب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية)) . ومما يزيد من قيمة هذين العملين الرائدين ان الاستاذ الدكتور عبد الاله احمد ((لم ينهج نهج المؤرخ المكتفي بالتوثيق بل نهج منهج الناقد المحلل .. فاستطاع ان يعكس تطورات القصة العراقية ، وان يرصد رصدا دقيقا تياراتها الفنية وتنوعاتها وقيمها الفكرية والجمالية )) . وقد امتلك ، رحمه الله ((حضورا بينا في الاوساط الادبية )) ، وكان ((لآرائه وقع كبير في محافل تلك الاوساط وانشطتها لما اتسمت به من الجرأة والقوة)) . وما تركه الدكتور احمد يعد جهدا رائعا لم يظهر مثله في ((كتاب او دراسة اكاديمية تناقش وترصد تطورات هذا الفن وتحيط باساليبه المختلفة)) . وقد ظل الدكتور احمد بعيدا عن السلطة السياسية في بلاده ، فمزاجه الحاد ونفوره من الخطأ والمعايب ، وحرصه على قول الكلمة الصادقة حال دون ان ينال في حياته من التكريم والاشادة والتشجيع الا في مرات قليلة جدا ، لكن هذا لم يمنع من ان يظل استاذا متمكنا ، وباحثا جادا ، ومحاورا حقيقيا ، وقبل هذا انسانا طيبا وكريما .
ولقد قومه احد زملائه في التدريس وهو الاستاذ الدكتور محمد حسين آل ياسين بموضوعية عالية حين قال ان الدكتور عبد الاله احمد كان يتمتع بامكانات علمية عالية وحسناته ومزاياه في ((المنظور العلمي الجامعي او الانساني ، كثيرة ومهمة ، اولها موضوعيته في النظر الى الاشياء التي تخضع للدرس ، فهو لاينحاز فيها الا الى الابداع الذي يبحث عنه في النص ، قصة كانت او رواية ، دون ان يميل ميل المصلحة الخاصة او التعصب او الدخول في الرأي الشائع المشهور عن العمل الذي لايستحق الشهرة ، وقد طبعت هذه الموضوعية العلمية اعماله المنشورة وشهد له بها اساتذته في بغداد والقاهرة وزملائه وطلابه ، وتلمسها قراؤه ومتابعوه . كما امتازت جهوده في البحث بالمنهجية الاكاديمية الدالة على العقل العلمي المنظم ، والثقافة الجامعية العميقة ، )) ويقينا انه في هذا قد تأثر باستاذه ومثله الاعلى الاستاذ الدكتور علي جواد الطاهر رحمه الله ، والذي كان يزرع اسس المنهج العلمي ، والروح المنهجية في نفوس وعقول طلابه في كل خطوة من خطوات البحث في الدرس الاولي والجامعي .
كتب عنه صديقنا الاستاذ حميد المطبعي بضعة اسطر في الجزء الاول من
( موسوعة اعلام العراق في القرن العشرين)) ، والذي نشرته دار الشؤون الثقافية العامة التابعة لوزارة الثقافة والاعلام ( العراقية ) ببغداد سنة 1995 يقول ان الدكتور عبد الاله احمد باحث وناقد في القصة ، فهو الدكتور عبد الاله احمد محمد صالح ، ولد في بغداد سنة 1940 ، حاصل على دكتوراه آداب من جامعة القاهرة سنة 1976 . عين استاذا في الاداب والنقد الحديث في كلية الاداب بجامعة بغداد ... منهجه في الحياة يقوم على الصدق مع النفس ، والصدق مع الاخرين )) . ومع انه كان صادقا مع نفسه ومع الاخرين الا انه لم ينل من الاخرين ما يستحقه من قبول واهتمام .
اما الاستاذ جميل الشبيبي فقد قال عنه بانه كان (( ناقدا موسوعيا في كتاباته المتميزة عن القصة القصيرة ، وكذلك الرواية العراقية . واهم صفة فيه علميته وقدرته على الحوار مع الاخر دون حساسيات )) .
وقد خلد باعماله النقدية اسماء الكثير من رواد القصة في العراق ، ونقب عن قصصهم وانتشلهم من وهدة النسيان وثبت اسماءهم في خارطة السرد في التاريخ العراقي المعاصر )) .
وكتبه تعد مرجعا اساسيا في الدراسات الفكرية والعلمية عن القصة في العراق . ويمكن القول بكل ثقة ان كتب ومتابعات الناقد عبد الاله احمد ((تؤسس لمبدأ ادبي وثقافي في العراق ينظر الى الادب والثقافة العراقية نظرة نسق متصـل من الابداع )) .
وتحدثت تلميذته الباحثة العراقية الدكتورة نادية العزاوي في الجلسة الاستذكارية التي نظمها الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ( تموز 2007) عن استاذها الدكتور عبد الاله احمد قائلة : ((فجيعتي برحيله كانت اشد، كوني تلميذته)) . واضافت: كان الاولى بنا الاحتفاء به قبل رحيله .. نحن العراقيون لانجيد فهم اعلامنا ، والله لو كان عبد الاله احمد موجودا في مصر او لبنان لكان له شأن آخر ، كان الراحل لايحسن لعبة المجاملة على المستويين الشخصي والرسمي ، وكان متمسكا بثوابت فكرية فقد ظل مؤمنا بعمق بعراقيته منهجا ورؤيا .. وظلت القصة العراقية شغله الشاغل يشخص اسباب مساراتها ، صعودا وهبوطا ، كل ذلك برؤية نقدية صادقة )) .
لم يحدد احد من النقاد توجه عبد الاله احمد الفكري والسياسي ، لكننا نستطيع القول ومن خلال متابعة اعماله انه لم ينتسب لحزب معين او اتجاه فكري محدد وكان ذو نزعة ( تقدمية) ( واقعية) فهو اقرب الى اليساريين في نظرته الى الحياة والكون والمجتمع والانسان ، ويقرر الدكتور مالك المطلبي جانبا من هذه الحقيقة في قوله ((ان الدكتور عبد الاله احمد كان اكاديميا صرف ، ووثائقيا يسمى الاشياء ولايحكم عليها وميزته انه غير راض على أي شيء )) .
حاول الاستاذ مهدي صالح الشمري في مقال له عن عبدالاله احمد نشر في جريدة الزمان ( العراقية) 28 من ايار 2007 ان يتغلغل في داخلية هذا الناقد والكاتب الكبير فوصفه بانه حاد الطباع ، ربما انعكس ذلك في التشدد في علاقاته مع زملائه وطلبته ، وقد اثر ذلك على مجمل حياته ، وحرمه من حميمية مودة الاخرين الذين قد يخرجون عن الموضوعية لمصلحة او مجاملة او علاقة اجتماعية .
وبشأن تعامله مع مادة دراسته ، وهي القصة والادب القصصي العراقي ، فان الدكتور عبد الاله احمد ، تبنى توجه استاذه الطاهر فاقبل على دراسة الظواهر الادبية الحية ، والشخصيات الموجودة على قيد الحياة ولم يكن هذا التوجه في حينه ، أي في اواخر الستينات واوائل السبيعينات من القرن الماضي مستساغا في اقسام اللغة العربية بالجامعات العراقية ، خوفا من ان ينعكس ذلك سلبا على الناحية الموضوعية ، لكن عبد الاله احمد اقتحم الميدان مسلحا بنصائح ودعوات استاذه الطاهر . وقد اشار الى شيء من هذا القبيل في كتابه ( نشأة القصة وتطورها في العراق (1908 ـ 1939) حين قال : ((واذا كان هناك من يرى خطورة ، في دراسة أدب معاصر ، شديد اللصوق بالمدة التي يعيش فيها الباحث ، لما يمكن ان يؤدي اليه هذا اللصوق من ابتعاد عن الموضوعية التي يقتضيها البحث الاكاديمي )) . الا ان هذا التوجه في المعاصرة له فوائد كثيرة منها وجود الاديب نفسه واصدقاءه واقاربه واعداءه ((تجمع وتناقش ، ورائدك الحقيقة ، وتنتفع من وسائل النشر المعاصرة الجرائد والمجلات والاذاعة والتلفزيون والافلام )) وهكذا يكون بحثك في جانب اواخر من جوانبه شهادات في واقع ادب معين في مدة من المدد من تاريخه يمكن ان تشكل مادة اولية تفيد باحثين يتناولون هذا الادب في فترات قادمة )) .
ويصف الدكتور عبدالاله احمد، الاديب العراقي ((بانه سريع الغرور ، سريع الشعور بانه حقق غاية بعيدة المدى ، وأصبح استاذا في اقصر وقت ، ثم انه كسول فاتر الهمة قليل المطالعة والكتابة بحيث لايأخذ مأخذا جديا ، ولا يأحذ مسؤولية تجاه فنه ، على المستوى نفسه من الجدية مما يمكن لمسه بسهولة لدى العديد من الادباء . في العراق ، ويكاد الامر فيه ان يكون صفة مميزة لاكثرهم )) .
في كتابه ((نشأة القصة وتطورها في العراق 1908 ـ1939)) ، والذي هو بالاصل رسالة ماجستير التي تقدم بها الى جامعة القاهرة خريف سنة 1966 باشراف الاستاذة الدكتورة سهير القلماوي ، يؤكد على ان الباحث لايستطيع كتابة تاريخ القصة العراقية المعاصرة ، وبحدود العوامل المؤثرة التي أدت الى نشوئها بدون العودة الى دراسة القرن التاسع عشر ، هذا القرن الذي هو بداية النهضة الحديثة . كما ظهرت فيه اوائل طلائع الاصلاح مع اولى بوادر اليقظة الفكرية .. ويحدد عدة تيارات ثقافية شهدها العراق آنذاك اولها (تيار تقليدي) هو امتداد لتيار الفكر العربي القديم. وثانيها (تيار التحديث) الذي بدأت به الدولة العثمانية واستهدفت اعادة بنى الدولة بمؤسساتها المختلفة على اسس غربية وثالثها هو ( التيار الغربي) الذي بشر بالفكر والثقافة الغربية . ويحدد مسألة مهمة وهي ان القصة الحديثة ظهرت في العراق متأخرة .
ويقف الدكتور عبد الاله احمد عند المحاولات البدائية العراقية في مجال كتابة القصة ، ويؤرخ لمجهودات سليمان فيضي ، وعطا امين، ويناقش القصة بين الحربين ويتناول ( الاتجاه العاطفي) في القصة المتمثل في قصص يوسف متي وشالوم درويش و( الاتجاه الاجتماعي) المتمثل بقصص ذو النون ايوب و(الاتجاه الفردي) الذاتي وابرز كتابه عبدالوهاب الامين و ( الاتجاه الرمزي) المتمثل بما كتبه نديم الاطرقجي ، و( الاتجاه الرمزي) المتمثل بما تركه خلف شوقي الداودي ، و( الاتجاه التاريخي) المتمثل بقصص سليمان صايغ .. اما الرواد من القصاصين الكبار في رأيه فهم كل من محمود احمد السيد، وانور شاؤول، وذو النون ايوب، وعبد الحق فاضل .
وفي كتابه : ( الادب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية) ، وهو بالاصل اطروحته للدكتوراه المقدمة الى كلية الاداب بجامعة القاهرة سنة1975 وقدنشرت ببغداد سنة 1977 بجزئين ، يتعرض لواقع الادب القصصي ، منذ بداية الحرب العالمية الثانية ، واثر ثورة 14 تموز 1958 في طبيعة ما كتب من قصص ، والعوامل المؤثرة في الادب القصصي والاتجاهات التي كتبت بموجبها القصة العراقية والمتمثلة بالاتجاه التقليدي والاتجاه الرومانسي والاتجاه الواقعي ، ولم ينس الدكتور عبد الاله احمد ان يؤرخ للحياة السياسية في العراق وانعكاساتها في الحياة الادبية ، وموقف السلطة من الكتاب والادباء ، وجذور الواقعية السياسية في انتاج القصاصين العراقيين ابان الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي ، واخيرا تباشير انتاج جيل الخمسينات من رواد الادب القصصي . ولعبد الاله احمد رأي في جيل الستينات من الادباء الشباب فهو يرى بانه ((جيل ... كثير الصخب والادعاء ، يكتب لونا من الادب يختلف عن سابقيه ، وهو امر ليس صحيحا تماما )) .
ويتوج عبد الاله احمد أعماله باصداره (( فهرست القصة العراقية)) بـ( 329) صفحة من القطع الكبير، وهو جهد وثائقي مهم جدا للباحثين والمهتمين بهذا اللون من الوان الثقافة العراقية المعاصرة وقد صدر الفهرست ببـغداد سنة 1973 .
ولعبد الاله احمد كتب ودراسات اخرى مهمة منها على سبيل المثال نشره للمجموعة الكاملة لاعمال القاص الرائد المبدع محمود احمد السيد (بغداد 1978) وكتابه ( في الادب القصصي ونقده ) ( بغداد ، 1993) ، ودراسته ( النقد القصصي في العراق : دراسة في نشأته وتطوره)).
يكفي الاستاذ الدكتور عبد الاله احمد ، ان قدم للمكتبة العراقية ، من خلال كتبه ودراساته وفهرسه ، ما ساعد على فهم جوانب مهمة من تراثنا القصصي المعاصر ، ولا شك في ان المؤرخ يفيد من اعماله في تسجيل صفحات مهمة من التاريخ الثقافي العراقي المعاصر .
*الرجاء زيارة مدونة الدكتور ابراهيم العلافwwwallafblogspotcom.blogspot.com
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 ...............أ.د إبراهيم خليل العلاف
الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 أ....
-
(السسي) من جرزات الموصل المشهورة - ابراهيم العلاف * وعندما تحدثت عن جرزات او كرزات الموصل وقفت عند السسي ويبدو ان هناك من يحب السسي وسأل...
-
أهلا بنابتة البلاد ومرحبا جددتم العهد الذي قد أخلقا لاتيأسوا أن تستردوا مجدكم فلرب مغلوب هوى ثم إرتقى مدتْ له الامال من أفلاكها ...
-
وردحاق صاق ناصي ..............ورد الحق وصاغ النصيب ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل حين قدمتُ حلقة ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق