الاثنين، 18 يناير 2010

مع المفكر والمربي العربي الكبير ساطع الحصري



   الاستاذ ساطع الحصري وهو يحتضن حفيدته من ابنته سلوى -عابدية نزار جعفر العسكري(مواليد 1957 )  وتقف اختها ميادة الى جانبه  .

مع المفكر والمربي العربي الكبير  
ساطع ألحصري
أ.د. إبراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل


شهد تاريخ الفكر العربي المعاصر ، عدة نزعات وتيارات فكرية مختلفة ذات أبعاد سياسية واجتماعية .. ولعل من أهم هذه التيارات التيار اللبرالي القومي العربي الذي بدأ يتنامى في أعقاب تكريس التجزئة السياسية في الوطن العربي وظهور كيانات منفصلة. ومن ابرز الذين مثلوا هذا التيار، المفكر القومي والمربي العربي الأستاذ ساطع ألحصري ، فمن هو ساطع ألحصري؟ وما آراؤه؟ وما دوره في تطوير الفكر القومي العربي؟ .
ولد في صنعاء باليمن في سنة 1880، حيث كان أبوه محمد هلال بن السيد مصطفى ألحصري(وهو حلبي) يعمل رئيسا لمحكمة الاستئناف الجنائي هناك. ونتيجة لحياة التنقل المستمر في العديد من الولايات العثمانية فان ساطع لم يتلق تعليما دينيا عربيا تقليديا، وإنما دخل المدارس الحديثة ليتخرج من المدرسة الملكية الشاهانية في اسطنبول. وكانت هذه المدرسة تؤكد على الرياضيات والطبيعيات. وقد عمل منذ سنة 1900 معلما في ثانوية ( يانيه) ثم أستاذا للتربية في دار الفنون ومديرا لدار المعلمين بعد ذلك. وخلال فترة تدريسه في المدارس المذكورة، ألف عددا من الكتب المدرسية في العلوم الطبيعية ولعل من أبرزها دروس الأشياء ، معلومات زراعية، علم النبات، التطبيقات الزراعية . وقد قررت وزارة المعارف العثمانية تدريس مؤلفات ساطع ألحصري في مدارسها ومعاهدها الرسمية.
انصب هدف ساطع ألحصري خلال هذه المرحلة من حياته على مسالتين: الأولى تبسيط العلوم وتحبيب الناس اليها. والثانية إدخاله علم النفس وعلم التربية إلى دار المعلمين في اسطنبول ، حتى بلغ نشاطه في هذا المجال أن يلقب بـ( أبو علم التربية التركي) .
أن المرحلة الأولى من حياة ساطع يمكن تسميتها بالمرحلة العثمانية والتي بدأت منذ ولادته وحتى انهيار الدولة العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى. ولساطع في هذه الفترة نشاطات تعليمية وثقافية متعددة. أسس مجلة " أنوار العلوم " ،وهي مجلة علمية، كما أصدر مجلة تربوية باللغة التركية باسم تدريسات ابتدائية"، والتي كانت توزع على جميع المدارس الحكومية الموجودة في الولايات العثمانية . وعقد ساطع عدة مؤتمرات تربوية للمعلمين ومديري المدارس لمناقشة مختلف أمور التربية والتعليم. وعندما انتهت الحرب العالمية الأولى غادر ساطع اسطنبول ليقيم في دمشق. ومع أن الكثيرين من أصدقائه الأتراك، حثوه على البقاء في تركيا لكنه فضل العمل في وطنه العربي.
تحدث ألحصري عن تلك الأيام فقال: إنا عربي ، وعندما انفصل العرب عن الإمبراطورية العثمانية لم يكن أمامي خيار سوى الانضمام أليهم" ،أي إلى أهلي.
استدعى لكي يتولى شؤون المعارف في الحكومة العربية بدمشق. وفي دمشق أدى دورا كبيرا في تطوير أنظمة التعليم وذلك بإتباع منهج قومي عربي. ولكن أحداث الغزو الفرنسي كانت أسرع من كل شيء،فسقطت الحكومة العربية في تموز 1920 وسافر ألحصري إلى مصر حيث بقي فيها حتى استدعاءه فيصل الأول بعد تتويجه ملكا إلى العراق .
وفي بغداد واصل ألحصري نشاطه في الإطار الذي وضعه لنفسه وهو أطار العمل التربوي. فلقد تولى مناصب عدة أهمها معاون وزير المعارف، ومدير المعارف العام حتى تموز 1927 وكان يسعى من خلال مناصبه" لخلق سياسة تعليمية قومية وعصرية " .
وقد امتدت نتائج فشل ثورة 1941، وانتكاس المد القومي العربي في العراق بعد الاحتلال البريطاني الثاني إلى ساطع ألحصري، فطرد من العراق في 21 حزيران 1941 ليستقر في حلب فترة قصيرة ، انتقل بعدها إلى بيروت، ثم استدعته الحكومة السورية سنة 1944 ليعمل مستشارا في الشؤون التربوية. وفي سنة 1947 ذهب إلى القاهرة . وسعى لتأسيس معهد الدراسات العربية العالية (1953) وقد استقال منه سنة 1957 وتقاعد نهائيا. وأخيرا استقر في بغداد، حيث توفي فيها يوم 24 كانون الأول 1968 ،وأتذكر أن الأستاذ عبد الرحمن البزاز وكان رئيسا للوزراء آنذاك طلب منه قبيل وفاته بأشهر قليلة إلقاء محاضرة عامة، فحضر إلى قاعة الشعب المجاورة لبناية وزارة الدفاع وكان كاتب هذه السطور موجودا ، وكان عنوان المحاضرة يدور حول الأصول البشرية ،ونظرية الأعراق ولم يستطع ألحصري إلقاء المحاضرة بنفسه لكبر سنه وألقاها نيابة عنه احد الأشخاص ولا أتذكر اسمه وكانت محاضرة شيقة ومهمة دحض فيها ألحصري النظريات الرسية، وأكد على الانتماءات الثقافية وهذا ما يؤكد أن الرجل تبنى الفكر القومي ببعده الثقافي وليس العنصري كما يشاع في أيامنا هذه .
ومن خلال كتبه التي تزيد عن الـ (30) كتابا ومقالاته التي لاتحصى ، ومذكراته التي صدرت في بيروت سنة 1968. يمكن الوقوف على المميزات الأساسية لفكر ساطع ألحصري واتجاهه القومي العربي.
لقد عاش ساطع من اجل قضية الوحدة العربية، وكان يؤمن بان فكرة القومية العربية تعني الأيمان بوحدة هذه الأمة. لذلك فانه يعد- بحق – من الأسماء البارزة التي ارتبطت بمسيرة الفكرة القومية العربية المعاصرة ودعوة الوحدة العربية ، وهنا يمكن القول ان الأستاذ ساطع ألحصري أول من وضع القومية العربية أسسا علمية، ووجه الأنظار أليها. وأشاع الروح فيها وقوى الإيمان بها. ولساطع مواقف من بعض الآراء والنظريات الخاصة بالقومية كالنظرية المادية ونظرية المشيئة وعلاقة القومية بالأصل أو الدين . ولساطع فضل الاجتهاد في توضيح كثير من مفردات ومفاهيم الفكر القومي العربي .
لقد كان شعار العروبة أولا. عند ساطع ألحصري كفيل يحل جميع التناقضات القائمة في الواقع العربي ،وفي مقدمتها التناقضات الثقافية التاريخية الموروثة. يقول ساطع ألحصري: " أنا أعتقد أن وحدة التاريخ، واللغة ستعمل عملها في " العالم" العربي حتما، وستتطور الأمور من جراء ذلك تطورا ينتهي إلى اتحاد الأقطار العربية عاجلا أو آجلا" . وكان يردد كذلك: " أذا كانت اللغة هي الروح والحياة، فالتأريخ هو الوعي والشعور" وعلى هذا يمكن القول – مع المؤرخ كليفلاند- " أن منهج ألحصري الفكري قائم على أساس أيقاظ شعور الأمة عن طريق التربية والتعليم " .
أن التعليم بنظر ألحصري- ينبغي أن يكون هدفه الأول والأساس تربية الجيل العربي تربية قومية عصرية . لذلك كان يحرص من خلال نشاطاته الفكرية والثقافية على أصلاح التعليم وتخليصه من التبعية للنظم الاستعمارية. لقد حاول في أكثر من قطر عربي أعطاء مناهج التربية طابعها القومي مؤكدا على مسالتين أساسيتين هما : اللغة العربية، والتاريخ العربي . كان يهدف إلى غاية واحدة. هي إيجاد نظم تعليمية وثقافة مشتركة بين جميع الأقطار العربية . انه كان يريد تنشئة جيل عربي جديد وفقا لأساليب تربوية حديثة ، ليس للمحافظة على المجتمع القديم، مثلما وجد، بل لخلق مجتمع جديد.
ولكن، ثمة مسالة مهمة ينبغي أن نشير أليها، وهي أن فكر ساطع ألحصري واتجاهه القومي، يبقى مثاليا في مضمونه، فهو بحكم ظروفه التاريخية التي عاش فيها. لم يستطع التركيز على البنى الاقتصادية والاجتماعية للامة ، فكتبه، المتعددة لا أثر فيها للتفكير الاجتماعي-الاقتصادي أو لربط القضية الاجتماعية بالقضية السياسية .
لقد أتيح لساطع ألحصري أن يعيش حتى يرى أفكاره العربية والقومية تتقدم بعد أن ارتبطت بالمضمون الاشتراكي ،كما ظهر ذلك واضحا في شيوع أفكار اليسار العربي المعروفة وخاصة بعد التوجهات الناصرية(نسبة إلى الرئيس جمال عبد الناصر 1952-1970 ) ، نحو الإنسان وضرورة تحقيق رفاهيته الاجتماعية . ولعله شعر بذلك" فعندما كان يسأل في الستينات من القرن الماضي عن خشيته من أن يكون الزمن قد تجاوز كتبه والأفكار الواردة فيها، كان يرد دائما بأنه سيكون اسعد الناس لو تحقق ذلك ، لان معناه أن الوعي العربي بضرورة الوحدة قد نضج إلى درجة كبيرة وهذا أهم – بالنسبة أليه- من استمرار الحاجة إلى كتبه والى الأفكار الواردة فيها". وهكذا كما يقول- الياس سحاب في مقاله عن ساطع ألحصري، والمنشور في مجلة المستقبل العربي 1978، فان فكر ساطع ألحصري مادة تخضع للغربلة الفكرية والسياسية الدائمة، ولكن ألحصري قد وفر علينا الكثير من المشقة في هذا المجال بإقراره بأنه أول من يتمنى أن تتجاوز الأمة العربية الحاجة إلى أفكاره وكتبه" ولكن الشيْ المهم هو أن التاريخ العربي المعاصر، سيذكر أن ساطع ألحصري عاش من أجل قضية الوحدة العربية، وسعى، بكل ماأوتى من جهد وعلم وقوة. إلى أن يؤكد حقيقة أساسية وهي أن الأمة العربية قادرة على مواجهة التحديات مهما طال الزمن وسيكون لها باستمرار مكانتها التي تستحقها بين الأمم .
*يرجى زيارة مدونة الدكتور ابراهيم العلاف
wwwallafblogspotcom.blogspot.com

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم
    تحيه وبعد ...
    لقد كانت اطالتكم القيمه على حياة المفكر العربي ساطع الحصري اضافه موفقه اثرت الفكر عن هذا المفكر العبقري ونضاله الصادق من اجل الامه العربيه ورسالتها الانسانيه وطريقها في الحياة الحره الكريمه ...شكرا
    علي النقاش
    alnaqash@hotmail.com

    ردحذف
  2. شكرا اخي الاستاذ علي النقاش على تعقيبك ..فعلا الحصري رجل كبير ومواقفه القومية العروبية واضحة للعيان لذلك فهو يتعرض لهجمات .

    ردحذف

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...