"الخيميائي" بان كي مون
عبد اللطيف السعدون
29 ديسمبر 2015
كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"
أخذ كويللو، في هديته الرمزية، على بان كي مون، أنه كان، مثل غيره، يرى ما يحدث من حوله على النحو الذي يشتهيه، وليس كما هو في الواقع، ولو فعل ما هو أكثر من الإعراب عن القلق الذي مارسه عشرات المرات، واجترح حلولاً لمشكلات العالم، لوجد أن العالم كله يطاوعه، ويساند رغباته، لكن كي مون لم يحقق، طوال سنوات ولايته، اختراقاً يُذكر له في إدارته المنظمة التي ظلت على حالها. لم يقدم أفكاراً جديدة، لم يبتكر خططاً استراتيجية، تعين منظمته على النهوض، لم يجرؤ أن يخالف مشيئة الكبار الذين يتحكّمون في إدارة العالم، لم يطرح ما يراه هو، بل طرح ما يراه الآخرون.
لذلك، ظلت شعوب العالم تستغيث مما يحل بها، وبقيت الآفات الأربع التي تحدثت عنها الأساطير، الصراعات، والحروب، والمجاعات، والموت، والتي أنشئت المنظمة، قبل سبعين عاماً، من أجل إيجاد حلول لها، ظلت على حالها، وربما زادت، ووصل الأمر بالمنظمة أنها كفّت عن أن تكون ممثلة 193 دولة، وتقزّمت لتصبح أداة طيعة في أيدي الدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة، تأتمر بأمرها، وتسوق طروحاتها وأفكارها، وتبارك خططها وسياساتها. وأصبح الأمين العام مجرد موظف روتيني مهزوز، لا حول له ولا قوة، وربما كنا، نحن العرب، الأكثر معاناة من بين شعوب العالم من تجاهل المنظمة الدولية لنا، فقد سحقتنا دورات العنف، وحروب الطوائف، ونزاعات المال، وتنمّر المليشيات على سلطة الدولة، وواجهتنا تحديات العنف الطائفي، والحروب الأهلية، وتوترات الهجرة والنزوح والتهجير، والقتل والاختطاف، من دون أن نجد لدى المنظمة ما يعيننا على مواجهة الحال، وتخطي المآل. أكثر من ذلك، استفقنا مراراً لنكتشف أن المنظمة الدولية التي يفترض أنها تسعى إلى توطيد دعائم السلام تبارك غزو بلداننا، وتغض الطرف عن "العدوانات" المتكررة علينا.
نقرّ لبان كي مون أن سوء الحظ رافقه أكثر من أسلافه الذين تربعوا على عرش المنظمة الدولية، إذ حملت السنوات التسع التي قضاها في منصبه جملة تحديات، لم يواجهها أمين عام سابق، ونراه، وهو في "ربع الساعة الأخير" من ولايته، غير قادر على فعل شيء، ولن تنفعه نصائح باولو كويللو، حيث لا يريد أن يفعل شيئاً قد يثير العالم من حوله. كل ما يريده أن يسلم "أمانته" بهدوء إلى خلفه، ويعود إلى بلده فيكتب مذكراته، أو ليجترّ أحلام ماضيه، ويتجاوز حالة القلق التي كان يعيشها، مع كل حدثٍ عاصفٍ يشهده العالم.
تخبرنا هدية كويللو، في النهاية، أن العالم يحتاج، اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى "خيميائي" يمتلك من السحر، والقدرة، والجاذبية، ما يمكّنه من مواصلة رحلة البحث عن السلام، والأمن لكل العالم، وبما يحصنه من شرور الحروب والنزاعات، وقد نجد من بين نساء العالم واحدةً تستطيع أن تفعل ما لم يفعله الرجال، أن تتخطى حاجز الفشل، لتعيد إلى المنظمة الدولية التي عقد عليها آباؤنا الآمال شيئاً من "الموثوقية"، وقد تتمكّن، في آخر المطاف، من إتقان مهنة "الخيميائي" الذي يحوّل المعادن الرخيصة إلى ذهب.
___________________________________________-
لذلك، ظلت شعوب العالم تستغيث مما يحل بها، وبقيت الآفات الأربع التي تحدثت عنها الأساطير، الصراعات، والحروب، والمجاعات، والموت، والتي أنشئت المنظمة، قبل سبعين عاماً، من أجل إيجاد حلول لها، ظلت على حالها، وربما زادت، ووصل الأمر بالمنظمة أنها كفّت عن أن تكون ممثلة 193 دولة، وتقزّمت لتصبح أداة طيعة في أيدي الدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة، تأتمر بأمرها، وتسوق طروحاتها وأفكارها، وتبارك خططها وسياساتها. وأصبح الأمين العام مجرد موظف روتيني مهزوز، لا حول له ولا قوة، وربما كنا، نحن العرب، الأكثر معاناة من بين شعوب العالم من تجاهل المنظمة الدولية لنا، فقد سحقتنا دورات العنف، وحروب الطوائف، ونزاعات المال، وتنمّر المليشيات على سلطة الدولة، وواجهتنا تحديات العنف الطائفي، والحروب الأهلية، وتوترات الهجرة والنزوح والتهجير، والقتل والاختطاف، من دون أن نجد لدى المنظمة ما يعيننا على مواجهة الحال، وتخطي المآل. أكثر من ذلك، استفقنا مراراً لنكتشف أن المنظمة الدولية التي يفترض أنها تسعى إلى توطيد دعائم السلام تبارك غزو بلداننا، وتغض الطرف عن "العدوانات" المتكررة علينا.
نقرّ لبان كي مون أن سوء الحظ رافقه أكثر من أسلافه الذين تربعوا على عرش المنظمة الدولية، إذ حملت السنوات التسع التي قضاها في منصبه جملة تحديات، لم يواجهها أمين عام سابق، ونراه، وهو في "ربع الساعة الأخير" من ولايته، غير قادر على فعل شيء، ولن تنفعه نصائح باولو كويللو، حيث لا يريد أن يفعل شيئاً قد يثير العالم من حوله. كل ما يريده أن يسلم "أمانته" بهدوء إلى خلفه، ويعود إلى بلده فيكتب مذكراته، أو ليجترّ أحلام ماضيه، ويتجاوز حالة القلق التي كان يعيشها، مع كل حدثٍ عاصفٍ يشهده العالم.
تخبرنا هدية كويللو، في النهاية، أن العالم يحتاج، اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى "خيميائي" يمتلك من السحر، والقدرة، والجاذبية، ما يمكّنه من مواصلة رحلة البحث عن السلام، والأمن لكل العالم، وبما يحصنه من شرور الحروب والنزاعات، وقد نجد من بين نساء العالم واحدةً تستطيع أن تفعل ما لم يفعله الرجال، أن تتخطى حاجز الفشل، لتعيد إلى المنظمة الدولية التي عقد عليها آباؤنا الآمال شيئاً من "الموثوقية"، وقد تتمكّن، في آخر المطاف، من إتقان مهنة "الخيميائي" الذي يحوّل المعادن الرخيصة إلى ذهب.
___________________________________________-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق