الجمعة، 4 ديسمبر 2015

ا. د. إبراهيم خليل العلاف
قاسم محمد الرجب
(1917-1974 )
ومكتبة المثنى ومجلة المكتبة​






قاسم محمد الرجب ( 1917 ـ1974) ، مكتبي عراقي، بل هو من ابرز المكتبيين العراقيين الرواد .. فلقد كانت مكتبته ( المثنى) ، بمثابة منتدى ثقافي ودار للنشر ومطبعة وأداة لتسهيل وصول الكتاب إلى أيدي محبيه رغم الكثير من العوائق .. فهو من الأوائل الذين اهتموا باستنساخ أمهات الكتب العربية عبر ما يسمى آنذاك بـ (الأوفست) .. و فضلا عن هذا فقد اصدر مجلة تعنى بالكتاب ، علما وفنا وتجارة ، تلك هي مجلة المكتبة .

ولد قاسم محمد الرجب في حي ألا عظمية ببغداد سنة 1917 ، أي مع موعد احتلال بغداد من قبل الإنكليز أبان الحرب العالمية الأولى ، لذلك لم تتيسر له فرصة إكمال دراسته ، فتوقف عن الدراسة إلى الصف السادس الابتدائي .. كتب عنه صديقنا الأستاذ حميد المطبعي في موسوعة ( أعلام العراق في القرن العشرين) وقال بأنه اشتغل في بداية حياته العملية في المكتبة العربية في سوق السراي ببغداد سنة 1937 وفي السنة ذاتها اختمرت في ذهنه فكرة فتح مكتبـة ، فأسس مكتبة المثنى أول الأمر في دكان صغير . مقابل سوق الذهب ، ثم انخرط في سلك الجندية واسهم في ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد الإنكليز ورجاله في العراق سنة 1941 ثم واصل بعدها العمل في المكتبة متنقلا من دكان إلى آخر وأخيرا اشترى بيت الدكتور صائب شوكت وهو طبيب معروف آنذاك وحوله إلى مكتبة المثنى في شارع المتنبي ببغداد .. ومنذ ذلك الوقت وهو يسعى من اجل تطوير الكتاب ، طباعة وإخراجا ونشر مئات الكتب وأقام مجلسا في باحة مكتبته يرتاده العلماء والمفكرون والمؤرخون والأطباء . اصدر فهارس عديدة لنوادر مكتبته 1958 ـ 1968 ، كما نشر كتاب تاج التراجم في طبقات لابن قطلوبغا سنة 1962 ..

وقد أرخ له ولنشاطه الأستاذ كور كيس عواد ،المعجمي العراقي المعروف في كتابه الموسوم : ((مشاركة العراق في نشر التراث العربي )) . وقد توفي رحمه الله يوم 1 نيسان 1974 في بيروت ونقل جثمانه الى بغداد ودفن في مقبرة الإمام الأعظم ..

لعل من أهم ما أنجزه هذا الرجل ، إصداره أول مجلة عراقية تعنى بالكتاب وهي مجلة المكتبة . وقد صدر عدها الأول في أيار سنة 1960 وجاء في ترويستها أنها ((قائمة شهرية تصدرها مكتبة المثنى لصاحبها قاسم محمد الرجب ، بغداد ـ شارع المتنبـي ، تلفون 83588) .. وهي بحجـم صغيـر وبمقـاس

(20 ×14سم) وتباع النسخة الواحدة بـ(50) فلسا وفيما بعد تغيرت الترويسة فيما لتصبح ((المكتبة مجلة شهرية للكتب والكتاب)) . كما ظهر الى جانب اسم صاحب المجلة فيما بعد اسم رئيس التحرير مهدي القزاز والمدير المسؤول عبد الكريم جواد المحامي وكانت المجلة تطبع في مطبعة شفيق ببغداد وصفحات المجلة تراوحت خلال فترة صدورها بين ((70 ـ90 صفحة)) ، و كانت المجلة تعد ، بحق ، ((فتحا جديدا في الصحافة العربية، ولونا ثقافيا فريدا تقبله القراء بالغبطة والسرور ليس في العراق فحسب بل وفي جميع أقطار الدنيا العربية ودوائر الاستشراق الأجنبية وجميع المعنيين بشؤون الثقافـة وتيارات الفكـر في العالم )) .

وقد عبر ((صفوة المفكرين وعلماء المشرقيات)) عن فرحتهم بصدور المجلة وابدوا إعجابهم بها واثنوا على خططها الثقافية ، كما حظيت بتقدير أعلام الباحثين والمثقفين في البلاد العربية .. وقد اسهم في تحريرها نخبة كبيرة من الكتاب والمفكرين والعلماء والمثقفين العراقيين وغير العراقيين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر ، الدكتور صالح احمد العلي ، والأستاذ احمد حامد الصراف والدكتور يوسف عز الدين والأستاذ عبد الرزاق الهلالي والأستاذ نهاد عبد المجيد والدكتور مصطفى جواد والدكتور شكري فيصل والأستاذ كور كيس عواد والأستاذ مهدي القزاز والأستاذ هيثم الكيلاني والأستاذ فؤاد جميل والأستاذ سلمان هادي الطعمة والأستاذ هلال ناجي والأستاذ فؤاد يوسف قزانجي والأستاذ محمد صادق الموسوي والأستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف والأستاذ جليل العطية والأستاذ خليل إبراهيم العطية والأستاذ علاء الدين خروفة والأستاذ مكي الجميل والأستاذ مشكور ألا سدي والأستاذ سليم المعروف والأستاذ حكمت توما شي والأستاذ الدكتور احمد حامد الشر بتي والدكتور محسن غياض والأستاذ فريد الظاهر والأستاذ حميد مجيد هدو والأب يوسف سعيد والأستاذ مصطفى حسنين والأستاذ عبد الكريم جواد والدكتور علي جواد الطاهر والأستاذ محمود العبطة ، والأستاذ عامر عبد الودود والدكتور فاروق عمر حسين فوزي والأستاذ محمد هادي الأميني والدكتور عبد اللطيف حمزة والأستاذ الدكتور عبد الكريم الأمين والأستاذ خالد محسن إسماعيل والأستاذ كاظم الخليفة والأستاذ خضر عباس ألصالحي ، والأستاذ محمد جعفر ألا سدي والدكتور حسين مؤنس والأستاذ فؤاد افرام البستاني والأستاذ عدنان عبد الكريم قدوري والأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري والدكتور صفاء خلوصي والدكتور إسماعيل ناجي والسيد توفيق الفكيكي والأستاذ عباس العزاوي والأستاذ خضر العباسي والأستاذ ناجي محفوظ والأستاذ محمد سعيد العريان والأستاذ جميل احمد ألكاظمي والشاعر احمد الصافي النجفي والأستاذ عبد القادر البراك .

وكان في المجلة أبواب ثابتة منها : (( مطالعات في الكتب)) و ((رسائل القراء )) و ((اخبار ثقافية )) و ((حياة الفكر والثقافة)) و ((أنباء الكتب والكتاب))

و ((ظهر حديثا )) و((الكتب الجديدة )) و ((أخبار الأدب والأدباء في كل مكان )) . و ((أدب )) و ((معرض الكتب والكتاب )) و ((الكتب العراقية الصادرة حديثا )) و ((كتب نادرة أعادت طبعها مكتبة المثنى )) .

على صفحات مجلة المكتبة نشر الأستاذ قاسم محمد الرجب ((مذكراته))

بعنوان : ((مذكراتي في سوق السراي )) وفيها كشف الكثير من المعلومات عن حياته ونشأته العصامية وكذلك حول صناعة الكتاب في العراق ووضع المخطوطات ومما قاله ان المخطوطات كانت تصل الى بغداد من كربلاء والنجف الاشرف ومن الموصل وكان يتسوقها ألكتبي الشيخ مهدي رئيس وغيره ويعرضها على نعمان ألا عظمي والأب انستاس الكرملي فان لم يوفق في بيعها لهما عرضها على الأستاذ المؤرخ عباس العزاوي رحمهم جميعا . ومن كركوك كان يتسوق المخطوطات الملا صابر حافظ وهو رجل مسن .. أما في الموصل فكان يسوقها شاكر شنشل صاحب المكتبة الوطنية فيها . وقال ان سوق السراي كان واحدا من المناطق التي يحرص زوار بغداد على ارتيادها لشراء الكتب ، فلقد زراها كثير من العلماء والمؤرخين والأدباء والسياسيين منهم عبد العزيز الميمني الراجكوتي أستاذ العربية في جامعة عليكره والرحالة والاديب امين الريحاني والعالم بالمخطوطات محمد امين الخانجي ( المصري)ومن المستشرقين الذين زاروا السوق (غوتهليد وايل) الذي حقق ونشر كتاب (الانصاف بين النحويين) للانباري والعلامة ريتر ناشر سلسلة المكتبة الإسلامية والمتخصص بعلم الفرق وعلم الحديث وقد بلغ ما نشره (18) كتابا منها فرق الشيعة للنوبختي والوافي بالوفيات للصفدي .

لقد أعاد قاسم الرجب ، عبر مكتبة المثنى ، طبع كتب نادرة منها البدء والتاريخ المنسوب لابي زيد البلخي وعلم الفلك وتاريخه عند العرب للمستشرق الإيطالي كارلو أ . نالينو وزبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك لابن شاهين الظاهري وتاج التراجم في طبقات الحنفية لابي القاسم زين الدين ابن قطلوبغا وتاريخ ابي يعلي حمزة بن القلانسي المعروف بذيل تاريخ دمشق وكتاب الاعتبار لاسامة بن منقذ واصول الدين في علم الكلام في الفرق لعبد القادر البغدادي وتقويم البلدان لابي الفداء والمسالك والممالك لابن خرداذبه وتجارب الأمم لمسكويه .

واهتمت (المكتبة) بالصراعات الفكرية بين الكتاب والأدباء ومن ذلك نشرها نقد الدكتورة عائشة عبد الرحمن ( بنت الشاطيء) للأستاذ عباس محمود العقاد وتساؤلها انه كيف جاز لكاتب مجمعي مسلم يشترك في الإشراف على مجلة الازهر ان يقول ان رأيه في المرأة هو رأي الخالق !!

وافردت للشخصيات الفكرية البارزة جانبا من صفحاتها ، فلقد كتب عن المستشرق الجيكوسلوفاكي الدكتور جان باكوش (عمره سنة 1961 كان 72 سنة) وهو أستاذ في دراسات التصوف الإسلامي ومتخصص باللغات السامية واحد علماء السريانية . كما كتبت عن حياة الاقتصادي الوطني اللبناني اميل البستاني ونبهت إلى أن جورج برا ون وزير الخارجية البريطانية (1967) كتب مقدمة لكتاب عن البستاني ألفه دزموند ستيوارت ، الصحفي والأكاديمي البريطاني المعروف وصاحب كتاب الشرق الأوسط الحديث والذي سبق له ان عمل أستاذا في قسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب بجامعة بغداد أواخر الخمسينات واوائل الستينات من القرن الماضي ، كما وقفت عند شخصيته الدكتور عبد المعيد فان أستاذ في الدراسات العربية والإسلامية في الجامعة العثمانية في حيدر اباد في الهند وقد قام بزيارة الى العراق (1966) .

كان للكتب التي تنشر عن الإسلام والعرب والفكر الفلسفي والاجتماعي في بلاد الشرق موضع في طيات وصفحات المكتبة .. التي حرصت على التعريف بكل ما ينشر خارج العراق ، فلقد أشارت الى كتاب صدر في موسكو بعنوان : (( الفكر الفلسفي والاجتماعي الحديث في بلاد المشرق)) والذي ألفه مجموعة من المستشرقين السوفييت آنذاك (1966) .. كما كتبت عن كتاب الإسلام الذي أصدره المستشرق الفرنسي بيير ر وندو وقالت ان ماكس ما لوان الاثاري المعروف وزوج اجاثا كرسيتي اصدر كتابا بعنوان (نمرود وبقاياها) وان مطابع طهران أنجزت طبع كتاب الذريعة الى تصانيف الشيعة لاغا بزرك الطهراني ..

ووضعت المجلة خطة لتوثيق حياة أدباء الأطباء في العراق الحديث ، فعهدت الى الأستاذ سليم المعروف للكتابة في عددها (11) السنة الثانية ، آذار 1962 عن الدكتور معمر خالد الشابندر ، وفي العدد (2) ، السنة الثالثة (حزيران 1962) للكتابة عن الدكتور إسماعيل ناجي

واحتوت المجلة على صور لبعض الكتاب والمفكرين والصحفيين والمستشرقين والباحثين والمؤلفين الذين كتبت عنهم .. لقد كانت مجلة غنية بالمعلومات ، زاخرة بأخبار الكتب والكتاب .. لذلك تعد ، بنظرنا مصدرا مهما لكل من يريد توثيق الحياة الثقافية العراقية المعاصرة خاصة وأنها ظلت مستمرة في الصدور حتى منتصف السبعينات من القرن الماضي .


أ .د. إبراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية /جامعة الموصل ​

نقوس المهدي, ‏19/5/11 #22

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
أ. د. إبراهيم خليل العلاف
في الموصل صدرت أول مجلة عراقية
اسمها "إكليل الورود"






لم يكن غريباً عن الموصل، وهي تشهد حالة النهضة العربية المعاصرة منذ أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أن يصدر أبنائها جريدة أو مجلة ،وان يؤسسوا مدرسة حديثة، ومطبعة حديثة. وقد سجل تاريخ تطور الطباعة في العراق أن أول مطبعة تأسست في الموصل، كانت مطبعة الدومنيكان سنة 1858، وفي البدء كانت مطبعة حجرية، ثم وجد الدومنيكان أن مطبعتهم هذه لاتفي بالغرض،فعملوا على توسيعها، وشراء معدات طباعية ومجاميع من الحروف العربية والسريانية والفرنسية من المطبعة الأهلية بباريس. وقد الحق بالمطبعة الجريدة مسبك لصب الحروف، وقسم لتجليد الكتب وتذهيبها بالطرق الحديثة. ​

وفي سنة 1863 أسس روفائيل مازجي، المطبعة الكلدانية، وانشأ عيسى محفوظ بمشاركة فتح الله سرسم سنة 1910 مطبعة نينوى. وهكذا أصبح في الموصل مطابع كثيرة أسهمت في النهضة الفكرية، ونشر الوعي القومي، وكان لنهضة الطباعة وتطورها اثر كبير في تطور الصحافة ونهضتها.
كانت جريدة (موصل) التي صدر عددها الأول في 25 حزيران-يونيو سنة 1885 أول جريدة تصدر في المدينة. كما صدرت جريدة نينوى في 15 تموز 1909، وجريدة النجاح التي صدرت عددها الأول في 12 تشرين الثاني-نوفمبر 1910. وكان في الموصل جريدة هزلية اسمها (جكه باز) أي المهذار التي ظهر عددها الأول في 27 حزيران-يونيو 1911.. والى جانب هذه الصحف، صدرت (إكليل الورود) في كانون الأول 1902، لتعد أول مجلة تصدر في العراق كله. وقد جاء في ترويستها أنها: (( مجلة دينية أدبية علمية شهرية:أصحاب الامتياز الآباء الدومنيكان)). وقد بلغ عدد صفحات المجلة في بداية صدورها (20) صفحة ولكنه كان يتغير في بعض الأحيان إذ يزداد ليتراوح بين 24_28 صفحة علما بان الواجهتين الداخليتين للغلاف كانتا تستعملان لكتابة المقالات كذلك وفي بعض الأحيان تستعمل الواجهة الأخيرة من الغلاف في تكملة المقال(أما بالنسبة لمقاس المجلة فهو (18x11,5 سم).

لم تكن المجلة سنة 1963 متوفرة لدى الباحثين، فحين كتب الدكتور عبد الله الفياض رسالته للماجستير في الجامعة الأمريكية ببيروت سنة 1962 عن ثورة 1920 العراقية ، قال بأنه عثر على بعض الأعداد عند روفائيل بابو إسحاق في بغداد. أما أحمد فياض المفرجي، فقد بحث عنها كثيرا ولم يحصل على أعدادها كاملة.. وقد تمكنت عند إعدادي لرسالة الماجستير سنة 1973 عن ولاية الموصل من العثور على أعدادها كاملة من مكتبة دير ماربهنام.وكما هو معروف فان مجلة إكليل الورود صدرت بثلاث لغات هي العربية وصدر منها 650 عددا، والفرنسية صدرت منها 400 عددا، والكلدانية وصدر منها 330 عددا وعندما الفت كتابي (نشأة الصحافة العربية في الموصل) وطبع سنة 1982 قلت أن الموضوعات في جميع اللغات كانت متشابهة حيث كانت تترجم من لغة إلى أخرى، إلا أن ذلك لم يكن صحيحا، فثمة اختلاف في موضوعات المجلة فما تنشره الطبعة العربية قد لايكون مطابقا لما تنشره الطبعة الفرنسية وهكذا.​

اشتغل في تحرير المجلة عدد من المحررين أمثال الأب عبدالاحد جرجي البغدادي، والقس باسيل بشوري، والأديب فرج الله كسبو. وقد اهتمت المجلة بالموضوعات الصحية والسياسية والاجتماعية والثقافية، فأخذت تحرص على تزويد القارئ بالمعلومات العامة المفيدة، فقد كتبت في عددها الصادر في تموز 1907 عن السكر، وفي عددها الصادر في حزيران 1908 عن التبغ، وفي عددها الصادر في أيار-مايو 1907 عن القهوة. كما مارست المجلة وظيفتها الصحفية في العناية بمواد التوجيه والإرشاد والتثقيف وبوسائل عديدة، منها نشر القصص ذات الطابع الإنساني أو نشر الأقوال والمأثورات الحكمية مثال ذلك النصائح التي وجهتها إلى القراء في عدد نيسان-ابريل 1905: (لاتؤخر عمل اليوم إلى الغد) و(لاتستخدم الغير في عمل تقدر أن تعمله أنت)، و(لاتشتر مالا ينفعك وان بيع رخيصا)، و(لأتصرف حصتك قبل أن تكون قد حصلتها) و(كلما شعرت بالغضب فعد من الواحد إلى المائة قبل أن تتكلم).​

كما اهتمت المجلة بنقد الكتب الجديدة ومن ذلك مانشرته في عدد شباط -فبراير1907 عند صدور كتاب سليم حسون (الأجوبة الشافية في الصرف والنحو) وفي عدد آذار-مارس 1903 نقدت رواية استشهاد مارثيسيوس المعربة عن الفرنسية، وكرست المجلة بعض صفحاتها لتأكيد أهمية العمل وضرورته للإنسان، ففي عددها الصادر في آب-اغسطس سنة 1907 نشرت مقالة بعنوان (لاتستح من صناعتك وان باتت حقيرة) قالت فيه: (العار كل العار من كان عبد البطالة المهلكة أو من طلب الربح من طريق محظور يترفع في قصدها ذو الذمة الصادقة والشرف الحقيقي).​

كما عنيت المجلة ، منذ بداية صدورها بتزويد القارئ بأخبار علمية، فنشرت في عددها الصادر في تشرين الأول-اكتوبر 1907 خبراً يتعلق بمذنب دانيال. ونشرت في عددها الصادر في تشرين الأول-اكتوبر 1909 مقال مطول بعنوان (نظر في الاختراعات الحديثة) قالت فيه " ان زماننا هو زمان الترقي في مرافئ الفنون واجتباء أغرب.. الأثمار.. وما تلك الأثمار إلا الاختراعات .. ومن هذه الاختراعات التلغراف، واللاسلكي، والاوتومبيل (السيارة) والمناطيد أو المركبات الهوائية الحديثة". واهتمت المجلة بالنفط ونشرت إحصائيات عن إنتاجه وأهميته . كما كتبت عن ما اسمته بـ (الصحف السيارة في فرنسة) وقالت أن عدد الصحف التي صدرت في فرنسا سنة 1900 بلغ (6866) وعلقت قائلة : لكن الكثير من هذه الصحف والمجلات (لايفيد الأخلاق . ​

كان للمجلة أبواب ثابتة أهمها باب بعنوان (نصائح صحية) وباب (أخبار حالية ) تذكر فيه بعض الأخبار السياسية والاقتصادية والعمرانية وقد ظلت المجلة تصدر بانتظام نحو ستة أعوام، وصدر آخر عدد منها في كانون الأول-ديسمبر 1909.​

قال مؤرخ الصحافة الرائد رزوق عيسى في مقال له بمجلة الحرية (البغدادية) التي صدرت سنة 1925 إن غاية المجلة الأولى (تهذيب الأخلاق).. أما فائق بطي فقد أشار في الموسوعة العراقية (بغداد، 1976) أنها (مجلة اعتنت بنشر أخبار المجتمع الموصلي) ونقول نحن، إن المجلة وان كرست بعض صفحاتها لمقالات ذات طابع ديني مسيحي، إلا أنها تعد بحق مرآة انعكست على صفحاتها- وطيلة الفترة 1902_1909- جوانب مهمة من أخبار وأحداث المجتمع الموصلي في مرحلته التاريخية وفي وقت لم تكن الصحافة في العراق قد خطت بعد خطواتها الواسعة في التطور والنهضة فتحية لإكليل الورود وتحية لمن أصدرها وتولى مسؤولية تحريرها وجزاهم الله خيرا لما قدموه لمدينتهم ووطنهم وأمتهم. ​



* عن موقع النور​

نقوس المهدي, ‏19/5/11 #23

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
أ. د. إبراهيم خليل العلاف
التراث الصحفي في العراق
خلال الثلاثينات من القرن العشرين​








مقدمـة :

يمتلك العراق تراثاً صحفياً ثرّاً يمتد إلى أكثر من ( 138 ) عاماً ، ففي 15 حزيران 1869 صدرت ببغداد ، أول جريدة عراقية هي " الزوراء " وكانت بلغتين عربية وتركية ، وقد قدمت منذ صدورها وحتى توقفها عن الصدور قبيل وقوع الاحتلال البريطاني لبغداد في 11 آذار 1917 ، صورة صادقة لمشروع الوالي المصلح المتـنور مدحت باشا 1869 ـ 1872 في مجال تحديث العراق( ) ، وبعد الانقلاب الدستوري العثماني سنة 1908 ، دخلت الصحافة العراقية دوراً مهماً من حياتها إذ صدرت بعد إعادة العمل بالدستور 1876 ( 25 ) صحيفة ومجلة منها ( 10 ) جريدة ومجلة في بغداد وحدها ( ) ، وبعد الاحتلال البريطاني للعراق ( 1914 ـ 1918 ) ، لجأ المحتلون الانكليز إلى استخدام الصحافة وسيلة للدعاية لحكمهم ، وإيهام الناس أنهم " رواد حرية وأساطين عـدل " . ومن الصحف التـي صدرت في عهدهم الأوقات ( البصرية ) ، والعرب ( البغدادية ) ، و ( الموصل ) الموصلية ، ونجمة ( الكر****ة ) ( ) . وبعد إعلان الانتداب البريطاني في 26 نيسان 1920 على العراق ،اندفع الوطنيون العراقيون للاستفادة من الصحافة في مقاومة أساليـب البريطانيين الاستعمارية ، والدعوة إلى الاستقلال والتحرر . وقد انتبهوا إلى أهمية التنظيم الحزبي وتوحيـد الكلمة من أجل التعبير عن الأهداف الوطنية والقومية ، فاشتدت المطالبة بعد تتويج فيصل ملكاً على العراق في 23 آب 1921 ، بتأسيس الأحزاب ، وإصدار الصحف ، واتسمت صحف تلك المرحلة بالجرأة ، وقامت بدور مهم في تكوين ( رأي عام وطني ) في العراق بما دأبت عليه في نشر مقالات نقدية للحكومة وأعمالها ، وتأتي صحافة الحزب الوطني وحزب النهضة في طليعة الصحف التي أدت في العشرينات واجبها في تنشيط الفكرة الوطنية للوحدة العراقية . وفوق هذا أسهمت صحف هذين الحزبين في الاهتمام بالقضايا القومية ، وفي مقدمتها قضية فلسطين وفضح النوايا الصهيونية والسياسة البريطانية ( ) . وعندما جاءت الثلاثينات ، ، نضجت الصحافة في العراق وتطورت واتسعت المفاهيم التي كانت تكتب حولها ، وتشعبت وبدأت تظهر صحف جادة . وسنحاول أن نتابع في هذا البحث واقع الصحافة العراقية وأنماطها ودورها في النهوض الوطني والقومي بين سنتي 1932و1939 ، وهي السنوات التي شهد فيها العراق تنامي الفكر القومي ، وشيوع الفكر التقدمي ، والرغبة في التحرر من الاستعمار ، والبدء بحركة تنمية ونهضة واسعة النطاق .


جريدة الأهالي :

تعد جريدة الأهالي ، بحق ، جريدة سياسية متميزة ، وقد مثّلت علامة بارزة في طريق نهضة الصحافة العراقية ،لذلك فمن الضروري الوقوف عندها لأهميتها ودورها الفاعل في تطوير الوعي الوطني وتـنمية الإحساس بالحاجة إلى نمط خاص من الصحف يسهم في تطوير المجتمع العراقي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً بأسلوب جديد يعتمد " الفكرة الديمقراطية " و " النزعة التقدمية " . وقد عبّرت جريدة الأهالي ، والتي صدر عددها الأول يوم 2 كانون الثاني 1932 ، عن فكر نخبة من الشبان الذين اتفقوا في سنة 1931 على توحيد مساعيهم والعمل المشترك في تنظيم واحد يستهدف إعادة بناء المجتمع العراقي وفق صيغ وأنماط جديدة ومتطورة تختلف عن تلك التي درج عليها الساسة القدامى آنذاك ( ). وهؤلاء الشبان هم ( محمد حديد ) ، و ( عبد الفتاح إبراهيم ) ، و ( حسين جميل ) ، و
( عبد القادر إسماعيل ) ، وقد قرروا أن يبدأ عملهم بإصدار جريدة يومية سياسية ، ثم يوسعوا عملهم بعد ذلك بنشر الرسائل والكتب ، واتفقوا على تسمية أنفسهم بـ ( جماعة الأهالي ) ، وتسمية جريدتهم بـ ( جريدة الأهالي ) ( ). يقول أحدهم وهو حسين جميل : " أننا أردنا أن نختار اسماً مشتقاً من معنى الشعب ... وكذلك لأننا كنّا متأثرين بكفاح الصحافة الوفدية في مصر ، وكانت جريدة الأهالي أبرز الصحف التي كنّا نقرأها ... " ( ). لقد كان أولئك الشبان يقصدون أن الوطنية تعني ، فضلاً عن المطالبة بالاستقلال التام ، العناية الكبيرة بمصالح
" الشعب " أو " الأهالي " أي الناس وأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية ، وأن المطالبة بالاستقلال يجب أن تستند على الشعب ، وأن ذلك يقتضي نشر الوعي السياسي بصيغ علمية حديثة متقدمة ( ).

صدر العدد الأول من الجريدة وهو يحمل جملة موضوعة تحت اسم الجريدة مفادها
" يصدرها فريق من الشباب " وإلى جانب الاسم صاحبها ومديرها المسؤول حسين جميل المحامي ، والذي تولى كتابة أكثر افتتاحيات الجريدة واتخذت الجريدة لها شعاراً وهو شعلة الأهالي المعروفة ، وقد تضمنت الافتتاحية الأولى الموسومة بعنوان " منفعة الشعب فوق كل المنافع " خطة الجريدة وأهدافها وهي مقتبسة من مبـدأ صاغه جماعة الأهالي وأطلقوا عليه مصطلح ( الشعبية ) وهو يعني لديهم " وجهة نظر معينة تجاه المشاكل التي تجابه المجتمع من نواحي حياته المختلفة ، وتنقسم هذه المشاكل بحسب طبيعتها إلى سياسية واقتصادية واجتماعية ترمي الشعبية إلى حلّها بصورة تكفل للمجتمع الاطمئنان والرفاه والتقدم " ( ).

تولى عبد الفتاح إبراهيم كتابة وترجمة الكثير من المقالات حول الاستعمار ودور حركات التحرر في مقاومته .. وانصرف محمد حديد لنشر مقالات حول الجمعيات التعاونية والدعوة إلى تأسيس بنك أهلي ومعارضة بعض القوانين ، ومنها مثلاً قانون حقوق وواجبات الزراع لما تضمنه من غمط لحقوق الفلاح . وترجم محرروا الجريدة فصولاً من مذكرات المهاتما غاندي،وكتب الاقتصادي المعروف هارولد لاسكي . كما تبنت الجريدة مشروعاً لمحو الأمية وانتقدت قانون المطبوعات لما تضمنت نصوصه من أحكام مخالفة للديمقراطية وحرية الرأي ، وطالبت الجريـدة بمبدأ منح المحاكم حـق تعطيل الصحف بدلاً من السلطة التنفيذية وانتقدت ( قانـون الدعايات المضرة وصيانة الأمـن ) لما يضعه من قيود على حرية الفكر وحرية التعبير ، ودعت إلى حرية الاجتماع والتظاهر والنشر ، وقاومت كل المظاهر المخالفة للدستور والديمقراطية ، وساندت الجريدة تأميم شركة الكهرباء ببغداد ودعت إلى تأييد جمعيات العمال سنة 1933 إلى مقاطعة هذه الشركة وطالبت بسن قانون لضريبة الأرث ودعت إلى إنهاء قانون دعاوي العشائر ، باعتباره قانوناً رجعياً ( ).

كانت جريدة الأهالي ، كما يقول المرحوم الأستاذ الدكتور فاضل حسين ، تتميز بطابع موضوعي يظهر في افتتاحياتها وفي أخبارها الداخلية والخارجية ، كما حافظت على مستوى عالٍ من الرزانة ، ولكنها شذت عن ذلك خلال فترة الانقلاب العسكري الذي قاده الفريق الركن بكر صدقي في تشرين الثاني 1936 ، وحين انتخب بعض جماعة الأهالي نواباً في مجلس النواب أمثال محمد حديد وصادق كمونه وعزيز شريف وعبد القادر إسماعيل ، بالرغم مما عرف عن ديمقراطية وشعبية الجريدة ومصدريها ، فلم تكن للجريدة أو لمصدريها في الواقع فلسفة اجتماعية وثقافية واضحة المعالم ، وكل ما فعله أصحابها أنهم اشتقوا كلمة
( الشعبية ) كبديل عن الكلمتين الغربيتين ( الديمقراطية ) و ( الاشتراكية ) ( ).

لقد كان من الطبيعي أن لا تمر مقالات الجريدة بسلام ، بل كانت جريدة حزب العهد ، وهو الحزب الحاكم " صدى العهد " ترد عليها باستمرار ( ). كما أنها تعرضت للتعطيل لأكثر من مرة ، حتى توقفت عن الصدور ( ).


قانون المطبوعات رقم 57 لسنة 1933 :

عندما تشكلت وزارة رشيد عالي الكيلاني المعروفة بحكومة الإخاء الوطني يوم 20 آذار 1933 ، توجهت لتحقيق هدف طالما سعى إليه الوطنيون وهو إفساح المجال للكتاب والمثقفين أن يكتبوا بحرية ويعالجوا الشؤون العامة . لذلك تضمن منهاجها الوزاري في مادته الثانية فقرة تشير إلى وجوب " ... بإنهاض الأمة وتحسين حالتها الأدبية والاجتماعية بإعادة النظر في القوانين الاستثنائية لتوسيع المجال لمحاربة الحريات الدستورية وتسهيل قيام الأحزاب والجمعيات بأعمالها الوطنية والتهذيبية " . ولم ينقضِ يومان على وجود الوزارة في دست الحكم حتى قرر مجلس الوزراء يوم 22 آذار 1933 الإفراج عن جميع الصحف المعطلة وكان عددها ( 25 ) جريدة يومية وأسبوعية عطلتها كلها وزارة السعيد ( 23 آذار 1930 ـ 19 تشرين الأول 1931 ) عدا جريدتين أو ثلاثة من آثار وزارة ناجي شوكت التي أعقبتها ، وسمح لها باستئناف الصدور ، وأذاعت الحكومة بياناً على أرباب هذه الصحف بمراجعة مكتب المطبوعات وإتمام المعلومات القانونية اللازمة لإصدار صحفهم ، فعادت كثير من الجرائد إلى الظهور وتمتع الكتّاب والصحفيون بجو حر فترة من الزمن ( ).

وفي 9 تموز 1933 شرّع مجلس الأمة قانوناً جديداً للمطبوعات ، وكان لتشريعه تأثير حسن في المجتمع العراقي ، وصدىً كبيراً في الوطن العربي آنذاك . ومما تضمنه القانون الجديد رفعه للشروط التي فرضها القانون السابق على صاحب الامتياز ، وجاء في المادة العاشرة منه : " أنه ليس للحكومة أن تعطل صحيفة سياسية حزبية معلن فيها أنها لسان حال حزب سياسي مجاز قانوناً إلاّ بحكم من المحكمة . كما نقصت التأمينات التي ينبغي على صاحب الامتياز أن يدفعها وأصبح في مقدوره الاستفادة من ربح مبلغ التأمينات بإيداعه في البنوك ، وقد نزع حق إلغاء الجريدة أو المجلة وتعطيلها أبدياً من مجلس الوزراء ومنحه للمحاكم ، فهي وحدها صاحبة هذا الحق الخطير في عالم الصحافة ، ولم تلجأ الحكومة إلى سلاح التعطيل الإداري للصحف إلاّ في حالة واحدة هي تعطيلها جريدة الأحرار لصاحبها الدكتور عبد الجواد الكليدار ، وقد صدرت في 8 حزيران 1933 ، وكانت حجة الوزارة في ذلك أن الأسلوب الذي استخدمته هذه الجريدة في معالجة موضوع حساس يتصل بشعور الرأي العام وتمس وحدة البلاد ، يحمل أي حكومة إلى تعطيلها درءاً للفتنة ، ومع هذا فلم تعطل الحكومة هذه الجريدة إلاّ شهراً واحداً فقط ، فلمّا عادت إلى الصدور لم تنثنِ عن خطتها ، ونشرت أموراً رأت الوزارة فيها ما يستوجب إحالتها إلى القضاء ، فحكمت محكمة الجزاء ببغداد على مديرها المسؤول بالسجن والغرامة وتعطيل جريدته ستة أشهر ، فكان ذلك أخر عهدها بالصدور ( ).

لقد شهدت فترة وجود وزارة الكيلاني بالسلطة وقوع أحداث كبيرة في العراق انعكست على الصحافة العراقية انعكاساً واضح المعالم ، وأشغلت الرأي العام ردحاً من الزمن ( )، وأبرز هذه الأحداث زيارة الملك فيصل لبريطانيا لمناسبة دخول العراق عصبة الأمم وإعلان استقلال العراق في 2 تشرين الثاني 1932 ، والحدث الثاني هو ماسمي في حينه ب( فتنة الآثوريين) ( التيارية ) التي وقعت صيف سنة 1933 ، وقيام الجيش العراقي بالتصدي لها والظهور بمظهر القوة القادرة على الدفاع عن كرامة العراق وسيادته واستقلاله بالرغم من عدم مرور فترة طويلة على تأسيسه ، وقد وقفت الصحافة العراقية الموقف الذي يفرضه عليها واجبها الوطني وشعورها بمسؤولية توجيه الرأي العام ، فطفحت أنهر الجرائد بالمقالات الحماسية والتنديد بما أسمتهم الضيوف الثقلاء ( من الآثوريين ) الذين أحسن العراق قبولهم وخصص لهم من أراضيه ، وأغدق عليهم فقابلوه بحركة تمرد وعصيان حاولوا فيها أن ينالوا من استقلاله ويثلموا سيادته ويشوهوا سمعته . ويبقى الحادث الثالث وهو موت الملك فيصل الأول ليلة 8 أيلول 1933 وتسنم غازي العرش في8 أيلول 1933.وقد عبّرت الصحف العراقية عن هذا الحدث وعكست مسيرة حياة الراحل ودوره في بناء الدولة العراقية الحديثة . وقد عكست الصحافة ما كان يشعر به العراقيون من قلق على مستقبلهم السياسي في مثل تلك الظروف حيث زال الانتداب ودخل العراق عصبة الأمم وحان أوان البناء والتجديد لكل مؤسسات وأجهزة الدولة ( ).

ألّف جميل المدفعي وزارة جديدة يوم 9 تشرين الثاني 1933 ، وقد بقيت في السلطة حتى 10 شباط 1934 ( )، ويتفق معظم المؤرخين على أن هذه الوزارة لم تقدم للبلاد بارزاً بارزاً ، كما أن موقفها من الصحافة كان سلبياً ، ومن ذلك إقدامها على تعطيل جريدتي
( الأهالي ) و( الإخاء )،ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل عملت على تعديل قانون المطبوعات مما أثار عاصفة من الانتقاد الشديد للوزارة ( ).



صوت الأهالي :

حين عطّلت وزارة جميل المدفعي جريدة الأهالي ، أصدر السياسي الوطني كامل الجاد رجي جريدة جديدة بدلها تلك هي جريدة صوت الأهالي ( ). وقد صدر العدد الأول في 14 آذار 1034 ، وكان الجاد رجي معجباً بجريدة الأهالي وأسلوب معالجتها للأمور لذلك حذت صوت الأهالي حذو جريدة الأهالي ، وسارت على نهجها ( ). ويعتبر انضمام كامل الجاد رجي إلى جماعة الأهالي خطوة مهمة في مجال الارتقاء بهذه الجماعة وتحولها إلى قوة سياسية أصبحت فيما بعد نواة لحزب جديد ظهر في أعقاب الحرب العالمية الثانية وهو
( الحزب الوطني الديمقراطي ) ،ولا شك في أن الجاد رجي أكثر خبرة وتجربة ومعرفة بأمور السياسة من أولئك الشباب الذين أخذوا على عاتقهم إصدار جريدة الأهالي ، وقد انعكس ذلك على جماعة الأهالي الذين بدأت أقدامهم تترسخ في التربة السياسية العراقية آنذاك ( ).

لقد كتب على جريدة صوت الأهالي ترويسة الأهالي نفسها ، فهي جريدة يومية سياسية جامعة يصدرها فريق من الشباب ، صاحبها ومديرها المسؤول المحامي كامل الجاد رجي ، واتخذت شعاراً لها في صدرها قولاً ، وهو :مأثوراً للخليفة الثاني عمر بن الخطاب
(( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً )) . وقد قالت ( صوت الأهالي ) في مقالها الافتتاحي الأول : " يقاسي الشعب من هذه الأوضاع الكاذبة التي يرزح تحت اعبائها وينوء بمساوئها الكثيرة التي لم تعد تخفى على أحد ، ولم يبقَ في إمكان هؤلاء وأولئك النفر القليل العدد اخفات صوت الاستياء الذي تبديه الأمة في مجتمعاتها ، فقد عرف الناس أن مجرى الأمور في بلادنا تسوقه السلطة الأجنبية إلى جهة تثبت مصالحها وتوطد نفوذها . وقد برهن أولئك النفر على ولائهم للأجانب ... ولعل هذا الذي ذكرناه سيكون محفزاً للشباب إلى الانغمار في الكفاح والاندفاع باتحاد إلى إنقاذ هذه الأمة من هذه الألوان والمظاهر ومن التفسخ الذي طغى في المملكة وأصبح حديث الأهلين في كل منتدى " . واختتمت الجريدة مقالها بالدعوة إلى إطلاق الحريات " لكي تبين الصحف بصراحة ما يغمر الشعب من آلام وفوضى ومن سوء الإدارة ، فتدل الذين في الحكم على طرائق حلها . أما إذا ظلّت الوزارات تتبع طريق التضييق على الصحافة ، فإن ذلك سيديم الارتجاع في بلادنا ، وفي ذلك ظلم للأمة ، وإرهاق للمجموع وباعث إلى أمور لا تحمد عقباها ... " ( ).

هاجمت حكومة صوت الأهالي قيام حكومة جميل المدفعي بتعديل قانون المطبوعات ووضع العراقيل أمام حرية الصحافة وكتبت مقالات عديدة حول ذلك منها مقال بعنوان " خنق جديد للحريات في لائحة قانون المطبوعات " جاء فيه : " عانت الحريات في هذا البلد ضيقاً عظيماً من السلطات ، فمنذ الاحتلال حتى الآن ، جرت السياسة على وتيرة واحدة في خنق أعز ما يتمتع به الإنسان من حرية القول والاجتماع والنشر وما إلى ذلك . وقد لاقت الصحافة من جراء هذه الحال ظلماً متوالياً ، فكثيراً ما عطلت الصحف دون مراعاة للمصلحة العامة ومن غير أن تنشر تلك الصحف شيئاً يستوجب التعطيل ، ولكن رغبة الوزير أو السلطة الأجنبية كافية لأن تقضي على الصحافة بإشارة واحدة " . ويبدو أن السلطة الحاكمة بدأت تضيق ذرعاً بجريدة صوت الأهالي ، فعطلتها يوم 21 آيار 1934 ، ولم يصدر منها سوى ( 54 ) عدداً ( ).


جريدة المبـدأ :

تشكلت وزارة جديدة برئاسة علي جودت الأيوبي يوم 27 آب 1934 ، ومع أن معظم الصحف العراقية أيدت الوزارة الجديدة إلاّ أن جريدة الأهالي شذت عن ذلك فعطلتها الحكومة تعطيلاً إداراياً سنة كاملة وأوقفت صاحبها المحامي عبد القادر إسماعيل ، كما اعتقلت كامل الجادرجي صاحب جريدة صوت الأهالي ، وجرى معهما التحقيق الدقيق في ما أتهما به وهو اعتناق " مبادئ شيوعية " لكن ساحتهما برئت وأطلق سراحهما ( ). وفي وسط أجواء ساد فيها التوتر بين الحكومة والمعارضين لها أقدم السياسي الوطني محمد جعفر أبو التمن لإصدار جريدة باسم ( المبدأ ) وقد برز عددها الأول في 26 كانون الثاني 1935 ( ). وقد رسمت في مفتتح كلامها بعنوان " بيان إلى الشعب العراقي الكريم " وبتوقيع صاحب ( المبدأ ) رأيها في الموقف السياسي فقالت : " الحالة التي نلمس آثارها السيئة أينما التفتنا اليوم تجعل الحاجة إلى ذلك الإصلاح المنشود أكثر من أي وقت مضى ، أن الأسس التي يجب أن يُبنى عليها الإصلاح لتنفيذ المبادئ السامية الموصلة إلى هذا الإصلاح هي :

1 ـ أن نخلص في جهودنا لتوحيد صفوف أفراد الشعب وجمع كلمة أبناء البلاد للوصول
إلى هذه الغاية ، لأن إتباع الاختلاف والتنازع بين من تهمهم مصلحة البلاد من أبناء
الشعب مما يستوجب الفشل ويذهب بالجهود سدىً .

2 ـ أن تتبادل الثقة بين الرجال القائمين بالإصلاح وأفراد الشعب ، لأن فقدان الثقة يؤدي
حتماً إلى انحلال القوى ، وبفقدان الثقة يستحيل بذل الجهود لتوحيد الصفوف وتحقيق
أماني الشعب ( ).

ومما تضمنه البيـان كذلك قول محمد جعفر أبو ألتمن : " أطلب من أبناء بلادي الذين ولدوا في العراق وتربوا وترعرعوا في أرضه ، أن يضعوا حداً لسياسة المماشاة المصطلح عليها بـ ( الاعتدال ) لأنها سياسة ضعف أنهكت قوى الشعب خلال السنين الماضيات ، وأن يكونوا بالمعنى الصحيح إيجابيين عندما تقتضي مصلحة البلاد الإيجاب وسلبيين عندما تقتضي مصلحة البلاد السلب ، وأن يروضوا نفوسهم ويعودها على التضحية في سبيل مصالح أمتهم ، وعلى الاستماتة في سبيل حياتها ، وأن يزهدوا في حياتهم المادية في سبيل مصالح البلاد ، وأن يتذكروا دائماً أن أعمال المصلحين يجب أن تكون للمجموع لا للفرد ، فإن إخلاص الزعماء والقادة في أعمالهم وتضحيتهم في سبيل مصالح شعبهم هي المثل العليا لسائر طبقات الشعب والقدوة الحسنة للرجال العاملين ( ).
عالجت ( المبدأ ) أوضاع العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ومن ذلك كتابة المقالات التي تفضح السياسة النفطية للعراق آنذاك وانتقاد الحكومة لانتهاكها حريات الشعب والانتصار لقضايا العمال ومطالبة الحكومة بالإصلاحات التي تحتاجها البلاد ، وأظهرت في كل ذلك نزعة تقدمية ، وعندما تألفت الوزارة المدفعية بعد استقالة وزارة علي جودت الأيوبي يوم 5 آذار 1935 علّقت قائلة : " تسقط الوزارات وتتألف ، وتحل المجالس دون أن يشترك الشعب في ذلك أو يكون له رأي . وقد برزت هذه المهزلة في أجلى صورها بتشكيل الوزارة الجديدة التي تألفت ( بعض أعضائها ) من الوزارة السابقة ودخلها أربعة لا يفترقون عمن خلفوهم بشيء ، فأي أمر من الأمور ينفع الشعب وأي شيء يؤمل من هذه التغيرات " . ثم واصلت الجريدة هجومها على الوزارة الجديدة قائلة : " أن هؤلاء الذين خبرهم الجمهور طوال السنين التي كان بيدهم الأمر سيسيرون كما ساروا من قبل من غير خطة ولا مبدأ ، وأن المرء ليلمس ضعفها من الآن ، ولسنا منتظرين من هذه الوزارة ومن على شاكلتها أن تغير شيئاً في هذه الأوضاع التي أوصلت الشعب إلى هذه الدركة وسوء الحال لأنها هي بنفسها وليدة هذه الأوضاع " ، لذلك أصدرت الحكومة قراراً بتعطيل ( المبدأ ) تعطيلاً ادارياً ولما يصدر منها أكثر من 33 عدداً ( ).



جريدتي الأخاء الوطني والبيان :

أما جريدة ( الأخاء الوطني ) التي أصدرها حزب الأخاء الوطني ، فقد ظهرت يوم 17 كانون الثاني 1935 * ، وتولى تحريرها في هذه المرحلة المحامي محمد يونس السبعاوي ، وقد قامت بحملات شديدة على الحكومة وصوّرت هياج الرأي العام ، وشرحت حركات المعارضين واحتجاجاتهم وأساليبهم شرحاً مؤثراً في الجماهير ، لذلك لم تتحملها الوزارة فعطلتها ادارياً لمدة عشرة أيام ، ولم ينقضِ على صدورها سوى اسبوعان . كانت
( الاخاء الوطني ) " جريدة راقية ، غزيرة المادة في الموضوعات السياسية العامة وشؤون البلاد العربية ومباحث الاقتصاد ، فضلاً عن براعتها في النضال السياسي الداخلي " ، ولكنها لم تصدر بعد انقضاء مدة التعطيل إذ أُريد تأسيس مطبعة لها فقصد محررها إلى مصر لشراء المطبعة ، فسقطت الوزارة خلال هذه المرحلة ، وتولى الحكم ياسين الهاشمي ، وكان معظم وزرائه من حزب الأخاء ، لذلك انصرف محررها عن العمل الصحفي . أما الصحف الأخرى وهي ( العراق ) و ( العالم العربي ) و ( الاستقلال ) و ( الطريق ) فكانت تؤيد
ــــــــــــــــ


* صدرت الأخاء الوطني لأول مرة في بغداد يوم الأحد 2 آب 1931 ، وكانت جريدة يومية سياسية
صاحبها علي جودت الأيوبي ومديرها المسؤول عبد اله حافظ .
صدرت جريدة باسم ( الوحدة ) ، صاحبها عوني عبد الله ومديرها السؤول درويش لطفي معروف ، وقد كانت لسان حال( حزب الوحدة الوطنية ) وهو حزب نيابي يشد أزر الوزارة . وأخذت جريدة ( الوحدة ) تظهر مرتين في الأسبوع من يوم12كانون الثاني1935، وكتبت مقالات وافتتاحيات بلهجة قاسية وبأسلوب موجع بالطعن بخصوم الوزارة ، وأكثر ما تناولت بعض أقوال الجريدتين المعارضتين ( المبدأ ) و ( الإخاء الوطني ) ، يقول روفائيل بطي عن هذه الجريدة : " أنها لم تكن جريدة ذات شخصية ولا حس لها بصدى في الجو السياسي ، فلم يحفل بها الجمهور " . ولم تعمر صحيفة الوحدة أكثر من حياة الوزارتين اللتين أيدهما حزب الوحدة النيابي ، فغابت عن الوجود بعد عددها الصادر يوم15 آذار1935 ( ).

لقد كانت الظاهرة اللافتة للنظر في هذه المرحلة ، أنه ندر أن أقبل الناس على جريدة غير معارضة أو لا يضطرم بين سطورها الإحساس الوطني والشعور القومي . فالشعب العراقي بطبيعته يصد في الغالب عن الصحف المؤيدة للحكومات والأوضاع الراهنة بحسب الظروف والأحوال ، ويقبل أعظم الإقبال على الصحف الوطنية أو المعارضة التي تستخدم اللهجة العنيفة والانتقاد المرير ، لهذا كانت الحكومات تقدم على تعطيل هذه الصحف وخنق أصواتها ولم يشذ عن هذه القاعدة أرحب رؤساء الوزارات صدراً وأكثرهم أناة على حد تعبير الصحفي العراقي روفائيل بطي ( ).

ظلّت البلاد بعد تعطيل جريدة الأخاء الوطني لجريدتي الأخاء الوطني والمبدأ خالية من جريدة معارضة ، لذلك لم يرتضِ الوطنيون المعارضون لأنفسهم أن يبقوا بلا جريدة ، فنزل إلى المعترك الصحفي والسياسي حكمت سليمان ، وهو من الوزراء السابقين ، وأحد أقطاب المعارضة، وكان من أركان حزب الاخاء الوطني ، وفي ذلك الظرف السياسي الخصب سعى لجمع الصفوف . وكان لشخصيته المحبوبة ولخلقه النبيل أكبر الأثر في كسب ثقة رفاقه من المشتغلين في الميدانين الصحفي والسياسي . وقد أصدر جريدة باسم ( البيان ) لتحل محل جريدة المبدأ ، وقامت ادارة جريدة ( الأهالي ) بالإشراف على إصدارها . وقد جاء في ترويسة ( البيان ) أنها " جريدة يومية سياسية جامعة " وفي صدر الجريدة الذي منح امتيازها في 12 كانون الأول 1934 نشر مقال لمحمد جعفر أبو التمن بعنوان " من الخطر على سلامة الدولة جاء فيه : " أن الوضع الذي تنتهك فيه الحريات وتخرق القوانين وتجري فيه أنواع المظالم وترتكب شتى الخطايا وأنواع المخالفات هو الذي حال دون صدور جريدة
( المبدأ ) اليوم ، لأن الذين يؤيدون هذا الوضع ولا يزالون يحرصون كل الحرص على استمرار الانتفاع منه دون الشعب لا يريدون أن تنكشف حقيقته ...هذا الوضع الذي حلَّ والبلاد بأشد الحاجة إلى القيام بالأعمال المؤدية إلى رفاه الشعب واطمئنانه وتقدمه " . ولم يصدر من البيان سوى العدد الأول ، إذ أقدمت الحكومة على تعطيلها ، ولما عقدت الوزارة الهاشمية الثانية ( 17 آذار 1935 ـ 29 تشرين الأول 1936 ) اتفاقية السكك الحديد بين العراق وبريطانيا ، أصدر حكمت سليمان العدد الثاني من جريدته ( البيان ) وفيه مقال ينتقص من وطنية الوزارة ، لذلك عطلت الجريدة ثانية بعد عدد واحد من صدورها يوم 7 نيسان 1936 ، ولم تكتف الوزارة بتعطيل الجريدة ، بل صادرت حروفها وحاصرت المطبعة بقوة من الشرطة لتحول دون ظهور عدد آخر منها ( ).

لم ينقضِ على تولي وزارة ياسين الهاشمي الثانية الحكم غير أيام معدودة ، إذ صدرت إرادة ملكية بحل المجلس النيابي يوم 9 نيسان 1935 ، وقد أراد حزب الإخاء الوطني أن يظهر بمظهر الحزب الذي يريد " توحيد كلمة البلاد " لمواجهة ظروف العصيان والتمرد التي نشبت في بعض أطراف البلاد فأصدر قراراً يوم 29 نيسان 1935 عطل فيه جلسات الحزب، كما أوقف الحزب الوطني أعماله كذلك ، فخلت البلاد من وجود الأحزاب السياسية القائمة وتبع ذلك أن لم يعد للصحافة الحزبية العلنية أثر في تلك المرحلة الحرجة من تاريخ العراق المعاصر .

وخلال هذه المرحلة ظهر الحزب الشيوعي العراقي السري الذي تأسس في 31 آذار سنة 1934 ، وإصداره جريدة سرية باسم ( كفاح الشعب ) وذلك في منتصف سنة 1935 ، وفي 29 تشرين الأول 1936 حدث انقلاب بكر صدقي وتشكلت وزارة جديدة برئاسة حكمت سليمان ظلّت في الحكم حتى 17 آب 1937 ، وبعد الانقلاب شكّل جماعة الأهالي جمعية الاصلاح الشعبي وأجيزت رسمياً في 15 تشرين الثاني 1936 ، وبعد اجازتها اصبح كامل الجادرجي سكرتيراً لتحريرها ، وعادت الأهالي إلى الصدور ، وقد حاول جماعة الاصلاح الشعبي تحويل جمعيتهم إلى حزب سياسي ، إلاّ أن وزارة الداخلية رفضت ذلك وسارعت إلى إغلاق الجمعية نفسها ( ).

ساندت جمعية الإصلاح الشعبي انقلاب بكر صدقي وحكومة حكمت سليمان ( 29 تشرين الأول 1936 ـ 17 آب 1937 ) ، وشغل كامل الجاد رجي وزارة الاقتصاد والمواصلات ، وسخّر جريدة الأهالي لدعم هذه الوزارة ، لكن الخلاف سرعان ما نشب بين كامل الجاد رجي ومحمد جعفر أبو التمن من جهة رئيس الوزراء حكمت سليمان من جهة أخرى . فقد كان الجاد رجي يعتقد أن حكمت سليمان أصبح ضعيفاً أمام قائد الانقلاب بكر صدقي والعسكريين ، لذلك قدّم استقالته من الوزارة في 26 مايس 1937 . كما قدّمها كذلك محمد جعفر أبو التمن ويوسف عز الدين وصالح جبر ، وقد تعرض الجاد رجي بسبب اشتراكه في حكومة الانقلاب العسكري ودعمه لها إلى نقد الكثيرين على أساس أنه سلوك يتنافى مع المفاهيم الديمقراطية التي كان ينادي بها ، وقد برر الجادرجي موقفه هذا في مقالٍ نشر في جريدة صوت الأهالي قائلاً : " ... أن الاشتراكيين الديمقراطيين يعتبرون الثورة مشروعة ، لإزالة نظام حكم رجعي ، للمجيء بنظام تقدمي على شرط أن تكون الوسائل الديمقراطية متعذرة " ( ). ويعلق الدكتور محمد عويد الدليمي ( ). على ذلك بقوله : " ولكن هذا لا يمنع من القول بأن اشتراك الجادرجي في ذلك الانقلاب ، كان من التجارب القاسية التي شكلت ولمدة طويلة موقفه المتشكك والحذر من الانقلابات العسكرية " .



جريدة فتى العراق ( الموصلية ) :

حصل أحمد سعـد الدين زيادة في 15 آيار 1931 على امتياز جديد لإصدار جريدة يومية سياسية مستقلة بأسم " فتى العراق " * وقد صدر العدد الأول في 28 شباط 1934 . وفي 10 آب 1940 انتقلت ملكيتها إلى ابراهيم الجلبي ( 1895 ـ 1973 ) وبدأت عندئذٍ مرحلة جديدة في تاريخها ( ) .

كان صدور جريدة فتى العراق قد تزامن مع حالة النهوض القومي الذي شهده العراق في الثلاثينات ، لذلك أسهمت إسهاماً واضحاً في هذا النهوض وزخرت صفحاتها بالمقالات ذات الطابع الوطني والقومي ، ففي عددها الصادر في 4 شباط 1936 كتب الشيخ بشير الصقال مقالاً بعنوان : إليّ فوق يا رضيع الثقافة إليَ فوق " خاطب فيه الشباب ، وناشدهم تحقيق العزة القومية ، ودعا مسؤولي المعارف ( التربية ) إلى جعل الزي العسكري هو اللباس الذي يرتديه الطلاب " تخلصاً من غوائل الترف ، وصيانة للفتوة أن تلهو بالتأنق المؤدي إلى الميوعة " ( ). وأظهر الصقال مدى افتخاره بنظام الفتوة الذي صدر في العراق في 7 تشرين الثاني 1935، وغايته تدريب الفتيان على خشونة العيش ، وتحمل المشاق وخصال الرجولة وحب العسكرية وما يتصل بها من خصال أبرزها الطاعة والنظام ( ).
ــــــــــــــ
* في 15 آذار 1930 صدر في الموصل العدد الأول من جريدة تحمل اسم ( فتى العراق ) وكان صاحب
الامتياز متي سرسم والمدير المسؤول أحمد سعد الدين زيادة ورئيس التحرير عبد المجيد ججاوي ، وجاء
في ترويستها أنها " جريدة يومية سياسية اجتماعية عامة " وقد تميزت جريدة فتى العراق منذ صدورها
برصانتها واتجاهها العربي الواضح ، وأسهم في تحريرها والكتابة فيها نخبة من المثقفين الموصليين
المعروفين باتجاههم الوطني والقومي أمثال : عبد الجبار الجومرد ، وشاذل طاقة ، وبشير الصقال ،
وسعيد الديوه جي ، وجميل دلالي ، وقد هاجمت السياسة الاستعمارية البريطانية والانتداب ، وكانت
جريئة وصريحة ، لذلك عطلت في 30 تموز 1930 .


الصحافة الطلابية :

شهدت الثلاثينات من القرن الماضي حركة مهمة لإصدار صحف تهتم بنواحي التربية والتعليم عموماً وبالطلبة خصوصاً ، ولعل من أبرز ما صدر خلال الفترة من ( 1932 ـ 1939 ) مجلتي الطلبة والفتوة ، ففي الأول من كانون الثاني 1932صدرت مجلة الطلبة ، وجاء في ترويستها أنها " مجلة اسبوعية علمية ثقافية للبنين والبنات " ، وكان عباس فضلي مديرها المسؤول ، وقد اهتمت المجلة بنشر " المعلومات العلمية " و " المعارف الصحفية " وكان لها أبواب ثابتة منها ( علوم وفنون ) و( مخترعات ) و ( ثمار الأقلام اليافعة ) و
( المشاهير والعظماء ) و ( صحيفة الطالبات ) و ( الألعاب الرياضية ) . ومن بين الذين نشرت لهم المجلة جمع من المربين والسياسيين والمثقفين أمثال : حكمت عبد المجيد ، ونوري ثابت ، وشوقي الداوودي ، وأحمد حقي الحلي ، ومصطفى جواد ، واسماعيل الغانم ، ومتي عقراوي ، وعفيفة رؤوف ، وأمينة يوسف ، ومصطفى علي ، وفرج الله ويردي ، وجعفر الخليلي . ولم تكمل المجلة عامها الأول حيث توقفت عن الصدور ( ).

أما مجلة ( الفتوة ) ، فقد صدرت في الثامن من تشرين الأول 1934 ، وجاء في ترويستها أنها " مجلة علمية مدرسية لصاحبها سعدي خليل باشراف مديرية دار المعلمين " وقد اهتمت المجلة بدعوة ( الفتيان ) إلى تحمل مسؤولياتهم في النهوض بالعراق ومحاربة التخلف والمرض والفقر والخرافات ، وعنيت المجلة بالتراث العربي الاسلامي ، ونبهت إلى
" العمل بيد واحدة ، وقلب واحد ، ولسان واحد ، لبناء كيان الأمة العربية العتيد " . وكان في المجلة أبواب ثابتة منها ( بلادنا العربية ) و ( أبطالنا ) و ( الفتاة ) و ( الشعر ) و( الصحة ) و ( بريد المدارس ) و ( صفحة الطلبة ) . وقد أسهم في تحرير المجلة جمع من المربين والسياسيين والروّاد المعروفين بتوجهاتهم القومية العربية منهم : خالد الهاشمي ، ومتي عقراوي ، وجابر عمر، ودرويش المقدادي ، ومحمد بديع شريف ،وناجي معروف ، وابراهيم شوكت ( ).



الصحافة النسوية :

عرف العراق الصحافة النسوية المتخصصة منذ 15 تشرين الأول 1923 حين صدرت أول مجلة نسوية في العراق باسم ( ليلى ) ، وفي 23 آيار 1936 صدر العدد الأول من مجلة ( المرأة الحديثة ) لصاحبتها ( مهدية الأعرجي ) ، وكانت هذه المجلة حدثاُ مميزاً في تاريخ الصحافة النسوية في العراق ، ذلك أنها دعت منذ عددها الأول إلى " تحطيم قيود التقاليد البالية ، والعمل على إعادة المرأة إلى سالف عزها وعدم التفريق بينها وبين الرجل " . وكان أهم ما يميز مجلة المرأة الجديدة طابعها الناقد واستخدامها للكاريكاتير في معالجة الكثير من الظواهر الاجتماعية السلبية ، وكان من أهم ما اهتمت به المجلة قضية اجبار الفتيات على الزواج ممن لا يرغبن ، وطرحها الاقتراحات الخاصة بتخفيض المهور لتشجيع الشباب على الزواج والمطالبة بسن قانون للزواج الاجباري ( ).

لم يكتب لمجلة ( المرأة الحديثة ) العيش لأكثر من ثمانية أعداد . إذ صدرت بدلها مجلة نسوية باسم " مجلة فتاة العراق " لصاحبتها ( حسيبة راجي ). ومما يلحظ على هذه المجلة أنها لم تكن تختلف عن المجلة الأولى إلاّ في تغيير اسم صاحبتها التي عينت معلمة بعد تخرجها في دار المعلمات . وقد دعت المجلة الجديدة إلى بث روح التجدد الصالح ونبذ كل ما هو غير مستحسن ومحمود ، وبينت في افتتاحية عددها الأول أنها ستكون خير واسطة للتعبير عن الآراء الجريئة دون أي تردد. وقد أخذت المجلة على عاتقها كذلك مناصرة الشعب العربي في فلسطين وفضح أساليب الاستعمار البريطاني في تسهيل اغتصاب الصهاينة للأرض العربية . كما التزمت المجلة بنضال المرأة في كل مكان من العالم ، ولم تغفل الدعوة المستمرة لتشجيع المرأة على النزول إلى ميدان العمل جنباً إلى جنب مع الرجل ، ومن أجرأ ما تناولته المجلة موضوع ( القمار ) الذي كان متفشياً يومذاك في بعض بيوتات الطبقة الخاصة ، فقد دعت إلى محاربة تلك الرذيلة دون هوادة ، وهددت بنشر أسماء من لا يتوقف عن ممارستها . وحاربت المجلة المشعوذين والدجالين ودعت إلى مقاطعتهم واستخفت بالعقليات التي تركن إلى هؤلاء عند الشدائد ( ).

كما صدرت في سنة 1936 جريدة باسم ( فتاة العرب ) لصاحبتها ( مريم نرمه ) ، وقد كرّست الجريدة صفحاتها للدعوة الملحة لتعليم المرأة في الريف في وقت لم تكن فيه المتعلمات في المدينة نفسها إلاّ قلة ، وفي كانون الثاني 1936 منح لنهاد الزهاوي امتياز اصدار مجلة باسم ( الصبح ) إلاّ أنها لم تصدر إلاّ في 21 آذار 1936 ( ).



الصحافة العراقية الكوردية :

لقد تمثل النشاط السياسي والثقافي للعراقيين الكورد خلال الثلاثينات من القرن الماضي في مجالات عديدة منها مجال الصحافة . وتعد جريدة ( بانك كردستان ) أي نداء كردستان التي صدر عددها الأول في 2 آب 1922 أول جريدة يومية اجتماعية أدبية تصدر باللغة الكوردية في العراق . وقد حاول صاحبها ومديرها المسؤول ( مصطفى باشا ياملكي ) جعلها " أداة فعالة لنشر الوعي الثقافي بين العراقيين الأكراد ".وقد توالى صدور الصحف الكوردية ، ولعل من أبرز ما صدر خلال المدة موضوعة البحث ، مجلة ( روناكي ) أي النور ، فقد كانت مجلة اجتماعية علمية أدبية اسبوعية لصاحبها المحامي شيت مصطفى عمر ، وقد منح الامتياز في 11 تموز 1935، إلاّ أن العدد الأول لم يصدر إلاّ في 24 تشرين الأول 1935 ، وكان محل صدورها ( اربيل ) . وقد ترأس تحريرها حسين حزني المكرياني . وفي 16 آيار 1936 توقفت عن الصدور بعد أن صدر منها ( 11 ) عدداً فقط . وممن أسهم في تحريرها محمد علي كردي وجبار أغا كاني ( ).

كما صدرت ببغداد مجلة أدبية ثقافية كردية باسم ( كه لاويز ) أي نجمة الصبح ، وكان صاحبها المحامي ( ابراهيم أحمد ) . وقد برز عددها الأول في كانون الأول سنة 1939 ، وتعد من أطول المجلات الكوردية عمراً حيت استمرت بالصدور شهرياً وبصورة منتظمة حتى سنة 1949 وقدمت خدمة كبيرة للأدب واللغة الكردية والتقى على صفحاتها كتّاب ومثقفون كبار ، وكما يقول الدكتور عز الدين مصطفى رسول ( )، فإنها " ربت جيلاً من الأدباء " . وممن كتب فيها : رفيق حلمي ، وعبد القادر القزاز، ومحمد أمين زكي، وكوران ، الشاعر المعروف ، وتوفيق وهبي ، وعلاء الدين السجادي .



مجلة المجلة ( الموصلية ) :

تعد مجلة المجلة من أهم المجلات الأدبية التي صدرت ضمن الصحافة الأدبية ليس في الموصل وحسب ، وإنما في العراق كله . صدر عددها الأول في تشرين الأول 1938 ، وجاء في ترويستها أنها " مجلة أدبية ثقافية عامة نصف شهرية " وكان صاحبا الامتياز المحاميان : يوسف الحاج ألياس ، وعبد الحق فاضل . وفي عددها الأول عرضت منهاجها قائلة " أمامنا في هذه المجلة ، أن تغدو مجال الأقلام الممتازة وملتقى العقول المفكرة ، ومنبراً للشعر الحي ... " وخاطبت المجلة القارئ قائلاً : " ... سنزف إليك ... من ألوان الثقافة العالمية ، وفنون الأدب الحديث ، وروائع القصص الطريفة من مختلف اللغات ... " ( ).

صدر من المجلة في السنة الأولى ( 24 ) عدداً ، توقفت بعدها لفترة شهر ونصف الشهر لأسباب مالية ، ثم استأنفت صدورها من جديد في السنة الثانية (1939) ، وقد أصبح صاحب امتيازها الجديد ومديرها المسؤول يوسف الحاج ألياس ، في حين ترأس تحريرها المحامي ابراهيم وصفي رفيق . وبعد صدور بضعة أعداد تولى يوسف الحاج الياس رئاسة التحرير ، أما ابراهيم الجلبي فقد أصبح مدير ادارتها . وقد أسهم في تحريرها في سنتها الثانية عبد الحق فاضل ، ووصفي البني ، وحسن زكريا ، وذنون أيوب ، وجورج حبيب . وكان اتجاه السماء أدبياً تقدمياً ، إذ اهتمت ينشر القصص ذات الطابع الإنساني والتي نخفي في طياتها مضموناً بيانياً يحمل معاني الديمقراطية والحرية ، وقد اهتمت بالقصة والشعر. وعالجت على صفحاتها واقع ومستقبل الحركة الثقافية في العراق ، وزخرت المجلة بالمقالات السياسية التي عنيت بالأحزاب السياسية والنظام الحزبي في العراق،والنظم الديمقراطية والمسألة القومية ، ونشرت مقالات حول دسائس الصهيونية العالمية وحقدهـا على العروبة . وكـان من أبوابها : المقال الافتتاحي وديوان المجلة وباب القصة وصفحة الكتب وصحيفة التاريـخ ، وأسهم في تحرير المجلة نخبة من مثقفي الموصل وعدد كبير من الكتّاب والباحثين العراقيين أمثال أنور خليل ، ونجيب فاضل ، وأكرم فاضل ، وعبد الفتاح ابراهيم ، ومتي بيثون ، وسعيد الديوه جي ، ومجيد خدوري ، وعبد المنعم الغلامي ، وعبد الحق فاضل ، ونائل سمحيري ، ومحمد عزة العبيدي ، وعبد المجيد لطفي ، وعبد الأحد ابراهيم ( ) .

توقفت المجلة ثانية عن الصدور لمدة خمسة أشهر ونصف بعد انتهاء السنة الثانية ، وظهرت في بغداد ، وكان أول عدد يصدر من مجلة المجلة ببغداد قد صدر في 16 آذار 1941 . يقول الدكتور وائل النحاس ( )وهو يقيم ( المجلة ) : " لقد كانت مجلة المجلة ثقافية عامة تهتم بالميول التقدمية الديمقراطية " . أما ذنون أيوب ( ) فقد قيّمها بقوله : " نهجت نهجاً ديمقراطياً خالصاً غير متنكرة للتراث أو العروبة ... مناصره لفلسطين والوحدة العربية ، فهي ديمقراطية وطنية " .



الصحافة البصرية :

صدرت في البصرة خلال الفترة 1932 ـ 1939 صحف ومجلات عديدة منها : الثغر والبصرة وصوت الشعب والديار والناس والسجل . ففيما يتعلق بجريدة ( الثغر ) ، فإن عددها الأول صدر في 12 آذار 1933 ، وقد جاء في ترويستها أنها جريدة يومية سياسية جامعة يصدرها شاكر النعمة ، أما مديرها المسؤول فهو المحامي احمد العطية ، ثم أصبح الدكتور صبيح مصطفى . وفي 19 أيلول 1933 توقفت الجريدة عن الصدور اثر تعيين صاحبها عبد الرزاق الناصري مدرساً في ثانوية البصرة ، وقد حمل العدد الأول افتتاحية وضّحت منهاجها ومما جاء فيه : " بأننا لم نقدم على زج أنفسنا في زمرة حملة لواء صاحبة الجلالة ، سعياً وراء منفعة ذاتية نطمح فيها أو غاية شخصية نرمي إليها ... " . وقد اهتمت الجريدة بقضايا الوطن العربي فكتبت عن فلسطين والأسكندرونة ( ).

أما جريدة ( البصرة ) فقد صدر عددها الأول في 28 شباط 1934 ، وكان صاحب الامتياز عبد الرضا الجبيلي ومديرها المسؤول عبد الكريم السامرائي ورئيس تحريرها هاشم الرفاعي وهو من كتّاب البصرة وأدبائها المعروفين . وقد اهتمت الجريدة بالقضايا المحلية ، كما ركزت على متابعة القضايا العربية وقد احتجبت عن الصدور في 5 تموز 1937 ( ).

وفي 17 تموز 1934 صدرت في البصرة جريدة ( صوت الشعب ) ، وقد جاء في ترويستها أنها جريدة يومية سياسية اقتصادية اجتماعية صاحبها ورئيس تحريرها يوسف هرمز ، أما مديرها المسؤول فكان محمد صالح ياسين السامرائي ، وقد صدرت ( صوت الشعب ) ثلاث مرات في الأسبوع وبعد صدور عددها الرابع والسبعون في 17 أيلول 1934 أصبحت تصدر يومياً ، وقد اهتمت الجريدة بنشر البرقيات الخارجية واعتمدت التعليق السياسي على الأحداث كمنهج متميز لها ، وقبل ختام سنتها الأولى انتقل اصدارها إلى بغداد واستمرت بالصدور هناك حتى عطلت سنة 1938 ( ).

وكانت هناك جريدة ( الأيام ) التي ترأس تحريرها اسطيفان كجه جي ، وقد صدر عددها الأول في آب 1934 ، وتعد من الصحف الأدبية ، وممن حرر فيها الشاعر والكاتب محمد هادي الدفتر ، ومحمد ناجي طاهر ، ومحمود كاظم الصائب . ومن الذين كتبوا فيها من بغداد عبد المجيد لطفي ، وصفاء خلوصي . وفي أوائل كانون الأول 1935 توقفت عن الصدور ، لكنها احتجبت نهائياً في 9 نيسان 1936 وقد عرف عنها تأييدها لسياسة ياسين الهاشمي ووزاراته ( ).

أما جريدة ( الناس ) التي صدرت في 9 حزيران 1935 ، فكانت جريدة يومية سياسية جامعة مصورة صاحبها ورئيس تحريرها عبد القادر السياب ، وكانت الجريدة تهتم بالسياسة والفكر والاجتماع ، وقد تضمنت افتتاحية العدد الأول أهداف الجريدة ومما جاء في الافتتاحية المعنونة " مبادئنا وخطتنا " : " أن الخطة التي ترسمها الجريدة لنفسها والمبدأ الذي ستسير عليه هو تنبيه الشعب إلى الأخطار المحدقة ، وبث روح التعاون والأخوة بين الأفراد ، ومحاربة الروح الطائفية مهما كان نوعها، وتأييد النظام الدستوري بكل قوة ... ونقاوم كل ما من شأنه الإخلال بكرامة الأمة والوطن ... وهدفها ... أيضاً دعوة الأمة إلى توحيد صفوف أبنائها ونبذ التحزبات لتكون الأمة في هيئة واحدة " . ولما كان صاحب امتياز الجريدة :
عبد القادر السياب أحد أعضاء حزب الإخاء الوطني ، فقد كرّس صفحات جريدته لدعم زعيم هذا الحزب : ياسين الهاشمي حتى عدت ناطقة بلسانه . وقد اهتمت الجريدة بقضايا العرب المصيرية كقضية فلسطين والأسكندرونة والخليج العربي ( ) .
وصدرت في البصرة كذلك جريدة ( السجل ) وكانت يومية سياسية جامعة ، صاحب امتيازها ورئيس تحريرها محمد طه الفياض العاني( ).وقد صدر عددها الأول في 13 مايس 1937 ، وحرر فيها نخبة من المثقفين العراقيين ومعظمهم من أبناء البصرة أمثال : محمود الحبيب ، وكاظم محمد الصائب،ومقبل الرماح ، وكاظم مكي حسن ، ومحمد جعفر الحسيني ، وجاسم الدليشي ، ومحمد رزق الله اوغسطين ( موصلي ) ، وكانت الجريدة ذات صبغة قومية ـ دينية اسلامية ، ولأن صاحبها كان يصدر قبل ذلك مجلة باسم ( الشبان المسلمين ) ، وقد حصل على الامتياز في 9 نيسان 1934 لكن امتيازها ألغيَ في آذار 1936 بحجة " خروجها عن خطتها الأدبية " دافعت ( السجل ) عن القضايا العربية والاسلامية ، وتحملت الكثير من المضايقات ، وواجه صاحبها المحاكمة ، وعند احتلال الجيش البريطاني للبصرة ثانيةً في أعقاب اندلاع ثورة مايس1941الوطنية والقومية،توقفت عن الصدور في 8 مايس- ايار 1941( ).



صحف أخرى :

فضلاً عما ذكرناه من صحف ومجلات ، صدرت في العراق خلال المدة موضوعة البحث صحف ومجلات كثيرة كان لبعضها أثر كبير في تكوين الرأي العام وتيقظ الأفكار وتوسيع دائرة المثقفين في العراق . ومن هذه الصحف ( جريدة المعارف ) التي أصدرها في الموصل الصحفي الموصلي المعروف محيي الدين أبو الخطاب ( ولد في الموصل 1896 وتخرج من كلية الحقوق سنة 1926 ) وحصل على امتياز جريدته في 25 أيار 1932 ، كما أصدر أبو الخطاب ( جريدة الأديب ) سنة 1936 ، وكانت جريدة سياسية اسبوعية مستقلة . أما في بغداد ، فقد أصدر الصحفي القدير توفيق السمعاني ( 1904 ـ 1983 ) جريدة
( الزمان ) سنة 1937 ، وهي سياسية مستقلة جامعة وتعد من كبريات الصحف العراقية .

كما أسس جبران ملكون جريدة متميزة باسم ( الأخبار ) سنة 1938 ، ويعد ملكون من قدامى الصحفيين في العراق . والأخبار جريدة يومية سياسية مستقلة حرر فيها نخبة من الكتّاب العراقيين المعروفين . ومنذ سنة 1954 ، ترأس تحريرها ابنه جوزيف ملكون ( ولد ببغداد سنة 1929 وتخرج من كلية الحقوق سنة 1953 ) . وصدرت في الموصل سنة 1938 جريدة دينية إسلامية باسم ( البرهان ) وكان صاحبها عبد الله محمد الصوفي . كما صدرت في النجف الأشرف مجلتان ، الأولى باسم ( مجلة الهاتف ) أصدرها الأديب المعروف جعفر الخليلي ( 1905 ـ 1985 ) وذلك سنة 1935 . أما المجلة الثانية فقد صدرت يوم 22 آب سنة 1939 باسم ( مجلة الغرى ) أصدرها عبد الرضا شيخ العراقين آل كاشف الغطاء ، وكانت مجلة أدبية دينية اجتماعية إسلامية . وفي السنة ذاتها أصدر حمادي الناهي في الموصل جريدة فكاهية أدبية اسبوعية باسم ( الكشكول ) وقد برز عددها الأول في 4 نيسان سنة 1939 ( ).
خاتمــة :

شهد العراق خلال المدة من 1932 وحتى 1939 نهضة صحفية عكست إلى حد كبير الأحداث والمتغيرات التي وقعت فيه ، وكانت صحافة ذلك الزمان ، بحق مرآة الأمة . ومما تميزت به الصحافة آنذاك جرأتها وصراحتها ومثاليتها في معالجة قضايا العراق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، لذلك خاضت مع الحكومات المتعاقبة صراعات شديدة ، تعرضت على أثرها في مرات عديدة إلى التعطيل ، وكانت الأهالي وأخواتها في مقدمة الصحف التي خدمت البلاد وأسهمت في تطوير الوعي السياسي وبثت الروح التحررية والديمقراطية والتقدمية،كما قامت الصحف الأخرى ومنها الإخاء الوطني بواجبها أحسن قيام ، ولم يقتصر الأمر على صحافة العاصمة ، وإنما وجدنا أن صحافة الموصل والبصرة كان لها دورها الفاعل في تكوبن الرأي العام العراقي .

كما تعددت أنماط الصحافة خلال هذه الفترة، فكانت هناك صحافة طلابية وصحافة نسويه .
وأسهم عدد من المثقفين العراقيين الكورد في وضع أسس متينة لصحافة كوردية متميزة ، وقد استمرت الصحافة العراقية في نهضتها إبان الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي وهذا مما يحتاجه بحث آخر إن شاء الله .


نقوس المهدي, ‏20/5/11 #24

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
أ. د. إبراهيم خليل العلاف
مجلة الثقافة الجديدة
فصل من تاريخ العراق الثقافي المعاصر




لعل الشاعر الأديب والصحفي الصديق الأستاذ سامي مهدي، هو أول من انتبه إلى مجلة الثقافة الجديدة ، وعدها من المجلات الريادية في العراق، لما لها من دور، ليس في تحديث الأدب والفن، وإنما في تطوير وتقدم حركة الثقافة العراقية المعاصرة. فلقد كتب عنها فصلا ضافيا في كتابه القيم الموسوم: " المجلات العراقية الريادية ودورها في تحديث الأدب والفن 1945-1958" والذي نشرته دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد سنة 1995 . وكما هو معروف، فان هذه المجلة التي صدر عددها الأول في تشرين الثاني-نوفمبر سنة 1953 ببغداد لا تزال تصدر حتى يومنا هذا . وعند صدور المجلة جاء في ترويستها أنها مجلة " الفكر العلمي " و" الثقافة التقدمية ". صاحب امتيازها مهدي جواد الرحيم ومديرها المسؤول خالد طه نجم المحامي ، وموقع هيئة التحرير كان في خان كبة الكائن في شارع الرشيد ببغداد ، وهو موقع قريب إلى أماكن الطباعة . وثمة( لجنة من الكتاب) هي التي تقوم بتحريرها". وبسبب هذا التوجه، أقدمت السلطات الملكية الحاكمة في العراق على إلغاء امتيازها ولما يصدر منها سوى عددان الأول ، كما قلنا أنفا، في تشرين الثاني سنة 1953 والثاني في كانون الأول-ديسمبر سنة 1953. لكنها سرعان ما عادت إلى الصدور بامتياز جديد صاحبه عبد الرزاق الشيخلي ومعه عبد المنعم الدركزي مديرا مسؤولاً وكان ذلك في نيسان-ابريل سنة 1954، ولم تمر إلا أيام قليلة حتى الغي امتيازها ثانية(صدر العدد الثالث في نيسان 1954 ) .
لقد كان صدور مجلة الثقافة الجديدة مؤشرا على التنامي الواسع للوعي الوطني والسياسي العراقي عقب سلسلة من التطورات التي مر بها العراق والوطن العربي اثر ضياع فلسطين وقيام إسرائيل، وتعاظم حركة التحرر العربي، ووثبة كانون الثاني -يناير 1948 في العراق، وتصاعد نشاط المقاومة للسلطة الملكية الرجعية واندلاع ثورة يوليو-تموز في مصر1953 ، وبروز قيادة الرئيس جمال عبد الناصر القومية التقدمية وما رافق ذلك كله من إقدام الحكومات العراقية على إصدار قرارات قمعية ضد الأحزاب الوطنية والقومية .
قدم الدكتور صلاح خالص، معلومات وفيرة عن مجلة الثقافة الجديدة للأستاذ يوسف الصائغ وهو يعمل على أنجاز رسالته للماجستير حول الشعر الحر في العراق منذ نشأته حتى 1958. ومما جاء فيها أن مجلة الثقافة الجديدة، صدرت بتوجيه مباشر من الحزب الشيوعي العراقي، وانه هو والدكتور صفاء الحافظ قد أشرفا على إصدارها. ويقال إن عبد الوهاب ألبياتي كان يشرف عند صدورها على الجانب الذي يهتم بالأدب. وقد ورد في افتتاحية العدد الأول إن المجلة " تقدمية تؤمن بوجود أفكار رجعية تحاول منع المجتمع وعرقلة سيره، فتحارب هذه الأفكار- معتمدة على دروس التاريخ القيمة وعلى التفكير العلمي الصحيح ". كما إن المجلة ومحرريها يعتقدون " إن الأفكار وان كانت تنشأ في ظروف اقتصادية واجتماعية ونفسية وتاريخية معينة، فأنها قوة ذات أثر فعال في تقدم المجتمع أو تأخره ، لذا نرى من واجبها استخدام هذا السلاح الماضي للتقدم ، لا للتأخر ، والسير للإمام ، لا للرجوع إلى الوراء". " ان الثقافة الجديدة مجلة علمية ، لأنها تعتقد أن الوسيلة الصحيحة للوصول إلى الأفكار التي يتوق إليها المجتمع ، هي البحث العلمي ، ونقصد به الدراسة الموضوعية لظواهر الحياة المختلفة ومحاولة معرفة بواعثها الحقيقية ، والطريق الذي اتجهت إليه ، كالنظريات العنصرية والأفكار الفاسدة المغرضة ، وتشجع الدراسات العلمية التي يتوخى فيها الحقيقة دون أغراض ، لذا فسيكون اهتمامها بما تحويه المقالات من أفكار قيمة ، لا بأسماء كاتبيها ..." . " أن الثقافة الجديدة مجلة شعبية لأنها تعتبر نفسها وسيلة من وسائل الشعب ،وسلاحا في يده ،فهي تعنى بمشاكله وتبحثها بعمق وبأسلوب علمي لكي تتوصل إلى الحلول الايجابية الصحيحة لها " . " إن الثقافة الجديدة مجلة حرة تؤمن بأن حرية التعبير حق من حقوق الفرد وأنها الوسيلة الفعالة للوصول الى الحقيقة .." . " إن الثقافة الجديدة مجلة قومية ، لأنها تعتبر أن من حق ، بل من واجب كل قومية من القوميات أن تعنى كل العناية بتراثها القومي ، وتبذل جهدها في تطويره وتنميته وجعله في خدمة الأكثرية الساحقة من أبناء الشعب . أنها تشجع العراقيين -عربا وكردا -على الاعتزاز بتراثهم القومي ، وربط حضارتهم الجديدة ، ونهضتهم الحاضرة ، لاسيما في الميادين الأدبية والفنية ، بالتقاليد القومية العريقة والأسس التي أصبحت تكون جزءا لايتجزأ من مميزاته القومية "" ." إن الثقافة الجديدة مجلة إنسانية لأنها تعتقد أن البشر يستطيعون العيش إخوانا على الأرض ، إذا احترم كل منهم حقوق الآخرين في الحياة ، وتؤمن بأن الحضارة الإنسانية نتاج ساهمت فيه جميع شعوب العالم وقومياته ، وان من حق جميع هذه الشعوب والقوميات أن تتمتع بها وتجني فائدتها ، فهي تعنى بالثقافات الأجنبية وبترجمة خير ما فاضت به قرائح الكتاب العالميين " .
قيم أريك ديفز، الباحث والمؤرخ المهتم بالتاريخ العربي الحديث، مجلة الثقافة الجديدة في مقال له بعنوان: " المقاهي ودورها الكبير في نشر الثقافة والحس الوطني" ترجمه وقدم له الأستاذ حسين كركوش ونشر في جريدة طريق الشعب العدد (233) في 31 تموز-يوليو 2008 قائلاً : " إن المثقفين الشيوعيين ارتبطوا بمجلة الثقافة الجديدة ، وان هذه المجلة أغلقتها حكومة الدكتور فاضل الجمالي (17 أيلول-سبتمبر 1953-8 آذار-مارس 1954 ) بعد صدور عددين منها ، تحظى بأهمية خاصة ، ورغم أنها أصبحت ، فيما بعد ، تابعة للحزب الشيوعي، إلا أن قائمة الأسماء المؤسسين لها تجعلنا نعدها موسوعة حقيقية للانتلجنسيا العراقية (الطبقة المثقفة العراقية) فصفحاتها تزخر بأسماء كتاب القصة القصيرة أمثال عبد الملك نوري، وفؤاد التكرلي، وبأسماء الشعراء أمثال بدر شاكر السياب وعبد الوهاب ألبياتي وكاظم السماوي وبأسماء الروائيين أمثال غائب طعمه فرمان وبأسماء النقاد مثل محمد شرارة وبأسماء الكتاب المسرحيين ومنهم يوسف العاني، فضلا عن أساتذة الجامعة من ذوي الاتجاه اليساري ومنهم الدكتور فيصل السامر، والدكتور صلاح خالص، والدكتور إبراهيم كبه.. وبمجرد أن المجلة سميت بـ( الثقافة الجديدة ) فان هذا يعد بمثابة "تعبير عن رغبة جامحة لإحداث قطيعة مع الماضي، مثلما عكست تلك التسمية إيمان مؤسسي المجلة بالدور المركزي الذي تنهض به الثقافة في إحداث التغيير السياسي والتغيير الاجتماعي". ويبدو أن اريك ديفز لم يتابع العدد الأول وافتتاحيته التي اشرنا إليها آنفا وهي أن المجلة تهتم بالتراث القومي وتعمل من اجل إحياءه وتنميته . كما أنها نشرت الكثير من المقالات التي تعزز هذا التوجه خاصة وأنها كانت تعد نفسها مجلة قومية علمية حرة شعبية إنسانية .
ويعود الأستاذ سامي مهدي ليؤكد بان قارئ المجلة يلحظ " أنها كانت ذات طابع جدي رصين ومستوى فكري وأدبي وفني رفيع ، وكانت مادتها تتسم بالعمق والتنوع المدروس ،..".
هذا فضلا عن "أن توازن تبويبها كان ينم عن خبرة ومعرفة في تحرير المجلات الثقافية".
كما أن المجلة انطلقت ، كما هو واضح ، "من مفهوم شامل صحيح للثقافة ، فعنيت بالدراسات الفكرية إلى جانب عنايتها بشتى الأنواع الأدبية والفنية ، فكان كل عدد من أعدادها يتضمن دراسة فكرية تخدم أهدافها التي من اجلها صدرت ". يقول الأستاذ محسن جاسم الموسوي في دراسة له عنوان : " المجلات الثقافية العراقية : دورها ومكانتها " منشورة في مجلة العربي وعلى موقعها الالكتروني أن مجلة الثقافة الجديدة توجهت نحو الجامعة وأساتذة الجامعة واستحوذت إلى حد ما على الأقلام المؤهلة للكتابة والتي تدفعها الرغبة والحاجة إلى النشر والتأليف والتأثير. كان من كتابها أساتذة بارزين في الوسط الجامعي العراقي كالدكتور مهدي المخزومي، والدكتورة نزيهة الدليمي، والدكتور صلاح خالص، والدكتور إبراهيم السامرائي, وكان الابتكار والثورية والاختلاف والتحزب هي صفات الطرف اليساري من الطبقة المثقفة العراقية. وإذا كان الموسوي يرى بان مجلة الثقافة الجديدة صدرت تحت تأثير اليسار العراقي النشيط في الخمسينات من القرن الماضي ، فان مجلات أخرى كالأقلام التي صدرت في الستينات من القرن ذاته، احتضنت من قبل الجناح القومي أو المستقل عن اليسار ، ومن هنا فانه يؤكد حقيقة قالها اريك ديفر وهي أن اليساريين والمثقفين الوطنيين العراقيين ومنهم الكثيرين الذين كتبوا في مجلة الثقافة الجديدة ، قد رفضوا الماضي.. ولم يستطيعوا تجاوز تلك الصعوبة المزعجة المتمثلة في ازدرائهم له، وهو رفض انعكس في الإهمال المستمر لكل مايمت بصلة إلى الثقافة العربية التقليدية، وان محرري الثقافة الجديدة ظلوا بعيدين عن إدراك حقيقة إن : " التراث العربي كان أمرا مهما بالنسبة لكثير من العراقيين، خصوصا لأولئك الناشطين السياسيين المنتمين للطبقة الوسطى".
وكلا الحكمين فيهما بعض التجاهل لما كان واقعاً، فمجلة الثقافة الجديدة اهتمت بالتراث العربي، لكنها كانت تنظر إليه نظرة تقدمية جديدة . كما أن الكثيرين ممن عملوا ضمن التيار القومي كانوا يساريين، لم يألفوا المحافظة ولم يدعوا إلى الارتكاز على الماضي ، بل كانوا يدعون إلى التقدم والتحديث والتغيير وإقامة المجتمع الديمقراطي المنشود .
لنتوقف قليلا عند كتابات عدد من المؤرخين العراقيين المعاصرين الذين ظهرت لهم كتابات في مجلة الثقافة الجديدة، ومنهم الدكتور فيصل السامر والدكتور حسين قاسم العزيز.. لقد كانوا يقرأون التاريخ العربي الإسلامي وفق مفهوم يساري تقدمي.. فهذا الدكتور السامر يكتب عن بعض الاتجاهات الاجتماعية في حركة الزنج مثلاً وذلك الدكتور حسين قاسم العزيز ينظر إلى ألبابكية على أنها انتفاضة ثورية للشعب الاذريبجاني ضد الخلافة العباسية.. كما أن القضية القومية نفسها حظيت بالاهتمام في صفحات مجلة الثقافة الجديدة، وكان للتراث الفكري واللغوي العربي الإسلامي نصيب، ومن ذلك ماكتبه الشيخ محمد رضا الشبيبي حول " مصادر الشك في كتاب العين " والمادة بألاصل نص محاضرة ألقاها الشيخ الشبيبي في حفلة افتتاح المؤتمر اللغوي العربي في القاهرة في يوم الاثنين 14 شباط-فبراير 1953 . وعلى أصعدة المسرح والسينما والقصة والرواية والنقد والفن التشكيلي والشعر والترجمة، كان للمجلة اهتمام متميز. ويقيناً أن ما كتبته المجلة وما تكتبه حتى هذه اللحظة يسهم، إسهاما فاعلاً في اغناء القراء وفتح آفاق ثقافية واسعة أمامهم، لذلك استحقت المجلة أن توصف بالريادة.
ليس من السهولة رصد كل الكتابات التي نشرت في مجلة الثقافة الجديدة، فذلك يحتاج إلى جهد ووقت كبيرين، وأول مايجب أن يعمل في هذا الاتجاه إصدار ببليوغرافيا مفصلة وشاملة للمجلة ونأمل في أن يتصدى لهذه المهمة بعض أصدقاءنا من المكتتبين. لكن لابد من ذكر بعض من كتب في المجلة، وأوائل من يجب الإشادة بكتاباتهم على صعيد الشعر، بدر شاكر السياب، وعبد الوهاب ألبياتي، وكاظم السماوي، وكوران، وديلان. وعلى صعيد القصة الدكتور شاكر خصباك، وعبد الملك نوري، وفؤاد التكرلي. ولم يكن الاهتمام بالرسم والسينما والمسرح بعيداً عن المجلة، فلقد أولى محرروها هذه الميادين الكثير من العناية وكان من الكتاب الذين تناوبوا على تقديم ماهو جديد فيها يوسف العاني ونوري الراوي ومحمود صبري ووليد صفوة وعطا صبري. واهتمت المجلة بالترجمة عن اللغات المختلفة وكان ممن تخصص في هذا المجال شاكر خصباك ونهاد التكرلي وجاسم محمد الرجب وإسماعيل الشيخلي ومهدي الرحيم وعبد الملك نوري وآخرون .. وفتحت المجلة نوافذها على الحركة الثقافية العربية والأجنبية، فكانت هناك تقارير ورسائل من شتى أنحاء العالم، ولئن اهتمت المجلة كثيراً بما عرف بالواقعية الاشتراكية وتطبيقاتها الماركسية على الأدب والفن، فان ذلك لم يمنعها من الولوج في دروب مدارس فكرية وفنية وفلسفية عالمية أخرى. وكان هدف المجلة من الاهتمام بكل تلك الرؤى، إشعار الأديب والمفكر والفنان العراقي بمسؤوليته تجاه مجتمعه .ومما يلحظ على المقالات المنشورة ضمن هذا الاتجاه، الاقتراب الشديد أحيانا من المستويات السياسية والحزبية الأمر الذي كاد يخرج تلك الرؤى، في بعض الأحيان ، من خاناتها الفكرية والثقافية. وينبغي أن نؤكد في هذا المجال أن ذلك لم يستمر طويلاً، وإنما كان مرتبطا ببعض الحقب والمراحل التاريخية التي مر بها العراق في تاريخه المعاصر وقد أشار إلى ذلك يوسف الصائغ عندما كتب عن التأثير السلبي الذي مارسه العمل السياسي اليومي على الإنجازات الثقافية والفكرية والفنية العراقية المعاصرة .
ضم العدد الأول من مجلة الثقافة الجديدة الذي صدر في تشرين الثاني 1953 ، مقالات وروايات وتقارير ونصوص إبداعية كثيرة منها مقال بعنوان " المدرسة الواقعية في الفن والأدب " للدكتور صلاح خالص ، ونظرية القانون الصرفة لهانز كلزن للدكتور إبراهيم كبة، والأزمة الراهنة في الفن المعاصر لمحمود صبري، وإميل زولا.. فارس الحق لاندريه موروا.والبيروقراطية والدولة لباحث لم يذكر اسمه . كما احتوت قصائد شعرية منها أطفالنا لبدر شاكر السياب والسجين المجهول لعبد الوهاب ألبياتي ومصير العشاق لكوران، واغنية رجل عند خشبة الاعدام لاراغون تعريب عبد الملك نوري . وكان هناك نصوص مسرحية منها العادلون لالبير كامو تعريب نهاد التكرلي . وثمة متابعات للمعرض الدولي الثاني للفن المعاصر في الهند لعطا صبري. وفي حقل الكتب عرض كتاب فكتور هيجو شاعر واقعي لاراغون. وقام إسماعيل الشيخلي بتعريب مقال لهربرت سبنسر بعنوان : " كيف يتعلم الطفل الرسم". أما القصة فكان لها نصيب حيث نشرت في العدد قصة آمنه لشاكر خصباك، وقصة بعد المسرح، لانطوان تشيخوف. واحتوى العدد الثاني الذي صدر في كانون الأول 1953 مقالا افتتاحياً بعنوان : "التفكير العلمي" وضروراته الماسة والموضوعية بالنسبة للافراد والجماعات في معالجة شؤون الحياة الخاصة والعامة . ومقالات أخرى منها مقال بعنوان : " الظروف الاجتماعية وعلاقتها بالطب النفسي للدكتور فيكتور لافيت تعريب الدكتور هدى(وهو اسم مستعار لم نتعرف عليه ) ، ومقال للشيخ محمد رضا الشبيبي بعنوان : " مصادر الشك في كتاب العين ومقال لنهاد التكرلي بعنوان " مفاهيم في الفن القصصي" ومقال للدكتور فيصل السامر بعنوان : " بعض الاتجاهات الاجتماعية في حركة الزنج"، ومقال بعنوان : " أسبوع المرأة ومدى فائدته " للدكتور محمد مهدي البصير، ومقال لغائب طعمه فرمان بعنوان : " قيمة الوعي في الأدب". وعرض الدكتور إبراهيم كبه كتاب ب. دوت الموسوم: " تداعي النظام الكولونيالي ". كما عرض الدكتور صلاح خالص كتاب الدكتور صالح احمد العلي الموسوم: " التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة "، وكان هناك عرض لكتاب الدكتور زكي صالح الموسوم " مقدمة في دراسة العراق المعاصر "قدمه الدكتور ابراهيم كبه (أ.ك). وعرض اناهيد لعبد الله نيازي قدمه (شين )، ووقف عبد الوهاب ألبياتي عند بابلو نيرودا وقدمه على انه شخصية الشهر . وهناك قصيدة " البغايا في الشتاء " لبدر شاكر السياب ، وقصة الجدار الأحمر لعبد الملك نوري ومسرحية حفلة زواج لأنطوان تشيخوف تعريب شاكر خصباك ومقال عن واقع المسرح العراقي ليوسف العاني ومقال لحسين يوسف البكري بعنوان: " التلفزيون : العلم يتقدم ". ونشرت المجلة في هذا العدد محاضرة للشاعر الفرنسي بول ايلوار عن الشعر الظرفي ترجمها ابراهيم اليتيم وهذه المحاضرة تعالج موضوعا مهما يتناول مشكلة علاقة الشعر بالواقع الملموس ومشكلة الانتقال من الخاص الى العام في العملية الإبداعية . وفي هذا الاختيار يبرز موقف المجلة الواضح من مسألة الدعوة الى الأدب الثوري والى الأدب الواقعي الصادق . وفي معظم ماكانت تنشره المجلة من مقالات يبرز هدف المجلة واضحا في تأكيد المقولة التي تذهب إلى أن الظواهر هي نتاج الظروف والعلاقات الاجتماعية ، وتتفاعل معها .
وفي العدد الثالث الذي صدر في نيسان 1954، نقرأ افتتاحية بعنوان: " إلى أخي المواطن " كتبها عبد الرزاق الشيخلي، وكان الشاعر معروف عبد الغني الرصافي شخصية العدد اذ نشرت المجلة أحاديث للشاعر مع الأستاذ كامل الجاد رجي، وكتب الدكتور صفاء الحافظ مقال بعنوان : " في المشكلة القومية وحلولها". أما الدكتور صلاح خالص فكتب مقالاً "حول المدرسة الواقعية الحديثة: عناصر العمل الفني والأدبي". وتابعت المجلة "محنة المثقفين الأميركيين " التي كتب عنها هوارد فاست، أما وليد صفوة فكتب عن " الواقعية الحديثة في السينما الايطالية ". وثمة مقال عن (كارثة الفيضان )الذي حدث في العراق سنة 1954 وآثاره السلبية على الإنسان والمحيط والدعوة إلى العمل من اجل مقاومة الكوارث جذريا واستخدام ثروات البلد المائية لخير الشعب وسعادته . وفي العدد قصة لفؤاد التكرلي بعنوان : " قصة عراقية.. الآخرون"، وقصيدة لعبد الوهاب ألبياتي بعنوان : " المذبحة " ومسرحية الدير للكاتبة الانكليزية ماركريت لوس تعريب مهدي الرحيم وقصيدة للشاعر الكردي ديلان بعنوان : " الربيع " ترجمة هاوار مصطفى وقد نشر نصها الكردي في مجلة زين وفي العدد الصادر في اذار 1953 ، وأخرى للشاعر الأمريكي ادمون ماركهام بعنوان. " الإنسان والمسحاة" تعريب محمد جاسم الرجب ، وكتب نوري الراوي مقالاً عن الاتجاهات الجديدة في المسرح العراقي الحديث. وحول التراث الفكري العربي المعاصر كانت هناك وقفة مهمة مع جمال الدين الأفغاني لمناسبة الذكرى الستينية لوفاته واراء وتعليقات : الإدراك المادي لحقوق المرأة السياسية للمحامي عبد الوهاب القيسي . وثمة أبواب ثابتة في المجلة منها باب في ربوع الفكر يستعرض المشهد الثقافي العراقي وباب أشتات وباب كتاب الشهر ومن الكتب التي عرضت لها المجلة في عددها الثالث : القوى المؤثرة في الدساتير وتفسير الدستور العراقي لمؤلفه الدكتور طلعت الشيباني وعرضه الدكتور إبراهيم كبة وكتاب دور الحقوقيين في تطوير القانون لرامز شعبان وحسيب غر عرضه الدكتور كبة كذلك وكتاب من الزاوية العربية لنبيه امين فارس وكتاب ضد دوهرنغ لانجلز ترجمة داؤد الصائغ وكتاب ثورة الزنج لفيصل السامر وكتاب السجن الكبير لصالح سلمان عرضه الدكتور شاكر خصباك وكتاب نقائض جرير والفرزدق للدكتور محمود غناوي الزهيري وكتاب نفائس المخطوطات تحقيق محمد حسن ال ياسين وكتاب انطوان تشيخوف ترجمة شاكر خصباك وهو من منشورات مجلة الثقافة الجديدة، بغداد، 1954، وكتاب عوامل نشوء وتطور تشريع العمل الحديث لهاشم جواد، وكتاب الوجيز في التأمينات الشخصية والعينية للدكتور صلاح الدين الناهي، وكتاب الشرق الأوسط في مؤلفات الأميركيين جمع الدكتور مجيد خدوري، وكتاب من يوم إلى يوم لعبد المجيد الونداوي. وكتاب مؤتمر المعلمين العالمي جمع محمد علي البناء، وكتاب مقررات مؤتمر الطلبة العالمي الثالث جمع عدنان صالح . وأخيرا، لابد لي أن أؤكد ، وأنا معروف بتوجهي العروبي القومي ، بان مجلة الثقافة الجديدة في كل مراحل تاريخها، كانت مصدراً مهما من مصادر تكويني الثقافي والفكري، فلقد احتفظت، بإعداد كبيرة منها في مكتبتي .كما لازلت أحرص على اقتناء الإعداد الجديدة منها . ويقينا إن هذا لم يكن مقتصرا عليّ أنا وإنما على جيل واسع من المثقفين العراقيين.
في نيسان سنة 1969، حصل الدكتور صلاح خالص على امتياز لإصدار مجلة الثقافة الجديدة. وقد صدر عدد حمل الرقم (1 ) ، وجاء في ترويستها كذلك أنها مجلة الفكر العلمي والثقافة التقدمية صاحبها ورئيس تحريرها الدكتور صلاح خالص، وسكرتيرة التحرير الدكتورة سعاد محمد خضر، ومدير الإدارة الفريد سمعان والاشتراك دينار واحد والمراسلات ساحة التحرير بغداد تلفون 83973.وفي مكتبتي أعداد متفرقة منها، وكان من ابرز كتابها في هذه المرحلة من تاريخها الدكتور محمد سلمان حسن، والدكتور صلاح خالص، والدكتورة سعاد محمد خضر، والدكتور حسين قاسم العزيز، والدكتور معروف خزنه دار، وعبد الإله الفياض وإبراهيم الوائلي وحبيب الحسني ، والدكتور إحسان فؤاد وغانم الدباغ وهادي العلوي ومحمد الجزائري وفاضل محمد عيسى وراضي رحمه السيفي ونور الدين فارس وعبد الله سلوم السامرائي وزكي خيري والدكتور ماجد عبد الرضا ومحيى الدين زنكنه ونصير النهر والدكتور إبراهيم كبه وحسام داؤود خضر ومحيى أبو حمزة والفريد سمعان والدكتور مكرم الطالباني ونوري عبد الرزاق حسين وعلي محمد ألنوري وعبد الرزاق الصافي وعبد المسيح ثروت ومجيد الراضي وعبد الصمد خانقاه وبهنام بطرس ومصطفى عبد الله وبشرى برتو والدكتور كاظم حبيب ومهدي النجار والدكتور عبد الإله الصائغ وعبد الجبار الدوري وعبد اللطيف الشواف وحسيب قره داغي والدكتور هاشم الطعان وكرم الخطاب والدكتور زهدي الداؤودي ومحمد علي الخفاجي وحسين ألجليلي والدكتور كمال مظهر احمد وسليم عبد الأمير حمدان وحكمت محمد فرحان وسامي محمد وعدنان حسين وهادي الربيعي وإبراهيم احمد وياسين النصير وإدريس كوكس وعلي يعته والدكتور صفاء الحافظ وبهاء الدين نوري ومحمد الازرقي والدكتور عبد اللطيف الراوي وحسين محمد سعيد ومما يلحظ في هذه الأسماء أن هناك كتابا من بعض البلدان العربية. كما اهتمت المجلة، شانها في كل مراحل تاريخها ، بالترجمة وبالنصوص الإبداعية من شعر وقصة وقصة قصيرة، كما تابعت النشاط الثقافي العراقي والعربي والعالمي وكان مما ركزت عليه المجلة قضايا التعليم والتعليم العالي والزراعة والتصنيع والنفط والجهاز الإداري والعمل النقابي والفعاليات الشبابية وقضايا النضال التحرري في العالم والأزمات المالية الرأسمالية وعلم الجمال والثقافة الكردية وتوجهاتها . ولم تكن عروض الكتب بعيدة عن اهتمامات محرري المجلة . وكان الدكتور صلاح خالص يكتب الافتتاحية ومنها افتتاحية بعنوان: " الأول من أيار عيد الطبقة العاملة"، وافتتاحية بعنوان : " في الذكرى الثانية للخامس من حزيران " وافتتاحية بعنوان : " بين ثورتين 30 حزيران 1920 و14 تموز 1958 ". وفي 1970 ظهر على المجلة ما يشير إلى أن صاحبها هو الدكتور صفاء الحافظ ورئيس تحريرها هو الدكتور صلاح خالص وبقيت الدكتور سعاد محمد خضر سكرتيرة للتحرير والفريد سمعان مديرا للإدارة. وبعد سنة ظهر اسم الدكتور مكرم الطالباني على انه رئيس التحرير، وكانت المجلة تطبع في مطبعة الشعب ببغداد، وبدأنا نلحظ بأن الافتتاحيات تنشر غفلا من التوقيع وفي نهاية الافتتاحية يرد ذكر الثقافة الجديدة. وفي سنة 1972 ورد في المجلة أن شمران الياسري هو مدير الإدارة .وقد اهتمت المجلة في هذه المرحلة بنشر الوثائق، ومما نشرته وثيقة تاريخية مهمة عن الوحدة والاتحاد العربي بقلم يوسف سلمان يوسف (فهد ) سبق أن نشرت في جريدة القاعدة في أيلول سنة 1943 ، كما نشرت نص قانون الحكم الذاتي لكردستان العراق الذي صدر سنة 1974، ونشرت بعضا من مذكرات الشيخ محمد رضا الشبيبي حول ثورة النجف 1918 وقد قام اسعد الشبيبي بإعدادها للنشر ومراجعتها .
وفي أواسط السبعينات من القرن الماضي ظلت الثقافة الجديدة تصدر بورق رخيص وبمواد غنية ، وكان صاحب الامتياز الدكتور صفاء الحافظ، أما رئيس التحرير فكان الدكتور مكرم جمال الطالباني ، وتولى إدارة التحرير شمران يوسف محسن الياسري . ومما قرأناه في أعدادها آنذاك ، مقالات ودراسات جادة ورصينة منها على سبيل المثال: ملاحظات عن مسيرة الإناث 1958-1978، الجذور الطبقية للعنصرية وطبيعتها، حماية البيئة من التلوث في البلدان الاشتراكية، هوامش على قانون الأحوال الشخصية ، تولستوي والنقد الأدبي، نحو ترسيخ وتطوير التحولات الاقتصادية والاجتماعية النقدية في الريف والزراعة العراقية ، والمغزى الاجتماعي والسياسي للتأميم في البلدان المحررة حديثا، حول نمط الإنتاج الأسيوي ، الأزمات الاقتصادية الرأسمالية ، في الفن الروائي والواقعية الجديدة ، دبلوماسية السلم وقضية تعريف العدوان في القانون الدولي ، المدخل إلى المنهج: نحو مواقع تاريخية في الفكر العربي الوسيط ، حول حركة الزنج والأصالة الثورية، تربية الأطفال قبل المدرسة في بعض البلدان الاشتراكية، السياسية الدولية والمعايير الأخلاقية ، من اجل اشتراكية نفطية في خدمة التنمية العربية الشاملة ، نزع السلاح مهمة ملحة، بواكير الحركة الوطنية والتقدمية في العراق في لقاء مع الأستاذ حسين جميل أجراه الدكتور صفاء الحافظ ،الواقعية الاشتراكية خطوة جديدة في التطور الفني للإنسان، الكلمة والبناء .. وأبو الطيب(المتنبي )، تنظيم المقاومة ضد مؤامرات الاستعمار الجديد، دراسات في الجبهة الوطنية، المثقفون والرأسمالية ، اتجاهات جديدة في الزراعة الاشتراكية ، التحالف بين الدولة والاحتكارات ، الرواية التسجيلية، الطبقة العاملة والمثقفون بمنظور الماركسية-اللينينية ، الفلسفة الوضعية هل هي فلسفة العلم حقاً، الأساس المادي لتطور منهج البحث التاريخي ومستلزمات المرحلة الراهنة، موقع الأهزوجة في حركة سوق الشيوخ، ديوان الأغاني الغجرية بين الكد والبحث المخلص، مقدمة في علم النفس الماركسية، التعليم العالي في ظل الاشتراكية ، المجلات الأدبية الثقافية سلاح فعّال بأيدي الشعوب، النفط من أجل التنمية، منهج ابن خلدون الفلسفي في البحث العلمي، هزائم الفاشية في أوربا وقطر اليمين المتطرف، المكننة الزراعية في العراق. ومن الذين حرروا المجلة في تلك المرحلة نعمان عبد الله، وحياة شرارة ورشدي العامل، وحسين ألجليلي وجود ت ألشمري، وانتصار جواد والدكتور محمد علي الماشطة، وعبد الهادي الراوي، وعزيز محمد، وخلف الدواح، والدكتور جعفر عبد الغني، والدكتور نمير العاني، والدكتور عبد المطلب صالح، والدكتور زهدي الداؤودي، وقاسم عبد الأمير عجام، وياسمين النصير، وعبد الزهرة العيفاوي، وعلي التلعفري، وشمران الياسري والدكتور كاظم المقدادي، وكريم مناحي الصريفي، وجاسم محمد الحلوائي، وعز الدين المناصرة ، وسليم عبد الأمير حمدان، ويحيى علوان، والدكتور خالد السلام، والدكتور كاظم حبيب، ومحمد الجزائري، والدكتور عصام الزعيم والدكتور حسين قاسم العزيز وأحمد صادق سعد والدكتور حسام يحيى الدين الآلوسي وهادي العلوي، وباقر إبراهيم وعزيز سباهي والدكتور عبد الحسين شعبان، ومدني صالح، وإبراهيم عبد الحسين، ومصطفى عبد الله والدكتور شريف أحمد طه.
تواصل مجلة الثقافة الجديدة في الوقت الحاضر صدورها ، ويترأس تحريرها الدكتور صالح ياسر ، ولها (مجلس تحرير) يضم الأساتذة حمدان يوسف وحيدر سعيد ورائد فهمي وزهير الجزائري وسامي خالد وسعدي يوسف وعزيز سباهي وغانم حمدون الفريد سمعان ومهدي محمد علي وهادي محمود .وللمجلة الآن موقع على الشبكة العالمية للمعلومات (الانترنت ) وهو (wwwalthakafaajadedacom) وتنشر من قبل دار الرواد للطباعة والنشر والإعلان، وعنوان المجلة ببغداد هو شارع أبو نؤاس ولها رقم إيداع في دار الكتب والوثائق هو 781 والاشتراك السنوي لستة أعداد 50 دولارا أو ما يعادلها و100 دولار للمؤسسات ، ويكتب فيها باحثون وكتّاب مهتمون بالفكر العلمي والثقافة التقدمية منهم الدكتور عامر حسن فيّاض، والدكتورة آمال شلاش ،والدكتور كاظم جواد لفتة ، والدكتور كاظم المقدادي، وعبد اللطيف زرنة جي، وعدنان الجنابي، وعلي رجب، والدكتور جليل العطية، ومهدي محمد علي، وفيصل لعيبي، وعبد الخالق محمود، وبلقيس حميد حسن، وسامي العامري، وفلاح ألجواهري، وكامل شياع، وكزار حنتوش، وعشتار محسن سعدون، وشاكر عبود، ووفاء عبد الرزاق، ورشيد طيوف ، وفاضل السوداني، وعزيز سباهي، وعلي العقابي، وهادي محمود، وجميل الشبيبي، ووليد جاسم الزبيدي، وصالح ياسر، وفائق بطي، ولطفي حاتم. وتصدر المجلة بين الفينة والأخرى ملفات متخصصة منها الديمقراطية والتجديد في الحزب الشيوعي العراقي ، وملف النفط وخيارات المستقبل وملف مجلس الحكم.
إذا كانت المجلة في مراحل تأسيسها وتطورها الأولى تصدر بورق رخيص وبإخراج بسيط ، فإنها اليوم تصدر بورق صقيل وبإخراج جميل ، لكن المهم هو أن تظل المادة المكتوبة فيها تعبر عن هدف المجلة وهو تقديم كل ماهو مفيد وممتع لقرائها ومتابعي ماتنشره من مقالات ودراسات وتقارير وملفات ونصوص إبداعية وبحوث فكرية وثقافية وفنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وتربوية وسياسية .​

نقوس المهدي, ‏21/5/11 #25

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
أ. د. إبراهيم خليل العلاف
مجلة الأقلام العراقية
وتراث45 عاما من الفعل الثقافي




إذا كان المصريون يفخرون بأن لديهم مجلة الهلال التي ابتدأ صدورها منذ سنة 1892 وحتى الوقت الحاضر, فأن من حق العراقيين أن يفخروا كذلك بان مجلة الأقلام التي صدر عددها الأول في أيلول-سبتمبر 1964 لاتزال مستمرة على الصدور, واعترف أنا شخصيا بمحبتي لمجلة الأقلام واعتزازي بها واحتفاظي بأعداد كبيرة منها, ويقينا أن سر ديمومتها واستمراريتها في الصدور أمر غير مألوف في بلادنا ولعل رصانتها وتشبثها بالبعد عن الأجواء السياسية قدر الإمكان كان وراء هذا الإصدار على أن تظل الأقلام مشرعة من اجل ثقافة متنوعة وشاملة تلبي احتياجات أذواق الكثير من المثقفين العراقيين وغير العراقيين ..​

إن استمرار الأقلام في الصدور أمر يفرح القلب ويجعل المرء يطمئن إلى أن ثمة من يحرص على ديمومة التواصل والحفاظ على كل شئ جميل ومفيد للعراق.. وعن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد صدر عدد جديد من المجلة وهو يحفل بدراسات متنوعة لكتاب وأدباء ومثقفين عرفتهم المجلة منذ سنوات بعيدة أو لم تعرفهم من قبل . ​

الأستاذ جعفر الكواز، سبق أن اصدر ( فهارس مجلة الأقلام ) للسنوات الواقعة بين 1964 و1975 وقد طبعت الفهارس في دار الجاحظ للنشر التابعة لوزارة الثقافة والإعلام سنة 1981 وقال إن هذه الفهارس تمثل العقد الأول من عمر المجلة وحبذا لو يتصدى احد من الباحثين والمهتمين بعلم المكتبات لإكمال فهارس المجلة عبر العقود التالية الممتدة من 1976 وحتى 2006 ..​

صدر العدد الأول من مجلة الأقلام في شهر أيلول 1964 . وجاء في ترويستها أنها " مجلة فكرية عامة تصدرها وزارة الثقافة والإرشاد " ( الثقافة والإعلام فيما بعد ثم الثقافة حاليا ).. وكان مقياس المجلة عندما صدرت 17 سم في 22 سم ثم تبدل هذا المقياس اعتبارا من العدد التاسع , السنة السادسة , آب 1970 واصبح22سم في 29سم .. والمجلة مسجلة بمصلحة البريد والبرق والتلفون رقم 73 وخلال العقد الأول من عمر المجلة (1964 - 1975) صدر منها 118 عددا كتب فيها 1123 كاتبا . كما أصدرت خلال هذه المدة أعدادا خاصة احدها صدر سنة 1974 لمناسبة انعقاد مهرجان المربد الشعري الثالث في البصرة (نيسان 1974).​

ليس من مهمتنا في هذا الحيز المقتضب أن نؤرخ للمجلة , فهي تحتاج فعلا إلى دراسة أكاديمية علمية , ولكن ما نبتغيه هو أن نلفت النظر إلى أهمية هذه المجلة ودورها ليس في تطور حركة الثقافة العراقية والمعاصرة وحسب بل والثقافة العربية كذلك ..​

خلال السنوات الأولى شارك في إدارة هذه المجلة نخبة من الأساتذة والكتاب الكبار نذكر منهم على سبيل المثال, الأساتذة الدكتور جميل سعيد, والدكتور احمد مطلوب, والدكتور عبد الرحمن خالد القيسي والدكتور عبد الهادي محبوبة, والدكتور يوسف عز الدين والشاعر سعدي يوسف, والشاعرة نازك الملائكة والشاعر نعمان ماهر الكنعاني, والقاص عبدالرحمن مجيد الربيعي, والأستاذ الباحث التراثي عبد الحميد العلوجي, والدكتور فيصل الوائلي والشاعر عبد الوهاب البياتي. كما كتب فيها نخبة من المؤرخين والباحثين والكتاب والمبدعين رحل عدد كبير منهم, وهم احمد الصافي ألنجفي وادمون صبري, وحسين مردان, وسميرة عزام, وشاذل طاقة وعلي ألخاقاني, ومصطفى جواد, وهاشم محمد الخطاط, ويوسف السباعي وأم نزار الملائكة, واحمد المهنا, ومحمد جواد علوش رحمهم الله جميعا ..​

كانت هناك في المجلة لقاءات مع فنانين كبار أمثال إسماعيل الشيخلي, وأكرم شكري, وحافظ الدروبي, وشاكر حسن آل سعيد, وعطا صبري وفائق حسن, وفرج عبو, ونزيهة سليم. كما تضمنت أعداد المجلة مناقشة لقضايا وإشكاليات فكرية وأدبية, منها على سبيل المثال " الأدب النسوي في العراق ", و" التراث العربي وطريقة إعادة بنائه ", و" الرواية في العراق ", و" اللغة الأدبية ومسألة تطويرها " وقد أسهم في هذه المناقشات أساتذة وشعراء معروفين منهم لميعة عباس عمارة , وسعدي يوسف, ومحمد جميل شلش وحسين علي محفوظ, وهادي العلوي , وهاشم الطعان, وشفيق الكمالي وصلاح خالص, وفاضل العزاوي ونوري حمودي القيسي, وفيصل السامر, وعناد غزوان, جبرا إبراهيم جبرا .​

كما نشرت المجلة نصوص مسرحيات مهمة وجد بعضها طريقه إلى المسرح منها آدابا, والكترا, والسيانكي, والآمر والمأمور, وشهرزاد, والمحارة واللؤلؤة, وميديا, وفوق رصيف الرفض, والبعد, وصرخة العنقاء. وقد تابعت المجلة شؤون المكتبات في العراق. كما دعت إلى إحياء تراث السيرة.. واهتمت بالنقد, وقيمت الاتجاهات النقدية, ونشرت دراسات مهمة في هذا المجال منها: " محاولة نقد القصة ", و" المدرسة الحديثة في النقد ", و " النقد الأدبي بين الحرية والالتزام " و" رأي في المنهج النقدي للتاريخ " و" دفاع عن النقد النفسي ". وفي معرض الرأي وجهت المجلة أسئلة لمجموعة من الأدباء حول قضايا فكرية وثقافية , ومنها " اشتراكية الثقافة " و" في التراث العربي " و" فنون الأدب والمستقبل " و" وتراثنا الموسيقي" أسهم فيها كل من الدكتور صالح احمد العلي والدكتور ياسين خليل والشيخ جلال الحنفي والدكتور احمد شاكر شلال والأستاذ محمد خلف الله احمد والأستاذ عبداللطيف شراره والأستاذ عبد الكريم العلاف ..​

وتزخر أعداد المجلة بنصوص لقصص عراقية عديدة منها " الأبدية " و" الأبيض والأصفر " و" الأصوات " و" الآنسة الصغيرة " و" بحثا عن مدينة أخرى " و" بعد حفلة راقصة " و" البناية رقم 67 " و" البيت الجديد " .
اهتمت المجلة بقضايا اجتماعية , ونشرت مقالات حول " اختلالات البيئة العامة المسببة للسلوك الإجرامي " و" الضمان الاجتماعي في الإسلام " و" هل السجن مدرسة للإجرام " ..​

وفي ميدان الدراسات الإسلامية نشرت مقالات حول " اختلاف الناس في فهم القران " و" المخطط العام لسورة البقرة " و" الولاية في الإسلام " . وفي مسائل الاشتراكية نشرت مقالات حول " الاشتراكية العربية " و" مفهوم التطبيق الاشتراكي " و" الاشتراكية والفن والإنسان ". وفي الإعلام نشرت مقالات عن " الإعلام العربي: واقعه ومهامه " و" لغة الإعلام الإذاعي " و" المفاهيم الثلاثة لحرية الصحافة ". وللاقتصاد نصيب كبير من اهتمام المجلة ثمة مقالات عديدة منها " حول التطور اللارأسمالي " و" مسائل نظرية حول النمط العمودي للإنتاج " .​

وللتاريخ والجغرافية والرحلات حصة كبيرة من صفحات المجلة فهناك عبر السنوات الطويلة من عمر المجلة مقالات تزيد عن ال (200) مقالة.. واهتمت المجلة كذلك بقضايا التراجم والسير, والتراث, والموسيقى, والقانون, والفنون التشكيلية, وعلم النفس, والعمارة واللغة والأدب والمخطوطات والمعاجم والكتب والقومية والطرق والمذاهب والفهارس والمعاجم ..​

أسهم في الكتابة للمجلة أدباء وكتاب ومؤرخون وشعراء وأساتذة متخصصون في علوم مختلفة, وليس من السهولة رصد كل من كتب في مجلة الأقلام فالعدد كما قلنا يزيد على أل (1000) كاتب وباحث.. لكن مما يمكننا قوله في ختام هذه المقالة, ان المجلة تعد مصدرا مهما من مصادر دراسة الثقافة العراقية المعاصرة منذ أواسط الستينات من القرن الماضي وحتى يومنا.. وفوق هذا وذاك فهي مرآة لما كان يدور على الساحة الأدبية والثقافية والفكرية العراقية مما سيبطل كل ادعاء بأن الساحة كانت ضيقة ومحدودة, ومقتصرة على نمط واحد من الإعمال الفكرية والأدبية والسياسية والفكرية .​

نقوس المهدي, ‏25/5/11 #26

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
أ. د. إبراهيم خليل العلاف
سامي طه الحافظ
ورحلته مع الصحافة الموصلية





سامي طه الحافظ ( 1933-1994 )، رحمه الله، صحفي وكاتب وقاص، كانت له بصمات واضحة في بنيان الصحافة الموصلية والعراقية من آثاره : قطار الظلام 1955 (قصص)، ألما عنده فلس 1963 (مسرحية)، صورة المرحوم 1971 (مسرحية)، 4-1=3، 1974 (مسرحية)، الحمام 1972 (مسرحية)،أتاحت له فرصة مرور (100) سنة على نشأة الصحافة الموصلية ليكتب مقالاً مهما بعنوان :( تجربة صحفي بلا هوية.. جوانب مضيئة في الصحافة الموصلية 1953_1988)، في جريدة الحدباء (الموصلية) بعددها الصادر في 6 حزيران 1989 ولأهمية المقال_الوثيقة، يسعدنا اليوم أن تقف عنده مبتغين إلقاء الضوء على واحدة من التجارب الصحفية الثرية.

ومما قاله في المقال إن الصحافة الموصلية خلال مسيرتها الطويلة منذ صدور جريدة الموصل في 25 حزيران 1885 تميزت بتنوعها ، وكثرة أعدادها إلى جانب مواضيعها الجادة والمتنوعة. وقد ظهر منذ ذلك الوقت صحفيون وكتاب يشار أليهم بالبنان أمثال الأساتذة إبراهيم ألجلبي وولديه محمود واحمد سامي، وعبدالباسط يونس وغربي الحاج احمد ومحي الدين أبو الخطاب ومحمود مفتي الشافعية .. ويضيف أن بداية عمله الصحفي كان في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وفي المدرسة الثانوية الشرقية حيث قام وأعضاء لجنة الخطابة بإصدار نشرة مدرسية بعنوان : (النبراس) وبأشراف مدرس اللغة العربية آنذاك الأستاذ محمود نوري. كما أسهم في الكتابة لمجلة (الإلهام) التي أصدرتها الإعدادية المركزية. وقد نظمت المجلة مسابقة للقصة القصيرة بأشراف الأستاذ شاذل طاقة، وشارك الحافظ بالمسابقة بقصته (بقايا رماد) التي فازت بالجائزة الأولى، ومنذئذ اخذ يطرق باب النشر في صحف الموصل وأهمها صحف عبدالباسط يونس (الهدف) و(الفجر) و(المثال) و(العاصفة) و(الراية) و(وحي القلم) و(النضال) للأستاذ غربي الحاج احمد و(فتى العراق) لصاحبها إبراهيم ألجلبي،و(الأديب) للأستاذ محي الدين أبو الخطاب و( الهدى) للأستاذ سامي الخطيب و(صدى الاشتراكيين) للأستاذ جار الله أيوب العلاف و(البرهان) للأستاذ عبدالله محمد الصوفي و(الأساس) للأستاذ أمين عبدالله اغا و(الذكرى) للأستاذ احمد الحاج إسماعيل و(الفنار) للأستاذ عدنان النقيب و(الحقيقة) للأستاذ لطفي العبيدي و(صوت الأمة) للأستاذ نجيب ادمون و(الوميض) للأستاذ رمزي العمري و(الواقع) للأستاذ محمود النعيمي و(الأهالي) للأستاذ يوسف الحاج اليأس و(الشبيبة) للأستاذ بشير مصطفى و(الحقيقة) جرجيس فتح الله و(مجلة الثقافة) للأستاذ عبدالله احمد الدبوني.

قدم الأستاذ سامي طه الحافظ مجموعة من قصصه للنشر في جريدة نصير الحق، والطريف إن اسمه الحقيقي كان يظهر إلى جانب عبارة (الأديب الناشئ) وكان يغتاظ من ذلك لكنه كان مضطرا لقبول ذلك على مضض!! .
وعن علاقته بجريدة فتى العراق يقول انه انتقل بعد (نصير الحق) و(الراية) إلى جريدة فتى العراق، واختار موضوعا غريبا وملفتا للنظر لنشره في جريدة فتى العراق لأول مرة، فلقد أصدر الشاعر محمود المحروق ديوانه الشعري(قيثارة الريح)، فكتب له نقدا قال فيه أن زمن تغريد البلابل قد ولى ولابد أن يكون شعرنا معبرا عن الحالة المأسوية التي تعيشها الأمة العربية بعد ضياع فلسطين وكان موضوعه :(البلبل في القفص). وقد أثار الموضوع بعد نشره جدلاً لدى الأوساط الأدبية، ونشر الشاعر هاشم الطعان رداً أيد فيه وجهة نظر المحروق.. واشترك في الحوار حول الموضوع شعراء آخرين منهم: احمد محمد المختار وعبد الغفار الصائغ وبعد انتقل الأستاذ سامي طه الحافظ لتحرير صحيفة الأسرة في جريدة فتى العراق، كما حرر عمود (صور وألوان) بالمشاركة مع محمود ألجلبي، وعبد الغفار الصائغ و عبد الحميد التحافي واحمد سامي ألجلبي، وذو النون شهاب وعدنان محمد شيت وعدنان الأمام،وافرد له سكرتير التحرير آنذاك تحرير صفحة كاملة بعنوان: ( حصاد الأسبوع)، ينشر فيها مواضيع أدبية واجتماعية ومن الذين نشر لهم في صفحته الأستاذ باسم عبد الحميد حمودي، والأستاذ احمد فياض ألمفرجي.
سافر الأستاذ سامي طه الحافظ إلى بغداد، ودخل كلية الآداب_جامعة بغداد، وهناك التقى عددا من الأدباء والشعراء والكتاب منهم موفق خضر وسامي مهدي وغازي ألعبادي وإبراهيم الزبيدي وخضر الولي.. لكن ظروفه العائلية لم تكن على مايرام فقطع دراسته وعاد إلى الموصل والتحقق بالدورة التربوية. وعندئذ خصص له سكرتير تحرير جريدة فتى العراق الأستاذ احمد سامي ألجلبي، رحمه الله، صفحة كاملة للقصة القصيرة وقد وضع الحافظ خطة واضحة وهي انه كان يختار ثلاث قصص لنشرها. كما نظم مسابقة للقصة القصيرة وتقدم قرابة (50) من كتاب القصة للمشاركة وبعد إعلان النتائج فاز بالجائزة الأولى (معن عبد القادر آل زكر) وبالجائزة الثانية (خير الدين سلطان محمد) وبالجائزة الثالثة (طلال حسن عبد الرحمن) كما منحت لجنة التحكيم جوائز تقديرية لعشر قصص أخرى ومن جملة من فاز بها (حسب الله يحيى) و(طلال مجيد) و(تغريد ألجلبي) . كما أفسح الحافظ المجال لكتاب جدد اغنوا صفحته بنتاجاتهم منهم (أنور عبد العزيز) و (سالم العزاوي) و(عبد الوهاب ألنعيمي) رحمه الله، و(سالم حسين).

وقد تشكلت خلال هذه المرحلة رابطة ثقافية أطلق عليها (رابطة الفتى) ضمت كتاب جريدة فتى العراق الدائميين من الذين تفرغوا لمتابعة حركة الثقافة العراقية والعربية المعاصرة وكان من ابرز من انتمى إلى هذه الرابطة (احمد سامي ألجلبي) و(عبد الغفار الصائغ) و(عبد الحميد اللاوند) و(احمد محمد المختار) و(عبد الحميد التحافي)، وتخصص كل واحد من هؤلاء في متابعة لون من ألوان الثقافة ، فالحلبي والصائغ تخصصا بمتابعة المقالات التي ترد الى الجريدة وتحديد مدى صلاحيتها للنشر في حين تخصص اللاوند والتحافي بقراءة القصص القصيرة, وقد استمرت الرابطة في عملها حتى توقفت الجريدة عن الصدور أواخر الستينات من القرن الماضي.

ويتحدث الحافظ عن جماعة (رواد الأدب والحياة) ويسميهم (رواد الأدب والحياة) فيقول أن مجموعة من الأدباء شكلوا تجمعاً أدبيا أسموه (رواد الأدب والحياة) وهم شاذل طاقة وغانم الدباغ ومحمود المحروق وهاشم الطعان ثم انضم إليهم فيما بعد عبد الواحد لؤلؤة وعبد الحليم اللاوند ،وهدفهم تقديم كتابات أدبية ذات قيمة فنية عالية ،واتخذوا من جريدة الراية لصاحبها الصحفي الرائد عبدالباسط يونس منبرا لنشر كتاباتهم وآرائهم.

ومما يذكره الحافظ أن الأدباء والكتاب في الموصل كانوا يتواجدون في إدارات الصحف وفي المقاهي، ومنها مقهى رأس الجسر القديم، ومقهى عبد هبرايا، ومقهى احمد باري، ومقهى طاهرو.

وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، تعاظم التيار القومي، وأخذت الصحف الموصلية تدعو إلى الوحدة وجمع الشمل العربي، وظهرت صفحات خاصة تعبر عن وجهة نظر قومية، كان من كتابها عبد الغفار الصائغ وحكمت البزاز وارشد توفيق وقحطان محجوب وادهام هادي وذنون الاطرقجي وبشرى البستاني واحمد محمد المختار وعبد الحليم اللاوند. كما أخذت أفكار رواد الأدب والحياة تأخذ طابعا آخرا لمناهضة السلطة الملكية.
وبعد حدوث ثورة 14 تموز 1958 وسقوط النظام الملكي وتأسيس جمهورية العراق سافر الحافظ إلى بغداد لإجراء بعض التحقيقات الصحفية التي نشرتها فيما بعد جريدة فتى العراق. ومنذ أوائل الستينات من القرن الماضي، صدرت صحف جديدة منها: نداء الجماهير لسعدالله الحسيني، والفكر العربي لأحمد عبد الله الحسو، وقد برز كتاب جدد تعمقت تجربتهم منهم محمود جنداري ونجمان ياسين وسيف الدين الجراح وحازم شيت وبشير يحيى ومحمود فوزي الصراف وعبد الوهاب ألنعيمي و محمد نوري عبد القادر وسالم حسين وصالح العارف وإبراهيم الجبوري وذو النون الاطرقجي وموفق الكاتب وصلاح الدين احمد وسالم العزاوي ومعن عبد القادر وعبد الحميد التكريتي .كما احتوت جريدة الفكر العربي عددا من الكتاب الذين اهتموا بالتراث والفكر العربي والإسلامي منهم احمد عبد الله الحسو وشقيقه محمد وعماد الدين خليل ومحمد علي الياس العدواني وسالم عبد الرزاق.

وتفردت جريدة فتى العراق بتخصيص صفحة جديدة بعنوان (الفكر الحر) واحتوت الصفحة كتابات (تدعو للغد المرتقب) ومن ابرز كتابها :احمد محمد المختار وقحطان محجوب وادهام هادي وعبد الحليم اللاوند وحكمت البزاز . وبين صيف 1963 وصيف 1967 كتب الحافظ عدة تحقيقات عن سفرته إلى لبنان نشرها في جريدة فتى العراق وتحت تأثير نكسة حزيران 1967 نشر الحافظ سلسلة مقالات عن مااسماه معاول الهدم وعد أم كلثوم واحدة من هذه المعاول،لكن الشعراء سرعان مااعربوا عن سخطهم، واتهموا كاتب المقالات بالجهل.

وبعد تموز 1968 صدرت في الموصل جريدة الرسالة، وكان صاحب امتيازها سالم محمد غزال الطائي، وقد استهدفت الجريدة إحياء الحركة الثقافية في الموصل ومن كتابها نجمان ياسين وعبد الوهاب إسماعيل وحيدر محمود عبد الرزاق وامجد محمد سعيد وذوالنون الاطرقجي وبشرى البستاني وارشد توفيق وقحطان محجوب وثامر معيو ف وسالم الخباز. كما صدرت مجلة (الموصل اليوم)، لبلدية الموصل وانضم إلى تحريرها مجموعة من الكتاب منهم فوزي الغريري وعبد الرحمن الصراف ولؤي الزهيري ومؤيد الياس بكر.. كما صدرت جريدة (التعاون) لسان حال جمعية بناء المساكن للموظفين الصحيين ومديرها محمد سعيد ذنون ، وكتب فيها الحافظ.. وصدرت جريدة (نصير العمال) لسان حال نقابات العمال ومديرها فيصل الطائي واهتمت بقضايا العمال وتشريعاتهم، ومن الصحف والمجلات التي صدرت في السبعينات مجلتين الفكر المسيحي وبين النهرين وكان لجامعة الموصل مجلاتها الأكاديمية منها آداب الرافدين وهندسة الرافدين والتربية والعلم والجامعة.. كما أصدرت الجامعة مجلة ثقافية عامة هي مجلة الجامعة وكان هدفها تعميق الوعي وإقامة حوار بناء بين الجامعة والمجتمع.. وقدمت المجلة دراسات علمية وثقافية وكان من ابرز كتابها الدكتور عمر الطالب والدكتور إبراهيم خليل العلاف والدكتور هاشم يحيى الملاح والدكتور نجمان ياسين والدكتور عوني عبد الرحمن السبعاوي. كما انفتحت الجامعة على كتاب من خارجها منهم عبد الحليم اللاوند واحمد محمد المختار وامجد محمد سعيد وحيدر محمود عبد الرزاق ومعد الجبوري وغيرهم .

وفي سنة 1976 دعا عبد الوهاب ألنعيمي (رحمة الله) سكرتير مجلة غرفة تجارة الموصل، الحافظ للإسهام في الكتابة في المجلة وفعلا أسهم في التحرير حتى سنة 1979 وكان من كتابها الدكتور محمد أزهر السماك وزهير المفتي وربيع ألنعيمي. كما أسهم الحافظ في مجلة النبراس التي أصدرتها المديرية العامة للتربية في محافظة نينوى.

وبعد صدور جريدة الحدباء في 27 مايس 1979 دعا رئيس التحرير الأستاذ الدكتور محي الدين توفيق ،الحافظ للكتابة وباشر بعملة في زاوية (مع الناس) وباسم مستعار.. وأخيرا استقرت اغلب موضوعاته في الصفحة الأخيرة، حيث كتب في زوايا (محطات مضيئة)و( نظرة من الماضي القريب) و(فنار). ويرى الحافظ في جريدة الحدباء أنها تعد: (مدرسة أدبية تخرج منها وبصورة مستمرة عدد طيب من الأدباء والكتاب، خاصة، وأنها فتحت أمام الكتابات الشابة مجالا واسعاً).

لقد وفق الحافظ، حقا، في إضاءة بعض الجوانب المهمة عن الصحافة الموصلية ومشاركاته الرائعة فيها خلال أكثر من (30) سنة..ويقينا انه استند الى وثائق وقصاصات ، احتفظ بها في مكتبته ، فضلا عن بعض المعلومات التي استقاها من عدد من زملائه الصحفيين أمثال الأساتذة غربي الحاج احمد، واحمد سامي ألجلبي، وعبد الباسط يونس، كما اعتمد على ذاكرته "وبذلك قدم لنا الحافظ إضافة نوعية عن ما كنا نعرفه عن التاريخ الطويل للصحافة الموصلية المعاصرة.​

نقوس المهدي, ‏18/7/11 #27

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
أ. د. إبراهيم خليل العلاف
جريدة الزوراء(البغدادية )
مصدراً لتاريخ العراق الحديث
 ​



في أي محاولة للكتابة في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، تمثل الصحف، إلى جانب الوثائق والكتب والمذكرات الشخصية أهمية بارزة كمصدر لاغنى عنه للمؤرخ،ولعل ذلك يأتي من ناحيتين اولهما: إن الفترة المنقضية بين وقوع الحدث التاريخي وتسجيله صحفيا، هي في العادة قصيرة. وثانيهما إن الصحافة تعكس أكثر من غيرها، أراء الناس ومشكلاتهم وحقيقة واقعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

وفي جريدة الزوراء، التي صدر عددها الأول ببغداد صبيحة يوم الثلاثاء 15 حزيران عام 1869، ثروة زاخرة من المعلومات والحقائق والآراء التي تعكس حركة المجتمع البغدادي خاصة، والعراقي عامة خلال حقبة مهمة من تاريخ العراق الحديث. امتدت منذ عهد مدحت باشا (1869_1872) وحتى الاحتلال البريطاني لبغداد يوم 11 آذار 1917. ولكون جريدة الزوراء قد احتوت البيانات الحكومية ونصوص المراسيم والقوانين. فضلا عن اهتمامها بالأخبار والأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية وبابا لانتقادات القراء ورسائلهم، فأنها تعد ابرز مصدر يعتمد عليه المؤرخ في الكتابة عن تاريخ العراق، في الخمسين سنة الأخيرة من عهد السيطرة العثمانية.

إن تاريخ جريدة الزوراء يرتبط بإنشاء أول مطبعة إليه في بغداد، سنة 1869، وهي المطبعة التي جلبها الوالي مدحت باشا بنفسه(1869-1872 )، حيث وصل بغداد. وقد بلغ ما صدر من الزوراء ابتداءا من عددها الأول وحتى عددها الأخير الذي صدر في 13 آذار 1917 (2607) إعداد. وكانت تصدر بأربع صفحات من الحجم المتوسط مقاس (43سم 27سم): صفحتان باللغة العربية وصفحتان باللغة التركية .وتعد مقدمة العدد الأول من الجريدة بمثابة المفتاح الأساس لدراسة تاريخها.. وفي المقدمة توضيح لأهدافها وأسباب صدورها وفلسفتها المستقبلية .. فضلا عن أنها عكست إبعاد شروع مدحت باشا لتحديث العراق وإصلاح اوضاعه العامة.

لقد اعتادت الزوراء نشر نصوص الفرامين (المراسيم) التي يعيين بموجبها ولاة بغداد واعتادت كذلك نشر خطبهم عند تسلمهم الولاية .. وكانت هذه الخطب بمثابة المنهاج الوزاري في أيامنا المعاصرة. وكان لتأثير مدحت باشا بأفكار الثورة الفرنسية وتحمسه للحرية والمساواة، اثر كبير في أن تعكس الجريدة قدرة المثقفين العراقيين آنذاك لنقد حكامهم وأوضاعهم العامة على صفحات الجريدة وقد ظهر ذلك واضحا في أعدادها الأولى خاصة.

ولقد ساهم في تحرير الزوراء عدد من الأدباء والمثقفين العراقيين وقسم منهم تولى ادراتها أو تحريرها نذكر من هؤلاء احمد عزت محمود العمري الموصلي واحمد الشاوي وجميل صدقي الزهاوي وطه الشواف ومحمود شكري الالوسي وفهمي المدرس ومعروف الرصافي.. وكان في جريدة الزوراء كأي جريدة متقدمة أقسام للتحرير والترجمة والترتيب . وفوق هذا فإنها كانت تتابع من خلال أعدادها حركات العشائر ونصوص المعاهدات والأوامر السلطانية وعلاقات العراق بالدول المجاورة ولم تهمل السياسة الدولية .. وكانت تنقل بعض أخبارها من صحف اسطنبول وباريس ولندن .. كما اعتمدت في معظم أخبارها الخارجية على برقيات وكالات الأنباء (الاجانسي ) الأجنبية والفرنسية منها على وجه الخصوص .

واهتمت الزوراء بأخبار تطوير أوضاع ولاية بغداد والذي ظهر ذلك من خلال تشكيل لجان خاصة بأمر من السلطة المركزية للبحث في سبل وأسباب الأعمار الذي كانت تحتاج إلية بغداد، على حد تعبير الجريدة آنذاك. وكثيرا مااهتمت بمتابعة مظاهر التأخر الذي كانت تعانيه بغداد.. فعلى سبيل المثال أشارت إلى قدم وتخلف وسائل الإنتاج المستخدمة آنذاك ولجأت إلى أسلوب التهكم والسخرية عند تناولها هذه المسائل..

واهتمت الزوراء بوسائل المواصلات وخطوط التلغراف والسفن التجارية (الوابورات) التي كانت تمخر عباب نهري دجلة والفرات أو التي كانت تروح وتغدو إلى دار السعادة أي استانبول. وفي الجريدة أسماء هذه السفن ومواعيد تحركها ومقدار حمولتها.. وانصرفت الجريدة لمتابعة أخبار مشروع سكتي حديد بغداد والحجاز.. وناشدت المسؤولين والأهالي على اقتناء المخترعات الحديثة.

واستأثرت المشاكل الاجتماعية باهتمام الزوراء وتابعت أخبار القضاء والمحاكم والضرائب والبلدية ودعت إلى ضرورة تغطية أحياء بغداد بأنابيب المياه وتبليط الشوارع العامة وكرست الزوراء العديد من صفحاتها لشؤون الصحة ودعوة الأهالي إلى اتخاذ الاحتياجات أثناء انتشار الأمراض والأوبئة.
ونالت قضايا التربية والتعليم والثقافة اهتمام الزوراء، وعكست جانبا من انتقادات المثقفين العراقيين للسياسة التعليمية العثمانية والمتمثلة بإهمال التعليم ورداءة طرق التدريس السائدة في المدارس وعدم قدرة المدارس التي كانت موجودة على تلبية احتياجات المجتمع العراقي وتابعت الزوراء أنباء احتجاج وجهاء ومثقفي بغداد على قرار غلق مدرسة (كلية) الحقوق سنة 1912، هذه الكلية التي فتحت سنة 1908 بحجة أنها أصبحت بؤرة للفكرة القومي العربي المضاد للدولة العثمانية.

وتفيدنا الزوراء في متابعة أخبار حركة التنقيب عن الآثار، وتكشف المعلومات التي نشرتها جانبا من صراع القوى الاستعمارية الأوربية حول آثار العراق والنهب الذي تعرضت له هذه الآثار.

ومن خلال الزوراء نتعرف على مكتبات بغداد العامة والخاصة ومن الطريف أنها تبنت رغبة بعض الأدباء والكتاب في دعم وتحقيق ونشر المخطوطات التراثية. كما تولت نشر قصائد الشعراء المعروفين آنذاك..

ومن هنا فهي تعد مصدرا لتاريخ الأدب العراقي الحديث وتياراته.

والزوراء مصدر مهم لمعرفة الكثير من المفردات والألفاظ والمصطلحات والتسميات التي كانت شائعة في العراق أبان السيطرة العثمانية.. ومعظمها غريبة عن اللغة العربية.. ومن هذه المفردات: البر وغرام (المنهاج) والبوستة (البريد) والبولتيقة (السياسة) والقونطوراتو (العقد).

والزوراء كذلك تعد مصدرا لمعرفة معلومات طيبة عن الأبنية والمؤسسات والمنشات المعمارية (المدنية والعسكرية) التي كانت موجودة في بغداد آنذاك.. ومن ذلك قشلة العسكرية والحداد خانة والحديقة الملية( العامة ) وخستخانة(مستشفى ) الغرباء وليمان دائرة سي(السجن ). ونستفيد من الزوراء في معرفة إحصاءات سكان بغداد إبان السيطرة العثمانية.

ونتعرف من خلال صفحاتها على أساليب التجار والحرفيين والأطباء في الإعلان عن أعمالهم ومنتجاتهم..

وأخيرا فان الزوراء مصدر مهم لمعرفة بعض المعلومات والأخبار عن علاقات العراق والدولة العثمانية مع دول العالم وأقطاره، ونتعرف من خلالها على أن بغداد كانت تضم قنصليات أجنبية كثيرة، منها القنصلية البريطانية، القنصلية الأمريكية، القنصلية الفرنسية، القنصلية الألمانية.

وهكذا فان الزوراء تعد مصدرا لتاريخ بغداد والعراق كله خلال الفترة الواقعة بين 1869 و1917.. وللأسف فإنها لم تحظ، لحد الآن بدراسة أكاديمية، لا من الناحية الفنية ولا من الناحية التاريخية.. وجدير بنا أن نوجه الأنظار إليها.. وهي متوفرة في دار الكتب والوثائق ببغداد ذلك أن توجيه الأنظار والاحتفاء بها ودراستها.. يعد في ، اعتقادنا، مسالة علمية ووطنية جديرة بالاحترام والتقدير.​

نقوس المهدي, ‏18/7/11 #28

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
أ. د. إبراهيم خليل العلاف
جريدة جكه باز الموصلية
أول جريدة هزلية في العراق!!





حين الفتُ كتابي ((نشأة الصحافة العربية في الموصل)) والذي طبعته جامعة الموصل سنة 1982، أشرت في الفصل الثالث وكان معنونا بـ "صحافة الموصل في عهد حكومة الاتحاديين 1908_1918"، إلى أن الموصل شهدت بعد الانقلاب العثماني الذي تم في 23 تموز سنة 1908، ظهور عدد لا بأس به من الصحف، فقد استمرت (جريدة موصل) التي صدر عددها الأول في 25 حزيران-يونيو 1885، وظهرت إلى جانبها ثلاث صحف هي نينوى (صدر عددها الأول في 15 تموز-يوليو 1909) والنجاح (صدر عددها الأول في 12 تشرين الثاني-نوفمبر 1910) وجكه باز.

وقد حصلت على جريدة الموصل، وكانت أعدادها محفوظة لدى المرحوم الأستاذ الدكتور محمد صديق ألجليلي ثم فقدت بعد وفاته للأسف الشديد ، وحصلت على جريدة النجاح لدى المرحوم الأستاذ حسن خير الدين العمري، إما جريدة نينوى فحصلت على إعدادها لدى المرحوم الأستاذ متي فتح الله سرسم، وبحثت عن جريدة جكة باز (وتلفظ بالتركية جنة باز أي الثرثار أو المهذار ) دون جدوى وسألت في حينه رائد الصحافة الموصلية في الخمسينات المرحوم الأستاذ عبد الباسط يونس ولم أجد جواباً.

كتبت في كتابي أنف الذكر عن (جريدة جنه باز) مانصه: ((وكان إلى جانب تلك الصحيفتين السياسيتين اللتان صدرتا بعد إعلان الدستور العثماني في 23 تموز 1908 جريدة هزلية تركية-عربية باسم (جنه باز) أي الثرثار، وقد ظهر عددها الأول في 27 حزيران-يونيو سنة 1911 ورئيس تحريرها عبد المجيد خيالي)) . وقد اعتمدت في هذه المعلومات على كتاب المرحوم عبد الرزاق الحسني (تاريخ الصحافة العراقية) الذي لم يذكر عن جريدة جنة باز غير تلك الأسطر القليلة.

وقد ذهبت في كتابي إلى أن صاحب جريدة جنة بار ((عبد الله جبناز وهو رجل موصلي نشر بيانا دعا فيه أهل البادية إلى القيام بثورة ضد العثمانيين، وقد بعث بنسج من هذا البيان إلى ديار بكر والسليمانية وكركوك واقضيه ولاية الموصل. وقد صادر والى ديار بكر عدة نسخ منه وعليها طابع بريد الموصل، فأرسل به إلى والي الموصل الذي أمر بتفتيش دار (عبد الله جنباز) وأرسل مخفورا إلى الأستانة ليحاكم أمام ديوان الإدارة العرفية بتهمة الإخلال بالأمن العام)) . وقد وردت هذه المعلومات في مجلة لغة العرب (البغدادية ) لصاحبها الأب انستاس الكر ملي ، العدد 35، السنة (3)، صفر 1332 (كانون الأول-ديسمبر 1914).

وقفت عند هذا الحد وانتظرت قرابة (6) سنوات، ولم أحصل على أي عدد من جريدة (جكة باز) .. وبعد أن سجل (وائل علي احمد النحاس) رسالته في قسم التاريخ بكلية الآداب /جامعة الموصل بعنوان : (( تاريخ الصحافة الموصلية 1926_1958)) وكانت بإشرافي، طلبت منه السعي للحصول على الجريدة وقد بحث طويلاً ولم يعثر إلا على عدد واحد منها وقد فرحت كثيرا بذلك وحمدت (الدكتور وائل) على اكتشافه وأكدت له أن ذلك دليل على علو همته واجتهاده وأخبرت المرحوم عبد الباسط يونس بذلك، فشاركني فرحتي.

ذكر الدكتور وائل علي احمد النحاس في رسالته أن جريدة جكة باز صدرت في الموصل بتاريخ 27 من حزيران سنة 1911 وقد جاء في ترويستها أنها: (جريدة سياسية علمية فنية أدبية، فكاهية) كان صاحب الامتياز والمدير المسؤول عنها (عبد المجيد خيالي).. احتوت الجريدة أربع صفحات اثنتان باللغة العربية واثنتان باللغة التركية، وضمت كل صفحة ثلاث أعمدة طويلة وحجم الجريدة كان (41*28سم).. والعدد الذي عثر عليه الدكتور وائل هو العدد (13) الصادر في 25 رمضان 1329هـ الموافق 6ايلول -سبتمبر 1911.

ومع أن الجريدة ثبتت في صدر صفحتها الأولى بالتركية أنها جريدة (مزاجي غزته در) أي جريدة فكاهية أو هزلية، لكنها وضعت هذه الصفة بعد عبارة (جريدة سياسية، علمية، فنية، أدبية)، لذلك وجدنا أن العدد الذي اشرنا إليه يضم مادة إخبارية كثيرة، كما انه ضم أبوابا عديدة منها (حوادث) (مقتطفات) و(انتقاد). وقد نشر في القسم التركي من الجريدة أنباء الترقيات، وفي باب حوادث أخبار عن رعايا الدولة العثمانية، وثمة أخبار عن تجريد حملة عسكرية ضد عشيرة شمر، وأخبار عن وضع الحدود العثمانية _الفارسية، وفي القسم الغربي ثمة مقال عن (مرض التيفوئيد في الموصل) كتبه رجل اسمه (فرج الله) وهناك أخبار عن اليمن ومصر والأناضول واستانبول نشرت تحت باب ((مقتطفات)).

لا نعرف متى توقفت (جريدة جكه باز) عن الصدور، إلا أن جريدة صدى بابل البغدادية لصاحبها داؤد صليوا (الموصلي) نشرت خبرا في عددها الصادرة يوم 5 تموز 1912 جاء فيه : ( وقفنا على خبر تعطيل جرائد الموصل لأسباب واهية يرفضها العقل السليم ويمجها الذوق السليم...)، وأضافت تقول : (قاتل الله الغايات وبخ بخ لها من جرائد حرة أوقفت نفسها خدمة للأمة والوطن!!، والجرائد الثلاثة التي احتجبت هي : ((نينوى، النجاح، جكة باز)) .ويبدو أن عوامل سياسية تتعلق بالصراع بين جماعة حزب الاتحاد والترقي التركي والمعارضة المتمثلة بالحزب الحر المعتدل وحزب الحرية والائتلاف، كانت وراء توقف تلك الصحف التي كانت، بحق علامة من علامات تنامي الوعي الدستوري المبكر في الموصل خاصة والعراق عامة .​

نقوس المهدي, ‏18/7/11 #29

عبدالله بن بريك
مبدع
أحييك أخي المهدي نقوس على كل ما تنتقيه من بستان معرفتك الرحب.

هل بالإمكان تحميل بعض أعداد مجلة "الآداب"(البيروتية) مابين عامي88و91 ؟

هو رجاءٌ فقط ، لا يُلزمك بأي وعدٍ..

تقبل عميق تقديري.

عبدالله بن بريك, ‏18/7/11 #30

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
مجلات رائدة
ص1......3​




ص1
- جابر عصفور : " فصـول "
- نقولا الزهـــر : مجلة الهلال المصرية بين اليوم والأمس
- شفاء محمد خير يوسف : فن المقالة في ع/1 من مجلة "الرسالة"(1)
- شفاء محمد خير يوسف : فن المقالة في ع/1 من مجلة "الرسالة"(2)
- شفاء محمد خير يوسف : فن المقالة في ع/1 من مجلة "الرسالة"(3)
- شفاء محمد خير يوسف : فن المقالة في ع/1 من مجلة "الرسالة"(4)
- أ. سامي خشبة : مجلة الآداب البيروتية: المرحلة الأولى (1953-1967)
- سهى شــــامية : جريدة «الكلب» لصاحبها صدقي إسماعيل
- سهى شــــامية : جريدة «الكلب» لصاحبها صدقي إسماعي
- ماريا الهـــاشم : «الكاتب المصري» والعميد والصهيونية
ص2
- افتتاحية مجلة أنفاس Souffles
- محمود الزيباوي : مـصـر السـافـرة
- محمود الورداني : ظاهرة جديدة تحملها مجلات قديمة
- شعبان يوسف : مجلة المقتطف.. جسر بين الشرق والغرب!
- الحبيب الجنحاني : دور المجلات الثقافية في دعم الهوية العربية الا
- ميمون صبيح : من تاريخ الصحافة العراقية "ليلى"
- معن عبد القادر آل زكريا : الصحافة الموصلية ريادة في المهنة...
- معن عبد القادر آل زكريا : الصحافة الموصلية ريادة في المهنة...
- الأستاذة زكية داوود : صرح من المعالم الثقافية المغربية
ص3
- ا. د. إبراهيم خليل العلاف : قاسم محمد الرجب(1917-1974 ) ومجلة المكتبة
أ. د. إبراهيم خليل العلاف : في الموصل صدرت أول مجلة اسمها "إكليل الورود"
أ. د. إبراهيم خليل العلاف : التراث الصحفي في العراق خلال الثلاثينات من القرن20
أ. د. إبراهيم خليل العلاف : مجلة الثقافة الجديدة فصل من تاريخ العراق الثقافي المعاصر
أ. د. إبراهيم خليل العلاف : مجلة الأقلام العراقية وتراث45 عاما من الفعل الثقافي
أ. د. إبراهيم خليل العلاف : سامي طه الحافظ ورحلته مع الصحافة الموصلية
أ. د. إبراهيم خليل العلاف : جريدة الزوراء(البغدادية ) مصدراً لتاريخ العراق الحديث
أ. د. إبراهيم خليل العلاف : جريدة جكه باز الموصلية أول جريدة هزلية في العراق!!​

نقوس المهدي, ‏18/7/11 #31

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
عبدالله بن بريك

أحييك أخي المهدي نقوس على كل ما تنتقيه من بستان معرفتك الرحب.
هل بالإمكان تحميل بعض أعداد مجلة "الآداب"(البيروتية) مابين عامي88و91 ؟
هو رجاءٌ فقط ، لا يُلزمك بأي وعدٍ..

تقبل عميق تقديري.
أنقر للتوسيع...


اعطر التحيات واجزلها اليك اخي السي عبدالله على تنويهك واطرائك عهلى هذا المنتخبات التي تعرض لجانب من تمرات مهنة المصاعب واعدك اني سوف اتطرق لجوانب ذات علاقة بمتصفحنا من هذه المجلة الرائدة التي اثتت مشهدنا الثقافي في زمن عزت فيه المجلات بسبب مشاكل التوزيع والنشر، وكانت فيه مجلة الاداب الى جانب مجلات "الاديب" البيروتية و"الطليعة" القومية الناصرية ومجلة "العربي" و"الهلال" و"أقلام" المغربية الى جانب مجلات "هنا لندن" "وموسكو" "وبراغ" "وبرلين" احدى اهم مكونات زادنا المعرفي

مودتي وتقديري الاخوي

نقوس المهدي, ‏18/7/11 #32

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة

أ. د. إبراهيم خليل العلاف
بولينا حسون ومجلة ليلى
وبدايات الصحافة النسائية في العراق




خطت دار الكتب والوثائق في العراق، خطوة مباركة، ومن خلال التعاون مع المكتبة الرقمية العالمية، عندما (رقمنت) (مجلة ليلى)، وهي أول مجلة نسائية تصدر في العراق، ففي اليوم الخامس عشر من تشرين الأول-أكتوبر سنة 1923، قامت السيدة بولينا حسون، بإصدار هذه المجلة، وسبب تسمية المجلة يرجع، كما تقول بولينا حسون، إلى أنها سمعت الشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي يلقي قصيدة في منتدى التهذيب ببغداد مطلعها :
إني بليلى مغرم وهي موطني
وعلي أقضي في غرامي بها نحبي
فهبطت الكلمتان( ليلى ) و(موطني ) على قلبي هبوط الوحي ،فاندفعت إلى تحلية المجلة بأسم (ليلى ) ، وقد كنت قبلها أريد أن اسمي المجلة (فتاة العراق ) .​

وبولينا حسون، تعد من قبل مؤرخي الصحافة العراقية، من رائدات الصحافة النسائية في العراق، وقد جاء في كتاب( أعلام الصحافة في الوطن العربي)، وفي المبحث الخاص الذي كتبه عن صحافة العراق الأساتذة الدكتور قيس عبد الحسين الياسري، والدكتور خالد حبيب الراوي، والدكتور هاشم حمادي، والأستاذ سجاد الغازي، إن بولينا حسون، عملت في الصحافة في ظروف بالغة الصعوبة، فلقد احتد الصراع بين دعاة السفور ودعاة الحجاب، وكان المحافظون هم الأغلبية في المجتمع، والمجددون الأقلية.. ولانعرف بالضبط تاريخ ميلاد بولينا حسون، إذ أنها كانت في مقتبل حياتها تعيش في مصر وفلسطين والأردن قبل عودتها إلى بلدها العراق. وكان خالها هو الشيخ ابراهيم الحوراني، وابن عمها سليم حسون صاحب جريدة العالم العربي ،وهو صحفي عراقي بارز من الموصل، وعلى هذا الأساس فان بولينا حسون موصلية عراقية من جهة الأب ، وشامية من جهة الأم. وثمة مصادر تقول أن بولينا حسون ولدت سنة 1865 و توفيت سنة 1969 .​

عادت إلى العراق في عام 1922 قبل إصدارها مجلتها( ليلى) بعدة أشهر،وانغمست بالحياة العامة ، وكانت من العضوات المؤسسات لنادي النهضة النسائية الذي افتتح في 24 تشرين الثاني-نوفمبر 1923 برئاسة السيدة أسماء الزهاوي ابنة مفتي العراق الشيخ أمجد الزهاوي. وأخذت تجهر بآرائها حول تحرير المرأة، ومساواتها بأخيها الرجل ومشاركته في بناء العراق ونهضته بعد تشكيله دولته الحديثة بزعامة ملك العراق فيصل الاول (1921-1933 ) . وقد أصدرت مجلتها ليلى، وبدأت بكتابة المقالات ونشر الموضوعات المختلفة التي يرسلها الكتاب الآخرون للمجلة عن النهضة النسائية والمعالجات المختلفة الخاصة بالمرأة .كما كرست المجلة بعض صفحاتها لانتقاد بعض العادات الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر سلبا على نهضة المرأة ، وتحط من قدرها وتهضم حقوقها، وتبقيها في حالة التخلف. وواظبت المجلة، في أعدادها اللاحقة ، تأكيدها على تحرير المرأة والى إعطاء المرأة المكانة الجديرة بها في المجتمع والأسرة.​

وبعد انتهاء السنة الثانية من عمر المجلة ، عينت بولينا حسون مديرة لمدرسة باب الشيخ الابتدائية في بغداد عام 1925 ، وكان ذلك بداية لحملة شعواء تعرضت لها تلك الصحفية الرائدة من قبل بعض الصحف العراقية وانتقلت إلى المحاكم ، والتي أدت،في نهاية الأمر ، إلى نقلها معلمة في مدرسة أخرى ومن ثم إلى تركها العمل.​

لقد أدى الضغط، والحصار الشديد، والحملات الصحفية القاسية التي جابهت بولينا حسون، إلى عدولها عن الاستمرار في العمل الصحفي، والى حزمها أمتعتها ومغادرتها العراق إلى فلسطين والاردن في (كانون الأول-ديسمبر 1925).. وخلفت وراءها ذكرى لامرأة عراقية باسلة يحق أن يقال عنها، فضلاً عن كونها أول صحفية عراقية، أنها : " رائدة الحركة النسائية في العراق".​

لم تقتصر مجلة ليلى في اهتماماتها على شؤون المرأة، وإنما تعدت ذلك عندما أفسحت المجال لصفحاتها، لتناول موضوعات ذات صلة بأوضاع العراق الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، والثقافية في تلك الحقبة المهمة من حقب التاريخ العراقي المعاصر. وقد جاء في مجلة الموروث (الالكترونية) التي تصدرها دار الكتب والوثائق، أن الدار اختارت مجلة ليلى لتحويلها إلى الشكل الرقمي، كبداية لمساهمتها في مشروع المكتبة الرقمية العالمية.. وليلى التي صدر منها (20) عشرون عدداً بين سنتي 1923_1925، أول مجلة نسائية عراقية وبلغ عدد الصفحات العائدة إلى عددين منها فقط والمقروءة عبر الموقع العالمي: World Digital Library قرابة 26201 صفحة من تاريخ 21 نيسان 2009 وحتى 31 أب 2009 وجاء في ترويستها أنها: " مجلة نسائية شهرية تبحث في كل مفيد وجديد مما يتعلق بالعلم والفن والأدب والاجتماع وتدبير المنزل".​

لقد صدرت مجلة ليلى تحت شعار" على طريق نهضة المرأة العراقية"، وتضمنت صفحاتها معلومات جمة عن تربية الأطفال، وتعليم الفتيات، وصحة الأسرة، والاقتصاد المنزلي. فضلاً عن شؤون الثقافة والتعليم. كما انخرطت المجلة في الصراع الذي كان رائدا بين المحافظين والمجددين والذي اصطلح عليه في حينه بـ (معركة السفور والحجاب)، واشتملت مقالاتها الافتتاحية على إثارة موضوعات مهمة، وبعناوين مختلفة من قبيل : " بوتقة الحق" و " أخبار الضرائب" و" ركن ربات البيوت" و " حلقات من أوتار سحرية " و" الأخبار الغربية". واهتمت المجلة بتناول جوانب تتعلق بالصحة العامة ،والشؤون الطبية ،وقضايا الشعر والأدب. كما انصرفت لمتابعة نشاطات ونتاجات الشعراء والكتاب والباحثين العراقيين والعرب البارزين آنذاك أمثال معروف عبد الغني الرصافي، وجميل صدقي الزهاوي، والشيخ كاظم الدجيلي وانور شاؤول ويوسف غنيمة وحليم دموس والشيخ ابراهيم الحوراني، وفيلكس فارس، وسلمى صائغ. ومما تجدر الإشارة إليه أن الشاعر الكبير الرصافي نشر في المجلة ولأول مرة قصيدته الشهيرة ومطلعها :
هي الأخلاق تنبت كالنبات
إذا سقيت بماء المكرمات ​

ومن أهم المقالات التي نشرتها في افتتاحية العدد (6) الصادر في 15 أيار-مايو 1924 تلك( المقالة- الصرخة )الموجهة إلى المجلس التأسيسي العراقي (البرلمان)، وتدعو فيها إلى منح المرأة حقوقها المشروعة. وفي عددها الأخير الصادر في 15 آب 1925 شرحت لقرائها، عبر مقالة حزينة، الظروف المادية الصعبة التي كانت تواجهها المجلة آنذاك، وللأسف، فقد اضطرت صاحبة امتياز المجلة السيدة بولينا حسون إلى مغادرة العراق وعندئذ توقفت المجلة عن الصدور. وقد يكون من المناسب أن نشير إلى أن العراق لم يشهد صدور مجلة نسائية إلا بعد أكثر من عشر سنين حين صدرت مجلة (المرأة الحديثة ) لرئيس تحريرها فاضل قاسم راجي وكانت سكينة إبراهيم المحررة الرئيسة فيها . ​

صدر العدد الأول من مجلة ليلى في الخامس عشر من تشرين الأول-أكتوبر سنة 1923، وكانت تطبع في شركة الطبع الحديثة ببغداد لصاحبها حسون مراد وشركاه وكانت بحجم 23x15 سم، وبلونين ابيض واسود ولم يتجاوز عدد صفحاتها ولكل عدد الـ (48) صفحة وكتبت بولينا حسون افتتاحية العدد الأول جاء فيها : " إن البعض يعتقد بان ظهور مجلة نسائية في العراق من (الكماليات) التي لاحاجة اليها الآن، وان المناداة بنهضة المرأة العراقية نفخ الرماد فهولاء وأمثالهم معتادون على إطفاء الأرواح ولعلهم من بقايا الوائدين . ​

رحبت المجلة في عددها الرابع الصادر في 15كانون الثاني-يناير 1924 (7 جمادى الأخرى 1342هـ ) بالعام الجديد 1924 وكتبت في مثال بعنوان ((اجل الأماني)) تقول: مرحبا بك أيها العام الـ 1924.. منها قد انعدم ذلك العام الثقيل (1923).. فما عساك انه تكون أنت أيها العام الجديد؟ وماذا أخفى الغيب في ثنايا شهورك، وطيات أيامك..." وأضافت " إن العالم يؤمل أن يتنفس فيك وينال نصيبا من الأمة.. أما عراقنا المحبوب فيمني النفس بالتمتع بجميع حسنات الحكم القومي، ترشده الحكمة النيرة، ويعضده الإخاء الوطني، ويدعمه الثبات الراسخ... إن عراقنا العزيز... يتوقع تمشي روح التجدد الحقيقي في ضلوعه، وبانتشار أنوار التهذيب بين بنيه وبناته... وأما ليلى فتاة العراق، ومعها الجنس اللطيف العراقي اجمع، فمنيتها أن تعم النهضة النسائية المباركة القطر العراقي بأسره.. وتؤمل أن لاينتهي العام إلا وقد جرت المرأة العراقية، في طريق الرقي، شوطا بعيدا..." .​

ثمة مقالة مهمة عنوانها: " العادات المستهجنة في معاملة المرأة"، تطرقت فيها المجلة إلى مبدأها في المجاهرة باتخاذ كلمة الحق والصراحة شعاراً لها.. وقالت أنها آلت على نفسها محاربة العادات الوبيلة التي تحط من قدر المرأة وتهضم حقوقها، وتبقيها مطروحة في مهاوي الجمود والاحتقار والخمول " وتطرقت إلى جهودها في فضح بعض العادات السائدة في قضايا الزواج وقالت أنها اليوم تحتج على الاهانة التي ترشق بها المرأة في حديث الناس وفي داخل العائلة. فالمرأة لاتزال في نظر البعض (مخلوقا دنيئا ) لذلك تخاطب بما لايليق من الكلام. ودعت المتنورين إلى مواجهة هذه العادات وخاطبت أولئك الذين يستهجنون المرأة ولا يعطونها مكانتها قائلة: (ألا أيها الجاهل... لماذا تستعظم نفسك... وتستصغر المرأة؟ )، وختمت ليلى مقالتها بالقول إن النهضة لاتكون إلا بمشاركة المرأة والمرأة لاتنل التهذيب الحقيقي مالم يناصرونها رجال أحرار مخلصون فعالون.​

كتبت السيدة سلمى صائغ، وهي كاتبة سورية نشر لها كتاب بعنوان :(نسمات) مقالاً في مجلة ليلى بعنوان: " حياتنا الاقتصادية " أشارت فيه إلى مشاركة المرأة في كل نشاطات المجتمع والاقتصادية ولاتزال دائرة العمل تتسع أمامها (فلا يمر علينا عشر سنين إلا ونرى النساء العربيات مهتمات بمسائل الاقتصاد مقتنعات أن الحرية الاقتصادية هي أم كل حرية بشرية).​

في صفحة (متفرقة)نشرت مجموعة من الأخبار منها خبر بعنوان: " سير مشروع النهضة النسائية العراقية" قالت فيه: " لاتزال السيدات المؤسسات يواليان اجتماعاتهن بصورة منتظمة وقد نشرن بلاغا في إيضاح المشروع وغايته، واعتمدت على عقد اجتماع يحضره عدد كبير من السيدات وذلك في اليوم العشرين من الشهر الحالي (كانون الثاني 1924 لأجل المذاكرة في تأسيس النادي النسائي في العاصمة والنظر في قانونه). ثم عرضت الصفحة لبعض الكتب الصادرة المهداة إلى المجلة منها كتاب تجارة العراق قديما وحديثا للأستاذ رزق الله غنيمه العضو في مجلسي الإدارة والمعارف في بغداد" وهو كتاب تاريخي واقتصادي (في غاية التعاسة)... وكذلك كتاب :دروس في أصول التدريس لساطع الحصري.​

وأشارت المجلة إلى أن الدكتور عبد الله أفندي برصوم أهدى مجلة ليلى إلى الآنسة زكية عبد النور (في الموصل). أما المعلم رؤوف أفندي صائغ فأهدى المجلة إلى خطيبته الآنسة مثيلة رؤوف صبري (في الموصل) كذلك.. وطلبت المجلة من (مراسليها الكرام ) و"الى الذين لم نتمكن حتى الآن من تحلية المجلة بقصائدهم ومقالاتهم أن يغذونا فإننا سننشرها تباتا".​

في المجلة مقالات منها موقع باسم مستعار هو (سانحة ) بعنوان: (حديث ربات المنازل) وفيه دعوة لاقتباس العادات الحسنة ونبذ العادات الرذيلة كالإسراف ، واللهو، والتبرج، والتصنع والحرية الزائدة المضرة.​

وهناك مقال مهم بعنوان: " وسائط سهلة للتنظيف" والمقال دعوة إلى تنظيف الأثاث الخشبية، والأواني بطرق علمية سهلة من قبيل تنظيف الأثاث الخشبية بمزيج من زيت الزينون أو زيت الكتان والكحول (السبرتو).​

ونشرت المجلة مقالات عن (البابونج كدواء فعال نفيس)، وكتب الدكتور عبد الله أفندي برصوم رسالة إلى صاحبة مجلة ليلى أكد فيها أن التكيف حسب المحيط ، أمر ضروري للنجاح، ولابد من الاعتدال ودعا المجلة إلى تأكيد قول الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) "العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة " وقال " إننا نكره ... اتخاذ قشور التمدن من أزياء وحركات.." .​

من مقالات ليلى : " التربية العائلية" وفيه تأكيد على أن الرجل لم يخلق ليعيش وحده، وحياته تظل ناقصة غير مستوفية الشروط إذا لم يتخذ شريكه له تقاسمه أفراحه وأحزانه..." وعن اللغة الانكليزية هناك مقالات مترجمة إلى اللغة العربية منها مقال مهم ترجمه فريد توما من الحلة عن (الحركة)، فلولا الحركة ماكانت هناك حياة، ولولا حركة البذر لما نما النبات ولولا حركة الدماغ لما ظهر التاريخ.​

ونشرت المجلة قصيدة الياس أبو شبكة (رنات الأوتار السحرية) جاء في مطلعها:
الفتيها من التحسر لاتعي
تذري الدموع وحيدة في المخدع
فكأنها والدمع يخطف صوتها
رمز التعاسة في الزمان الموجع ​

ومما كان يزين المجلة (أشكال تخطيطية جميلة). وقد اهتمت المجلة بترجمة المقالات من اللغات الانكليزية والفرنسية وغيرهما من اللغات ومن ذلك ترجمتها مقالة بعنوان: (بوق الحق.. لايريدون مجابهة الحقائق) تتحدث فيها عن اولئك الذين يخلطون بين الأشياء ولايميزون بين الخبيث والطيب، ويظهرون مالايبطنون. واستمرت المجلة في إبراز إهداء الرجال لأعداد من مجلة ليلى إلى النساء والفتيات ومن ذلك أن (حضرة عبد السلام أفندي أهدى مجلة ليلى إلى حضرة ابنته خالة الآنسة مليحة عاكف التلميذة في مدرسة البار ودية). كما تابعت حركة إصدار الكتب ومنها ،على سبيل المثال ،كتاب (ذكرى الخالصي) لعبد الرزاق أمين وهو ترجمة حياة الشيخ محمد مهدي الخالصي. وهناك مقالات مختلفة منها مقال بعنوان : (حديث ربات المنازل)، ومقال: (آيات الصراحة وسلامة القلب) .وعن مجلة السياسة (المصرية) نقلت مقالا عن (المرأة التركية) وكيف أنها تتمتع بصفات حميدة منها : التربية ، والحشمة، والقيام بالواجب والتمسك بالتقاليد القومية وتابعت المجلة سيرة حياة الموسيقار بيتهوفن، وكيف انه نشأ بائسا ، وذاق من صنوف الحياة ضروربا ،ومن عذاب الدهر شقاء. كما كتبت عن بطرس الأكبر، الإمبراطور الروسي وابنه الكسيس.​

وفي المجلة أبواب منها باب (أخبار الغرائب وغرائب الأخبار) فيه حديث عن المناطيد (سفائن الهواء) السريعة، وباب (منزليات) وفيه فؤائد صحية وتربوية. كما حرصت على تأكيد التربية الاستقلالية للأطفال، واقتبست من المجلات العالمية أخبار ومعلومات عن (فضل الأطعمة الغذائية) و(استعمال الأطالس الجغرافية) و(تشجيع الأديبات ) و(معدل طول الإنسان).. ومن الطريف أن المجلة كانت تنشر مقالات من مدن العراق المختلفة ومعظمها على شكل رسائل منها على سبيل المثال مقالة أرسلتها من الموصل (حضرة السيدة الفاضلة م. فائق بولس) بعنوان: (قلبي يتألم) جاء فيها " قلبي يتألم إذ أرى أن المرأة في العراق ليست آله الرقي، وأساس مجد الاستقبال إذ ترضع المرضعات الحليب دون لبان التهذيب... " ووضحت مقالتها بالقول إن " قلب العراق نساؤه " " ولنعقد الخناصر إذن على النهضة ،ولنقم بواجب إصلاح حالتنا الحاضرة وتبديلها بأحسن منها ،تناسب رقي العصر الحاضر وضروراته الثقيلة المتنوعة، فإلى الهمة والنشاط. إلى الحياة يااخواتي العراقيات...". ​

وهناك مقالة بعنوان: (الخطر الاناثي في الولايات المتحدة) جاء فيها "إن مزاحمة النساء للرجال على الوظائف في نيويورك بلغت مبلغا جاوز الحدود".
ومن الطريف أن تتصدى مجلة ليلى لمطالب تركيا في ولاية الموصل ،فتنشر في عددها الصادر في شباط 1925 مقالاً بعنوان (صوت النصف الآخر) قالت فيه: " لم يحن الوقت للعراقية التدخل في الشؤون السياسية. كما أن ليلى ليس من خطتها البحث في السياسة ولكن لدى هذا الحادث التاريخي العظيم، حادث تعيين الحدود العراقية التركية الذي قامت له الدول وقعدت حتى أنها أرسلت إلى العراق لجنة أممية جليلة للتحقيق والتفتيش، وهب العراقيون، جميعهم على اختلاف طبقاتهم ،فأصبحوا كتله واحدة.. يحتجون على مطالب الترك الذين يحاولون اغتصاب واسترداد جزء من أراضي العراق لاتتمالك كل امرأة عراقية، وفي قلبها دم وفي نفسها شعور، من السكوت... " وفي العدد ذاته نشرت مقالا بعنوان: " الجنس اللطيف يدافع عن ولاية الموصل" جاء في مطلعه قصيدة جاء فيها :
يا بنات العراق انتن والله
عماد الحياة والأحياء ​

حقا، كانت بولينا حسون صحفية رائدة، وكانت مجلتها مجلة رائدة. وقمين بنا أن نظل نذكر الأجيال بما قدمته للعراق من مجهودات طيبة ومفيدة .​

نقوس المهدي, ‏18/7/11 #33

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
أ. د. إبراهيم خليل العلاف
إبراهيم الجلبي
من رواد الصحافة الموصلية
 ​




نعرف المرحوم الاستاذ أبراهيم الجلبي (1895_1973) صحفيا وصاحب مطبعة وشيخا للصحفيين الموصليين ورائدا من رواد الصحافة الموصلية ومؤسسا لجريدة فتى العراق التي صدرت منذ سنة 1934 والمستمرة حتى يومنا هذا مع وجود سنوات أحجبت فيها الصحيفة ,لكن أبنائنا وأحفادنا بل والجيل الجديد لايعرف بأن أبراهيم الجلبي كان رائدا من رواد أنشاء وتطوير مؤسسات ما تعرف اليوم بمنظمات المجتمع المدني .

ولعل من أبرز المنظمات الاهلية التي أسهم في تأسيسها او شارك في عضوية مجالس ادارتها حزب العمال و (جمعية البر الاسلامية) التي تأسست يوم 27 تشرين الاول سنة 1928 وكان لها منذ سنة 1962 روضة للاطفال خاصة بها تسمى (روضة البر الاسلامية).

كان لابراهيم الجلبي دور كبير في أنشاء (فرع لجمعية الهلال الاحمر ) في الموصل والتي تأسست في بغداد في 22 كانون الثاني 1932 و (فرع لجمعية الدفاع عن فلسطين) التي تأسست في بغداد سنة 1936 (وفرع لجمعية مكافحة السل) التي تأسست سنة 1937 وجمعية الاداب الاسلامية فرع الموصل 1947 هذا فضلا عن نشاطه الصحفي والطباعي وعضويته في المجلس البلدي. وفي 17 تشرين الثاني 1940 كان من اوائل الذين حاولوا تشجيع أنشاء مؤسسات التعليم الاهلي عندما قدم مع نخبة من المثقفين وقادة الرأي في الموصل طلبا الى وزارة التربية لتأسيس جمعية بأسم (جمعية التعليم الاهلية) تستهدف تعميق الوعي بأهمية مشاركة الناس في تأسيس المدارس الاهلية وتوسيع قاعدة التعليم الحديث وأعداد عناصر مؤهلة لقيادة هذا النمط من التعليم والذي صار العمل اليوم من أجله يسمى بالتنمية المستدامة..

وتولى لجنة شراء الاسلحة لفلسطين واشترك في غالبية جمع التبرعات لفلسطين والجزائر وبورسعيد ومساعدة العشائر المتضررة ... والقضايا الوطنية الاخرى التي لايمكن ذكرها في هذه العجالة.

يقول المرحوم الاستاذ عبدالمنعم الغلامي المؤرخ الموصلي المعروف على الصفحة(205) من الجزء الاول من كتاب (الانساب والاسر) المطبوع ببغداد سنة 1965 أن أبراهيم الجلبي الذي أصدر جريدة فتى العراق ، وكانت من الصحف التي رفعت لواء الجهاد والوطنية وعرفت بطابعها المتميز المستند في معالجة قضايا الساعة على الروح العربية الصميمية والفكر الاسلامي السليم , له أياد بيض على نابتة الموصل حيث كان يدرب أطفال الميتم الاسلامي على مهنة الطباعة في مطبعته التي أنشأها سنة 1939 بأسم مطبعة ام الربيعين وقد تخرج فيها عمال مهرة كثيرون , وبذلك رمى هدفين : الاول : انتشال هؤلاء المعوزين من العوز والحاجة والثاني : كثر عدد العاملين في حقل الطباعة في الموصل ويضيف المرحوم الغلامي الى ذلك قوله ان الذي كان يدفع أبراهيم الجلبي للمشاركة في أنشاء الجمعيات وانجاحها وادامتها ((انه محب للخير , ميال للمعروف , حفيظا على الفرائض الاسلامية)).

الرحمة للاستاذ أبراهيم الجلبي ولكل زملائه ومجايليه من الذين خدموا المصل عن حب وعن صدق وبتفان قل مثيله ودعوتنا لكل الخيرين ان يتمثلوا عمل اؤلئك والتاريخ لن يغمض عينيه يوما عن كل من قدم عملا جليلا وترك اثرا نبيلا نفع به مدينته ووطنه وامته..​

نقوس المهدي, ‏19/7/11 #34

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
أ. د. إبراهيم خليل العلاف
المؤرخ حسين حزني موكرياني
1883 ـ1947
ودوره في تطوير الحياة الصحفية الكردية



حسين حزني موكرياني ، من المؤرخين العراقيين الكورد المتميزين . لم يكن مؤرخا محترفا ، بل كان مؤرخا هاويا، وفوق هذا كان صحفيا ورائدا في إدخال الطباعة الحديثة إلى كوردستان العراق (راوندوز) منذ فترة مبكرة من بدايات القرن الماضي . ولد في 12 أيلول /ديسمبر 1883 في قرية حجي حسن التابعة لمدينة صاو جبلاق (مهاباد) في كوردستان إيران ، وهو ابن السيد حسين بن السيد عبد اللطيف إسماعيل ، أحد وجهاء الكورد ، وحزني أي الرجل الحزين هو الاسم المستعار الذي تخفى وراءه فترة من الزمن كتب به إبان العهد العثماني الأخير الكثير من مقالاته .

كان موكرياني ، رحمه الله ، ذو نفس تواقة إلى الحرية وقد ضاق كثيرا بالاستبداد ، لذلك اتجه نحو السفر ويقال انه زار دولا عديدة منها روسيا القيصرية أبان ثورتها المعروفة سنة 1905 وبعدها تجول في أوربا وكتب عن مشاهداته في الصحف التي كانت تصدر باللغة الكوردية آنذاك ومنها صحيفة كوردستان (القاهرية) .

استقر في حلب بسوريا ردحا من الزمن وأسس مطبعة حديثة فيها سنة 1915 جاء بها من ألمانيا وطبع فيها مؤلفاته ومؤلفات أصدقائه .. ثم قام بنقل المطبعة إلى رواندوز في العراق سنة 1925، وتعد أول مطبعة حديثة تدخل كوردستان العراق .

كتب عنه كل من أنور المائي ومير بصري باقتضاب وأرخ له صديقنا الأستاذ حميد المطبعي ببضعة اسطر في موسوعته ( موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين) الجزء الأول (بغداد 1995) وقال عنه أن موكرياني كان مؤرخا متميزا وخطاطا ماهرا وفنانا في الحفر على الخشب والمعادن والأحجار الكريمة كما كان موكرياني سباقا في الاهتمام بتربية دودة القز حتى انه ألف كتبا باللغة الكوردية عن ذلك ونشره سنة 1928 .

كان موكرياني واحدا من الأعلام الكورد الذين جمعوا بين التاريخ والشعر والصحافة والاهم من ذلك كله انه كان مناضلا من اجل الحرية .. سجن لعدة مرات منها سجنه في الموصل سنة 1914 وقد كتب قصيدة باللغة الكوردية حينها ترجمتها تقول : ((أدباء وعلماء الأمم المحظوظة يحييون أحرارا ولا يتجرعون الاكدار.. أما أنا كاتب تاريخ الكورد ، فجائع وعار وذليل .. أموت في كل يوم أكثر من مرة .. طعامي ومنامي آهات وحشرات .. أيامي كلها سجون وأغلال وإذلال !! )).

أصدر سنة 1917 مع محمد مهدي في استانبول جريدة باسم (كوردستان ) لكنها لم تلبث طويلا منذ عطلتها الحكومة بعد سنة . أصدر عندما كان في حلب مجلة هاجم من خلالها الاحتلال الفرنسي لسوريا . يقول السيد هوكر طاهر توفيق في كتابه : ((دور الصحافة الكوردية في تطوير الوعي القومي الكوردي 1898 ـ1918 المنشور في دهوك 2004(دار سبيرز للطباعة والنشر ) ص 263 أن حسين موكرياني كان في حلب سنة 1919 وقد ثبت له ذلك من خلال الرسالة التي بعث فيها جلادت بدر خان إلى موكرياني من سوريا في 3 تموز 1932 ، إلا أن الرسالة لا تشير إلى ما الذي كان موكرياني يفعله هناك . كما نشرت مجلة (ده نكى كيتى نازه) في عددها (31) الصادر بتاريخ 28 تموز يوليو سنة 1947 مقالة لحسين حزني موكرياني بعنوان ( اقرأ جيدا ) وهي عبارة عن رد على احد الأشخاص لا يعرف اسمه ، قد وجه انتقادا لحسين حزني ، وفي معرض دفاعه عن نفسه يتطرق حزني الى سيرة حياته بالقول : انه يعمل في مجال طبع الكتب والصحف لمدة قاربت الثلاثين عاما ، أي من عام 1918 إلا انه يذكر بعد ذلك انه كان الشخص الوحيد الذي أسس مطبعة كوردية في الجبال ، يقصد هنا رواندوز ، وانه أصدر العديد من الصحف بفضلها مثل مجلة ( زاري كرمانجي) ومجلة (روناكي : النور) . واشترك مع الشاعر والصحفي بيره ميرد في تحرير جريدة زيان ـ كما أسهم في تحرير مجلات كوردية أخرى منها مجلة كلاويز ، ويذكر المؤرخ جليلي جليل ان ( موكرياني) هو المؤسس الفعلي للأبجدية الكوردية ويرجع ذلك إلى انه قام ولأول مرة بسباكة بعض الحروف الكوردية . وثمة من يرى أن خليل خيالي هو الذي فعل ذلك في عام 1909 .
ألف حسين حزني موكرياني كتبا عديدة كلها باللغة الكوردية منها كتابه ( الثقافة الى الوراء ) ويقع في أربعة أجزاء وصدر سنة 1930 وكتاب (تاريخ أمراء بابان) وصدر سنة1930 وكتاب ( تاريخ الإمارات الكوردية 1929 ـ 1931 ) وكتاب ( مشاهير الكورد ) 1931 وكتاب ( الكورد ونادرشاه 1934) وكتاب ( أكراد الزند) 1934 وكتاب (أمراء سوران) 1935 وكتاب (كوردستان الموكريانية) 1938 . وقد ترجمت بعض كتبه إلى اللغة العربية منها كتاب ( موجز تاريخ أمراء سوران ) الذي ترجمه احمد الملا عبد الكريم ونشر ببغداد .

يعد حسين حزني موكرياني كما جاء في جريدة العراق ( البغدادية) 29 حزيران ، يونيو 2000 أول مؤرخ عراقي كتب تاريخ الكورد باللغة الكوردية في القرن العشرين .. وقد تجشم الكثير من العناء في سبيل جمع مواد تاريخ شعبه وأمته من بطون الكتب المتناثرة المدون باللغات الشرقية المختلفة . ولم يكتف بذلك بل كان حريصا على البحث عن أية مخطوطة أو كتاب يلقى الضوء على تاريخ الكورد في أي بلد مضحيا براحته باذلا ماله من اجل ذلك . وكان أمينا في الإشارة إلى المصادر التي يقتبس منها معلوماته وكما ذكر في مقدمة كتابه ( كوردستان موكريان ) أي كردستان الموكريانية ، انه قضى أكثر من خمسة عشر عاما من اجل جمع مواده وترتيب مصادره التي قال عنها (( أنها مجموعة مخطوطات وكتب شرقية وغربية)) .

حظي حسين حزني موكرياني بتقدير الباحثين والمؤرخين والمهتمين بالتاريخ الكوردي .. فالباحث الكوردي المعروف جمال بابان قال بحقه ((لو قدر لهذا العصر أن ينصب التماثيل لأبنائه الأفذاذ تقديرا لخدماتهم ، فان أول من يستحق ذلك هو المفكر حسين حزني الموكرياني .. وانه أول من يستحق إقامة تمثال له في مدخل مدينة رواندوز بشمال العراق ، والتي كانت معرض نتاجاته ومؤلفاته التي لا تقدر بثمن )) .

أما المؤرخ الأستاذ الدكتور كمال مظهر احمد فقد قيم مكانة موكرياني في مجال الكتابة التاريخية قائلا : إن منزلة حسين حزني في ميدان التاريخ تبدو واضحة بحيث يبصرها العميان ، فقد ألف الأستاذ القدير حتى يوم رحيله في 20 أيلول /سبتمبر 1947 (17) أثرا مختلفا .. وقد كرس (11) منها لتاريخ الكورد ، وإذا أضفنا إليها مقالاته ودراساته في الصحف والمجلات المختلفة فانه وبلا شك سيبدو تأثيره في مجال التاريخ الكوردي بشكل أكثر وضوحا .
كان موكرياني يتقن لغات عديدة منها الهندية والتركية والفارسية والروسية ، لكن اللغة العربية كانت في مقدمة اللغات التي اهتم بها واجلها وقد حرص على أن ينقل كل ما يفيد مواطنيه الكورد مما يكتب بهذه اللغة في عصره .. فعلى سبيل المثال حرص على ترجمة دراسات مهمة عن فكر ومجهودات رجالات النهضة العربية المعاصرة ومنهم الشيخ جمال الدين الأفغاني إلى اللغة الكوردية .

كانت ثقافة موكرياني في بداية حياته دينية فلقد تلقى علومه الأولية في زوايا المساجد والتكايا والجوامع .. لكنه لم يقف عند هذا الحد بل ثقف نفسه واطلع على ما يكتب في اللغات المختلفة وجهوده من اجل اكتساب الخبرة بالناس والحياة العملية كانت واضحة ..

نعتته مجلة كلاويز (تشرين الاول 1947) بالقول بأنه كان مؤرخا رائدا ، وأديبا قديرا وصحفيا بارزا ووطنيا غيورا مخلصا لشعبه الكوردي ولوطنه العراق . قلة من الناس تعرف أن موكرياني ، فضلا عن كونه مؤرخا وخطاطا كان قاصا بارعا .. جمع في قصصه بين ( الحكاية الشعبية وتقنيات القصة المعاصرة ) واستهدف من كتابة القصة غايات تربوية أخلاقية ) . ومن اشهر قصصه ( القرية المهدمة) و(اللص والأعزب ) و(الحلاوة والمرارة ) ..

لقد كان موكرياني بحق واحدا من رجالات النهضة والتحديث في عراقنا المعاصر .. وحينما استقر في راوندوز سعى مع قائمقامها آنذاك السيد طه الشمزيني إلى تشجيعه على بناء مدرسة حديثة ومستشفى حديث وجسرا ومصنعا للحرير ولموكرياني في كتاباته التاريخية آراء كثيرة في قضايا لاتزال تثير الجدل منها مثلا أصول اليزيدية وتسمية بعض المواقع وانتماءات الآشوريين (النساطرة) القومية .

قال أنور المائي في كتابه (الأكراد في بهدينان) إن حسين حزني موكرياني ((كاتب كوردي ومؤرخ كبير ، له كتب قيمة في التاريخ ، وأبحاث ذات شأن في الحقل الوطني ، وخدمات جليلة للأمة الكردية والأدب الكردي )) .

نقوس المهدي, ‏19/7/11 #35

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
أ. د. إبراهيم خليل العلاف
عبد الباسط يونس
والنهضة الصحفية المعاصرة في الموصل




شهدت الموصل خلال الخمسينات من القرن الماضي ، نهضة صحفية واسعة النطاق ، تجاوزت حدود المدينة ، إلى مدن عراقية أخرى بما فيها العاصمة بغداد . فقد صدرت في الموصل ، على سبيل المثال ، في الفترة ما بين 1950 إلى 1959 ، قرابة (30) جريدة والذي كان له دور كبير في هذه النهضة الصحفية من خلال اصداره أكثر من خمسين صحف ، هذا فضلاً عن اشرافه أو اسهامه في الصحف الأخرى . وكانت الصحف التي أصدرها أقرب إلى الندوات الفكرية المفتوحة التي ضمّت عدداً كبيراً من كتّاب وأدباء الموصل آنذاك، ومن خلالها برزت أقلام العديد من الشعراء والأدباء والكتّاب الذين قاموا ، فيما بعد ، بدور مهم في تاريخ الحركة الثقافية في الموصل .

ولد عبد الباسط يونس رجب في محلة باب لكش بمدينة الموصل سنة 1928. وقد تلقى دراسته الأولى في كُتّاب شعبي يديره ( الملا علي ) والذي عُرف بشدته وصلاحه وتقواه حتى أنه ترك في نفوس تلاميذه أثراً لا يُنسى. ثم انتقل إلى المدرسة العراقية الابتدائية وخلال دراسته في المدرسة الابتدائية تفتح ذهنه على الأحداث السياسية التي كان يمر بها العراق والأمة العربية آنذاك وخاصةً أحداث ثورة 1936 في فلسطين وانقلاب بكر صدقي في العراق ومقتل الملك غازي سنة 1939 . وكان والده ، الضابط الموصلي الذي عاد مع رفاقه الضباط العرب الملتحقين بالثورة العربية في العراق ،أثر كبير في تنمية وعيه .

وفي سنة 1941 أنهى دراسته الابتدائية في بغداد بعد أن انتقل إليها مع والده ، وفي متوسطة الأعظمية، كان يتابع أحداث ثورة مايس 1941 وأخبار الحرب العالمية الثانية . وفي تلك المرحلة ، والتي تلتها برزت مجلتا الرسالة والثقافة الأسبوعيتان،وكانت مجلة الهلال المصرية تصل إلى العراق بانتظام، وهي تحمل على صفحاتها ما كان يكتبه رواد الثقافة العربية الأوائل من مقالات تاريخية وفلسفية وفكرية وسياسية .. وقد تركت تلك المجلات أثرها لدى عبد الباسط ، حتى أنه أرسل مقالة إلى مجلة الرسالة المصرية لصاحبها أحمد حسن الزيات ، وذلك عندما كان طالباً في الصف الثاني المتوسط ، وكانت دهشته كبيرة حين وجد مقالته وقد نشرت في المجلة المذكورة .
عاد إلى الموصل ، سنة 1945 حين أحيل على التقاعد ، وأكمل دراسته في المتوسطة الشرقية ، ثم انتقل إلى الأعدادية المركزية ، وكانت الأعدادية الوحيدة في الموصل آنذاك ، وتشغل بناية المدرسة الخضرية ( الأعدادية الشرقية حالياً ) ، وفي هذه المدرسة أسهم في اصدار نشرة " الالهام " ، كما أخذ يكتب مقالات في الصحف الموصلية بأسماء مستعارة منها : ( صفوت ) و ( أبي الدرداء ) و ( الشعبي ) و ( عبد المتعال البدراني ) . كما نشرت له صحافة بغداد بعض المقالات باسمه تارة ، وأسماء مستعارة تارة أخرى . ومن الصحف التي نشر فيها جريدة السجل ( البغدادية ) وجريدة الجامعة الموصلية ومجلة الجزيرة الموصلية .

وخلال هذه الحقبة من حياته ، اتجه إلى تركيز قراءاته في أمهات الكتب والمصادر ودواوين الشعر حتى أنه بات يمتلك مكتبة تعد من اضخم المكتبات الخاصة في الموصل.

وعندما انفجرت وثبة كانون الثاني 1948 ضد معاهدة بورتسموث ، واندلعت التظاهرات الشعبية ضدها في المدن العراقية،ومنها الموصل ، أسهم عبد الباسط يونس فيها .. وكمان معروفاً بقدرته الخطابية . وكان من نتائج ذلك أن عُوقب بالاخراج الموقت من المدرسية . وجاءت أحداث فلسطين سنة 1948 ليقود اعتصاماً طلابياً في الاعدادية النمركزية ، وكان آنذاك طالباُ في الصف الخامس ، الفرع الأدبي ، وقد حَمَلَتْهُ السلطة مسؤولية الإضراب عن الطعام الذي سرعان كا انتشرت أخباره في المدينة ، وفي اليوم الثاني اتسع الاضراب حتى شمل طلاب بقية المدارس . وعبثاً حاول المسؤولون إيقاف الاضراب الذي استمر أربعة أيام ، ثم رفع تلقائياً من قبل الطلاب أثر اعلان الحكومة إرسال الجيش إلى فلسطين . ومع اعلان الأحكام العرفية وانصراف الطلاب إلى دروسهم وامتحاناتهم ، أُستدعي عبد الباسط يونس أمام مجلس المدرسين ، وصدر قرار بفصله من المدرسة وحرمانه من المشاركة في الامتحان النهائي. ثم ابعد إلى بغداد ووضع تحت المراقبة لمدة تتجاوز السنة ، سمح له بعدها بالعودة إلى الموصل .

بدأت فكرة التوجه نحو العمل الصحفي عند عبد الباسط يونس ، سنة 1950 ، وكانت تجربته مع جريدة " الفجر " الأدبية التي صدرت في الموصل في 7 كانون الثاني 1950 ، ومما جاء في ترويستها أنها : جريدة أدبية علمية اسبوعية ، صاحبها سليم نعمان العطار ، ومديرها المسؤول المحامي شاكر العناز. وقد تولى عبد الباسط يونـس مسؤولية الاشراف على تحريرها. وفي عددها (39) كتاب مقالاً بعنوان " أدباء للبيع " أثار في حينه جدلاُ كبيراً في أوساط الأدباء والمثقفين الموصليين . وفي هذا المقال هاجم عبد الباسط يونس " أدعياء الأدب " الذين أفسدوا أذواق قرائهم . وقد امتازت جريدة الفجر بتأكيدها على أهمية " بعث حركة ثقافية تليق بمكانة الموصل " وكان من أبرز من أسهم فيها: أكرم فاضل،وحسين علي ، ومحمد عزة العبيدي ، وعبد الوهاب البياتي ، وشاذل طاقة ، وفاضل الطائي ، وذو النون الشهاب ، وفخري الدباغ ، ومحمود مفتي الشافعية ، وعبد الرزاق
عبد الواحد .

ومع صدور مجلة " المثـال " في 6 حزيـران 1951 بدأت المسيرة الصحفية الحقيقية لعبد الباسط يونس وكانت جريدة يومية سياسية ، مديرها المسؤول شاكر العناز المحامي ( ). وقد عرفت " المثال " بمواقفها القومية، ودعوتها إلى الحريـة والوحدة كما اهتمت بالمـرأة ولم تهمل وضع الفلاح وصدر عنهـا (87) عدداً للفترة ما بين 6 حزيران 1951 ، 8 تموز
1954.

وتعد الافتتاحيات التي كان يكتبها عبد الباسط يونس ، وتحتل (3) أعمدة من الجريدة ، أكثر الافتتاحيات في تاريخ الصحافة العراقية جراةً وصدقاً . ويتضح ذلك من خلال عناوينها، فثمة عناوين كثيرة منها : " شعب يحترق "، " رئيس الوزراء ينتحر سياسياً " ، " بيضة الوزارة متى تضعها " ، " إلى رئيس الوزراء إني اتهمك " ، " وزارة الفشل " و " إلى الوزراء أنتم في وادٍ والشعب في وادٍ " .

وكان من الطبيعي أن تتعرض الجريـدة إلى التعطيل ، عدة مرات . فعلى سبيل المثال وجهـت وزارة الداخلية انذارها إلى جريـدة المثال للمرة الثالثة ، لنشرها مقـالاً افتتاحياً بعنـوان : " بيضة الوزارة .. متى تضعها " وذلك في عددها الصادر في 4 شباط 1954 . وعطلت لمـدة شهر لنشرها مقالاً بعنوان " الأمن ذلك المظلوم " في عددها الصادر في 14 آذار 1954 وكان تعليقاً على محاولة إعتداء تعرض لها عبد الباسط يونس في 22 شباط 1954 من عناصر الشرطة السرية ، وهو في طريقه إلى مكتبه في شارع النجفي ، وعمل عبد الباسط يونس ، بعد تعطيل جريدة " المثال " رئيساً لتحرير جريدة " وحي القلم " في 11 حزيران 1954 والتي صدرت تعويضاً لمشتركي جريدة المثال . وهذا التصميم على مزاولة العمل الصحفي ، برغم التعطيل ، يُعطي صورة واضحة على حيوية الرواد الأوائل للصحافة الموصلية واصرارهم على اثبات وجودهم ونشر رسالتهم في مجال التوعية وتنبيه الأذهان . .

وعندما صدرت في الموصل جريدة " الراية " الأدبية في 11 نيسان 1951 ، وكان صاحبها غانم سيالة، وتولى عبد الباسط يونس الاشراف على تحريرها.وقد أصبحت " الراية " شقيقة " المثال " يحررها قلم واحد بأسلوبين، فالراية أدبية ، والمثال سياسية والقلم واحد يحمله عبد الباسط يونـس يصدر كل اسبوع جريدتين كل واحدة لها يوم معين. ومن عناوين المقالات التي كتبها في الراية " الافلاس الأدبي " ، " الأخلاق المريضة " ، " الصحافة المارقة " .. وقـد اتسعت صفحات الرايـة لتضم مقالات العديـد من كتاب الموصل ومثقفيها آنذاك ، وقد تولت الراية نشر الدراسات الأدبية ، ففي مجال الأدب العربي قدمت الشاعر أبا القاسم الشابي ، وأحمد الصافي النجفي ، ومعروف الرصافي ، وغيرهـم . وفي الأدب العالمـي كتبت عن شكسبيـر وهيجو وشوبنهاور،كما تولى الترجمة فيها عدد من الشباب آنذاك أمثال أكرم فاضل، وعبد الواحد لؤلؤة ، وعبد الرزاق الشماع.وكان من أبرز أبوابها باب " رواد أدب الحياة " ويحرره عدد من مثقفي الموصل امثال : شاذل طاقة ، وغانم الدباغ ، وهاشم الطعان ، ومحمود المحروق.

وفي الأول من حزيران 1953 أصدر عبد الباسط يونس ، جريدة العاصفة ، وكانت جريدة يومية ثقافية عامة ، والغي امتيازها في 17 كانون الأول 1954 . ولم تكن جريدة " العاصفة أقل قوةً واندفاعاً من جريدة المثال ". وفي " العاصفة " بشّر عبد الباسط يونس بالثورة على النظام الملكي ، من خلال الافتتاحيات التي كان يكتبها ، ففي عددها الصادر في 7 أيلول 1953 كتب مقالاً بعنوان " لمن هذه الدماء " جاء فيه : " الثورة قائمة في كل بقعة من المعمورة على الاستعمار ... والشعوب التي رضخت للقيود والأغلال قروناً وأعواناً سلكت طريق الثورة . ومع أنها تعرضت للتعطيل ، ونالت ما نالته من قبلها " الفجر " و " المثال " لكنها أسهمت في تأجيج الروح الوطنية وتحريك الرأي العام الموصلي ضد السلطة .

وقبيل ثورة 14 تموز 1958 بقليل ، أسهم في اصدار جريدة " الواقع " التي كانت تطبع في مطبعته الخاصة المعروفة باسم " مطبعة الهدف " . كما أشرف على تحرير جريدة " وحي القلم " وكان يحررها من الفها إلى يائها ويكتب افتتاحيتها ولم تستمر الجريدة بالصدور ، فبعد ستة أعداد عطلت
كذلك .

وبعد ثورة 14 تموز 1958 ، أعاد اصدار جريدته " المثال " ولكنه اعتقل أثر فشل ثورة الموصل سنة 1959 وأخرج عنه لينصرف إلى اصدار جريدته " الهدف " في 27 أيار 1963 لتبدأ حياته الصحفية ، حقبة جديدة إتسمت باسهاماته في مجال تطوير الصحافة الموصلية .

لقد اتسمت كتابات عبد الباسط يونس الصحفية بقوة الأسلوب والصدق والجرأة والصراحة . فقلمه كان ناصعاً أبيضاً، لم تلونه دناءة ولم يَمُسه سوء . كما أنه معروف بدأبه وحيويته ، فكان يتولى كتابة الافتتاحيات والتعليقات والأخبار المحلية، ولم يقف الأمر عند ذلك ،بل كان يصحح الأخطاء المطبعية ويقوم بتغليف نسخ المشتركين وكتابة الأسماء والعناوين عليها. ومما ساعده على ذلك امتلاكه مطبعة مكتبة زاخرة بأمهات الكتب والمصادر ولعلاقته الواسعة بالصحفيين والكتّاب العراقيين والعرب . وكان يضيق بالقيود ويحاول باستمرار " اطلاق قلمه ". ومع أنه كان ينتقل في أجواء الأدب والثقافة ، لكنه لم يفارق السياسة . وكان يؤمن بأن " القلم الحر " لا يمكن أن يسقط من يد كاتب تتسم كتاباته بالصدق والجرأة والصراحة والواقعية . ويرى بأن الصحفي يحتاج إلى " نفس جياشة " و" قلب صاخب " . " فالقلم لا عهد له بالسكوت إذا ما دعاه الواجب ".

** منشور ضمن كتاب تاريخ الموصل الحديث لكاتب هذه السطور نشرتهمكتبة الجيل العربي بالموصل وطبع في دار ابن الاثير للطباعة والنشر -جامعة الموصل 2007

نقوس المهدي, ‏19/7/11 #36

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
أحمد الواصل
مجلة «الأديب»
لصاحبها ألبير أديب​


حين نتحدَّث عن المجلات العربية في القرن العشرين، من الصعب أن نتجاهل إحدى أهم تلك المجلات التي تُعدُّ محضناً للثقافة العربية، وأعني بها مجلة «الأديب». فرغم نشأتها في لبنان إلا أنها توجَّهت إلى الفضاء العربي، ورغم كل الصعوبات استمرَّت لأربعة عقود.​

عاشت مجلة «الأديب» العقود الأربعة الأصعب في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في العالم العربي. وحين أنشأها ألبير أديب العام 1942، لم يكن لبنان مستقلاً بعد (استقل سنة 1943)، والحرب العالمية الثانية ما زالت تطحن برحاها (1939 - 1945)، ولم تتوقَّف « الأديب» إلا سنة 1983 بعد اجتياح إسرائيل لبيروت (1982)، وقبل رحيل صاحبها بعامَين (1985).​

المجلات العربية في النصف الأول من القرن العشرين كانت تُراوح ما بين مجلة حاملة لقضيَّة محدَّدة تبدأ بها وتنتهي بعد استنفادها (فكرية، أو جماعة أدبية، أو جندرية)، وبين مجلة مهتمَّة بالشؤون العامة.​

ومن المجلات التي حملت قضية (أو كانت تلك القضية سبب نشوئها)، وصدرت وتوقفت قبل مجلة « الأديب»: مجلة « العروس» (1910 – 1914) قضية التحرُّر النسوي، مجلة « السفور» (1914 - 1925) قضية التحرُّر الثقافي، مجلة « بنت النيل» (1945 - 1957) قضية التحرُّر النسوي، مجلة « العصور» (1927 - 1930) قضية التحرُّر الفكري، مجلة « الدهور» (1930 - 1935) قضية التحرُّر الفكري، مجلة « أبوللو» (1932 - 1934) قضية تحرُّر الشعر.​

ورغم وجود مجلات عربية قائمة آنذاك بعضها مستمرّ في الصدور منذ القرن التاسع عشر مثل: « المقتطف» (صدرت العام 1876)، « الهلال» (صدرت العام 1892) لجرجي زيدان... فقد ظهرت بعد بداية القرن العشرين مجلات مثل: « السياسة الأسبوعية» لمحمد حسين هيكل (صدرت العام 1924)، « المجلة الجديدة» لسلامة موسى (صدرت العام 1929)، « الرسالة» لأحمد الزيّات (صدرت العام 1933)، «المكشوف» لفؤاد حبيش (صدرت العام 1936)، « المنهل» لعبد القدوس الأنصاري (صدرت العام 1937)، الثقافة (صدرت العام 1939). كذلك ظهرت مجلات أخرى جايلت « الأديب»، مثل: « الطريق» لقدري قلعجي (صدرت العام 1941)، « الكاتب المصري» لطه حسين (صدرت العام 1946)، « الآداب » لسهيل إدريس (صدرت العام 1953)، « العربي » (صدرت العام 1958)...​

ومن بعد هذه المرحلة، أي النصف الثاني من القرن العشرين، ستظهر مجلات تُعبِّر عن ثلاث جهات: مؤسسات حكومية، أحزاب سياسية، وجماعات ثقافية.​


ألبير أديب​

قبل التحدُّث عن مجلة «الأديب»، موضوع مقالنا هذا، وجب التعريف بصاحبها المثقف الكبير ألبير أديب الذي يتجاوز أن يكون صاحب امتياز ورئيس تحرير هذه المجلة، بالإضافة إلى أنه تجتمع فيه شخصية الصحافي والسياسي والشاعر والإعلامي وذوَّاقة الموسيقى العربية.​

في الآتي حديث متخيَّل مع ألبير أديب ضاعت أسئلته أيام أُرسلت بالبريد العادي، وقد عثرتُ على نص الإجابات ضمن أوراقه المحفوظة:
- نعم، لقد عشت في أكثر من بلد، وهذا جعلني رحَّالة لا مقر لي. ولدت في المكسيك، وعشت في الإسكندرية، والقاهرة، والسودان، ولبنان.
- كعادة اللبنانيين في السفر نحو البلاد الأميركانية للتخلص من ظلم الدنيا وفقر الحال، سافر والدي سعيد أديب مع زوجته إلى المكسيك ثم ولدتُ هناك عام 1908، لكن الحال تغيَّر هناك فارتأت والدتي العودة إلى بيروت، لكني مرضتُ بالسعال الديكي في طريق الرحلة فتوقفنا في الإسكندرية، والتحقتُ بعد شفائي بمدرسة الفرير ودرستُ فيها حتى العام 1917، فانتقلنا إلى القاهرة وأكملت دراستي في المدرسة نفسها.
- كان التعليم باللغة الفرنساوية في الفرير، لكني انتقلت إلى مدرسة القديس يوسف في القاهرة حيث درست اللغة العربية وآدابها حتى العام 1924.
- بالطبع، وعيتُ على الأحداث السياسية للبلاد العربية، فكل العالم كان يتحرك فترة ما بين الحربَين العالميتَين، الثورة العربية الكبرى 1916، ونهاية الدولة العثمانية 1922، الشعوب العربية في مرحلة ذهبية تلك الفترة، وسأخبرك أنه عندما دخلت الجامعة لدراسة الحقوق التحقت بالحركة الطلابية وفصلتُ لأني وفديٌّ.
- لا، لقد أكملت تعليمي في مدرسة التجارة الحكومية الليلية وتخرَّجت منها سنة 1926، وفي هذه الأثناء راسلت الصحف والمجلات كـ« كوكب الشرق» وكان صاحبها أحمد حافظ عوض، ومجلة « الرقيب» لجورج طنُّوس، و« السياسة الأسبوعية» لمحمد حسين هيكل التي نشرت فيها قصصاً، وسواها مثل « الوفد» و«لسان الحال» و«الإخاء».
- لم أعمل في الصحافة مباشرة، بل سافرت إلى السودان وعملت محاسباً في وزارة المالية، ونشرت في صحفها: « ملتقى النهرَين»، و« حضارة السودان». وقد عُرفتُ كاتباً مهتماً بالشؤون السياسية.
- تشجَّعت على العودة إلى لبنان من طريق القاهرة سنة 1930، فقد صرتُ صحافياً معروفاً، وقد كتبت في أكثر من صحيفة كـ« النداء» و« البرق» و« المعرض» و« الشعب» و«المكشوف».
- لم أفكر في إنشاء جريدة فقد بقيت لفترة كاتباً، وقد أسَّست مع مجموعة أصدقاء من هواة الفن الموسيقي « المجمع الموسيقي الشرقي»، وانتُخبت رئيساً له.
- بالفعل، قلّة من يعلمون أنني مَن أسس في العام 1938 إذاعة « راديو الشرق» (الإذاعة اللبنانية اليوم) وتوليت إدارتها، وكانت تحت إرشاد المفوَّضية الفرنسية.
- صحيح، كان إنشاء مجلة ودار نشر مغامرة، خصوصاً أنني مرتبط بالعمل السياسي.
- صدر العدد الأول في كانون الثاني 1942، وتحلق حول المجلة أصدقاء من الشعراء والمفكرين والكتَّاب المتنوِّعين.
- لم أكن أتبع جماعة سياسية أو حزباً، لكن بالفعل كنت أحد مؤسِّسي «الحزب التقدّمي الاشتراكي» مع كمال جنبلاط. ولم نكن وحدنا يوم أُعلن ميثاق الحزب سنة 1949، فقد كان معنا كل من جورج حنا وفؤاد رزق وفريد جبران والشيخ عبد الله العلايلي.
- في الحقيقة لقد تركت السياسة من بعد عبد الحميد كرامي (كنت أمين سرّ « كتلة التحرير الوطني» وهو الرئيس)، وقد كتبت بياناً أعلنت فيه اعتزالي العمل السياسي.
- لا تسألني عمَّا يحدث الآن. إنها حماقة وليست سياسة! (ربما كان السؤال عن بداية الحرب اللبنانية).
- لم تخدم «الأديب» الشعر العراقي أو تُقدِّمه على حساب الشعر العربي، بل خدمت الثقافة العربية عموماً.
- نعم، بهيج عثمان كان يعمل سكرتيراً للتحرير في «الأديب» قبل أن يؤسِّس مع إخوته «دار العلم للملايين».
- لا أرى في مجلة «الآداب» منافساً، فهي انشغلت بالوجودية الفرنسية ثم تغيَّرت. وأما مجلة « الكاتب المصري» فقد توقفت ولم تكمل مسيرتها.
- اسم ديواني « لمن» (دار المعارف 1952)، وهو مجموعة من الشعر الرمزي، وقد أُعجب المستشرق إميل درمنجهام بقصيدة « الشاعر»، وترجمها إلى الفرنسية.
- أتمنى أن تواصل «الأديب» الصدور حتى بعد موتي. ولكن للأسف يبدو بأن للمجلات أعماراً أقصر من أعمارنا.​


مجلة «الأديب»​

بمجلداتها الـ41 استطاعت مجلة «الأديب» (1942 - 1983) أن تكون ظلالاً لتحوُّلات الشعرية العربية خلال القرن العشرين، فهي من بين مجلات أدبية كان لها اليد الطولى في انطلاقات تحوُّلية للأدب العربي بسبب عمرها المديد. فلو استعرضنا أكثر من مجلة أسهمت في الثقافة العربية، وهو ما يمكن أن يتعدَّى التخصُّص في خدمة الشعر إلى حقول ثقافية مختلفة، فلن تتعدَّى أعمار تلك المجلات العقد أو العقدَين: « أبولو» لأحمد زكي أبو شادي (1932 - 1934)، « القيثارة» لعبد العزيز الأرناؤوطي (1946 - 1947)، « شعر» ليوسف الخال (1957 - 1964) رغم عودتها ولكنها لم تصمد، « حوار» لتوفيق صايغ (1962 - 1967)، « جاليري 68» لمجموعة مثقفين مصريين (1968 - 1971)، « فراديس» لعبد القادر الجنابي (1991 - 1994).​

ما يختلف فيه ألبير أديب عن كل هؤلاء، وأستثني منهم توفيق صايغ، أنه لم يتورَّط في الحالة التبشيرية، سواء عبر البيانات أو الدعايات، فهو من بعد السنة الأولى لم يعد يكتب فيها باستثناء بعض القصائد التي ضمها لاحقاً في ديوان. وقد سأله الكاتب وديع فلسطين عن ذلك فأجاب: « لأفسح المجال لكلّ صاحب قلم أو موهبة»، معتبراً أن منبر المجلة هو ملك لمن يكتبون فيها وكلّهم متطوِّعون مثلي لا يتقاضون أجراً عمَّا يكتبون. لكن « الكاتب الوحيد الذي يصرُّ على تقاضي أجر عما يكتبه هو المترجم عبد الرحمن بدوي الذي يُروِّج بأنه فيلسوف».​

ولدى استعراضنا العدد الأول من «الأديب» الذي صدر في كانون الثاني 1942، نقرأ في افتتاحيتها الآتي: « نتقدَّم إلى قراء العربية بهذه المجلة الجديدة «الأديب» في مطلع العام الجديد، راجين أن يكون عام طمأنينة للعالم وسعادة للقراء ونجاح للمشروع الذي أخذنا على عاتقنا تحقيقه، والسير به من حسن إلى حسن، ونحن على مثل اليقين بأننا رغم المصاعب الكثيرة الراهنة، بالغون إن شاء الله الغاية التي نتوخَّاها بعون الملأ الصالح من أصدقائنا الأدباء وأهل الرأي وذوي الاختصاص في مختلف المعارف والفنون، فهذه المجلة مجلتهم، يُخرجونها في مستهل كلِّ شهر وفقاً للخطة الرشيدة التي اختطُّوها، سعياً نحو المقاصد الرفيعة التي جعلوها نصب أعينهم. لقد رأينا الحاجة ماسة إلى سدِّ ما يُحسَب بحق فراغاً في مكتبة الأديب العربي، فألهمنا أن نساهم في ذلك بمجلة تطمع إلى أن تكون معرضاً للإنتاج الفني والأدبي والعلمي، ومنبراً للرأي السياسي المنبثق من العقيدة الصادقة والإيمان الخالص، ثم لا تلبث أن تصير همزة الوصل بين أقطاب الفكر الحرّ في الأقطار العربية جمعاء. أما الخطوط الأساسية لهذا المشروع فتتجلَّى بوضوح في موضوعات هذا الجزء من « الأديب» الذي يجمع - كما ترون - بين طرائق القديم ونفائس الحديث، فما نُشر أو لم ينشر في شتى الفنون والشؤون، وإذا كان لنا ما نقوله ونحن في المرحلة الأولى من عملنا، فهو أن نسأل جمهرة القراء مساعدتنا على إنجاح هذا العمل كي تصبح « الأديب» مجلة القراء الذين يُطالعونها، كما هي مجلة الكتَّاب الذين يُنشئونها، والله من وراء القصد».​

ونشرت المجلة على غلاف عددها الأول - وهو ما سيتكرَّر لاحقاً في جميع الأعداد - إطاراً يضم حكمة لبول سيزان نصها: « إن عبء الكمال مُلقى على كاهل الإنسان لا على كاهل الطبيعة، فمن واجبه إذن أن يكوِّن نفسه بنفسه، فالطبيعة وهبته العقل والسريرة ونعمة الروح، فأصبح في استطاعته أن يُكمل هذا الهيكل الجميل وأن يُفسده إذا شاء».​

وحفل العدد الأول بمقالات لكتّاب وشعراء معظمهم من لبنان، مثل: الياس أبو شبكة وجبران تويني وعمر فاخوري وميشال أبو شهلا وصلاح الأسير والياس خليل زخريا وأمين الغريب وكرم ملحم كرم وجبرائيل جبور وملك طرزي (سوريا) وغيرهم. ولعل توالي أعداد المجلة باعتبارها مجلة شهرية تعنى بالآداب والفنون والعلوم والسياسة والاجتماع جذب إليها أقلاماً عربية حيث شقت طريقها في العالم العربي حتى وصلت بلاد المهجر. وفي سنتها الأولى نشرت مقالات وقصائد لأدباء من مصر (زكي طليمات، عبد الرحمن الخميسي، أحمد راسم)، وسوريا (قسطنطين زريق، جميل صليبا، سامي الكيالي، وداد سكاكيني، زكي المحاسني، محمد روحي فيصل، قدري قلعجي، وصفي قرنفلي)، والعراق (صفاء خلوصي)، والمهجر (ميخائيل نعيمة، فيليب حتِّي).​

وتوالت أسماء الكتّاب اللبنانيين ومنهم: مارون عبود ويوسف غصوب وحبيب تابت ورامز سركيس وعيسى إسكندر المعلوف وحليم دموس ونقولا فياض وكريم عزقول وراجي الراعي وأمين نخلة وتوفيق يوسف عوّاد وسهيل إدريس ورئيف خوري وتقي الدين الصلح ويوسف الخال وبشارة الخوري (الأخطل الصغير)... « كل هؤلاء الأعلام - يقول وديع فلسطين - ظهرت آثارهم في السنة الأولى وحدها، من سني عمر هذه المجلة التي لم يلبث رصيدها من مساهمات الكتّاب أن اتَّسع وتراحب مما أكسب المجلة سمعة أدبية وأكاديمية مرموقة في طول العالم العربي وعرضه».​

وقد حفلت «الأديب» بالكثير من القصائد الأولى لكل من الشعراء: ثريا ملحس ونازك الملائكة وفؤاد سليمان وهارون هاشم رشيد ومحمد مهران السيد وكمال نشأت وجليلة رضا وزكي قنصل وفؤاد الخشن وناصر بوحيمد ومحمد العامر الرميح. كما نشرت للكثير من النقاد أمثال: إحسان عباس ومحمد يوسف نجم وإبراهيم العريض. ومن كتَّاب القصة القصيرة نشرت لمحمود تيمور وعبد السلام العجيلي، وقد نشر أحمد زكي أبو شادي بعض القصص فيها.​

استطاعت مجلة «الأديب» أن تُعاصر معظم المجلات الثقافية ذات العمر الطويل كـ« الهلال» و« الآداب»، كما أنها أسَّست مثلهما دار نشر اعتنت بنشر كتب الأدب والنقد.​

وتبنَّت «الأديب» الكثير من سجالات «الشعر المنثور» قبل مصطلح «قصيدة النثر» لروَّاده الأوائل ألبير أديب وثريا ملحس ونقولا قربان والياس زخريا وبدايات أنسي الحاج، و« الشعر الحر» قبل مصطلح « شعر التفعيلة» حيث نشرت لمحمود البريكان ونازك الملائكة وبدر شاكر السيّاب ونزار قباني. وبعد مضي أكثر من عقدين خفتت المواضيع السياسية لتتواصل الأجناس الإبداعية من شعر وسرد، ومقالات في الفنون، وأخرى في النقد.​

في سبعينيات القرن العشرين توقفت نشاطات ألبير أديب ليتفرَّغ نهائياً للمجلة. وعن هذه المرحلة ينقل لنا صديقه وديع فلسطين هذه الصورة لذلك المثقف الكبير: «عندما زرت لبنان هاتفت ألبير أديب الذي دعاني لزيارته في منزله المواجه للكلية الطبِّية الفرنسية، واستقبلني في غرفة المكتب التي تحتوي على أكداس من الكتب والصحف والمجلات والرسائل البريدية القادمة من أطراف الأرض. وهي غرفة متواضعة ليس فيها ديكور ولا أي سبب من أسباب الترف أو الوجاهة. وقال لي إنه لا يغادر هذه الغرفة منذ يستيقظ من النوم وإلى أن تحلَّ ساعة النوم، وهو عاكف على تصريف جميع أمور المجلة، كاختيار موضوعاتها وإرسالها إلى المطبعة ومراجعة تجاربها وكتابة باب الأخبار الأدبية وباب الأخبار العلمية، وإعداد الفهرس السنوي للمجلة وكتابة عناوين المشتركين على المظاريف لإرسالها بالبريد، وقيد حسابات المجلة، فليس لديه معاونون أو مستخدمون... وكان يُكلِّف ابنتَيه بأن تمرَّا على مكتب البريد بعد انتهاء اليوم المدرسي لجلب البريد المتراكم باسم ألبير أديب أو مجلته، وقال إنه يستقبل في هذه الغرفة زائريه، ولا وقت عنده للرياضة أو للسفر إلى الخارج أو حتى الداخل تلبية للدعوات التي يتلقاها. فالمجلة هي حياته ولا حياة له إلا معها - حتى صارحتُه بأن أسلوبه في الحياة أسلوب انتحاري لا تُؤمن عواقبه».​

توفي ألبير أديب العام 1985. وهكذا كانت مجلته شاهد مرحلة على تحوُّلات القرن العشرين، لرجل أحب الثقافة العربية، وانتحر من أجلها.​



المصادر:​

-تكوين النهضة العربية 1800 - 2000، محمد كامل الخطيب ، قضايا وحوارات النهضةالعربية (30)،2001.
-ألبير أديب ومجلة «الأديب»، وديع فلسطين، مجلةالضاد، السنة78، العدد2شباط2008.
-قاموس الأدب العربي الحديث، حمدي السكوت، دارالشروق ، 2009 .​

«الغاوون»، العدد 40، 1 تمّوز 2011​

نقوس المهدي, ‏19/7/11 #37

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
عبدالستار ابراهيم
(الطليعة الأدبية)
بين تهميش الصحافة..
وترفع النخبة المثقفة​



تذكر المصادر التي اهتمت بالسيرة الذاتية للكاتب الروسي الكبير انطوان تشيخوف (1870-1923)، ان الاخير لم يكن يجد ايما غضاضة، في ان ينفق بعضا من وقته في تبادل اطراف الحديث، في شؤون الادب والمسرح، وسط حلقات (الادباء الشباب) الروس من مواطنيه، الشباب الذين صرنا نطلق عليهم عندنا، مسميات شتى، منها: الاقلام الشابة، الواعدون، المواهب الطالعة.. الخ، بل انه (تشيخوف) خصص وقتاً آخر للاجابة على الرسائل التي كانت توجه اليه من قبل القراء المولعين بقراءة القصص والروايات والمسرحيات، والذين تحدوهم الرغبة بالكتابة وتقليد الكبار، ممن سحرتهم عوالمهم السردية، وابطالهم الذين يتحركون على الورق، او على خشبات المسارح! القراء الذين يصعب عليهم بعض الاحايين، فهم كل ما تأتي به خطابات تلك الاجناس الادبية والفنية، فلا يجدون مناصا عندها الا اللجوء لذوي الشأن من المبدعين الكبار الذين يعيشون بين ظهرانيهم، ممن حققوا حضورهم وشهرتهم الادبية عن جدارة، للاستفسار منهم عما عصي فهمه وغمض كنهه، كان تشيخوف من أبرز المشجعين للمواهب والقدرات الشابة، كما اتضح من خلال قراءة العديد من رسائله التي اشرنا اليها، والتي كان ينصح من خلالها السائلين ويفسر لهم ما عصي من طروحات ادبية وفكرية مضمرة.. دون ترفع او استنكاف، ولم يضع نفسه –وهو الكاتب المشهور- في جوف برج عاجي.. كانت حلقات الكتاب الشباب هي التي تحيط به اغلب الاوقات.. اولئك الذين يتوقون لسماع اية كلمة نصوح، مهما صغرت من كتاب يكنون له المحبة والتبجيل، وله باع طويل وتجربة مشهورة.

تذكرت كل هذا، وانا اصغي في جلسة باحد (المقاهي الادبية) البغدادية، لشكوى احد أولئك الشباب، بخصوص ما اسماه بـ(تكبر الادباء) ممن رسخت اقدامهم ومكانتهم في الساحة الثقافية العراقية، واهمالهم للكتاب الناشئين.. فنسوا، او تناسوا انهم كانوا ذات امس من فئة الواعدين! الذين طالما طرقوا ابواب الصحف والدوريات، باصابع خجولة مترددة، وربما (توسلوا) ذات مرة، من اجل نشر مادة ادبية تعود لهم، وذلك بغية تشجيعهم وتعزيز ثقتهم بذواتهم..

وللحق، فقد وجدت نفسي محرجاً وانا احاول الدفاع –غير المستميت- عن زملائي الكتاب المحترفين، ممن جرفهم (تسونامي الادب الرفيع) وشغلتهم مهنة المتاعب عن الآخرين، انهم منهمكون دائماً في مشاريعهم الثقافية والمسرحية! وذلك جزء من حقوقهم الشخصية بالطبع، لم يقتنع الشاب بما اوردته من مسوغات، وجدها غير مقنعة بالمرة، وبعيدة عن الواقع –وان لم يصرح بذلك- كان الاخير يتأبط مخطوطته القصصية البكر، الخجولة، وهو في حيرة من أمره: فلمن يسلمها، وعلى أي سارد مخضرم يعرضها.. والكل عنه معرضون؟ هل تجد من يهتم بأمرها، ام انها ستهمل في احد مجارير الاقسام الثقافية لاحدى الصحف الـ(200) المنتشرة في طول البلاد وعرضها! كونها تضم قصصاً لاسم مغمور، لم ينشر الا القليل من النصوص (بقدرة قادر) على حد تعبيره.

ما سبق ذكره، دفعني للبحث والسؤال عن حقيقة نوع ومساحة التشجيع الذي تلقاه هذه الشريحة، او ما اطلق عليها ذات يوم اسم (الطليعة الادبية) والتي حملت احدى المجلات الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة منذ السبعينيات وحتى مطلع الالفية الثالثة، ذلك الاسم عنواناً لها..

الشريحة تلك، تحتاج بالتأكيد لمن يأخذ بيدها ويوجهها التوجيه الناجع والموضوعي، كيما تسلك طريق من سبقوها (عن دراية وجدارة) من الناجحين.. ممن رسخت اقدامهم ونقشوا اسماءهم على لائحة المبدعين الذين يتباهون بمنجزهم، وتفتخر اوطانهم بهم، ولقد طلعت بنتيجة اولية غير مشجعة، اذ تبين لي ان صحيفتين او ثلاثاً، خصصت صفحة في الاسبوع لتبني عرض نتاجات تلك المواهب الطالعة.. صفحة اقرب ما تكون لكوة صغيرة، لنشر نتاج يتوسل الضوء، بعضه لا يخلو من ومضات ابداعية لا تخفى عن العين الثاقبة والانتباهة المركزة، فضلاً عن ان تلك الصفحات المخصصة على مضض لـ(ادب القراء) لم تأخذ على عاتقها –على سبيل المثال- تكليف ناقد او اديب معروف، لقراءة ذلك الادب الشبابي، ولو بشكل وجيز وسريع، والتعليق عليه واسداء النصيحة المعرفية حول مكامن القوة او الخلل فيه.

لا نجافي الموضوعية، اذا ما قلنا –بعد ان اطلعنا على تلك الصفحات- ان ثمة اكثر من قصة وقصيدة ونص حداثوي.. لاديب شاب، تميز بصوره الذكية وقيمته التي تشير بوضوح لموهبة حقيقية، لا غبار عليها.. موهبة كل ما تصبو اليه، هو الارشاد الموضوعي الصادق الذي يساعدها على تقويم نقاط ضعفها –اذا ما وجدت- هنا او هناك.. انها ليست بحاجة الا الى من ينير امام صاحبها – غير الواثق من جودة نتاجه –مصباحاً صغيراً، حتى وان كان اقرب لـ(فانوس ديوجين) والى محض كلمة بسيطة مشجعة، سيكون لها فعل السحر في النفس، في تقديرنا.. كلمة كفيلة بدفع ذلك المبتدىء، الهاوي، لان يأخذ الامر بجدية اكثر في تعامله اللاحق مع مسألة موهبته الفتية، فيطور ادواته بصقلها عن طريق القراءة الجادة لكل نتاج ادبي انساني، سواء لكتاب عرب ام كورد، ام اجانب.. احترموا عملهم وكلمتهم، فجادت قراءهم بادب رصين هادف، يستأهل الاخذ به باعتباره نموذجا مبرزا، يشار اليه بالتميز والبنان.

بحدود تجربتنا الشخصية المتواضعة، نذكر هنا مدى تأثير ردود المحررين على رسائلنا.. في نفوسنا، واخص بالذكر الدور الذي اضطلعت به (جريدة الراصد) البغدادية، التي صدرت منتصف السبعينيات، وترأست هيأة تحريرها القاصة والروائية عالية ممدوح.. من ينسى من شباب ذلك الامس، ردود الناقد الراحل (عبدالجبار عباس) وتوجيهاته السديدة على صفحات تلك الجريدة للكتابات الشابة التي كانت تنهال من كل محافظات العراق؟ واكاد اجزم ان ثلثي الادباء والكتاب المعروفين اليوم بيننا، او في الضفة الاخرى من العالم، طلعوا من معطف تلك الصفحات الخاصة بـ: ادب القراء، والاقلام الواعدة.. ولم يطلعوا من معطف غوغول! صحيح ان جل محاولات (البدايات) هي متواضعة وغير عميقة، سواء في الرؤية ام السبك، ام طرق المعالجة –وذلك امر طبيعي جداً- الا اننا ننظر اليها على اعتبارها (مخلوق كلماتي) يتلمس طريقه نحو النور مثل طفل يحبو.. وبرعم يجاهد للانعتاق ومعانقة شعاع الشمس نتساءل من جانب آخر: ترى، كم من شاعر وروائي، او محرر ادبي في قسم ثقافي، قرّ عزمه على متابعة موهبة ادبية لفتت اليها الانتباه، وحملت ملامح النبوغ المبكر.. والاخذ بيدها لتقديمها الى الوسط الثقافي؟ اكاد اجيب: (لا احد) فكل اديب يغني لليلاه، وغارق حتى اذنيه في (مشاريعه الكبرى) التي لا تسمح له بالطبع، بالالتفات لمن حواليه، او الاصغاء لصوت الآخرين ممن هم في بداية المشوار! ممن ينحتون في الصخر، من اجل نشر قصيدة او قصة، يعتقدون انها تحمل رعشة اصابعهم واختلاجات انفعالاتهم الجوانية.

ونحن نرى أن الامر لا يحتاج اصلا الى بحث وتقص، فالوسط الثقافي محاط في كل الاوقات بحلقات شبابية تجاهد لدخول معترك الكتابة الاحترافية بكل الوانها، بعض افراد تلك الحلقات، وكما نوهنا آنفاً، يمتلك الموهبة والارادة لتجاوز ضعف وهنات بداياته، ويمتلك ايضاً النفس الماراثوني الطويل لاكمال المسيرة الشاقة، بينما ثمة بعض آخر، يصيبه الاجهاد والشعور باللا جدوى من اول الطريق –كون ذواتهم غير موهوبة اصلاً- ولانهم تعاملوا مع ثيمة الكتابة كنزوة، وحلم عابر، ومحض مرحلة مؤقتة لتفريغ انفعالاتهم وهواجسهم لا غير.. عبر (لعبة كتابية) مارسوها عن جهل، فضلاً عن عدم ادراكهم لحجم المعاناة والمكابدات التي عاشها وعاناها معظم كتاب المعمورة، من العظام والناجحين.. حتى وصلوا الى ما وصلوا اليه من مستوى ورفعة في المنجز، فتراهم –الادباء الشباب- يلوكون حسب، اسماء مبدعين، سمعوا بهم دون ان يكونوا قد قرؤوا لهم او هضموا طروحاتهم ورؤاهم العميقة!
يقول الناقد المثابر ياسين النصير في احدى قراءآته النقدية (مجلة الشبكة العراقية العدد 82 في تشرين الاول 2008)، بخصوص الادباء الشباب الحاليين، يحق لهم ان يكونوا جيلاً، انهم ابناء مرحلة جديدة ومعطيات جديدة، ومناخ جديد، لم يأتوا عن طريق انقلاب او حزب دمغهم بهويته فقالوا انهم جيله، هؤلاء الشباب لهم رؤيتهم المختلفة، ونتاجهم الذي يستمد وجوده من مخلفات زوابع الحروب والاحتلال والنكسات.. استطيع القول ثمة جيل جديد سينبت زرعه في الارض العراقية، وسنشهد نتاجه وهو يغطي ذائقة وثقافة ليس ادباء العراق بل أدباء العرب جميعهم، شخصياً احمل مسؤولية الجيل الشاب الجديد، الكتابة الجديدة.. وهذا الجيل لم ينشأ تحت ظل حزب او طائفة او ايديولوجيا، بل ينشأ وهو رافض لكل هذه المفردات.

لماذا يترافق البحث عن جيل جديد مع بلد جديد؟

يتساءل النصير ويجيب على سؤاله بالقول: خطرت علي مثل هذه الفكرة وانا اعود من كوردستان، فقد وجدت في كوردستان شيئاً عراقياً جديداً، هو اثبات الذات عن طريق التجديد، وليس عن طريق التشبث بالماضي او التراث او الدين، فثمة ثقافة جديدة في كوردستان تفرض سياقاتها على العراق كله.. من اولياتها احترام الادباء ومتابعة انشطتهم ونشر ما يكتبون.. اما لماذا يحدث ذلك في كوردستان ولا يحدث في بغداد وبقية المدن العراقية؟ فالامر كما يبدو يعود الى وعي القيادة الكوردية باهمية الثقافة (وتبني الجيل الجديد) وسائر المثقفين، على العكس مما يحدث في بغداد، عندما يهمش المثقف التنويري ويبرز المثقف الطائفي، لان القيادة العراقية في غيبوبة عن الثقافة ودورها.

أخيراً، لا يسعنا –ازاء وضع ليس بمستوى التمني والطموح- الا الدعوة المخلصة الى الاهتمام الجدي بشريحة الادباء الشباب، وذلك عبر اتخاذ جملة اجراءات وخطوات فاعلة وواقعية، منها اعادة الحياة لمجلة نعدها محطة مهمة ينبغي على كل اديب شاب المرور بها، لصقل موهبته ووضع قدمه على بداية الطريق الصحيح.. ونعني بها مجلة (الطليعة الادبية) المحتجبة، التي احتضنت ورافقت مسيرة ثلاثة اجيال، او ايجاد بديل عنها يضطلع بدورها السابق، الى جانب ضرورة ان تعي صحفنا ومجلاتنا –بملاحقها الاسبوعية والشهرية- اهمية احتضان الشباب، ممن يتوسمون بهم الموهبة الحقة.. وتخصيص مساحة مناسبة لنتاجاتهم... ان الشريحة التي اسهبنا في الحديث عنها في وقفتنا هذه، مستحمل في الغد القريب (رأية الابداع) ممن سبقوهم في مضمار الثقافة العراقية -شئنا ذلك ام تجاهلناه- فلنلوح لها باكف مشجعة، ولنسمعها الكلمة الرشيدة الموجهة، ذلكم جزء من الايمان بدور الاجيال المتعاقبة.. والزمن بداهة، لم ولن يقف عند بضعة اسماء او حتى جيل كامل.. مهما كانت هيمنة ذلك الجيل، وحجمه، ومنجزه الابداعي.​

نقوس المهدي, ‏27/7/11 #38

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
غازي أبو عقل
( كلب ) صدقي إسماعيل
سخر حتى من السخرية




لم يخل عصر من عصور الأدب العربي وغير العربي من كتّاب لم يحملوا تلك العصور على محمل الجِدّ الكافي، ولا ممن كانوا يرون الأمور بعيون نقادة أو ساخرة، ومع أن عصرنا الحديث غير متسامح مع أمثال أولئك النقاد الساخرين، مما ترك جزءاً كبيراً من إنتاجهم في " الظل" إلا أن جزءاً أقل حجماً جرى تداوله فأتاح لمن يهتم بهذا الجنس من الأدب فرصة انتهاب متعة شبه حرام.

عرفت أربعينات هذا القرن وإلى مطلع سبعيناته صوتاً فريداً في هذا المجال جسَّده صدقي إسماعيل في جريدته غير المعروفة كثيراً " الكلب" موضوع هذه المقالة.​

ولد صدقي إسماعيل سنة 1924 في انطاكية من أقصى شمال سوريا الغربي، وقبل أن يتم عامه الخامس عشر، اضطر إلى مغادرة مسقط رأسه نازحاً إلى مدن أخرى لأن فرنسا التي انتدبتها عصبة الأمم لحكم سوريا بعد الحرب العالمية الأولى " تبرعت" بمحافظة الإسكندرونة كلها إلى تركيا الكمالية لقاء حصة من أسهم شركة نفط العراق " البريطانية"، هذه المحافظة التي أصبحت قضية سياسية تعرف بقضية اللواء السليب".​

أَتَم صدقي إسماعيل دراسته الثانوية في مدن سورية أخرى منها حماه وحلب وحصل على إجازة في الآداب قسم الفلسفة من جامعة دمشق، وعمل مدرساً للفلسفة في ثانوياتها.​

كتب صدقي المقالة والقصة والرواية والمسرحية والشعر طبعاً، وجُمعت أعماله ونشرت في دمشق بعد رحيله المبكر، في السادس والعشرين من أيلول سبتمبر من العام 1972. ومع انقضاء ربع قرن على غيابه نتوقف لنلقي نظرة على الجانب الساخر النقاد من إنتاجه، وهو الجزء الذي لا يحظى بما يستحق من التأمل لأسباب "فنية" ذلك أن صدقي أسس "جريدة" شعرية ساخرة أطلق عليها اسم " الكلب" تيمناً بالمدرسة الفلسفية الأغريقية " الكلبية" التي يسميها بعض كتابنا اليوم " السينيكية" " السينيزم" المشتقة من كلمة كونوس Kunos وتعني الكلب. والكلبي بالمعنى الفلسفي القديم – كما هو معروف – هو الذي يتحدى المبادىء السائدة ويعارض جذرياً الأعراف الاجتماعية، ويدَّعي الرغبة بالعيش طبقاً لقواعد الطبيعة.​

ومن أشهر هؤلاء ديوجين، أما مفهوم " الكلبية" المعاصر فهو موضوع آخر.

أعتقد أن صدقي إسماعيل أستاذ الفلسفة اختار لجريدته ذلك الأسم "الفلسفي" انطلاقاً من قناعته بأن السخرية هي أكثر جدية مما يظنون.​

يجب أن نفهم تسمية "جريدة" بالمعنى المجازي لأنها لم تطبع إلا مرة واحدة طوال سنوات صدروها العشرين، وهي ورقة من أربع صفحات ذات مربعات يكتبها " صاحبها" بخط يده، ويتداولها عدد قليل من أصدقائه، بعضهم يستعيرها ويعيرها، وفرادة هذه الجريدة أن أخبارها وتحقيقاتها وتعليقاتها كانت تصاغ " شعراً" موزوناً فأعطت للشعر نكهة الصحافة وابتكرت للصحافة أسلوباً خاصاً وهذا لا يمنع وجود نصوص شعرية " حقيقية" في الكلب بالمعنى الذي يُريح كل من يحب وضع " تعريف" لما لا يخضع لأي تعريف. أما كيف نحيط بجريدة كانت تعالج بأسلوبها الشعري الخاص أحداث البلاد وشئون العالم فهو أمر بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتأمل.​

بدأ صدقي إسماعيل كتابة هذا النوع من " الشعر" الذي ينم عن صحفي أصيل مختبىء تحت مظهر أستاذ الفلسفة منذ نهاية مرحلة دراسته الثانوية ودخوله الجامعة، وبين يدي أوراق بخطه مؤرخة في سنة 1940 و 1941 أيام كان في دمشق يشارك مجموعة من رفاقه نزح معظمهم من " اللواء السليب" منزلاً في " زقاق الصخر" على ما أظن، والجريدة الأولى التي " أصدروها" كانت مكتوبة على دفتر مدرسي اختاروا لها اسم "المنشار".​

ومع أن المحررين كانوا من " أهل البيت" إلا أن صدقي كان على ما يبدو " رئيس التحرير" ولما أصبح مُدرساً للفلسفة في دمشق كان مكانه المفضل مقهى حي الجسر الأبيض الواقع على سفح قاسيون، وكانت طاولته تطل على فرع يزيد أحد فروع بردى حيث يقضي أمسيات يدخن " الأركيلة" ويكتب الجريدة التي أسماها مؤقتاً "الجسر" إكراماً للحي.​

كانت "الكلب" تصدر ولا تصدر على غير انتظام، فهي " محتجبة" في الوقت نفسه ولكنها غير " متحجبة" وهذا " التناقض أو المفارقة كانت تغري المطلعين عليها وتجذبهم إلى قراءتها والمرات القليلة التي جاء ذكر " الكلب" على صفحات الصحف تكاد تنحصر في ثلاث، أولها التحقيق الذي نشرته مجلة الأسبوع العربي اللبنانية العام 1963 وكتبه زهير مارديني.​

ثم نشرت مجلة الثقافة الأسبوعية الدمشقية سلسلة مقالات بين أبريل ومايو 1974 بقلم كاتب هذه السطور أما المرة الثالثة وكانت مفاجأة حيث نشرت الهلال القاهرية مقالة دون توقيع عنوانها " الكلب أطرف مجلة فكاهية عربية" وذلك في جمادي الآخرة 1397 ويونيه حزيران 1977، استعان كاتب تلك المقالة بالعدد الوحيد المطبوع من الكلب يعود تاريخه إلى شهر تموز يوليو 1969، والذي صدرت منه مائة نسخة أراد صدقي ارسالها إلى الجزائر ولست أدري لماذا ولا إلى من، والعدد كله بقلمه باستثناء " ريبورتاج" عن الصيف والسباحة لكاتب هذه السطور.​

الجميل في مقالة الهلال رغم بعض الأخطاء التي شابتها، أنها نشرت صورة " زنكوغرافية" لاسم الجريدة المشكل من العظام. وهو تصميم يعود الفضل فيه إلى شقيق صاحب الجريدة الرسام المرحوم نعيم إسماعيل " لصدقي شقيق آخر كان رساماً معروفاً هو أدهم" والمؤسف أن أفراد هذه العائلة الفنانين جميعاً فقدناهم في شبابهم.​

تأتي الصحافة السورية المحلية بين الحين والحين على ذكر تلك الجريدة الفريدة في مقالات مقتضبة يكتبها محررون لم يعرفوا صدقي إسماعيل أو لم يطلعوا على تفاصيل تجربته في ميدان الصحافة الساخرة، ويؤدي هؤلاء الشباب دوراً مشكوراً كان ينبغي على رفاق صدقي القيام به، إلا أن "وقارهم" ربما لم يسمح لهم.​

أذكر حواراً دار بُعيد رحيل صدقي إسماعيل، دار بيني وبين شاعر من رفاقه حول ظاهرة " الكلب" وكان رأي صديقنا الشاعر أن مثل هذا " الشعر" الساخر لن يكتب له البقاء لأنه " ابن ساعته" وغير جدي، وعندما يتاح نشره تكون مناسبة قوله قد فات موعدها مما يحرمه من التأثير بالقارىء.​

الجانب الوحيد – السليم – في هذا الرأي هو الفقرة الأخيرة، لأن تأخير النشر مسيء فعلاً لا لجريدة " الكلب" فقط، ولو اعترف العرب بحرية الصحافة الساخرة لما كنا شاهدنا أكداس الدواوين التي تملأ الرفوف والواجهات – على الأقل – خوفاً من أنياب "الكلب" وأمثالها.​

كان صدقي يسخر حتى من السخرية. ذكرت هذه الملاحظة وأنا أقرأ حديثاً للكاتب والمخرج المسرحي اللبناني سامي الخياط عن استحالة الغاء السخرية، والمجتمع الذي يخلو منها هو مجتمع مريض وحزين ومكبوت، وأضاف: أن المسرح السياسي الساخر بالمعنى الحقيقي غير موجود اليوم، وما يقدم من مسرحيات ساخرة لا يخيف السلطة، وانتشار السخرية عشوائياً ووفرة المنابر تعني أن الحريات بخير، والأمر غير دقيق ويحمل أهدافاً للتضليل وإلهاء الناس عن المهم الأساسي المفترض توظيف السخرية للكشف عنه.​

ذكرني هذا الرأي بما كان صدقي قد كتبه في عدد يوليو 1969 من " الكلب" عن " مسرح الشوك" وهي ظاهرة أريد لها اقناع الناس بوجود الانتقاد في تلك الزمان، فكتب صدقي تعليقاً في زاوية " المسرح" في الجريدة ساخراً من كاشفاً فجاجتها وسطحيتها:​

مسرح الشوك شوكهُ يضحك الناس
هذا من أغرب الأشياء
أصبحوا يشبعونَ إن أكلوا اليوم "هواء"
ويسـكرون بماء​

ترى هل إنحسرت موجة "الشعر الساخر" أو الصحافة " الشعرية" بعد صدقي إسماعيل و " احتجاب جريدة الكلب"؟ هذا موضوع آخر يستحق التمحيص.
سمعت قائلاً يقول إن الجريدة ستعود إلى الصدور عندما تنتشر انترنت في فيافي أرض العرب وهي تبحث لنفسها عن موقع على الشبكة سيكون مفتاح الدخول إليه ''HTTPwwwå'' هاو هاو هاو.​

نقوس المهدي, ‏23/8/11 #39

نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة
أحمد الواصل
مجلة «القيثارة»
صوت اللاذقية الشعري​


صدرت مجلة «القيثارة» بين حزيران 1946 وأيار 1947 (12 عدداً) من مدينة اللاذقية في سوريا عن « جماعة الشعر الجديد»، وهو دأب كثير من الجماعات الثقافية في مطلع القرن العشرين حين تريد تحقيق حضورها في المشهد الثقافي.

تأتي فكرة إنشاء مجلة كوسيلة لتقديم مشروع ثقافي يتمثّل في كتابة جديدة، وكان الغالب عليه الشعر. وقد عُرفَ بأن حركات التجديد الشعري انطلقت عبر كتاب نقدي أو مجلة أو ديوان شعر في تاريخ تطوُّر الشعر العربي في القرن العشرين. وإذا كانت دواوين الشعر تُقدِّم التجربة بهدوء وانسياب، فإن البيانات والكتب النقدية تصاحبها ضجَّة صحافية. ولنا أن نشير إلى مراحل الكتابة العربية الجديدة تباعاً.


مراحل الكتابة الجديدة

المرحلة الأولى هي مرحلة التجديد الشعري التي يمثِّلها إصدار الدواوين الشعرية لعبد الرحمن شكري منذ أولها « ضوء الجمر» (1909)، حتى « أزهار الخريف» (1919)، وصولاً إلى صدور كتاب « الديوان في الأدب والنقد» (1921) لكل من إبراهيم المازني ومحمود عباس العقاد. وتندرج في المرحلة ذاتها النصوص الشعرية لأمين الريحاني « هتاف الأودية» (1910)، وجبران خليل جبران « دمعة وابتسامة» (1914)، ومي زيادة « كلمات وإشارات» (1922)، ويُجايلهم كتاب « الغربال» (1923) لميخائيل نعيمة من مهجره الأميركي، وكتاب « خواطر مصرّحة» (1924) لمحمد حسن عواد الذي أصدره في فترة القلق الحجازي بجدَّة.

أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التحرُّر الشعري، ويمثِّلها صدور ديوان « الشفق الباكي» (1927) لأحمد زكي أبو شادي، ومن ثم تأسيس مجلة « » (1932 - 1934) في القاهرة، وإسهامات شاعرَيها البارزَين: إبراهيم ناجي وعلي محمود طه، وبيان « الشعر المنثور» (1934) لحسين عفيف، وصدور بيان « يحيا الفن المنحط» (1938) لجورج حنين، وتأسيس جماعة « الفن والحرّية» (1939) السوريالية الاتجاه.

والمرحلة الثالثة صدور مجلة «القيثارة» (1946 – 1947) في اللاذقية، حيث استطاعت احتواء الشكل الشعري الانقلابي على مرحلتها، وهو شعر التفعيلة وقصيدة النثر. ويمكن اعتبار الاتجاه العام لهذه المجلة حاملاً لبذرة هيَّأت الطريق لمجلة « شعر» (1957 - 1967) في بيروت، في بيانات شعرائها مثل أنسي الحاج وأدونيس، التي ستُشكِّل صورة المرحلة الرابعة بدعم من مجلة « مواقف» (1968 - 1994) بين بيروت وباريس، وتُوازيها « جماعة كركوك» (1964 - 1968) في العراق، ومجلة « غاليري 68» (1968 – 1971) في القاهرة.

المرحلة الخامسة يمكن حصرها في فترة ظهور جماعة مجلة «إضاءة 77» (1977 – 1978) في مصر وصولاً إلى بيان « موت الكورس» (1984) لقاسم حداد وأمين صالح، وتأسيس مجلة « كلمات» (1987) في البحرين.


مجلة «القيثارة»

تضم «جماعة الشعر الجديد» التي أصدرت مجلة « القيثارة»، نخبة من المثقفين السوريين، فمنهم الطبيب والمحامي والمهندس. وقد وُضع اسم المجلة تحت ترويسة « منشورات جماعة الشعر الجديد». وعُرِّفت بأنها رسالة شعرية فنية، ولم تُوضع فيها أي إشارة إلى هيئة تحرير سوى أنه تصدرها لجنة بإشراف المحامي عبد العزيز أرناؤوط.

وفي افتتاحية العدد الأول، يُبرِّر أصحاب «القيثارة» سبب إصدار المجلة بقولهم: « ونكاد في هذه البلاد لا نعرف أوقات الاغتباط الروحي والمرح النفسي ولا نحاول في ساعة من ساعات الفراغ أن نتخلص من الكلفة المعقَّدة التي يفرضها علينا المجتمع والتي أصبحت بتأثير العادة لاصقة بنا. ولا نعرف كيف نهيّئ لحواسنا جواً مريحاً ممتعاً تفيء فيه إلى أفراح الفن. وما يرافق هذه الأفراح من نشاط وتجدُّد وتطوُّر وانسجام. إذ تنقصنا الثقافة الفنية الرفيعة، الذاهبة صُعُداً شطر آفاق الحق والخير والجمال».

وحين نتساءل لماذا العناية بالشعر دون سواه؟ تُجيبنا لجنة تحرير المجلة: «لهذا أقرَّ رأينا على إصدار هذه النشرة، ورأينا أن نخصِّص للناحية الفنية الأكثر وضوحاً واستقراراً في بلادنا، وهي الشعر، أرحبَ حقل من حقولها تمرح فيه عرائس الشعراء وخيالات القراء طليقة هانئة».

وعندما نردُّ بأن هناك صحافة يمكن أن تكون حاضنة للشعر، يأتي الجواب: «ليس في صحفنا الأدبية الفنية على كثرتها صحيفة نذرت القسم الأكبر من صفحاتها وجهودها في إظهار الفن الشعري بحلَّته الجديدة وهو التراث الأول ويكون الوحيد في تاريخ أمتنا الثقافي».

قُسِّمت أبواب المجلة كالآتي:
- «ألحان القيثارة» (النصوص الشعرية التناظرية والمرسلة) وستتحوَّل في العدد الثاني إلى «في رياض الشعر».
- «لآلئ منثورة» (نصوص الشعر المنثور).
- «ألحان الريف» (نصوص الشعر العامِّي).
- «باقات من الشعر العالمي» (نصوص شعر مترجمة).
- «تطواف الفراش» (منتخبات شعرية حديثة وقديمة).
- «شاعر قديم».
- «الفنون الجميلة» (مقالات في الموسيقى والمسرح).


اسم أدونيس!

في العدد الأول من المجلة ظهرت قصائد تناظرية ومرسلة وتفعيلة لكل من الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي، والشاعر السوري نديم محمد (1908 – 1994) الذي نشر أول أناشيد ديوانه الأشهر « آلام» وسيستمر في نشرها حتى العدد الحادي عشر، وبديع حقي (1922 - 2000)، وكمال فوزي وإبراهيم منصور. بينما نشرت نماذجَ من الشعر المنثور باسم عبد العزيز أرناؤوط، وجوهرة نعمان، وفاضل الكنج. ومن الشعر العامِّي: ميشال طراد ومالك طوق ورشيد نخلة. ومن الشعر الأوروبي: ستيفان مالارميه ورونسار. أما المنتخبات الحديثة فهي لخليل مطران والأخطل الصغير، والقديمة للشريف الرضي والمنخّل اليشكري.

زاوية «شاعر قديم» كتبها عبد اللطيف سعود عن المتنبِّي، بينما كتب في زاوية « الفنون الجميلة» محمود عجان عن الموسيقى، وأديب طيّار عن المسرحية في التاريخ والفن.

وتتوالى - بعد العدد الثاني الذي لا يختلف كثيراً عن العدد الأول - الأعداد الأخرى لتظهر لنا أسماء جديدة، مثل نزار قباني، فتُضاف زاوية بعنوان « آراء وخواطر» ويكتب فيها عن قضايا الكتابة واللغة والشعر، مثلما ورد في العدد الثالث « نظرات في الشعر» لعزيز أرناؤوط، وجحود اللغة العربية لمحمد مندور، والتعبير والوحي لإميل فرهارين.

ويظهر في العدد الرابع شعراء مثل بشارة الخوري من لبنان وعزيز أباظة من مصر. ويكتب إيليا أبي ماضي نقداً للنشيد السوري. كما أن باباً جديداً بعنوان « وشوشات» أُضيف إلى آخر العدد، وهي لقطات سريعة ما بين تعليقات وأخبار ثقافية، ومنها أنه قد ورد المجلة انتقادٌ من المحامي عيسى سلامة يقول فيه: « أتمنى على شعراء القيثارة لو رغبوا عن الشعر الغزلي إلى شعر البطولة والملاحم القومية».

ولو طالعنا العدد التالي لوجدنا التأكيد على هذا الشعر الغزلي من خلال استعراض عناوين القصائد: آلام، الخائنة، ابتسامة، دموع، حب الحياة، زفرة، من وحي الربيع، الغرام الحبيس، إغفاءة هادئة، حرمان، أمل.
وفي كل عدد يظهر اسم شاعر من الشعراء المكرَّسين مثل بدوي الجبل وصلاح الأسير وعمر أبو ريشة، أو الجدد (آنذاك) مثل سعيد عقل ويوسف الخال وعلي أحمد سعيد الذي كان قد ادَّعى أن المجلة لم تنشر له إلا عندما استخدم لقب «أدونيس»، ولكن هذا غير صحيح إذ نُشرت مادته باسمه الأصلي!

أيضاً نشرت «القيثارة» لكاتب جديد مثل زكي مبارك، كما أنها ستتجاوز في أعدادها اللاحقة تناوُل شعراء قدامى مشهورين نحو شعراء أقل شهرة، ممن يُصنَّفون كشعراء أقليات مثل: البازياري، والمكزون.

ومن المواد البارزة في العددَين الثامن والتاسع مبحث مهم بعنوان « رأس شمرا أو مدينة أوغاريت: الفكر والملاحم الشعرية في العالم» لمفيد عرنوق. وخلافاً لعادة الاحتفاء الممجوج بشعراء فرنسيين وأميركيين مكرَّسين، فقد كُتب تعريف في الشاعرة هيلانة فاكرسكو، ونُشرت ترجمة لأكثر من نص شعري لها (شرود، نشيد حربي، حلم ليلة، البطل). كما وُضعت مقالة عن الرسام رافائيل. وفي ختام العدد التاسع يظهر اسم إسماعيل مظر كاتباً لمقالة بعنوان «صحافتنا تنحدر».


التبشير بالسوريالية السورية

تميَّز العدد العاشر من «القيثارة» بأنه تبنَّى الشعر السوريالي في سوريا والذي كان تجربة رائدة لكل من الشاعرَين السوريَّين: علي الناصر (1894 – 1970) وأورخان ميسّر (1914 – 1965) من خلال ديوانهما المشترك « سريال وقصائد أخرى» (1948). ويُذكر أن الشاعر الناصر أصدر ديوانَين: « قصة قلب» (1928)، و« الظمأ» (1931)، وقد وردت قصائد من شعر التفعيلة في الثاني ليُعدَّ من روَّاد التجديد الشعري في سوريا.

وفي تقديم نموذجَيهما من الشعر السوريالي ذكر المحرِّر: « يُبشِّر الأديبان الأستاذ أورخان ميسَّر والدكتور علي الناصر بمدرسة جديدة من مدارس الرمزية، لم يتعرَّف الأدب العربي إليها بعد، هي (السوريالية) أو مدرسة ما وراء الواقع. (...) والمعلوم أن فناني هذه المدرسة وأتباعها ينهلون من نبعة (اللاوعي) أو العقل الباطن في التعبير عن أحاسيسهم الخفيَّة الدقيقة وأفكارهم الغامضة العميقة، ويُسبغون على آثارهم خيالات رمزية زاخرة بالألوان، وأجواء غنيَّة بالتهاويل والظلال والألحان...».

وقد نُشر لميسَّر نص «أنت في رؤاي» مما يقول فيه:
«تمثَّلت في رؤاي
نجمة كلها أعين
تشع ألواناً كاللحن
برقعها الشفاف، ووشاحها الفضفاض
يلامس أطرافها نثار الغيوم
تعلو وتنخفض سادرة في ظلال السراب
سراب الشوق».

ونُشر أيضاً نص للناصر بعنوان « شطر العدم الخالق»، مما يقول فيه:
«أنا في طريق لا أكيز له أولاً ولا آخر
ولكن خطواتي تُساق فيه...
أقذار وأوحال... أشواك وعثرات
أوحال وأقذار تتراكم بالخطى
الخطوة في البدء هوجاء رعناء...
والساق لا تشعر بالقذر».

في العدد الحادي عشر، ما قبل الأخير، وُضع بيان متأخِّر يبدو أملت صياغته ظروف سياسية، فقد ذُكر فيه:
1- إننا نفتخر بأن نكون من معتنقي مبدأ « النظر إلى ما قيل لا إلى من قال».
2- كل مَن ينشر في «القيثارة» مسؤول - وحده - عن آرائه وأفكاره وكتابته.
3- باب النقد مفتوح أمام الجميع.
4- «القيثارة» وقف على المؤمنين بنبل الرسالة التي يؤدِّيها الأدب للحياة. وهي أولاً وأخيراً، للفن، والفن الصافي وحده.

في العدد الأخير من المجلة حيث لا إشارة إلى ذلك (!) تُطالعنا نصوص شعرية ستكون شهيرة لكل من سعيد عقل « أجمل من عينَيك»، لعلي محمود طه « اعتراف» والتي ستُعرف بـ« حديث قبلة». ونشر أحمد الجندي قصيدة « دمعة ورحمة» في رثاء الشاعر إلياس أبو شبكة. وفاجأنا الرسام الشهير فاتح المدرّس بقصيدة من الأدب السوريالي بعنوان « الأميرة» وهي من ديوان « يُعدُّ للنشر» بعنوان « ابن الأرض». وسيُختم هذا العدد (الأخير) بمقالة « الوعي في الشعر» من الناقد سيّد قطب... قبل تحولاته العصابيَّة.



«الغاوون»، العدد 42، 10 أيلول 2011​

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المؤرخ البريطاني -الامريكي يوجين روغان Eugene Rogan واهتماماته بتاريخ العرب الحديث

  المؤرخ البريطاني -الامريكي يوجين روغان Eugene Rogan واهتماماته بتاريخ العرب الحديث الدكتور يوجين روغان، المؤرخ البريطاني المتخصص بتاريخ ا...